ماركس الطبقي واوربا التحوليّة؟/12


عبدالامير الركابي
2021 / 3 / 19 - 14:42     

ينتمي ماركس الى الزمن العقل/ جسدي، العقل الأحادي الموافق للفترة التفاعليه الممتدة من بدايه تبلور الظاهرة المجتمعية التحولية، الى نهايه سطوة الأحادية ومفاهيمها، ونمط رؤيتها للحياة والوجود والمجتمعات، ولاشك بان منظر الصراع الطبقي، والمادية التاريخيه، هو احد اهم الدالات، واخر الإشارات الى نهاية الطور العقلي الأدنى التصيّري، ماقبل العقلي المتحرر من وطاة الجسدية الارضوية.
وماننوه به هو ضروره لامهرب من المرور بها، تلبي اشتراطات ضرورة اساس، ولازمه عضوية انتقالية مقررة، مع انتهائها تنتهي الظاهرة المجتمعية، وتصير مهيأة للاختفاء كما هو مقرر لها ومحكوم عليها ابتداء منذ ان وجدت، باعتبارها حالة انتقال أخير، ومحطة عبورمقررة، قبل بدء اكتمال أسباب الانبثاق النوعي العقلي، مافوق الجسدي الحيواني الارضوي، وهو ماقد انتهت اليه عملية الترقي الأولى الحيوانيه، مع الحيوان المنتصب الذي يستعمل يديه، قبل انبثاق شكل الخلقية النوعية العقليه، مافوق الحيوانيه/ "العقل"، بصيغتها الأولية الابتدائية، الامر الذي استمر معتبرا كحالة استكمال، متمم للوحدة الجسدية البشرية، وبالاساس، استبعاد واطراح واقعة الانتقال من الأحادية الحيوانيه، الى الازدواج ( العقل/ جسدي/ الانسايواني)، بخلاف الظاهر، ومايبدو من اندماجية شكلية، هي مجرد ضرورة وحالة لزوم متفق مع آليات واشتراطات صيرورة وارتقاء العنصر، او النوع الخلقي الجديد، في الفترة التي تسبق توفره على أسباب التحقق المستقل.
هل الكائن البشري كتله موحده، "العقل" من ضمنها ولزوم لكمالها مثل أي عضو آخر؟ ام ان انبثاق العقل الابتدائي، هو انتقال خلقي نوعي مافوق جسدي،، بمعنى ان "العقل" هو كينونة ونوع حيوي اعلى من الجسدية الحيوانيه، مستقلة بذاتها وخواصها، بغض النظر عن اندماجها الراهن المؤقت بالحيوان، وبالجسدية الارضوية؟ هاتان رؤيتان منفصلتان متباينتان عن بعضهما كليا، لكل منهما أسبابه ومترتباته، والاشتراطات المسوغة له، الأولى الادماجية، هي كل مايعرفه الكائن البشري عن ذاته الى اللحظة الراهنة، وعن مجال وحقيقة وجوده ومساراتها، وعن المجتمعية التي هو موجود في غمرتها، الامر الغالب الساري منذ ان صار البشر يفكرون أي يستعملون المخلوق الجديد. والثاني هو مايراد هنا التاسيس له، خلافا للشائع المتعارف عليه، المعتبربمثابة الوعي، ونوع اعقال العالم والوجود، وهو ماينتمي ل "قرآن العراق"، فكما ان الكيانيه البشرية ازدواجية، فان الادراك العقلي ازدواجي هو الآخر، متجلياته تمر ب، وتتراوح، بين جسدي ارضوي مؤقت، وعقلي نهائي تحققي مع افتراق أساسي بين تدرجات الخلقية الحياتيه في مستوى الوعي وادراك الذات والوجود، بين انعدامه واتصاله بالغرائز في الطورين الأول والثاني، وصولا لممكنات وعي وادراك الذاتيه والطبيعة في الطور الثالث.
