البابا الابراهيمي وبيت-الله- الثالث؟/8


عبدالامير الركابي
2021 / 3 / 10 - 14:42     

قد تدخل زيارة البابا لارض الابراهيمه مستقبلا ضمن اجمالي المؤشرات التي ستعتمد ليؤرخ بها وعندها لانتهاء الزمان الأحادي و قرب الانتقال الرافديني الى الوعي الثالث، أي ل "قران العراق"، وقت انتهاء سطوة الوعي المستعار الأحادي الغربي الحديث، واندحار مفعوله هو والبقايا الانقطاعية المتخلفة عن الدورة الثانيه التاريخيه الشرق متوسطية، وقمتها الرافدينيه الإمبراطورية الازدواجية، عمليا منذ القرن الثالث عشر.
وهو مايستدعي التوقف لتبيان المقصود، ومايمكن ان ينتسب تحديدا لعالم "الوعي الثالث" الراهن، المواكب للدورة الثالثة الحالية، ونتاجها التعبيري المطابق لماقد أحاط بها من اشتراطات وخصوصيات، ميزتها عن الدورتين، الأولى السومرية البابلبة الابراهيميه، والثانيه العباسية القرمطية الانتظارية، باعتبار هما دورتي ازدواج مجتمعي امبراطوري تحولي، تقفان دون الإحاطة بمضمون ومضمر العملية المجتمعية، بحسب مستوى الإحاطة العقلية المتاحة والمتوفرة للعقل في حينه، مقابل لحظة راهنه أخيرة، هي لحظة الإفصاح، واماطة اللثام عن مكنون وطبيعة الكيانيه الازدواجية التحولية الرافدينيه، وماهو مودع فيها وبين تضاعيفها، ومن ثم في عموم الظاهرة المجتمعية من أغراض ومستهدفات مستقبلية.
هنا تجدر الإشارة لحقيقة كون المجتمعية ظاهرة انتهائية، لها مدة صلاحية وضرورة، كما ان لها، ومن اهم خاصياتها، علاقتها التصيّرية بالعقل، وكل هذا يخالف الشائع السائد الى اليوم من منظورات أحادية عن المجتمعية التي توجد أصلا، وتتوزع على المعمورة كنمط ازدواج موحد، وازدواج مفترق، تبدا أولى علاماتها وابرزها في الشرق المتوسطي، حيث الازدواج الرافديني، والازدواج المفترق الجزيري، النيلي المصري، الأول كمجتمع لادولة احادي احترابي، والثاني كمجتمع دولة احادي سكوني، فضلا عن مجتمعات الأحادية الاوربية الأحادية المنشطرة طبقيا، والمتميزه داخل نمطها بالديناميه الأعلى، الذروة، مع مقاربتها الجغرافية للشرق المتوسطي، ووقوعها على الضفة المقابلة لمنطقة احتشاد الأنماط المجتمعية.
والمجتمعات كصيرورة تبدأ بمفارقة مجتمع/ عقلية، تكون التعبيرية ابانها ازدواجية، كما حالة ارض الرافدين ومنجزها البدئي الأول، الشرائعي البابلي، ومقابله الابراهيمي، بينما يكون العقل في حينه وآنذاك، غير مهيأ سوى الى مقاربة الحالة الأحادية، الامر البديهي اذا اخذنا بالاعتبار كون العقل مادة غير مكتمله وجودا، ولاكانت يوم ظهرت وانبثقت في الكائن الحيوان، سوى مادة اوليه، خضعت من يومها لمسار من التشكل والارتقاء، فلم يكن/ العقل/ يوم انبثقت الظاهرة المجتمعية "مجتمعيا"، او مفترضا به ان يكون قابلا للاحاطة بما هو مستجد وفي بداياته، بينما هو كتجربة واستيعاب مايزال ابن ماقد سبق الظاهرة المجتمعية وقفزتها اللاحقة على طور اللقاط والصيد، الامر الحري بالتوقف، وبالذات بالتأكيد، بما ان الشائع اعتبار العقل موجودا مطلقا، او كاملا منذ يوجد، ومنذ انبثاقه الأول، فيجرد من حالة، ومن حقيقة كونه ظاهرة متصيره مترقيه كهدف ومقصد ضمن اشتراطات ماوجدت ضمنه وداخله، الجسد الحيواني المفرد أولا، ومن ثم واخيرا وبعد مسار طويل، داخل المجتمعية كمحطة ارتقاء أخيرة.
