تزايد شعبية الماركسية في أوساط الشباب في هولندا


هاشم نعمة
2021 / 3 / 9 - 23:13     

ترجمة وإعداد

تكتسب الماركسية شعبية متزايدة في أوساط الشباب الهولنديين - ليس فقط داخل الحزب الاشتراكي. فعندما تقرأ برنامج المنبر الشيوعي سوف تتخيل نفسك في الجامعات اليسارية في السبعينيات، إذ يرد فيه: يجب تدمير الرأسمالية. يجب أن تدرك الجماهير أهميتها الثورية. «بدون امتلاك وسائل الإنتاج في المجتمع، ليس لديها ما تخسره سوى قيودها». الهدف هو إقامة مجتمع شيوعي. مجتمع بلا دولة، بلا طبقات، بلا مال، بلا فقر وبلا حروب. مجتمع من المنتجين الأحرار يتحكم في الاقتصاد بشكل جماعي. مجتمع محور اهتمامه الناس وظروفها المعيشية، وليس املاءات رأس المال.
هل هناك المزيد من الشباب الذين لديهم اهتمام بالشيوعية؟ نعم من المؤكد. فقد ارتفعت شعبية الأدب الماركسي، بعد الأزمة المالية التي حدثت منذ أكثر من عقد، إذ رأى الشباب أن الرأسمالية لا تستطيع أن تصمد أمام أزمة داخل نظامهما، وبدأوا في قراءة البيان الشيوعي لعام 1848 لماركس وإنجلز.
انضم الطلاب إلى حركة «إعادة التفكير في الاقتصاد»، وهي حركة لا تريد دراسة نظريات اقتصاد السوق فحسب، بل دراسة نظريات أخرى أيضا، وإعطاء المزيد من الاهتمام للممارسة العملية. يمكن أيضا تفسير الاهتمام بالشيوعية والماركسية من خلال نمو الحركات المناهضة لأزمة المناخ والعنصرية. ويرى الشباب داخل هذه الحركات أنهم يواجهون قيود النظام الرأسمالي. فقد قال أووك دن أوتر، عضو الاشتراكيين الدوليين، أنه بصفتهم «اشتراكيين ثوريين، يتبنون إجراءات خارج البرلمان»، إن الرأسمالية هي جوهر ما يناضلون ضده، ولذا فهم يبحثون بشكل منطقي عن بديل. وأضاف أوتر إن جذور العنصرية والرق توجد في الرأسمالية، وإن النمو القائم على استنزاف الأرض ليس بلا حدود كما يعتقد الرأسماليون عادة.
لعل أهم تفسير للاهتمام بالشيوعية هو أن الشباب يفقدون ثقتهم في نظام يجعلهم منذ وقت طويل الجيل الأول الذي يصبح أسوأ من الجيل الذي سبقه. يقول إيوالد إنجيلين، أستاذ الجغرافيا المالية في جامعة أمستردام: «غالبا ما لا يكون لديهم عقد عمل دائم ولا رواتب تقاعدية ولا يمكنهم الوصول إلى سوق الإسكان. إنهم يعانون من سوء التعليم ونظام الإقراض الباهظ الثمن. هناك مناخ يذهب بهم إلى وضع أسوأ؛ إذ سيتم توزيع تكاليف الإجراءات ضد كورونا على العمال خلال السنوات العشر إلى الخمسة عشر القادمة."
تشهد الماركسية عملية إحياء ملحوظة. «الرأسمالية هي نظام مدمر لا يمكن أساسا أن يعمل بدون استغلال»، كما يقول جوس أوتجرز من مدينة أوتريخت، أحد الشباب الذين طردوا مؤخرا من الحزب الاشتراكي بسبب عضويته في المنبر الشيوعي: أولئك الذين يعملون في شركة يعرفون أن رئيسهم دائما ما يكسب منهم أكثر مما يكسبون. هذا ضروري لتحقيق الربح. ولكن هذا يؤدي إلى عدم المساواة في كل جانب من جوانب المجتمع. إذ تعارض مجموعة صغيرة من أصحاب رؤوس الأموال الجماهير العاملة الواسعة. إن هذا الصراع يؤدي إلى صراع اجتماعي.
عمل هذا الشاب في العشرينيات من عمره في وظائف مختلفة لمدة ست سنوات، يقول: أعمل الآن في مركز اتصال، ولكن قبل ذلك كنت أعمل كمحصل وعملت بوظيفة فرز البريد. عملت أيضا في مطبخ ماكدونالدز. لقد كنت ماركسيا بالفعل عندما بدأت العمل هناك. وفقا للنظرية الماركسية، كان عملي أكثر مما حصلت عليه في المقابل. كان راتبي منخفضا. ساعات طويلة من العمل وفترات راحة قليلة. وكانت ظروف العمل الآمنة غير متوفرة. وكان زملائي في حالة يرثى لها، ولم يتمكنوا من تغطية نفقاتهم. كثير
من العاملين لا يجرأون على التحدث إلى رئيسهم حول هذه الظروف؛ إنهم يخشون فقدان وظائفهم. ومع ذلك يمكن أن يتغير ذلك؛ إذ الظروف السيئة تخلق الأساس لعالم مختلف.