والمفارقة الحرية بالتوقف، هي تلك التي يقوم العقل بانتاجها هو ذاته ضد ذاته وكينونته، فالجسدية العقلية بماهي البقية الحيوانيه المتخلفة من الطور الارتقائي النشوئي الحيواني الأول، لاتملك، ولاتستطيع وعي ذاتها ومحيطها، الامر الذي يقع على الموجود الجديد العقلي الاضطلاع به، من ضمن وبناء لاشتراطات كينونته وصيرورته باتجاه استقلاله وتحرره، ولن نتطرق هنا لكيفيات وتدرجات عمل العقل في الفترات غير الممكن الاستدلال عليها، ابان الحقب والازمان السابقة على مايسمى "الحضارة"، وبدء التدوين، والنطق اللساني، السابق على النطق العقلي، ومن ثم ماقبل الظاهرة المجتمعية التي يصير العقل خلالها وعندها، مهيئا لاجتياز اخر واعلى مراحل تصيره الضروري، قبل بدء عمليه انفصاله عن حامله الجسدي.
ومن غير المستطاع أصلا العثور على الدالات العقليه، وطريقة عمل المتوفر الاولي من المادة العقليه قبل تبلور الظاهرة المجتمعية، حتى نتعرف على اهم وابرز خاصية تواكب عمل العقل وقتها كما تتجسد في المفارقة العقلية المجتمعية، وفي قصور العقل وتوقفه دون ادراك منطويات المجتمعية، برغم اتفاقها مع اشتراطات الترقي العقلي، وكما الحال مع الجسدية، لايتمكن العقل من تجاوز الأحادية بما خص البنيات المجتمعية ادراكا، بينما يظل الازدواج المجتمعي غائبا عن الإحاطة العقلية، ومستعصيا غير وارد بلوغه، مع مايترتب على ذلك من قبول بما هو غير موافق للحقيقة التصيرية المجتمعية، الموجودة أصلا خدمة للعقل، ولاغراض وديناميات ترقيه، هي وكل ماتعرفه الحياة من يوم ظهور الطاقة العقلية، عندما تبدا الحياة بالخضوع من يومها، ومنذ شخوص العقل منبجسا، لاشتراطات الترقي العقلي.
ويجمل البشر اليوم مابعرف ب "العقل" وكانه ظاهرة توجد منذ لحظة انبثاقها، مكتملة ونهائية، غير خاضعه لاسباب الترقي، او كان ترقيها لاينطوي على استمراراماطة اللثام عما هو خارج الادراك راهنا، خلافا لما كان عليه وماخبره الحيوان خلال مراحل ترقيه، وهو يتحول من الخلية الأولى، وماشهده في الطريق الى الكائن المنتصب من تحولات عبر العضايا، واللبونات، الى القرود، مادفع احد الباحثين لان يضع كتابا تكون عبارة "الطريق الطويل الى الانسان " عنوانا له(1)، يوم كان كل شيء، وكل حضور البيئة الحيه، ميسرا لغرض رعاية وتامين أسباب العملية التصيرية الحيوانيه، وصولا بها لما قد بلغته مع ظهور العقل، أي الانتقال الى الطور، او النوع الحياتي الثالث، ليكتمل وقتها التراتب التتابعي الخلقي كما سبق واسلفنا. عبر : الحياة الجمادية الكوكبيه،أولا، وبعدها العضوية الحيوانيه، واخرها الراهن العقلي الأخير، الثالث السائر نحو الاستقلال والتجسد.
هذا مع ان العقل قد تسنى له أخيرا وبعد عشرات القرون من الحياة المجتمعية، ان يقارب التعرف على قصة نشوئيته الأولى الحيوانيه، ومع القرن التاسع عشر، تهيأ لدارون ان يقارب الارتقائية للكينونه الحيوية العضوية للحيوان، الامر الذي لايمكن تجاهل موقعه الحاسم كتأسيس لمجمل الرؤية الحية، بغض النظر عما يلازمها ويعتورها من قصورية قد تكون بعض جوانبها فادحه، كما هو الحال بالنسبة لانهاء مسار النشوئية عند اخر الطور الخلقي الحيواني، والقول بتوقف العملية النشوئية مع اكتمال العضو البشري، وبلوغه قمه ممكنات ارتقائه، الا مايتعلق بنوع الاستعمالية زيادة ونقصانا، كما الحال بالنسبة للذراعين، او للجمجمه التي يفترض وفقا للمنظور الاستعمالي المنوه عنه ان تتضخم مستقبلا، بينما يكون نصيب اليدين الضمور.
