ماركس الطبقي واوربا التحوليّة؟/4


عبدالامير الركابي
2021 / 3 / 2 - 14:19     

مع " الالة" تدخل المجتمعات البشرية زمن التحوّل المنتظر منذ بدء الظاهرة المجتمعية، واولى تبلوراتها، بعد الدورتين اللتين تكون بؤرتها الاساس الرافدينية الازدواجية الإمبراطورية قد مرت بهما، خضوعا لقانون الدورات والانقطاعات المحكومة به، بما هما حالتي صعود باتجاه التحول غير القابل للتحقق في حينه، واختفاء لانتفاء ممكنات العيش والاستمرار ابان الزمن الأحادي، وقبيل بدء الزمن التحولي، تكون الأرض التحولية البؤرة في حال مغادرة ل"الانقطاع" الثاني المستمر من سقوط بغداد عام 1258 حتى القرن السادس عشر، حين بدات أولى تبلورات التشكل الثالث الحديث، من نفس ارض سومر جنوبا، مع ظهور "اتحاد قبائل المنتفك" تحت طائلة استمرار خضوع العاصمة الإمبراطورية المنهارة، للاحتلالات، وتعاقب السلالات المحتلة المتعسكرة فيها، وصولا لاخرها، العثمانيون الذين يتزامن وصولهم العراق مع بدء عملية تشكله الحديث.
وفي حين تواصل عملية التشكل الحديثة الرافدينية مسارها الصعودي من الجنوب السومري، شاملة ارض السواد، مجتازة محطتين وحقبتين: الأولى قبلية، والثانيه دينيه انتظارية، فانها تمتاز اليوم باختلافات جوهرية عما عرفته في الدورتين الصعوديتين السالفتين: الأولى السومرية البابلية الابراهيمه، والثانيه العباسية القرمطية الانتظارية، من ناحية أساسية هامه، كون التشكل الحالي انبثق واستمر منبعثا ضمن اشتراطات لم يعرفها من قبل، فالصعودية الكيانيه الازدواجية كما ثبت من مساراتها التاسيسية والوسيطه، تكاد تشترط لاجل اكتمالها تشكلا يخلو ابانه محيطها لجهتي الشرق والغرب، من المصدات والعوائق، فضلا عن المنافسه الاقوامية والامبراطورية، وهو ماكانت قد امنته في الدورتين الأولى والثانيه، البكورية، والسبق التاريخي الزمني الرافديني تبلورا، في الدورة الأولى، ومن ثم بسبب الفتح الجزيري الذي ازاح من على كاهل المنطقة ثقل الامبراطوريات الشرقيه والغربيه، وبسط المجال بعيدا الى الهند وحدود الصين شرقا، والى اوربا غربا، وليست هذه بالخاصية بالعارضة، بقدر ماهي متعلقة بطبيعه وكينونة الكيانيه الازدواجية الرافدينيه، غير المهياة لمثل هذا التصادم التغلبي مع المحيط باشكاله البنيوية، الشديدة الصلادة الأحادية بنية، بالقياس الى بنية التحولية الازدواجية الهشه تكوينا، باعتبار اختلاف طبيعتها البنيوية نوعا.
بهذا تكون البؤرة التحولية قد وصلت الى الدورة التحوليّة النهائية، حيث امكان تحقق ماكان متعذرا في الدورتين الأولى والثانيه، مع اختفاء الإمبراطورية كتجسد كياني هذه المرة، من دون توقف عمل الياتها البنيوية التاريخيه، فالتحوّل المجتمعي وتحققه، حل في الدورة الراهنه مكان الإمبراطورية المتعذرة على التحقق بفعل المفتقد الناقص الأساسي، اللازم للانتقال، أي العامل المادي الضروري لاستكمال عملية الانتقال البنيوي التحولي، مضافا له العامل المفهومي الأساس " قرآن العراق "الذي لاتحول من دونه رافدينيا وعلى مستوى المعمورة.