لا دعوة للحرب الأهلية

يتفق طالب القانون من مدينة نيميغن «بشكل عام» مع برنامج المنبر الشيوعي، على الرغم من أنه يشير إلى الكفاح المسلح. «هذه ليست دعوة لحرب أهلية أو أي شيء آخر». سيبدأ هذا الكفاح المسلح بمجرد ظهور «المقاومة» في ظروف تغيير علاقات الإنتاج في الدولة الاشتراكية الجديدة. «من المنطقي التفكير في كيفية تعاملك مع هذه المقاومة». إذا قمت بتبني الصراع الطبقي، يجب أن تكون قادرا على الدفاع عن نفسك. هناك أناس أكثر مسالمة. لكن لا أعتقد أن هذه فكرة مجنونة. كثيرا ما أذكر مثال الرئيس المنتخب ديمقراطيا أليندي في تشيلي. لقد أراد تنفيذ الإصلاحات وأبعاد الجيش عن السياسة.
كيف يمكن أن تبدو هولندا بصورة مثالية؟ نحن نسعى جاهدين من أجل نهاية الرأسمالية. نريد تحقيق ذلك من خلال الديمقراطية وعلى أساس الفوز بالأغلبية، ولكن ليس من خلال الانقلابات المسلحة أو الهجمات أو ما شابه. أخذ مثال من الدول الشيوعية السابقة لا يبدو أنه مثال جيد بالنسبة له. «الاشتراكية الحقيقية لم تكن نجاحا باهرا. إن الاقتصاد المخطط الذي يخضع لسيطرة بيروقراطية مشددة، مع القيود المرتبطة بالحريات الشخصية، لا يبدو الطريق الصحيح بالنسبة لي «.
ليفين في العشرينيات من عمره، عضو مجلس إدارة حركة الشباب الشيوعي، وهي قسم شبابي في الحزب الشيوعي الجديد في هولندا، لا يريد نشر اسمه الأخير؛ لأن ذلك يمكن أن يضر بحياته المهنية. يقول «هناك صراع طبقي مستمر. هناك مجموعة صغيرة من الرأسماليين المسيطرين ... في وظيفتي الأولى، دافعت عن المستحقات المالية القانونية، مثل المزايا في حالة المرض وكنا على حق، لذلك لم يتم تجديد عقدي ولم يكن ذلك بسبب عدم قيامي بعملي بشكل صحيح. بعد ذلك لم أحصل على وظيفة في القطاع الذي كنت أعمل فيه في ذلك الوقت «.
يتجنب الشيوعي الشاب من مدينة هارلم النقد القوي للشيوعية. «يجب أن ندرك أن تاريخ الاشتراكية كتبه الرابحون الرأسماليون الذين لديهم كل الاهتمام بتصوير الاشتراكية على أنها مستحيلة وغير إنسانية»، كما يقول. ووفقا له، فقد تم تحقيق الكثير في أوروبا الشرقية. «نحن نعرف الكثير من القصص الإيجابية. بشأن السلام والضمان الاجتماعي والعدالة؛ لقد فقد الناس ذلك في ضربة واحدة عام 1990 «.
يقول ليفين إن النضال من أجل دولة اشتراكية أصبح ضروريا أكثر من أي وقت مضى. «كثير من الشباب مستعدون لبديل للرأسمالية. خذ تغيّر المناخ على سبيل المثال. إنهم يرون أن السياسة تعمل بفتور على هذا الجانب وأن قادة الاقتصاد والأعمال حريصون على الاستمرار، ووضع تكلفة التغيير على عاتق الشباب. فعلى سبيل المثال، محطات الطاقة التي تعمل بالفحم مغلقة، ولكن بعد ذلك يتعين علينا دفع تعويض عن الأرباح المفقودة في المستقبل. هذا جنون كبير".
إضافة إلى المعاناة الشخصية للشباب، يمكنك أن تشعر بأن الوعي الطبقي ينمو بحسب تعبير لينين. يقول ليفين: «لدي عمل دائم، لكن صديقتي تعمل في مجال التعليم وتنتقل من عقد عمل إلى آخر. كيف نبدأ كعائلة؟ نحن بحاجة إلى دخلين لتغطية نفقاتنا. نحن نعيش في منزل طلابي سابق في هارلم، لكنه لا يكفي لعائلة «.
ويقول أووك دن أوتر من الاشتراكيين الدوليين: رأى النشطاء الراديكاليون أنفسهم كبديل عن الجماهير. نحن نرى ذلك بشكل مختلف. إن المسألة تتعلق بقوة الجماهير، كما تراها في الإضرابات. إذ تقع السيطرة بصورة ديمقراطية على الاقتصاد على عاتق الجماهير، وليس على عاتق مجموعة صغيرة من الراديكاليين الذين يفرضون الثورة من خلال الكفاح المسلح."
ويضيف أوتر: هناك انقسام مصطنع بين السياسة والاقتصاد. الاقتصاد غير ديمقراطي. إذ في الشركة، يحدد المدير أو مجلس الإدارة كيف تقوم بعملك وكم تكسب. لا توجد ديمقراطية في مكان العمل.
على سبيل المثال، تأسست قبل بضعة أشهر جمعية تريد تعزيز تضامن الطبقة العاملة. ومن أهدافها: «نسعى جاهدين للارتقاء بأنفسنا ماديا وثقافيا». أحد المؤسسين هي سينا تركسيما، طالبة التاريخ في مدينة خرونينغن. تقول: «يعيش الكثير من الشباب حياة صعبة». وتضيف، "تضم الجمعية الآن ثمانين عضوا. هذه بداية واعدة، خاصة في زمن كورونا... الاشتراكية ليست أكبر حركة سياسية في هولندا. لكننا ننمو بقوة. أنا مقتنعة بأننا سنصبح قوة كبيرة جدا."

الترجمة عن: صحيفة NRC Handelsblad
12-13 كانون الأول| ديسمبر 2020