رواية (( امبراطورية الثعابين )) للروائي احمد الجنديل


حميد الحريزي
2021 / 3 / 21 - 13:26     

رواية (( امبراطورية الثعابين )) للروائي
احمد الجنديل



بقلم الآديب:- حميد الحريزي


((ايها الرب لنبحث أنا وأياك عن وطن : ماله منهوب ، وشرفه مسلوب ، ورأسه مقلوب مثل وطني )) ص146
ساجدة وجنان الشخصيتان الرئيسيتان في رواية (امبراطورية الثعابين)، ساجدة فتاة من عائلة فقيرة تمتلك جسد يضم كل مغريات الفتنة والجمال ومحرك رؤوس اللذة بين افخاذ الرجال ، ساجدة تلميذة مجتهدة في التعليم ، وتلميذة مجتهدة في مدرسة العهر والقوادة مستوعبة لدروس استاذتها جنان ...
جنان تمتلك خبرة غير عادية في طباع الرجال وعلى الأخص رجال السلطة من حديثي النعمة والثراء، أصحاب السلطة والمال من السراق والشواذ ممن كانوا يتسكعون في بلدان الغرب هروبا من جهنم حروب وهيمنة القبضة الحديدية للنظام الديكتاتوري المنهار على يد المحتل الامريكي ، أو انَّ بعضهم هرب من عقوبة يستحقها لانه سارق أو أرتكب جريمة مخلة بالشرف .. الخ
((كنت اقدم اللذة في أحدى الملاهي الليلية للزبائن ، وكان هو الاخر – سميع- السامون يقدم صنوفا من المخدرات للمدمنين عليها ، وعندما تم احتلال العراق ، اتصل سميع وطرح علي موضوع العودة الى العراق )) ص127 .
هذا نموذج من النماذج الذي حكمت وتحكمت في عراق الثروة والتاريخ والحضارة بعد الأحتلال حيث تمكن الأمريكان وبقية الحلفاء من تجميع هذه النماذج المبتذلة بأسم المعارضة للنظام ليشكلوا الطبقة السياسية الحاكمة في عراق مابعد الديكتاتورية بأسم الديمقراطية، يطالب سميع بالتعويض عن مظلومية من النظام السابق )) ص132 !!!
أصبح سوق الألقاب رائجاً في ظل الحكم الديمقراطي البرايمري مما جعل هذه المسوخ البشرية تسعى للحصول على هذه الألقاب ليشتروها بالمال فحصل البعض على لقب الدكتور والاخر تنكب لقب الشيخ ليضاف هذا الرأسمال الرمزي المزيف الى المال الحرام الذي يحصلون عليه من المتاجرة بالمواد الفاسدةـ بالأضافة الى مايحصلون عليه من عمولات كبيرة مقابل عقد صفقات استيراد مواد ومعدات لمؤسسات الدولة (صفقة أدوية بملايين الدولارات ) ص107 .
( التشارك في تجارة المواد الفاسدة ، البيض الفاسد ، اللحوم الفاسدة ، الحليب والدواء والزيت الفاسد )) ص133.
بالمقابل لم تكن (العاهرة) ساجدة عاجزة عن الحصول على اللقب العشائري المبجل الشريف النبيل فقد وفر لهاعهرها كنز الكثير من المال لتكون ابنة عائلة البركان صاحبة الماضي العريق وصاحبة السطوة والمال ، حصلت على هذه المكانة الرفيعة عبر أمتهان الدعارة وبيع الجسد والتنقل بين احضان الاثرياء ، أرادة ساجدة ان تبني عرشا يضاهي عروش الأثرياء والوجهاء التي علمت انما هم حثالة من الناس بنوا القابهم وكنزوا أموالهم بطريقة الزيف والحيلة والفساد ،تخاطب اهلها بعد بنت لهم صرحا معماريا شامخا ورسمت لهم شجرة نسب رفيع قائلة ( أريد أن أثبت لكم أن ابنتكم مثال الشرف والعفة أن شطارتها تفوق شطارة الجميع )) ص153 وهنا يريد ان يقول الراوي ان لاتغرنكم الألقاب والشهادات التي بنيت أغلبها على السرقة والكذب .
فتحت ساجدة كنوز جسدها للعشاق المتصابين من أصحاب الثروة ليفتحوا لها كنوز حقائبهم المتخمة بملايين الدولارات ، تربعت ساجدة على عرش ثروة سميع السامون بعد ان أفتض بكارتها في بيروت- أثناء سفره الى بيروت في مهمة توفير الطاقة للبلد - بعد طول ممانعة من قبلها للحفاظ على عذريتها وهي القائلة ( اغادر بيروت نعجة معطوبة ، بعد ما دخلتها غزالة تتباهى بحجابها الداخلي ، وتتبجح بانتصاراتها المتلاحقة على الرجال )) ص142 .
