الحراك الشعبي في مرحلة ما قبل (ربيع الشباب العربي) الحلقة الرابعة عشرة (14/ 18)


حسن خليل غريب
2021 / 3 / 12 - 09:53     

المفهوم الأول:
الأولوية للنضال الوطني ضد التدخل الخارجي
أم للنضال الداخلي بين الحاكم والمحكوم ؟
إذا كانت الأضداد بالمفاهيم لا تلتقي عند حدود مشتركة، كمثل استحالة التقاء مفاهيم الحوار مع مفاهيم الإكراه، واستحالة التقاء مفهوم السيادة مع مفهوم الخضوع للآخر، واستحالة التقاء مفهوم الوطن المستقل مع مفهوم الوطن التابع، واستحالة التقاء مفهوم الثوابت التي تحمي وحدة المجتمع مع المفاهيم التي تسبب تفتيت المجتمع الواحد.
وإذا كانت المفاهيم التي تحمي وحدة الأوطان أرضاً وشعباً تستند إلى ثوابت الدفاع الجماعي عنه، أي إذا كانت مسؤولية الدفاع عن الأرض مسؤولية جماعية تلزم كل مكونات المجتمع الوطني الواحد، فهل هذا يجيز مفهوم الدفاع عنه على قاعدة طبقية، أو دينية، أو سياسية؟
هذه هي الأسئلة التي فرضتها أحداث الحراك على مستوى الساحة القومية والقطرية. وكلها أسئلة مرفوعة تستوجب صياغة مفاهيم موحدة.
وهنا يجب التمييز بين مستويين من القيم – الثوابت، وهما:
واجب الدفاع الجماعي عن الوطن في مواجهة العدوان القادم من الخارج، وواجب الدفاع عن الحقوق المدنية التي تقوم بها الشرائح المسحوقة ضد الفئات المستغِلَّة، أو يقوم بها الشعب المظلوم ضد الحكم الظالم.

-المستوى الأول: مفهوم الدفاع الجماعي عن الوطن
الوطن تعريفاً، هو الأرض التي تستوطنها مجموعة من البشر، تجمع أفرادها آمال واحدة ومصير مشترك، فيصبحون ملزمين بالدفاع عنها على شتى انتماءاتهم الدينية أو السياسية. ولأن العدوان لن يميز بين مكون وآخر، فأضراره تلحق بالجميع، وفي صده فائدة للجميع. ومن هنا كان مفهوم الدفاع الجماعي مفهوماً قيمياً ثابتاً.
-المستوى الثاني : مفهوم الدفاع الداخلي عن الحقوق المدنية
ولأن الطبقية واقع مزمن في العلاقات بين مكونات المجتمع، وتلخصها ثنائيتان: (الفئات المستغِلَّة والفئات المستَغَلَّة)، وعادة ما تمثلها ثنائية (الفئات الحاكمة، والفئات المحكومة)، فتتغير فيها معادلة الدفاع، التي تحكمها قواعد أخرى، تقف فيها الفئات المحكومة، أو الفئات المستَغَلَّة، في مواجهة الفئات الحاكمة، أو الفئات المستَغِلَّة.
المقاربة بين مفهوميْ الدفاع الداخلي والدفاع الخارجي:
هناك ما يجمع بين المستويين، كما أن هناك ما يفرقهما. يجمعهما واجب الدفاع عن الوطن. وفي بعض الاحيان يفرقهما واجب الدفاع عن الحقوق المدنية. وإذا تعرَّض الوطن للخطر، يصبح الخلاف الداخلي مسألة مؤجَّلة إلى حين أن يضمن الجميع بقاء الوطن بمنأى عن العدوان الخارجي. وحينذاك يصبح الخلاف الداخلي ليس مسألة مشروعة فحسب بل تصبح واجباً تمارسه الفئات المظلومة ضد الفئات الظالمة.
وبهذا يمكننا أن نربط مفهومين قيميين برباط وثيق: الدفاع عن الوطن، والدفاع عن الحقوق. وبهذا يسبق الدفاع عن الوطن أية أولوية أخرى، فبضياعه ضياع لحقوق الجميع.
واستناداً لذلك يصبح السؤال التالي مشروعاً، والإجابة عنه مسألة مبدئية: هل يجوز للفئات التي سُلبت حقوقها، الاستقواء بالغزو الخارجي لتصحيح الخلل في العلاقة بين الحاكم والمحكوم؟ ومن جهة أخرى علينا أن نتساءل ماذا تفعل ملايين الشعب المسحوقة التي تبددت كل آمالها في أي إصلاح قريب، ضد الدكتاتوريات التي أمعنت في تصدير الأزمات واستغلال المواجهة مع عدو خارجي لضمان ديمومة دكتاتوريتها واستغلالها للجماهير، بحيث اصبحت الطموحات الشعبية في التغيير والاصلاح الديمقراطي والقضاء على الاستغلال والاستبداد مؤجلة إلى الأبد؟ وهل صبر الشعوب ينبغي أن يدوم إلى الأبد من دون نفاذ مهما فعل الحاكم المستبد أو الفاسد؟