معركة -الكرامة-


الطاهر المعز
2021 / 3 / 20 - 20:30     

ذكرى معركة الكرامة - 21 آذار/مارس 1968- 2021

الإطار العام لهذه الذّكرى:
أنشأت بريطانيا إمارة شرقي الأردن، قبل مائة عام، في إطار تنفيذ مخطط "سايكس – بيكو"، الإستعماري، البريطاني –الفرنسي، وما "وَعْد بلفور" سوى جزء من هذا المخطط، وكان تأسيس ودور كيان "الأردن" (ولا يزال) مشبوهًا، لكن الجيش الأردني لعب دورًا إيجابيا واحدًا في تاريخه، وذلك خلال معركة "الكرامة"، حيث أدّى التحام المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني وسُكّان المنطقة إلى دحر جيش العدو الصهيوني الذي هاجم ودَمّر القرية (كعادته) لكنه اضطر إلى الإنسحاب...
تحل ذكرى معركة "الكرامة" هذا العام، بالتزامن مع نشر تفاصيل "اتفاقية التعاون الدفاعي الأردني الأميركي"، التي تسمح للجيش ولموظفي ومُعدّات (طائرات وسُفن وعَرَبات...) وزارة الحرب الأمريكية باستخدام المجال الجوي والمياه الإقليمية والمعابر، وبحرّية التنقّل، وحمل السلاح، مع إعفائهم من الضرائب أو أيّ رسوم أخرى، وإعفائهم من أي ترخيص أو تفتيش...
تأتي هذه الذكرى أيضًا بعد عشر سنوات من فض اعتصام عَمّان في الرابع والعشرين من شهر آذار/مارس 2011، أمام وزارة الدّاخلية، وفي ظل ارتفاع غير مسبوق لأسعار المواد الأساسية، وانتشار واسع لفيروس "كورونا، واحتجاجات وقمع مُستمر منذ حوالي سنة، ما يجعل هذه الذّكرى تمر مغمورة وَسَط حملات القمع...

بعض وقائع الحَدَث:
عَبَر حوالي 15 ألف جندي من قوات جيش الإحتلال الصهيوني نهر الأردن من عدة مَحَاِور، من أقصى شمال الأردن إلى جنوب البحر الميت، فجر يوم الأحد 21/آذار/مارس 1968، تحت غطاء جوي كثيف، وفي قرية "الكرامة"، اشتبك الفدائيون الفلسطينيون بدعم من سكان المنطقة ومن قوات الجيش الأردني، مع جيش الإحتلال لفترة 16 ساعة، إلى أن طلب جيش الإحتلال وقف إطلاق النار، وانسحب دون أن يتمكن من سحب الآليات والدبابات المُعطبة والقتلى،ة وقدّر "مركز المعلومات الوطني الفلسطيني" و "وكالة وفا" خسائر الجيش الصهيوني بنحو سبعين قتيل وأكثر من مائة إصابة، وتدمير عشرات الآليات، بين دبابات وسيارات شحن، وغير ذلك، مقابل استشهاد 17 فلسطيني، و20 جندي أردني وإصابة 65، إضافةً إلى الخسائر المادية، وقَدّرَ رئيس أركان الجيش الصهيوني الخسائر المادية بثلاثة أضعاف خسائر حرب حزيران/يونيو 1967، ضد جيوش ثلاث دول عربية...
حدثت هذه المعركة، التي اختار توقيتَها جيش العدُوّ، بعد تسعة أشهر من هزيمة جيوش الأنظمة العربية، خلال عُدْوان الخامس من حُزَيْران/يونيو 1967. أما الفدائيون الفلسطينيون فقد واصلوا عملياتهم التي قُدّرت بنحو 44 عملية اشتباك مع جيش العدو، بعد احتلال الضفة الغربية، وحتى معركة الكرامة.
كثّف الجيش الصهيوني دورياته وطلعات طائراته الحربية، على طول نهر الأردن، وكثّف القصف الجوي والمدفعي، قبل معركة الكرامة، بهدف القضاء على مواقع الفدائيين الفلسطينيين، وربما لاحتلال أجزاء من المناطق الحدودية للأردن، ما جعل قيادات منظمات الفدائيين والجيش الأردني في حالة تأهّب واستنفار، فكان ذلك أحد عوامل فشل العدوان الذي تصدّى له الفدائيون، بدعم من السّكّان والجيش الأردني، الذي تجاوز (مُؤَقّتًا) خلافاته مع الفدائيين، لتكون "كل البنادق موجّهَة ضد العدو"...
لم يتمكّن جيش العدو من السيطرة على كافة الجُسُور ومناطق العُبُور، ما أفقده عنصر المفاجأة الذي ساعده على إلحاق الهزيمة بالجيوش العربية، سنة 1967، ونفّذ عملية إنْزال في قرية "الكرامة" (التي تستخدمها المقاومة الفلسطينية كقاعدة انطلاق العمليات الفدائية) وتمكّنت مدفعيته وطيرانه الحربي من تدميرها، غير أن الفدائيين خاضوا معركة بالسّلاح الأبيض مع الغُزاة الذين اضطرّوا إلى الإنسحاب.

