الحراك الشعبي في مرحلة ما قبل (ربيع الشباب العربي) الحلقة الخامسة عشرة (15/ 18)


حسن خليل غريب
2021 / 3 / 15 - 09:45     

المفهوم الثاني:
الالتباس في تحديد قضايا العرب المركزية
كانت فلسطين قضية العرب المركزية لأن الهدف من احتلالها هو وضع حاجز جغرافي وبشري غريب يمنع قيام دولة الوحدة العربية. ولأن استهدافها كان استهدافاً لقضية الوحدة، قال مؤسس الحزب: (فلسطين طريق الوحدة، والوحدة طريق فلسطين). وإذا كانت الحركة الصهيونية لم تتمكن من هضم الخطوة الأولى من الاحتلال، فلأن الحركة العربية الثورية اعتبرت قضية فلسطين قضية العرب المركزية، وكان تحريرها من الاحتلال الصهيوني مهمة قومية عربية. وكان لا يمكن للصهيونية أن تتمكن من تحقيق أهدافها من دون ضرب أي حركة قومية تحول دون أهدافها. فكان احتلال لبنان في العام 1982، يستهدف التجربة اللبنانية التي انخرطت في صراع دام لحماية المقاومة الفلسطينية، فخلقت بذلك مركزية ثانية وهو تحرير لبنان من احتلال، ليصبح تحرير لبنان مدخلاً ضرورياً لتحرير فلسطين. ولأن العراق كان يلعب الدور القومي للمشاركة في تحرير فلسطين، دعماً للمقاومة الفلسطينية، أصبح مستهدفاً من قبل الاستعمار والصهيونية. وكان احتلال العراق في العام 2003، بمثابة الإسقاط لذلك الدور. وباحتلال العراق طرأت مركزية ثالثة في نضال العرب وهو تحرير العراق، فبغير تحريره لن تقوم لأي جهد عربي قائمة تصب في مجرى تحرير فلسطين.
من كل ذلك نعتبر أن فهم ما يجري في قضية قطرية بمعزل عن فهم ما يجري في قضية قطرية أخرى يصب في المجرى الخطأ. وهذا ما تقع فيه بعض حركات المقاومة العربية، ومنها بعض فصائل المقاومة الفسطينية من الذين يستنكرون أن يتم تصنيف احتلال أي أرض عربية أخرى بمثابة قضية مركزية. ولكن الأكثر ثباتاً وقيمية هو أن نعتبر تحرير أي قطر محتل من قبل الاستعمار والصهيونية بمثابة قضية عربية مركزية.
لقد تناسينا قضية فلسطين عندما أغرقونا بقضية احتلال لبنان، وقضية احتلال العراق، وتناسينا قضية العراق عندما أغرقونا في قضايا تونس ومصر وليبيا وسورية واليمن والسودان، والحبل على جرار القضايا الأخرى. وهكذا يعملون على إغراقنا في قضية جديدة لكي ننسى ما سبقها من قضايا أخرى. في حين أن الربط بين كل هذه المواجهات باعتبارها سلسلة تكمل إحداها الأخرى في صراع الأمة ازاء وحدتها ونهضتها وتحرير أراضيها المحتلة ، هو مسالة حيوية لانتصارها في هذه التحديات. .

المفهوم الثالث:
الدفاع عن وحدة القطر العربي الواحد ليس دفاعاً عن الأنظمة
من إمكانية التمييز بين ثنائيتين: (المواجهة بين الشعب والأنظمة)، (والمواجهة بين الأنظمة الرسمية والخارج)، مساحة كبرى من التمايز في تعريف المصطلحات.
ففي الثنائية الأولى مواجهة بين شعب مقهور سياسياً واقتصادياً ونظام قاهر لا يمكن لعاقل أو وطني إلاَّ أن ينحاز إلى جانب الشعب في الصراع معه. ولكن على أن تبقى وسائل الصراع وأدواته داخلية سلمية، والامتناع عن طلب يد العون من أية جهة خارجية كانت تحت أي ذريعة أو مبرر كان. والعكس من ذلك يتحول الحق بالتعاون مع الأجنبي، كخيانة وطنية، إلى حق ديموقراطي معادل للحق بالإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
وفي الثنائية الثانية دفاع عن وحدة الدولة أرضاً وشعباً. وفي هذه الثنائية أولوية مطلقة يقف فيها الشعب بكل فئاته واطيافه الدينية والفئوية إلى جانب النظام الحاكم من أجل الدفاع عن وحدة الدولة من دون النظر إلى لونه الطبقي أو شكله الديني أو طعمه الديكتاتوري.
وحيث إن واقع حال الحراك الشعبي الآن أصبح بعيداً عن بداياته الأولى، سيما أن كل قوى الثورة المضادة احتلت مواقعه وصادرته واستولت على شعاراته وأخذت تطلق النار باسمه في كل الاتجاهات، ويأتي الخارج مع كل أدواته المحلية ليحتل موقع القرار فيه، وتحوَّل الحراك إلى فوضى عارمة وحروب طائفية، شارك فيها النظام بشكل شرس غير مسبوق وكذلك القوى المضادة، يدفعنا إلى التساؤلات التالية: هل بقي الحراك الشعبي نظيفاً طاهراً؟ وهل بقي الحراك بعيداً عن تأثير الخارج؟ وخاصة مع نجاح الأنظمة في تحويل ثنائية الصراع بين (النظام والشعب) إلى ثنائية الصراع بين (الدولة والخارج) وتسخير الأخير لخدمتها ؟
إن الأنظمة تتحمل المسؤولية الكبيرة في الوصول إلى هذا الواقع نتيجة لفشلها في تحقيق تطلعات الشعب وعنادها وإصرارها على الحفاظ على مكتسباتها ومصالحها وعلى استمرار آليات الاستبداد والفساد فيها حتى أفقدت الجماهير كل أمل في تحقيق أي إصلاح حقيقي داخل أوطانها .