بعد فشل أساليب القمع المباشر والحرب العنصرية / تركيا: إجراءات قضائية لحظر نشاط حزب الشعوب الديمقراطي


رشيد غويلب
2021 / 3 / 22 - 23:55     

بعد فشل كل أساليب القمع المباشر بكل أشكاله الجسدية والنفسية، وكذلك فشل الحرب العنصرية ضد السكان الكرد، الذي اعتمدته حكومة حزب العدالة والتنمية بزعامة اردوغان، للحد من نشاط حزب الشعوب الديمقراطي، الذي يعد أحد أهم قوى اليسار في تركيا الناشطة بفعالية في البرلمان وخارجه، هدد زعيم حزب الحركة القومية العنصري دولت بهجلي وشريك اردوغان في التحالف الحاكم، منذ أسابيع، بحظر نشاط حزب الشعوب الديمقراطي. ووفق وكالة انباء الأناضول الرسمية، قدم المدعي العام التركي بكر شاهين في 17 اذار الجاري طلبا للمحكمة الدستورية لحظر ثاني أحزاب المعارضة البرلمانية في البلاد.
وتضمنت لائحة الاتهام، اتهام حزب الشعوب الديمقراطي بالدعوة: “قولًا وفعلًا لتدمير وإلغاء وحدة الدولة والأمة غير القابلة للتجزئة”. وان الحزب يعمل كـ “ذراع” في البرلمان لـ “المنظمة الإرهابية”، هي حزب العمال الكردستاني. ويُتهم الحزب المعارض بعدم الولاء لتركيا. وتقدم المدعي العام كذلك، بطلب لفرض حظر لمدة خمس سنوات على الأنشطة السياسية ضد 687 من أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي، بما في ذلك رؤساء الحزب الحاليون والسابقون مثل صلاح الدين دميرتاش، المسجون منذ عام 2016. وكذلك مصادرة ممتلكات الحزب وأمواله.
ويتطلب قرار حظر الحزب، أغلبية ثلثي الأصوات في المحكمة الدستورية. ولن يقترن قرار حظر الحزب تلقائيا بإلغاء عضوية نواب الحزب البالغ عددهم 56 نائباً، الذين سيكونون نوابا مستقلين في البرلمان، ويمكن أن ينظموا إلى أحزاب أخرى.
وأعلن عن بدء إجراءات الحظر بعد ساعات قليلة من الغاء عضوية النائب عن الحزب عمر فاروق أوغلو. وهكذا مُهد الطريق لسجن المدافع عن حقوق الإنسان، الذي حُكم عليه بالسجن لمدة عامين ونصف بسبب دعوة للسلام تم نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتم تفسيرها على أنها “دعاية إرهابية”.
ورد النائب عمر فاروق أوغلو، وهو مواطن تركي، وينحدر من خلفية دينية محافظة، على قرار الغاء عضويته في البرلمان، بشعار حركة التحرر الكردية “المقاومة تعني الحياة”.

حزب العدالة والتنمية يسيّس القضاء
رئيسا حزب الشعوب الديمقراطي برفين بولدان و ميثات سنكار أكدا في أول رد فعل لهما على ما حدث: أن “حكومة حزب العدالة والتنمية جعلت القضاء مرتبطا بها وتستخدمه كعصا لتشكيل اللوحة السياسية”. و “هذه الحكومة ستدخل التاريخ باعتبارها حكومة انقلابية”.
وخلال 3 عقود، تم حظر ستة أحزاب تمثل حركة التحرر الكردستانية في تركيا. وعلى عكس أسلافه، نجح حزب الشعوب الديمقراطي، في أن يكون حزبا متنوع الرؤى الفكرية في مناطق كردستان تركيا، ومشروعا لحزب يساري لعموم تركيا، فهو تحالف يضم إلى جانب الكرد منظمات وشخصيات يسارية تركية، وبهذا استطاع الحزب تجاوز مشكلة العتبة الانتخابية (10 في المائة)، وغيّر اللوحة السياسية في البلاد، وأصبح بوابة لدخول قوى اليسار إلى البرلمان الوطني. ومن هنا فان سياسة قمعه وحظر نشاطه تتعدى كراهية الحكومة التركية العنصرية للكرد، لتمثل ضربة لعموم قوى اليسار في تركيا. وفي السنوات الأخيرة تم سجن قرابة 10 آلاف من أعضاء الحزب وعزل رؤساء بلديات يمثلونه في 48 مدينة وبلدية في المناطق الكردية واستبدالهم بإدارات قسرية.
رفض لإجراءات السلطة
لقد جاء رد كمال اوغلو زعيم أكبر أحزاب المعارضة، حزب الشعب الجمهوري المعارض (كماليون) على إجراءات الحظر، خلال أحد الاجتماعات واضحا: ان “الحزب الذي يحظى بدعم شعبي يستمر، لكن الحزب الذي لا يحصل على هذا الدعم ينتهي به المطاف إلى مزبلة التاريخ”. وأشار زعيم حزب الشعب الجمهوري إلى الحظر الذي فرض على حزبه بعد انقلاب 1980، والذي أدى إلى مصادرة ممتلكات الحزب. ومع ذلك، واصل الحزب نضاله من أجل الديمقراطية: “الدفاع عن الديمقراطية يعني الدفاع عن حقوق الإنسان وحريته، وضمان أمن وحياة وممتلكات الناس واحترامهم”.

ردود فعل دولية
وذكرت وسائل اعلام ألمانية أن وزارة الخارجية الأمريكية اشارت في تصريح لها أن هذا الحظر يقوض إرادة الناخبين والديمقراطية في تركيا، ويحرم الناخبين من ممثليهم المنتخبين. ومن جانبها قالت الحكومة الألمانية إنها تنظر بقلق شديد إزاء الحظر، الذي تعده مبالغا فيه، وفي الوقت نفسه طالبت الحكومة الألمانية حزب الشعوب الديمقراطية بتمييز نفسه عن حزب العمال الكردستاني. ولكن على الحكومة التركية أن لا تقلق بشأن عقوبات أوربية. ويرتبط غض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان في تركيا بالصفقة الموقعة مع اردوغان لمنع وصول اللاجئين إلى الشواطئ الأوربية. بالإضافة إلى ذلك دان نواب يساريون في البرلمان الأوربي رفع الحصانة عن النواب اليساريين في تركيا. وستتناول القمة المقبلة للاتحاد الأوروبي 25 - 26 آذار العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي. وسيلقي قمع المعارضة ورفض إطلاق سراح صلاح الدين دميرتاش، استجابة لقرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بظلاله على مجريات القمة. هذا وقد عبرت العديد من قوى اليسار الأوربي عن رفضها سياسات القمع المتواصلة في تركيا.