الحراك الشعبي في مرحلة ما قبل (ربيع الشباب العربي) الحلقة السابعة عشرة (17/ 18)


حسن خليل غريب
2021 / 3 / 19 - 09:18     

المفهوم السادس
التركيز على أخطاء الأنظمة تعتيم على جرائم التدخل الخارجي
إن إغفال تحقيق أهداف "مشروع الشرق الأوسط الجديد" من تقييم التجربة، يعني التغطية على الجرائم الكبرى التي حصلت منذ احتلال العراق، والتي حمَّل فيها أصحاب المشروع مسؤولية التدخل الأجنبي لأخطاء النظام الوطني في العراق. وقد استطاع الإعلام المعادي أن يستغفل الجزء الأكبر من الرأي العام العربي، وشمل الاستغفال الرأي العام الدولي، وذلك عندما وضع وزر الجريمة برقبة الدولة العراقية والنظام الوطني ، التي صوروا أنه لو لم يكن النظام ديكتاتورياً لما كانوا قد تدخلوا، بينما كانت الحقيقة في أنهم بيتوا العدوان وراحوا يبتكرون الأسباب. وقد كسب العدوانيون المتدخلون صك البراءة ليضعوا أوزارها في رقبته. وهكذا ابتدأ السيناريو في العراق، وتكرر في ليبيا، وقد يتكرر في أية بقعة عربية أخرى.
نتيجة لذلك وكي لا تقع الحركة العربية الثورية في فخ الخداع والمخاتلة لقوى التدخل الخارجي، وتعطيها صك البراءة عن حسن قصد، وتبرر تدخلها، أن تعود إلى المبدأ القائل: إن العلاقة بين الشعب والنظام هي مسألة داخلية تقع في صلب حق الشعوب في تقرير مصيرها، وليس من حق أحد من القوى الخارجية التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، إلا أن ذلك يجب ألاَّ يعني بأي حال من الأحوال استغلال ذلك لكي تبقى آمال الشعب العربي في التخلص من الدكتاتورية والاستبداد وتحقيق الاصلاحات السياسية والاقتصادية المنشودة مؤجلة إلى الأبد ويبقى الشعب مغلوباً على أمره إلى ما لانهاية ازاء استحكام الحكام إلى الأبد .
وفي هذا المجال تأتي مسألتان مهمتان تؤديان الغرض عن حسن نية في خدمة الإعلام المعادي، وهما:

-مسؤولية الأنظمة الرسمية عن التدخل الخارجي :
دأبت بعض المواقف على الاعتقاد أنه لو استجابت الأنظمة الرسمية للمطالب الشعبية ولم تقمعها بالقوة لما توسَّع النزاع في الداخل، ولما تركت مبرراً للتدخل الأجنبي. فبمثل تلك المواقف التي تحمل الأنظمة مسؤولية استدراج الخارج للتدخل، أو خلق مبررات لتدخله إعفاء للقوى المعادية فعلاً من مسؤولية التخطيط للمؤامرات والعمل على تنفيذها. ولكن إذا كانت الأنظمة مدانة فيما فعلت، وهي مُدانة فعلاً ، إلاَّ أن هذا لا يجيز التعتيم على أهداف القوى الخارجية وأفعالها، تلك القوى التي بوسعها أن تختلق ذرائع أخرى من أجل تنفيذ مخططاتها حتى لو لم يقع النظام بالأخطاء التي وقع بها.

