الحراك الشعبي في مرحلة ما قبل (ربيع الشباب العربي) الحلقة السادسة عشرة (16/ 18)


حسن خليل غريب
2021 / 3 / 17 - 12:38     

المفهوم الرابع
التمييز بين التبرير على قاعدة نظرية المؤامرة وتشخيص الواقع على قاعدة المؤامرة الفعلية
لقد دأبت الأنظمة الرسمية في مواجهة المعارضة الشعبية في الداخل، وتبريراً لممارساتها القمعية، إلى الترويج لنظرية المؤامرة، وهي ذريعة واهية تُسوِّغ فيها الأنظمة لنفسها استخدام كل أنواع الجرائم بحق المعارضة. ولذلك لا يجوز أن يتساوى الذين يدافعون عن الأنظمة بـ(نظرية المؤامرة)، مع الذين لا يدافعون عنها عندما يعتقدون بأن المؤامرة موجودة فعلاً.
وإنه باستثناء حراكين اثنين: الحراك الفلسطيني والحراك العراقي، بالإضافة إلى الحراكات الأخرى التي أعلنت سلمية وسائلها كالحراك في السودان، هما حراكان ثوريان مقاومان لفعل احتلالي تعرضت له بلديهما، فإن معظم الحراكات الشعبية في الأقطار العربية قد سُرقت ولم يبق فيها من الشعبية الثورية شيئاً يمكن الرهان عليه. وإذا كان الطابع الثوري سمة من سمات الحراكين المصري والتونسي، فإن الحد الأدنى من الثورية قد فقدتها الحراكات الأخرى، على الرغم من وجود فصائل نأت بنفسها عن صفوف حراكاتها بعد أن اكتشفت مدى الخطورة في أدوارها التي تلعبها.
وأما لماذا قمنا باستثناء الحراك الفلسطيني والعراقي والسوداني من السرقة فلأن في كل منها مواصفات خاصة تتوافق مع ثوابت وسائل التغيير، وهي ثلاث:
-الحراك الفلسطيني: استراتيجية التحرير الشامل من الاحتلال بوسائل الكفاح الشعبي المسلَّح، بوسائط العمليات العسكرية، أو تلك الوسائل المبتكرة بالحجر والسكين والدهس. أو بوسائط الاحتجاجات الثابتة أو المتحركة، وهي ما عُرفت تحت مصطلح الانتفاضات، التي ابتدأت منذ العام 1987. وكذلك بالوسائط الديبلوماسية في المحافل الدولية، ومحافل المنظمات الحقوقية والإنسانية، وكذلك بوسائط المجتمعات المدنية الدولية والعربية، ومنها منظمات حقوق الإنسان.
-الحراك العراقي: لكون العراق بلداً محتلاً أنجزت المقاومة العراقية هدف طرد الجيش الأميركي وإلحاق الهزيمة به. واستكملت حراكها الشعبي في محافظات الوسط، الذي لو لم يتم الالتفاف عليه بإدخال (داعش) لكان من المقيض له أن تصل تأثيراته إلى بغداد. وعلى الرغم من كل ذلك، فقد تابعت المقاومة العراقية مهماتها عندما استطاعت أن تحفر في ذاكرة الشعب العراقي أهدافها وثوابتها في التصدي للاحتلال الإيراني، وبناء عليها اندلعت الانتفاضة العراقية من جنوب العراق على أسس سلمية لتحقيق هدفين رئيسين، وهما: الهدف المطلبي في الضغط على العملية السياسية تحت شعارات مطلبية تحوِّلت إلى هدف إسقاطها لاستحالة قيامها بواجبها تجاه المواطنين بسبب نهج الفساد والخيانة الوطنية. وهدف تحرير العراق من الاحتلال الإيراني، خاصة أنه يحتضن كل الفاسدين والخونة ويدعم بقاءهم في السلطة.
-الحراك السوداني: ويكفيه منذ بدايته أنه حاز على كفاءة تطبيق الثوابت الثلاث كشروط لازمة لأي حراك شعبي، وهي: منهجه السياسي، وقيادته الجبهوية الواعية، وسلميته. وفوق هذا وذاك رفض قيادته الاستعانة بالخارج بأكثر مما يخدم أهداف الحراك ويصل به إلى نتائج ملموسة تصب في مصلحة الشعب السوداني.

المفهوم الخامس
إغفال عامل مشروع ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد في الحراك العربي
يقود إلى استنتاجات قاصرة
لقد كانت أسباب الحراك الشعبي العربي وطنية ونقية حقة ساهمت بها جماهير غفيرة بشكل صادق، إلا أنها سرعان ما استغلت وللاسف بنجاح من قبل أصحاب ما يسمى بمشروع الشرق الأوسط الجديد فكانت بمثابة حصان طروادة الذي تسلل منه صانعو المشروع إلى قلبه ، وقد نجحوا في ذلك أيما نجاح. والآن وبعد أن انكشف الغطاء عن سرقة الحراك وحرفه يصبح من الواجب توضيح دور أصحاب مشروع الشرق الأوسط الجديد في كل زواياه. وإذا لم يتم إيضاح هذا الدور فكأن الحركة العربية الثورية تقوم بتجهيل أسباب انحراف الحراك عن أهدافه، وهذا ما سيجعلها قاصرة عن الإحاطة بإعادة تقييم التجربة.