ودارون هو الآخر واحد من الادماجيين الاحاديين، الذين لم تتسن لهم القدرة على ادراك العتبه التصيرية الارتقائية الثالثة، او العليا العقليه، فتوقف دون ان يفترض او يحاول التفكير باحتماليه ان يكون ماهو بصدده، وماقد انكب عليه، هو عملية نشوئية أولى حيوانيه، تنتهي عند حد معين، لتبدا بعدها عمليه نشوئية أخرى، ثانيه عقليه، هدفها مغادرة الجسدية الحيوانيه الارضوية، وان هذه تبدا مع انبثاق العقل، وتبلغ عتبتها الأخيرة مع نهاية المجتمعيه، اخر محطات التصيرية النشوئية الثانيه.
ولعل ماقد جرت الإشارة اليه ولفت النظر باتجاهه يكون كافيا، وان بالحد الأدنى لقبول الفصل بين الطورين العقلي الجسدي الارضوي، والطور العقلي مابعد الجسدي، او المتحرر من وطاة الجسدية، وهو مايناظر مراحلا، ماقبل، ومابعد "قرآن العراق" الجاري هنا اعتماده والانتقال اليه، مع كل مايعنيه ذلك ويتطلبه من إعادة نظر بمجمل الرؤية المتداولة للحياة والوجود، والعلاقة بالاكوان العليا، ومايشمل حتما مجالات هائله من الموضوعات والقضايا، ليس من الوارد، ولا المطلوب التعرض لها مجتمعة ضمن افتتاحية انتقالية نوعيه كالتي بين أيدينا، من الممكن ان تؤدي الغرض منها عن طريق التوقف عند مايعتبر من قبيل الموضوعات الجوهرية والفاصله، المنطوية على خلاصات، من شان التوقف عندها تعديل زاوية النظر العقليه، وتركيز أسس انتقالها من نطاق ماهي واقعه الى الان تحت وطاته من قصورية جسد/ عقليه.
مع الالة واحتدامية الصراع الطبقي بظل الراسماليه المصنعية، يبدا زمن الانتقال من البيئية المجتمعية، الى الاختلال الأعظم، ولاتعود المحركات والاليات البيئية، ومنها الصراعيه الطبقية هي الفاعلة، بل تتوقف وتتراجع الى الخلفية، ليحل محلها زمن الاضطرابيه الإنتاجية، ومعها اختفاء التوافقية المجتمعية الإنتاجية، وتصير البشرية متجهه لزمن "العيش على حافة الفناء" التي تعم المعمورة وتصير نمط عيش غالب، ووقتها تظهر "التحولية التاريخيه" المضمرة في الأرض الازدواجية المجتمعية لتتحول لوعي كوكبي شامل، وضرورة لابد منها لاجل انتقال الوعي البشري الى مايتناسب مع نوع الانتقالية النهائية الأخيرة، من الجسدية الى العقلية، وذلك هو مانطلق عليه " قرآن العراق" المؤجل منذ بداية التصيّر التاريخي، قرآن الزمن العقلي، مابعد الأحادي الجسدي المجتمعي، قرآن الانتقال من الجسدية الارضوية، الى العقل الملتحق بالاكون العليا، كما كان مقررا له، ومخططا، منذ وقبل ان توجد الأرض والحياة العضوية، والمجموعة الشمسية، وقبلها.
ـ يتبع ـ ملحق: الشيوعيه ومسارات قران العراق؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ الطريق الطويل الى الانسان/ روبرت ل .ليرمان /ترجمة الدكتور ثابت جرجس قصبجي/ المؤسسه الوطنيه للطباعه والنشر ـ بيروت بالاشتراك مع مؤسسه فرانكلين للطباعه والنشر / بيروت نيويورك 1963