البابا يدعو لمطالب تشرين !


مهند البراك
2021 / 3 / 7 - 15:40     

اثر تراكم احداث متنوعة صعدت اور الى لائحة التراث العالمي اواخر القرن الماضي، الأمر الذي ادىّ بالبابا الفقيد يوحنا بولس الثاني ان يعلن عن برنامج لزيارة العراق و زيارة اور و ترسيمها كمنبع الديانات الإبراهيمية في العالم عام 2000، داعياً الى حوار الديانات فيها . . الاّ ان ظروف الحصار الدولي على البلاد و منع السفر اليها ادّت الى تأجيل الزيارة و الى الغائها رغم بقائها على جدول النشاط البابوي منذ ذاك.
و الآن و منذ ان اشارت وكالات الانباء و الصحف العالمية عن عزم البابا فرانسيس زيارة اور و انجاز البرنامج البابوي بلقاء الديانات الإبراهيمية، الذي تطور الى خطوة عالمية كبرى باللقاء مع المرجع الديني الأعلى لشيعة العالم الإسلامي السيد علي السيستاني الذي شكّل نقلة كبيرة و على مستوى اعلى على طريق لقاء الأديان.
و رغم الصعوبات الكبيرة التي تمرّ بها البلاد امنياً اثر تصاعد اعمال المنظمات الارهابية من داعش و الى مجاميع الكاتيوشا و الميليشيات، اضافة الى جائحة كورونا العالمية، الاّ ان البابا فرانسيس الذي عرف عنه نشاطه المثابر لتجديد برامج و توجهات بابوية الديانة المسيحية الكاثوليكية لصالح مكافحة الفساد و السلوكيات اللاأخلاقية، و لصالح الانحياز اكثر للطبقات و الفئات الفقيرة و المحرومة و اعماله لصالح ضحايا الحروب و اللاجئين بسببها، كما برز دوره قبل سنوات في انقاذهم عبر البحر الابيض المتوسط حين قُطعت الطرق بالعنف . .
و امام اصراره على زيارة العراق الذي دمّرته الحروب و النزاعات الدينية و الطائفية التي تسببت بهروب اكثر من مليون من السريان المسيحيين العراقيين و خساراتهم اموالهم و املاكهم، و تسببت بالسبي الظالم الوحشي لأيزيديي العراق و نسائهم على يد عصابات داعش الإجرامية و غيرها الكثير، حتى صارت اخبار البلاد لاتتعدى اعمال الإرهاب و ضحاياه و صراعات كتله الحاكمة من اجل المصالح الأنانية، اضافة الى انباء تصديّ شباب اكتوبر السلميين و مواجهاتهم البطولية لأنواع الميليشيات، من اجل حقّهم بوطن آمن و العيش فيه مكفولي الحقوق الاساسية كإنسان، في العمل و السكن و الصحة و التعليم . .
يزور البابا فرانسيس العراق بصفته ( حاجاً طالباً الغفران ) على حد تعبيره، لإبرازه الأهمية الكبرى للعراق و مكوناته في الحضارة العالمية الى اليوم، في زيارة شكّلت دفعة كبيرة للروح المعنوية للشعب العراقي بكل مكوّناته و سنداً للاخوة المسيحيين و للديانات الثانية، دفعة للروح المعنوية للشعب و هو يعاني من السلاح المنفلت و الفساد و يحلم بالتعايش معا و السلام و باهمية التسامح . .
زيارة صعّدت الفرحة في قلوب و عقول العراقيين المتعطشين لها بزيارة شخصية عالمية يتبعها اكثر من مليار و نصف من سكان الأرض، و تتبعها و تتأثّر بها و باحكامها و آرائها اكثر الدول تقدما في العالم و اكبر الإتحادات الصناعية فيه . . شخصية مدنيّة كبرى تدعو للسلام و التسامح و الحرية و حقوق البشر . . توقد الشعور بأن العالم لم ينسانا، و ابرزت نضال شباب العراق و مايجري فيه على الشاشات و المواقع الدولية المتنوعة . .
و قد ادان البابا في خطبه و احاديثه التي مسّت مشاعر العراقيين باطيافهم و كأنه من اهل العراق، ادان بشدة استخدام الاديان لممارسة العنف، و ادان السلاح المنفلت و الفساد و الى وقف استخدام السلاح في حل الازمات، و عبّر بثقة عن ان العراق الذي عاش التنوع الديني و الثقافي لآلاف السنين، يشكّل اساساً لإمكانية عودة التعايش فيه بشكل اعتيادي بشرط حماية قانون نافذ قابل للتطبيق بقوة الدولة ان أُحكم بنائها، و حمّل مسؤولي دولته في كل المواقع تلك المسؤولية .
و فيما يرى اوسع المراقبين ان الزيارة اظهرت لأول مرة اور و اهميتها التاريخية و الحضارية للعالم و بكونها تشكّل مركزاً للحج لملايين الحجاج من كل الديانات الابراهيمية، التي ستشكّل مفصلاً فاعلاً في دعم اقتصاد البلد . . فإن كثيرون يرون بأن دعوات البابا للاصلاح هي عين مطالبات ثوار تشرين السلميين التي صارت حتى الكتل الحاكمة ترفعها في النهار لتمزقها و تلغيها في الليل، الاّ ان الزيارة و بعيداً عن حسابات امور كثيرة عرّت واقع الحكم في البلاد اكثر و تشكّل رافعة جديدة كبيرة للضغط الاممي السلمي على حكّامه الفاسدين، و مناخاً اوسع لتصعيد النضالات من اجل الاصلاح الحقيقي !

7 / 3 / 2021 ، مهند البراك