ماسبق كان من شانه ان جعل ارض الازدواج التحولي مؤجله كنها ومنطويات بما خص الادراك والاحاطة العقلية، كما جعل منها موضعا ينظر في الغالب لذاته بعين غيره، او بما يتناسب ويقارب ماهو خارجه من احاديات افتراقيه، ظلت واستمرت لعشرات القرون هي قاعدة القياس الغالبة مو ضوعيا، وهو ماقد ميز تاريخ ارض الرافدين على مدى دورتين تاريخيتين، توسطهما انقطاعان تاريخيان، وغياب بحسب خاصيات التاريخ الازدواجي الرافديني، ومايطابق إيقاع بنيته وكينونته الغيابية الانبعاثية.
وحيثما تكون التحولية الازدواجية الرافدينيه خارج الادراك، يكون العقل البشري وقتها بحال تصير وعدم اكتمال، مظهره المعاش والعملي هو الغلبه المستمرة للاحادية المجتمعية على مستوى الرؤية والوعي الإجمالي بالوجود واسبابه، والمجتمعية وغرضيتها، مع مايميز نوع الوعي المنوه عنه من قصور بدئي، وانتهائي بديهي، يقف بمناسبته العقل دون رؤية الخاصيات الرئيسية المميزه للظاهرة المجتمعية ابتداء، فياخذها كتلة صماء غير ناطقة، ولا منطوية على اية دلالات سوى ( التجمع + انتاج الغذاء) ارضاء للحاجات الحيوية ولتلبيتها، بحيث يرى "علماء" المجتمعيات في الانتقال من زمن اللقاط والصيد، الى المجتمعية، وحدة نوعيه تغيرية، بدون قفزه نوعيه، ومن دون ان يخطر لهم، كون الظاهرة المجتمعية التجمعية المنتجه، مشروطة نضجا واكتمالا لازما بكونها ازدواجية وتحولية بنيويا، وان من لايرى هذا الجانب من المجتمعية، لايرى في الحقيقة سوى ظاهرة ميته، بلا ديناميات، ولاسياقات تصيّر، ولا علاقة بالقوانين الكونية، وبفعل "الغائية الكونيه العليا، الحاضر وراء كل مايتصل بالوجود الحي والكوكبي الكوني.
بين طور اللقاط والصيد، والمجتمعية التحوليّة، تمر فترة انتقالية ميزتها الاقتراب من انتاج الغذاء عبر التجمع البشري، فلا تكتمل السيرورة والعملية المجتمعية، وتصير الظاهرة المجتمعية موافقه لذاتها ولكينونتها الميسرة لها، والموجوده لكي تؤديها، الا بظهور المجتمعية الازدواجية التحولية، واكتمال الخارطة المجتمعية البيئية على مستوى المعمورة، بتوزع انماطها الازدواجية، والازدواجية المفترقة احاديا وتدرجات، على الكوكب الأرضي، وبالذات في النقطة البؤرة الممتدة من الشرق المتوسطي عبر البحر المتوسط، الى الضفة الثانيه من البحر، نحو اوربا، ليتقابل ويتفاعل الانشطاران، الافقي الطبقي، مع المجتمعي العمودي المنتمي لمنطقة الاحتشاد النمطي الشرق متوسطي.
يصل البابا الابراهيمي الى ارض الرؤية السماوية، وموطن وبؤرة الازدواج المجتمعي، المقابله المفارقة للرؤية الأحادية، في وقت لن تعود ضرورية او ممكنه ولازمة، كما كانت ابان الزمن وخلال الدورتين والوعيين، الأول الابتدائي، والثاني الوسيط، قبل صعود الغرب الطبقي وبلوغه ذروة ممكنات صعوده وتجليه الحداثي الالي، وماينطوي عليه من احتمالات وممكنات الافنائية للاصل والبؤرة التحولية الرافدينيه الازدواجية، مايضيف الى الاليات الرافدينيه عاملا افنائيا جديدا وتحفيزيا اقصى، يتواكب من جهة أخرى، وفي الوقت نفسه، مع توفر الأسباب المفتقدة التي ظلت تحول تاريخيا دون تحقق العملية التحولية، بنقلها من حالتها التحولية البنيوية الى الانتقال البيئوي المادي العقلي، مايعطي العنصر الجديد المكتشف اوربيا، دورا مختلفا عن ذلك الذي يكون له، ويمارس داخل اوربا نفسها منذ ان تحل الاله مكان الإنتاج اليدوي.
