مصالحة الذاكرة أم التوبة؟


حسن مدن
2021 / 3 / 7 - 15:41     

قبل أقل من عام حين أعادت فرنسا إلى الجزائر رفات 24 مقاتلاً من المناضلين الجزائريين ضد الاستعمار الفرنسي كانت جماجمهم محفوظة في متحف فرنسي، قال الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون إن هذه الخطوة «تندرج في خانة الصداقة والوضوح حول جميع جراح تاريخنا». ويومها قلنا إن الشطر الثاني في عبارة ماكرون هي الأهم، فالوضوح حول جراح التاريخ هو المطلوب، وعلى أهمية ما فعلته فرنسا، يومها، من وجهة النظر الرمزية، بإعادة رفات الشهداء الجزائريين ليوارى في تراب وطنهم، فإن المطلوب منها ما زال كثيراً.
قبل أيام، خطا ماكرون خطوة أخرى تحسب له، لم يجرؤ عليها رئيس فرنسي قبله، حين أعلن، خلال استقباله أحفاد الشهيد الجزائري علي بومنجل، اعتراف الحكومة الفرنسية بأن قواتها في الجزائر عذّبت واغتالت جدهم المحامي والمناضل الوطني، في 23 مارس/آذار 1957خلال معركة الجزائر العاصمة، وأنه لم ينتحر كما زعمت فرنسا يومها، في محاولة للتغطية على الجريمة.
الرئاسة الفرنسية قالت في البيان الذي تضمّن اعتراف ماكرون بجريمة بلاده، بأن علي بومنجل قد أودع في السجن وجرى تعذيبه، ثم قتل، وكان الرئيس السابق للاستخبارات الفرنسية في الجزائر العاصمة، بول أوساريس قد اعترف بأنه هو، شخصياً، من أمر أحد مرؤوسيه بقتل بومنجل وإخفاء الجريمة على أنها انتحار.
وعد ماكرون أحفاد الشهيد باستعداده «لمواصلة العمل الذي بدأ منذ سنوات عديدة لجمع الشهادات وتشجيع عمل المؤرخين من خلال فتح الأرشيف، من أجل إعطاء عائلات جميع المفقودين على ضفتي البحر الأبيض المتوسط الوسائل لمعرفة الحقيقة». ويأتي ذلك في إطار مبادرات أوصى بها المؤرخ بنجامان ستورا في تقريره حول ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر.
بيان الإليزيه قال إن هذه المبادرة «ليست عملاً منعزلاً»، وإنه «لا يمكن التسامح أو التغطية على أي جريمة أو فظاعة ارتكبها أي كان خلال الحرب الجزائرية»، لكن ماكرون الذي تحدث عما وصفه ب«مصالحة الذاكرة»، ما زال بعيداً عن تقديم «أي اعتذارات أو توبة»، وهو أمر يبقي ما أعلن، وقد يعلن عنه مستقبلاً، من خطوات في هذا الاتجاه أقلّ بكثير من المطلوب، لطي الصفحات الموجعة في التاريخ الاستعماري لفرنسا، لا بهدف النسيان، لأنه غير مسموح به في مثل هذه الحالات، وإنما لاستخلاص الدرس والعبرة الضروريين مما جرى، كي يصبح الاستعمار ذاكرة سوداء مؤلمة، لا حاضراً يتجدد.