قضيّة المرأة قضيّة طبقيّة


سمية العثماني
2021 / 3 / 8 - 23:37     

إنّ قضيّة المرأة من بين القضايا التي طالها الكثير من التشويه والتّحريف من طرف البرجوازيّة, إذ تجد هذه الأخيرة سبّاقة إلى رفع الشعارات حول "حقوق المرأة وحرّيتها" وإلى توزيع باقات الورد والتبريكات كلّما حلّ الثامن من مارس، هذه المحطّة النضاليّة التاريخيّة التي طالها التّشويه هي الأخرى لتصبح "عيدا للمرأة".
أية حرية؟ أيّ عيد؟ أية امرأة؟
كلّها تساؤلات تطرح نفسها، لكن قبل التّطرق إلى التّفصيل فيها سأحاول جاهدة الانضباط إلى الطريقة العلميّة في النقاش والبدء بالحديث عن السياق التاريخي لقضيّة المرأة.

إذا نظرنا إلى وضع المرأة في المجتمعات الرّأسماليّة وأخصّ هنا كلّ النساء اللواتي ينتمين إلى الطبقة المضطهَدة (العاملات، الفلاحات...) سنجده وضعا مزرياً، وهذا أقل ما يقال عنه، إذ أنّ هذا النظام الوحشيّ الذي لا يرى في الإنسان سوى قوّة عمله واستغلالها من أجل جني الأرباح وفائض القيمة، يعتبر المرأة اليد العاملة الرخيصة، وجزءًا من جيشه الاحتياطي للعمل الذي يُستدعى أثناء الأزمات الاقتصاديّة ومتى ما كان هناك نقص في اليد العاملة... هذا دون الحديث عن التحرش والاستغلال الجنسي الذي تتعرض له هؤلاء النساء من طرف ربّ العمل، وعن معاناتهنّ داخل الأسرة واضطهادهن من طرف ربّ البيت، وعن تسليعها وجعلها دمية بين أيدي الشركات الرأسماليّة للإشهار والدعارة...

لكنْ! الوضع لم يكن دائما كما هوّ عليه ولن يبقى دائما على ما هوّ عليه!
فتاريخ المجتمعات البشريّة شهد ما يسمّى بالمشاعة البدائية؛ أوّل نظام اقتصادي اجتماعي وجد عبر التّاريخ؛ حيث كانت علاقات الانتاج تقوم على الملكية الجماعيّة لوسائل الانتاج (أدوات الانتاج، الأراضي، المساكن...)، وتقسيم العمل يتم على حسب الجنس والسّن، وتأمين قوت العيش يحدث بتجميع وتضافر جهود كلّ أفراد العشيرة، أما توزيع المحاصيل فكان يحدث بشكل متساوٍ على الجميع...
في هذه المرحلة التاريخية، كان دور المرأة في الانتاج مهمّا جدّا، إذ كانت تهتم بالاقتصاد البيتيّ للعشيرة بأكملها، وبهذا احتلت مكانة متميّزة، فكانت تمتلك حقّ النسب وكانت تحظى باحترام وتقدير كلّ أهل العشيرة.
لكن! مع ظهور أول تقسيم كبير للعمل، وبالتالي أول تقسيم كبير للمجتمع إلى طبقتين طبقة تمتلك وسائل الإنتاج وأخرى لا تمتلك سوى قوّة عملها ظهرت كل أشكال وأنواع الاضطهاد والاستغلال ومن بينها اضطهاد واستغلال المرأة.
إنّ اضطهاد المرأة إذن لم يوجد منذ الأزل، بل ظهر في مرحلة تاريخيّة معيّنة، وهيّ مرحلة انقسام المجتمع إلى طبقات وظهور الملكيّة الخاصة، وهيّ أسباب اقتصاديّة واجتماعيّة عكس الأسباب التي تدّعيها البرجوازيّة (الاختلافات البيولوجيّة بين المرأة والرجل، أفكار الرّجل...)؛ ولن يبقى إلى الأبد بل سيزول بزوال الطّبقيّة... وهذا بالضّبط ما يميّز الماركسيين اللينينيين في تحليلهم لقضيّة المرأة، واعتبارها قضيّة طبقيّة وربطها جدليا بظهور الصراع الطّبقي.

لقد جعل النظام الرأسماليّ المرأة مجرد وسلة لتحقيق المزيد من فائض القيمة، فهيّ إمّا عاملة رخيصة تعمل لساعات من أجل المزيد من الأرباح، أو جسد يصلح للإشهارات والإعلانات التّجارية، أو قطعة لحم للدعارة
-هذا السّرطان الملازم للمجتمع الطّبقي-، أو مجرد آلة للتنظيف نهارا وجسد يتمطّى ليلا، دورها الوحيد هو إنجاب المزيد من اليد العاملة، الحفاظ على العادات والتقاليد الباليّة وتكريس الأفكار الرجعيّة والظلاميّة داخل الأسرة...

وسط كلّ هذا البطش والاستغلال الذي تعيشه المرأة المضطهَدة نجد البرجوازيّة في شخص بعض الجمعيات والحركات النسائية الليبراليّة لا تتعب من النهيق مدّعية دفاعها عن "حقوق المرأة وحرّيتها" رافعين شعارات فارغة هدفها تسليع المرأة أكثر، تشييئها أكثر واستغلالها أكثر وأكثر.
إنّ مطالب النّساء البرجوازيّات؛ التي هيّ في الأساس المطالبة بالمشاركة في عمليّة تراكم رأس المال واستغلال العمال؛ أبدا أن تكون هيّ مطالب النساء العاملات اللواتي يدافعن عن تحرّر المرأة ورفيقها الرّجل من الاستغلال الرأسمالي.

عاشت المرأة العاملة، عاشت الطبقة العاملة، عاش شهداء وشهيدات وطننا الجريح وعلى رأسهم الشهيدة سعيد المنبهيّ خير من مثّلت المرأة الشيوعيّة المناضلة، وخير من دافعت عن قضيّة المرأة حتّى وهيّ داخل أسوار السّجن حيث كتبت عن عاملات الجنس ومعاناتهن، وعن والعوامل الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي دفعت بهنّ لبيع أجسادهنّ؛ مسلّطة الضوء على ظاهرة الدّعارة التي قالت عنها الشيوعيّة ألكساندرا كولونتاي "ابنة النظام الرأسمالي".