-الرسالة الأخيرة من الثور المجنح- للشاعر الثائر منتظر هادي العقابي


حسين علوان حسين
2021 / 3 / 15 - 09:48     

هذه المقاطع الشعرية الطريّة تزخر بالمضامين و الصور الجديدة من خلال استنطاق تمثال الثور المجنح . يتخذ السرد فيها على لسان الثور المجنح شكل التداعي للأفكار الذي يستعرض شواخص ألفي عام من تاريخ حضارة العراق لتصل الماضي المجيد بالحاضر التعس الذي يورث الحزن المقترن بالألم . هي احتفال لشعب العراق ، بقدر ماهي مرثاة لجراحاته التي يبث شجنها و شجونها الثور المجنح في رسالته الأخيرة إليهم .

النص :
أفردُ جناحيَّ كالملائكة :
أحملُ دماء العراقيين نوراً للسماء ؛
لأجعلَ كل الآلهة تتخلى عن ألوهيتها لكم .
أنتم يا شعب الكربلائيات العتيقة ؛
أنتم شعب لديه التاريخ ،
و نحن آلهة بلا تاريخ .
...
لا تبكوا من أجلي ؛
ادخروا دموعَكم مِلْحاً
إلى الأيام الخالية من نكهة الطين ،
فالميتون كُثر :
كان بإمكانهم صنع حضارة .
...
سأترك لكم ريشاتي
في ذاكرة مفقودة ،
و أحلق بين النجوم .
لم أبحث عن الخلود يوماً ،
لأن رفيقَي تلك الرحلة امتطياني ،
و سرقا الأضواء من خمبابا العظيم ؛
أجل ما زلت أذكر اسميهما :
جلجامش ، و صديقه
الذي قتلته حرقة القلب . .
...
أنا ابن العراق ،
الماء نقائي ،
و حبّات التمر مسبحتي .
فيا أيها الذين لم يؤمنوا -
لأن الذين آمنوا فقدوا ايمانهم -
أنا أنزف الآن .
ليست مهمة جراحاتي ؛
انا مشتاق ان تلتف حولي
كثبان من دخان البخور ،
إذ لم يصلي لأجلي أحد
منذ ألفي عام .
...
كل الآلهة أصدقائي ـ
أعرفهم تماماً :
إنليل إله السماء و الارض خالق القمر ؛
و حَدّاد الذي ينير السماء بضياء البرق
مزلزلاً أركان الدنيا بصوت صواعقه ؛
و بازوزو الذي لم أحبه يوماً ؛
كلهم أعرفهم .
كان نانش يمتطى بغلته ،
يجوب السهول و البراري
من أجل صيده السمين .
و ننمار ذو الأجنحة العظيمة :
ريشه الذهبي
يسحر كل الآلهة .
كان سدنة آنو رب الآلهة
يسرقون ريشاته الجميلة ،
يقدمونها هدايا لصبيات الحانات .
وعشتار ، آآآه عشتار !
أنها أجمل ما خلق آنو .
كلما تذكرتها ،
ارتجفت رجلاي فلا أقوى على الوقوف !
بخافق جناحاي كنت أرنو إليها
و هي تستحم بنهر دمع العاشقين ؛
و الأحجار و الأشجار
تشتهي الجلوس بمحاذاتهم .
عطرها الخمر ؛
و طعامها الموسيقى .
أجل : كل الآلهة أصدقائي .
...
لم أكفر بالآلهة يوماً ؛
لم أكسر رقيما طينياً ؛
لم أفعل إلا ما أمرني به آنو العظيم .
كنت أسبِّح له بالغدو و الآصال ،
كنت أظن ان الوجوه خَلقٌ من نوره ،
كنت ..
كنت ..
كنت..
و لم ينظرني هو يوماً .
...
جعلوني حجارة
مركونة في أروقة متحف مغطى بالأتربة اللعينة .
لم تغمض عيناي منذ زمن طويل .
آاااه ، ما زلت أشتاق إلى تلك المراسم
حين يعود الحطابون والنجارون و الحدادون من الحرب ،
تتلقفهم أذرع الحسناوات .
و تجرني الخيول بخطوها الأنيق ،
و انا على عربة من خشب الأرز العتيق .
تَسّاقط فوقي أوراق الأزهار كأنها المطر .
أجل ، كنت قوياً ؛ تخافني كل آلهة الحرب .
أما اليوم ، فلم يعد الناس يؤمنون .
...
أنا أخشى الفكرة :
أن تعتبروني مجرد حجارة .
أنا أشعر بحبكم ،
و بوجعكم .
أشعر أنكم تطوفون حولي تحملون القرابين ،
شموعاً و سلال التمر و النبيذ ،
و تنذرون العذارى لكهنتي .
أنا أخشى الفكرة .. أجل أخشاها :
أنني لن أُذكر في صلواتكم
بعد اليوم .

منتظر هادي العقابي