هكذا تنتهك أو تباع عذرية (ساجدة) من قبل الفاسدين وملاك الثروة والسلطة في زمن الدم قراطية، كما أنتهكت سيادة الوطن وسرقت ثروة الشعب حيث تقول ساجدة ( هذا الوطن المفدى هو الآخر أنتهكت عذريته وتمزقت بكارته وسرق حجابه الداخلي وراح يتنقل من حضن لحضن ) ص147 .
الطريف انَّ أغلب هذه الأفعال المشينة ، الفساد التجارة الفاسدة ، المضاربات ، الأحتيال كلها تجري بأسم الله والوطن ، بأسم التدين والوطنية ، حيث تستر هؤلاء السراق ، شذاذ الآفاق بستار الدين والأعمال الخيرية واللتضحية من أجل الوطن والشعب ، فاسسو لهم وكراً للعهر والقوادة والضحك على الذقون وأصطياد فرائسهم من الفتيات الجميلات عبر (( مؤسسة الزعفران لتوفير فرص العمل للعاطلين ورعاية الأيتام والأرامل ) ص24 . هكذا تنتشر الرذيلة ويغيب الصدق وتتفرعن الغربان لتمثل دور النسور والثعالب تتمثل دور الأسود ( عندما يكون الصدق غائباً عن الحياة تتحول الصقور الى بوم ،وتمسخ الصقور الصلعاء الى غربان ) ص41.
فكان فرسان هذه المؤسسة هم شلة الفساد والجريمة والدعارة وانتهاك حرمة الفتيات ومقدسات الوطن
- الدكتور سميع الدهان رئيس مجلس الادارة .
- أدم المطري مسؤول الشؤون المالية والادارية .
- الدكتور أرشد الازعر أمين سر المؤسسة .
- الاستاذ طارق الاغا ...
هؤلاء جميا هم من كانوا يتنعمون بجسد ساجدة وغيرها من الفتيات مقابل نثر الدولارات على مفاتنهن فوق سرير اللذة ـ؟ هؤلاء أشباه الأُميّن الذين لم يحصلوا حتى على شهادة الأعدادية ألا بالتزوير
بعد ان ْاطلعت (ساجدة) على أقطاب مؤسسة هذه الجمعية التي عينت موظفة فيها ، اكتشفت انَّم هم من تتنقل بين أحضانهم وهم الغارقين في مستنقع الرذيلة والفسوق ، ليتحولوا الى ملائكة رحمة ودعاة للفضيلة والطهارة وعمل الخير من على منصة الأحتفال بمناسبة الذكرى الرابعة لأطلاق المؤسسة بمبادرة من سميع السامون ، مما يدفع ساجدة لمخاطبة الله قائلة :-
( ايها الرب ، لنبحث أنا وأياك عن وطن : ماله منهوب ، وشرفه مسلوب ، ورأسه مقلوب مثل وطني )ص146 .
في وطن يُعيَّن فيه (نجاح) المتجلبب بجلباب الدين ، الرجل النصاب المحتال السارق لأموال الناس بأسم التجارة النظيفة والربح الحلال ، ليهرب خرج العراق ، يعين ( ملحقا ثقافيا في أحدى الدول ) ص134
لا يسعنا القول الا الله في عونك ايتها الثقافة عندما يتولى أمرك مثل هذا اللص الشبه أُمي أبجديا الأُمي ثقافيا ، ليمثل ثقافة بلد مثل العراق له تاريخ يمتد لآلاف السنين من الحضارة والفكر والثقافة ومعلم البشرية أول حرف للكتابة ( في زمن الفوضى تنتعش أنصاف الحمير )ص118 .
وهل هناك من من فوضى أشد هولاً من الفوضى التي يعيشها وطننا في زمننا الحاضر ، الفوضى التي أرادها المحتل أنْ تكون (فوضى خلاقة ) ، ولكن خلاقة لأي شيء ولأي قيم ، انَّها خلاقة للفساد والخيانة والزيف ، لينتعش الحمير وأنصاف الحمير ويعتلوا أعلى المناصب وليحصلوا على أكبر المناصب ، بدون خجل أو حياء أو شعور بالمذلة والقذارة والدونية ف( الشرف عندما يغادر يأخذ الحياء معه ) ص119 .
فأخذت هذه الطبقة الفاسدة تتسابق من أجل المزيد من السرقة من أموال الشعب تحت مختلف الذرائع والمررات المزيفة ، فقد أصبح المجرم والسارق مجاهدا والشاذ مناضلا يطالب بالمناصب والمكاسيب كتعويض لنضاله ؟؟؟!!
تكون مصلحتهم هي الأولى وفوق كل القيم (الجميع في هذا الزمن يمارس السرقة وفق ما تمليه مصالحه ) ص129 ، فلاغرابة أذن ان تسرق أم ساجدة بعض المال من غرفة سيدها (عبد الله القوشتار عند وفاته ، فانَّ كان مبرررها الفقر والفاقة فلا مبررلهؤلاء المسوخ غير الخسة والنذالة ، فلم يسرقوا عن جوع وأنَّما سرقوا عن لصوصية وطمع .
