نجيب في عين نجيب


حسن مدن
2021 / 3 / 12 - 14:56     

لم يكن الشاعر نجيب سرور يكنّ إعجاباً للروائي الكبير نجيب محفوظ، ولم يحتفظ بهذا الرأي لنفسه، بل جاهر به، معتبراً إياه «أديب السلطة»، أي سلطة، قاصداً بذلك أنه كان مع النظام الملكي في مصر قبل سقوطه، ثم صار إلى الاصطفاف مع النظام الجمهوري بعد ثورة يوليو/ تموز 1952، وهذا موقف فيه تجنٍّ على نجيب محفوظ، الذي وإن لم يجاهر بمواقف سياسية مباشرة، لكنه فرّغ الشحنة النقدية العالية عنده للأوضاع السياسية في أدبه.
وحكى محمد حسنين هيكل مرة أنه، وأثناء زيارة لجمال عبدالناصر لمبنى جريدة «الأهرام» فترة رئاسة هيكل لتحريرها، قام خلالها بجولة على مكاتبها، وحين صافح محفوظ عبدالناصر أثناء مروره بالغرفة التي يقع فيها مكتبه، توجّه هيكل نحو عبدالناصر بالقول إن «الأهرام» ستنشر له، أي لمحفوظ، قصة قصيرة جديدة «حاتوديه في داهية»، في إشارة إلى مضمونها الانتقادي للأوضاع يومها، ولكن عبدالناصر حوّل الأمر إلى طرفة، حين ردّ على هيكل: «حاتوديك أنت في داهية»، رغبة منه في التهوين من الأمر.
نعود إلى «النجيبين»: نجيب سرور ونجيب محفوظ، فسرور الذي لم يتردد في الإعلان وعلى رؤوس الأشهاد عن انتقاده لمواقف محفوظ، هو نفسه الذي فوجئ النقاد والمهتمون بكتابٍ له عن ثلاثية نجيب محفوظ، لا من موقع النقد والهجاء، وإنما على العكس تماماً، من موقع «التقدير والتقييم والإعجاب بعبقرية محفوظ»، حسب تعبير الناقد اللبناني الراحل محمد دكروب الذي كان من أوائل من نبهونا إلى كتاب سرور هذا.
ما كتبه دكروب عن ذلك جاء في كتاب له عنوانه «وجوه لا تموت في الثقافة العربية الحديثة»، وكان سرور أحد هذه الوجوه التي تناولها الكتاب الذي قدّم له الروائي الراحل عبدالرحمن منيف، وفي التقديم عدّ منيف نجيب سرور «النموذج الأكثر مأساوية للفنان الذي عجز عن مواصلة الحوار مع الآخرين»، وعبر تناول دكروب له «نعاود اكتشاف هذا الفنان الذي نسيناه لفرط ما تزخر الحياة التي تطوقنا بالتفاهات والقسوة».
أنجز سرور كتابه في العام 1959، لكنه لم يجد طريقه للنشر، كاملاً، إلا في العام 1989، أي بعد ثلاثين عاماً من وضعه، وأحد عشر عاماً على رحيل مؤلفه، لكن مجلة «الثقافة الوطنية» البيروتية التي كانت تصدر في الخمسينات، وبإشراف حسين مروة ودكروب نفسه، نشرت أربع حلقات منها.
ورغم الحدّة التي طبعت بعض أحكام الدراسة، فإن دكروب يعتبرها أول دراسة في النقد الأدبي الحديث حللت واستكشفت البنية الداخلية لثلاثية محفوظ وعوالمها.