استخلاصات:
شكّلت معركة الكرامة نقطة تحول في تاريخ النضال الفلسطيني، والتلاحم بين الجيش الأردني والفدائيين، غير أن ذلك لم يُعمّر طويلاً، حيث ارتكب الجيش الأردني مجازر فظيعة ضد الفدائيين واللاجئين من سكان المخيمات، لكن التأثير النّفسي لمعركة الكرامة على الجماهير الفلسطينية والعربية كان إيجابيا وكبيرًا، لأن الجيش الصهيوني لم يكن ينتظر مثل ذلك الصّمود، وشكّلت معركة الكرامة "نقطة تحوّل كبيرة" بحسب تصريح الماريشال "غريشكو"، رئيس أركان القوات المسلحة في الاتحاد السوفييتي.
كانت "معركة الكرامة" أول اشتباك عسكري مباشر وجهًا لوجه بين الجيش الصهيوني والمقاومة الفلسطينية، مسنودَةً بالجيش الأردني، وسكّان القرية، وشكّلت هذه المعركة مُحَفِّزًا للمقاومة، وبعثت الأمل في صفوف الشباب العربي، فارتفع عدد المتطوعين، وزاد اهتمام وسائل الإعلام الأجنبية بالمقاومة الفلسطينية، كما زادت تعبيرات الدعم والمُساندة من قِبَل منظمات سياسية ومجموعات أجنبية، من آسيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية، وارتفع عدد الشبان الأجانب المتطوعين للعمل الطّبّي والإنساني، في المخيمات وللتدريب العسكري في صفوف المقاومة الفلسطينية...
شكّلت معركة "الكرامة" رمزًا لمقاومة العدو والإلتحام بين المقاومة وأحد الجيوش العربية وسكان المنطقة، وأظْهرت أن المقاومة المُسَلّحة قادرة على رَدْع العدو الذي اعتاد على الإعتداء بدون رادع، وفَرْضِ شُرُوطه المُتمثّلة في الإستسلام، لكن قادة أركانه طلبوا وقف إطلاق النار، بعد ست ساعات من معركة "الكرامة" التي بدأها العدو، وهي سابقة، قبل غزو بيروت وخروجه منها، متوسِلا المقاومة عدم إطلاق النّار، ثم مغادرة جنوب لبنان دون تفاوض، ودون مقابل...
نذْكُرُ هذه المحطّات، لتكون دافعًا ومُحفِّزًا للمقاومة، ضمن برنامج تحرير وطني، فلسطيني وعربي، لأن القضية الفلسطينية هي عربية بالأساس، وهي كذلك قضية إنسانية عادلة، أي أُمَمِيّة، ضد الإحتلال والإستعمار الإستيطاني وضد ترحيل شعب بالقوة وإحلال قُطعان المُستوطنين مكانه...