لاتسير عملية التصير المجتمعي التاريخي على مستوى المعمورة، محكومة للصدفة، او لاي شكل من اشكال الخروج عن القانون التحولي الناظم للوجود الحي ومستهدفاته، وغزارة وتنوع تفاعليته، ومتغيرات ايقاعها، من الإمبراطورية في الدورتين السالفتين، الى "قرآن العراق"، بما هو الضرورة العظمى القاضية بقلب الرؤية البشرية على مستوى المعمورة لكي تتلائم مع اشتراطات وموجبات التحوليّة، بنقلها من الأحادية الى التحولية الازدواجية، الامر الذي يتعاظم حدة وتفاقما، في الوقت الذي تكون فيه الأسباب المادية للانقلاب التحولي قد صارت حاضرة ومتوفره، أي مع الانتقال الى "الآله" ومايرافقها من نهوض اوربي حديث نموذجي، وعلى صعيد الأفكار، ما يمنحها ويجعل منها حالة اقرب للاستثناء، مهيمنه طاغية على العقل على مستوى المعمورة، تكرس حالة من التناقض، بين الفكرة الغالبه، والتصور على المستويات الحياتيه كافة، وبين وسائل الإنتاج المستجده، باعتبار الالة وسيلة تحولية طبيعية، كانت وظلت المجتمعية تنتظرها طيلة التاريخ السابق على انبثاقها، ومنذ وجدت الظاهرة المجتمعية التحولية، العتبة المجتمعية الاولى.
من بين، ان لم يكن من اهم ماتشيعه الظاهرة الغربية الالية المصنعيه، مكرسة إياه من الظواهر الفكرية الأحادية، المنظور الطبقي الماركسي باعتباره قمة ومنتهى الرؤية الانشطارية الطبقية الغربيه، المحدودة بحدود وضمن نطاق ماممكن ان توحي به، او تسمح ببلوغه تصورا كشكل آلية ومال، ومستهدفات، الشيوعيه هي شكلها ومستقرها الأعلى، وبما ان التاريخ المجتمعي برمته كان ومايزال محكوما للقصور على مستوى الرؤية، وصولا الى غلبه المنظور الأحادي التابيدي المجتمعي، فمن البديهي توقع المرور اليوم بطور جديد ومحطة أخيرة من محطات التفارقية، بين حركة التاريخ، والياته وجوهرها، وبين وعي الانسان بها، هذامع التنبه الى ما يصل اليه هذا الوضع التناقضي من مستوى هو الأعلى والارفع، قياسا بما كان معروفا على مستوى ودرجة تمكن الرؤية الأحادية، ومقدار حيازتها للمصداقية والقرب من عالم "الحقيقية"، وفد صارت اقرب للاطلاق، وهو مايبدو من قبيل الذروة التصادمية والنهائية حين تكون بقمة احتداميتها الدراماتيكيه العقلية.
لا "آلة" فاعلة ضمن مامقرر لها داخل حركة التاريخ والياته، اذا هي لم تنفصل عن الأحادية،كليا، لتنتمي لما هي موجودة لاجله، وميسرة لكي تؤدية من دور ومهمه على مستوى التاريخ التصيري ومآله المجتمعي. وهو مالن يكون ممكنا او متاحا على الاطلاق، من دون الثورة العقلية الازدواجية التحولية، تلك التي تنهي القصورية التاريخيه الملازمه للعقل وعلاقته بظاهرة المجتمعات، الامر الذي سيوجد حالة وشكل سيرورة غير مسبوقة على مستوى المعمورة والحياة، تصبر الأحادية ومنظورها، مع نموذجها الحداثي الأوربي، للمرة الأولى ابانه، اعلى وارفع بنية وكينونه، ومستوى وحضورا على مستوى المعمورة، مع انها تكون في الوقت نفسه، وفي تلك اللحظة بالذات، خارج زمنها،واقل مما سبقها من نوعها وصنفها الأحادي، رسوخا وثباتا، ومن ثم ديمومة، بينما تكون ايله جوهرا الى مغادرة موقعها، وماتنتمي اليه تاريخيا كظاهرة قصورعقلي.