وكما هي الحال مع الابتداء المجتمعي، يتوقف العقل الأحادي حتى وهو في ذروته، عن رؤية آليات واشتراطات الانتهاء، وقرب زوال الظاهرة المجتمعية، وفي حين يكون الانتقال الى الاله منذرا بقرب مثل هذا الطور الأخير والانتهائي، تكرس الأحادية الغربيه اضخم واعلى اشكال التوهميه المرافقه للاله اعتقادا، ومايمكن ان يترتب عليها من افتراضية تقدم لامحدود، هو انعكاس بالدرجة الأساس لإشكالية "انسايوانيه" من حيث الدوافع دون الإنسانية من جهة، ونوع ومستوى الاحاطة من ناحية أخرى.
تنذر " الآلة" بكسر الوحدة المجتمعية البيئية، الامر المفضي مع حضور الأحادية الانسايوانيه، لادخال المجتمعات مسارا من تفاقم أسباب الاقتراب من دخولها على مستوى المعمورة طورا من تاريخها، محكوما لاشتراطات "العيش على حافة الفناء" التي لم تكن تاريخيا وابتداء، منذ ظهور ونضج الظاهرة المجتمعية تحوليا، الا حالة معزوله ضمن كيانيه واحدة، هي كيانيه مابين النهرين، الموكولة بسببها ومن يومها الى الازدواج المجتمعي، والى التحول، الذي يصير لاحقا، وبعد دورتين من تاريخ ارض الرافدين، حالا شاملا كوكبيا بسبب الالة ومايتولد عنها من اختلال خطير، ناجم عن كسر للعلاقة العضوية البيئية المجتمعية، وهو مايكون مصير وحصة المجتمعات الأحادية، بينما يكون حين يتعلق الامر بالاصل المجتمعي التحولي الازدواجي، عاملا تحققيا وانتقاليا نحو مابعد مجتمعية، ابتداء واولا على مستوى الرؤية والاعقال، وانتهاء بنوع الخيار البديل المجتمعي التحولي.
والرؤية الانقاذية للمجتمعات والجنس البشري الحي، المنتظرة اليوم بديلا ومحطة عليا، وريثة الابراهيمة الأولى الأحادية التجليات النبوية، هي "قران العراق" المؤجل، الذي سيكون على بابا الفاتيكان، وكل الباباوات الذين على الأرض، ان يقرأوه ليتنادوا في ضوئه وعلى هديه للقاء عند الأرض التحولية الاولى تحت شعار ومقصد "بناء بيت الله الثالث"، البيت اللابيت، التحققي مابعد الأحادي النبوي، بيت "الغائية الكونيه العليا" بديله صيغة "الله" النبوبة الأولى، وعالم مابعد الموت المنتهي اليوم لصالح عالم انفصال العقل عن الجسد، حيث تنتهي الحاجة للديانات والقراءات الرسالية النبوية التي فقدت ضرورتها وحضورها منذ اخر الأنبياء، وبالذات مع سقوط عاصمة الازدواج التحولي الثانيه بغداد في القرن الثالث عشر.
ليست هذه المره الأولى التي انوه فيها ل"بناء بيت الله الثالث" في سومر، بينما صار بالإمكان الإفصاح في طلب "بناء بيت الغائية الكونية العليا الأول المؤجل" وقد مر مايوجب التنوية باسباب ذكر ما كان عند ابتداء اطلاقه استباقيا، صعب ادراكه كاشارة الى البعيد المشروط بما لم تكن أسبابه جاهزه، او او قريبه الإنجاز، اليوم يمكنني القول: بان "قران العراق" المرتكز الذي على اساسة وبناء عليه، تبدا رحلة التحولية العظمى، قد صار وشيكا، وان حضور البابا اليوم بالذات بعد تأخرغير مفسر، كان بالأحرى لمسة توقيت، ليست ارضوية أحادية باية حال من الأحوال، بما سيجعل منها ليست الأخيرة، وليست من نفس النوع والغرض.
ـ يتبع ـ