-خطأ تغطية سماوات جرائم الاستعمار بقبوات جرائم الديكتاتورية:
من جملة الأخطاء الشائعة التي يقع فيها الإعلام القومي هي ما له علاقة بقضايا اللجوء المحزنة والأليمة التي تنال من الشعب العربي حيثما تستعر المعارك والحروب الأهلية. والأمثلة على ذلك، أنه في معرض التعبير عن ألمها وسخطها استنكاراً لموجات التهجير، التي يعاني منها الملايين من العرب في داخل بلدانهم أو خارجها، دأبت بعض المواقف على تحميل الأنظمة وحدها وزر هذه الجريمة. ففي الوقت الذي تتحمل فيه الانظمة حصة الأسد من المسؤولية عن حماية شعبها إلا أننا يجب أن لا نمارس تجهيل الجماهير لدور الأطراف الأخرى . كما فيه مصلحة إعلامية لتلك الأطراف. ونحسب أن الموضوعية والمصلحة القومية معاً يقضيان بالإضاءة على دور المشروع التآمري الذي يقوم بتنفيذه من له مصلحة في حفر عوامل الفرقة والتفتيت بين مكونات الشعب المختلفة واشاعة وتسهيل التهجير والتشتت. وهنا لا بُدَّ من أن ننبه الأنظمة إلى أن مصلحتها تقتضي ألا تقوم بتشريد الشعب الذي تحكمه. فلا يمكن إغفال مسؤوليتها عن حماية شعبها لأنها بذلك تكون قد فقدت شرعيتها عملياً بهجران أبنائها لبلدهم. فشرعية اي حاكم ، ملكاً كان أم رئيساً، وبموجب كل المواثيق والشرائع السماوية منها والوضعية هي في حماية حدود بلاده وضمان أمن أبنائه ورعاية مصالحهم فيه.
المفهوم السابع
التعامل مع الأجنبي خيانة وطنية
تمرُّ أزمة وتتلوها أخرى، حول ارتكاب أفراد أو مجموعات من القوى المحلية لفعل التعامل مع القوى الخارجية ضد أمن أوطانهم، ولا تشكل هذه التهمة هماً من هموم أكثر الأحزاب والحركات العربية، حتى أصبح وكأن ارتكاب فعل الخيانة الوطنية عملاً عادياً وحقاً ديموقراطياً لمن يقوم به.
كانت أكثر جرائم الخيانة العظمى لفتاً للنظر تلك التي ارتكبتها ما كانت تسمى بـ(المعارضة العراقية) في الخارج، تلك المعارضة التي لم تنتهك أصول المبادئ والمفاهيم الوطنية بالتجسس على الدولة العراقية فحسب، بل هي كانت أداة تنفيذية لتمهيد الطريق لاحتلال وطنها أيضاً، كما أنها غطَّت الاحتلال واستلمت إدارة العراق السياسية بتوكيل منه.
لم تعالج الحركة السياسية العربية، في معظم قواها على المستوى القومي، تلك الجريمة وتضع تعريفاً واضحاً لمن ارتكبها فحسب، بل شرَّعت بعضها، أيضاً. فعلت ذلك عندما أضفت شرعية على إفرازات الاحتلال الأميركي للعراق وذلك باعتبار (العملية السياسية) شرعية أيضاً استناداً إلى المزاعم التي اعتبرت أن الانتخابات التي جرت في ظل الاحتلال انتخابات شرعية، ولكنه فات من تناسى جريمة المعارضة العراقية وشرَّعها أن كل ما يصدر عن فعل الاحتلال غير شرعي، وإن إفرازات الاحتلال وكل تغيير قام به تحت سلطته هو عمل غير شرعي أيضاً.
إن خطورة تجاهل ذلك الواقع أو تجهيله، أدى إلى اعتبار كل عمل مماثل حصل في الحراك الشعبي العربي لاحقاً عملاً شرعياً ومعترفاً به. ولذلك، عن قصد أو غير قصد، فقد شرَّع بعض الإعلام الوطني والقومي تلك الجريمة في قضايا أخرى غير العراق عندما سكت عن تخوين كل من تعاون مع الأجنبي.
إنه من الصعوبة بمكان أن يحصل التدخل الخارجي في شؤون دولة من الدول من دون وجود قواعد داخلية تعمل على إسناده من جهة وتستقوي به من جهة أخرى. وبمجرد استعانة تلك القواعد الداخلية بالخارج، لهو تهمة صريحة وواضحة بارتكاب فعل الخيانة الوطنية العظمى. ومن أجل التنوير بمخاطرها، ونشر ثقافة الولاء للوطن، أن تعتبر ذات أولوية عند المواطنين بحيث تتقدم على كل ولاء آخر. على أن تترافق دائماً مع نشر وتعميم وتثقيف المواطنين بمضامين القوانين التي تردع كل من تسوِّل له نفسه عن ارتكاب فعل الخيانة الوطنية العظمى من جهة، وتعزيز ثقافة مبادئ حق الشعوب بتقرير مصيرها بنفسها من جهة أخرى. هذا بالإضافة إلى أن التعامل مع الخارج تعتبرها كل دسايتر دول العالم خيانة وطنية عظمى، وتنزل بمرتكبيها أشد الأحكام.