فبل ان توجد الالة، كانت الأحادية هي الغالبه، وهي السائده عقلا وتفكرا، ولم تكن خارج زمنها، او في حال تناقض مع موجبات وأسباب وجودها، فالقصورية العقلية هي خاصية طبيعية، ومظهر ضرورة متصل بالكينونه والتصير المجتمعي العقلي، ومراحله وممكنات اكتماله، وهو يستمر على تلك الحال من التفاعليه والدورات اللاتحققية، الى حين انبثاق الالة ومايرافقها ويواكبها وينتج عنها، ومن وقتها يحل على المجتمعات طور مختلف عما سبقه، هو مايمكن ان نطلق عليه اسم "طور التحولية الأحادي"، فالاله منذ ان توجد، يحل زمن واوان التحولية وتحققها، بتوفر العنصر الناقص الذي استمرغيابه يحول دون ان تغدو حقيقة معاشه، ومن ثم الى زمن بذاته، مختلف عما سبقه من تاريخ مجتمعي، الا ان الآلة بذاتها، ومع انبثاقها لاتكون، وهي غير مؤهلة،خصوصا وانها انبثقت خارج محيطها الطبيعي المتطابق مع وظيفتها بنيويا، لان تتخذ موقعها الملائم لها، والمتطابق معها، الا بالثورة الكبرى المفهومية، والا بحصول الانقلاب العقلي، من الأحادية وسطوتها التي تكون قد مرت عليها عشرات القرون، الى العقل المتحرر من هيمنه الظاهرة المجتمعية بصيغتها الأحادية ابتداء.
تستغرق فترة " التحوليّة الأحادية"، المدة بين انبثاق الاله، و"قران العراق"، ولايدخل العالم، وابتداء ارض الرافدين، والشرق متوسطية، عدا عن غيرها من مواقع تحولية رئيسية على مستوى العالم، مهياة للالتحاق بالاليات التحولية، وبمقدمها المجتمع الأمريكي المفقس خارج رحم التاريخ، والذي سيتحول مع "قرآن العراٌق"، من مجتمع مستبدل مستلب، خاضع للتحولية الأحادية الراسمالية وسطوتها، وهيمنتها المفهومية النافية لذاته، الى المكون الثاني المهيأ للالتحاق بنية وتركيبا بالكيانيه الجديده، بعد تحررها من وطاة الاستلاب الغربي النلفذ منذ نشاتها على ذاتيتها وكينونتها ماوراء الاحادية، مع ماهي مؤهله لادائه من دور تحولي بحكم كونها موضع مابعد الالة، وموجدة زمن "التكنوترونيا"، الضروروة الأعلى المطابقة لمقتضيات واشتراطات الإنتاجية مابعد المجتمعية، حيث يؤسس لزمن مابعد الإنتاج الموجه لارضاء الحاجات الانسايوانيه الحيوية، الى انتاج "الانسان" نفسه المتحررة من وطاة الجسدية الارضوية واشتراطاتها، وفعل حاجاتها البيولوجية الراهنه.
ظل "قران العراق" مطويا ومؤجلا، مادامت عملية التحقق التحولي مؤجله ماديا، ومن ثم فعليا، تنتظر يوم توفر الأسباب الانتقالية التحولية الالية والتكنولوجيه، ماقد أتاح وترك للمنظور الأحادي المجتمعي القصوري العقلي، المجال والفرصة لكي يكون سائدا وغالبا، بينما الموضع والمكان التحولي بنيويا أصلا وبالاساس، يمر بالدورات والانقطاعات السائرة الى حيث، والى الساعة التي يتوفر عندها مايتطابق مع البنيه التحولية. ووقتها تصير عملية انبثاق الرؤية التحولية ، مع الالة وانبثاقها، وحدة انقلابيه دهرية، معها ينتقل الكائن البشري من المجتمعية، الى مابعد مجتمعية، وتنتهي صلاحية الظاهرة المجتمعية بعد تاديتها دورها والمطلوب منها، ومن وجودها بالاصل، باعتبارها حالة تصير وارتقاء عقلي، صاعد ومستمر منذ انبثاق العقل في الجسد الحيواني، الى تحرر العقل واستقلاله تحقيقا لغرضية انتقاله الى الاكون العليا، ومغادرة الكوكب الأرضي المهيأ هو الاخر لمهمه ودور محدد بزمن.
ـ يتبع ـ