ساجدة من عائلة فقيرة معدمة تعيش الفقر وضنك العيش هي وعائلتها ، وهي تلميذة تلاحظ مدى ترف وتمتع الطالبات الثريات بأفخر الملابس والمجوهرات والسيارات الفارهة وكل مظاهر الثراء والبذخ وهي المحرومة الفقيرة .
تطلع على سر أمتلاك الثروة والمال في بلد الفوضى من زميلتها ومعلمتها (جنان) الخبيرة في فن الدعارة والعالمة بنفسيات الرجال من مالكي الثروة والمال ( الرجال مثل ثيران المصارعة كلاهما يثيره اللون الأحمر ) ص16 .
فكانت (ساجدة) أكثر شطارة من معلمتها في أستغلال اللون الأحمر حينما يلف مفاتن جسدها بالغ الأغراء والأنوثة ليسجد عند قدميها أكبر رؤوس أصحاب الثروة والجاه والمناصب من أصحاب الألقاب والأنساب المزيفة .. فتمكنت بذلك من تشييد أمبراطوريتها العملاقة لتضاهي أكبر وأعتى أمبراطوريات الثعابين انَّها أمبراطورية عائلة البركان التي بنيت بما كسبته مكحلة ساجدة من رزم الدولارات ، حتى انَّها لم ترتق فتق مكحلتها بعد زواجها من الفاتق الأول الدكتور سميع السامون وتستولي على كل أملاكه ومقتنياته بعد انْ قُتِلَ برصاصات غريمه ومنافسه الأكبر الأزعر ، وتتزوج من الدكتور عميد الجامعة بعد أنْ حصلت على شهادة الدكتوراه برعايته ونفوذه بعدما بلغ به الهيام أشده بجسد ومفاتن ساجدة ، فأكتملت لديها كل مستلزمات الأمبراطورة ، فقد أستطاعت ان تحرق المراحل وتعتلي عرش أمبراطوريتها الشامخة (الحياة أصبحت تسير على طريقة حرق المراحل السريعة ) ص151 .
بعد انْ طهرت جسدها كما تتوهم في بحر بيروت ، فقدعاشت هناك في الفندق نفسه الذي أُنتهكت فيه أو باعت فيه عذريتها للسامون قبل أن تتزوج العميد .
السؤال هل قامت به ساجدة فعلا مشروعا ورداً مقنعا ضد قوى الأستغلال والرذيلة ؟؟
طبعا هنا للوعي الأثر الكبير في طريقة المواجهة اما عبر مفهوم (الغاية تبرر الوسيلة ) وهو شعار الكثير من السراق واللصوص والعاهرات المقهورات على مايتعرضن له من قهر وحرمان من قبل الطبقات المستغلة ، أو سلوك طريق الكفاح الثوري الواعي الساعي الى بناء مجتمع العدالة والمساواة ليس للفرد وحده وأنما لكل المجتمع وهذا هو طريق المناضلين الذي قدموا التضحيات الكبيرة ومازالوا لبلوغ هذا الهدف السامي والنبيل .
لقد أراد الروائي البارع المسكون بهموم الشعب والوطن ومعاناة فقرائه وكادحيه ، أراد أن يمزق اقنعة أدعياء الفضيلة والشرف وملاك الثروة والجاه وكشف حقيقتهم وفسادهم وطرقهم القذرة في جمع الثروة والمال بأسم الله والوطن والشعب ، وأن الله والشعب والوطن منهم براء ، هؤلاء الذين باعو كل شيء الدين والقيم والوطنية والشرف مقابل كنز الثروات ( الجميع يقسم بشرفه في عالم لا شرف له ) ص156.
هذه الرواية تكمل ما قدمته لنا رواية الجنديل (63) حول حال المواطن الشريف في عراق الديكتاتورية والديمقراطية ، وفضح زيف الوجوه القذرة من أدعياء التدين ك(الشيخ علوان )) في ال ثلاث وستون أو الدكتور سميع السامون وشلته في امبراطورية الثعابين ، على الرغم من أن القاريء يصل الى شبه قناعة الى صعوبة الخلاص من هذه الأوضاع المزرية لعراق ما بعد ((التحرير )) حيث لايجد الاستاذ (( مؤيد عبد العظيم )) الا الموت ليبقى محافظاً على مبادئه ونقاوته ، بينما تبيع (ساجدة) شرفها وعذريتها لتصطف في طابور الزيف والخيانة .
كان الروائي موفقا تماما في السرد الروائي من حيث الثيمة ومن حيث المبنى والمعنى وبلاغة المفردة ، تحتسب له فطنته وجرأته في ما طرحه من صور وسلوكيات وتداعيات الصراع الداخلي لشخصياته الروائية سواء الرئيسية أو الثانوية .