زيارة البابا للعراق، -لإعلاء قيمة الانسان- !!؟


احمد عبد الستار
2021 / 3 / 1 - 20:08     

مع اقتراب زيارة بابا الفاتيكان للعراق، كثُر الحديث في مدينة الناصرية، بين المثقفين، واوساط اجتماعية أخرى، لما تتضمنه هذه الزيارة من أهمية، تاريخية ودينية، وسياسية؛ حسب ما يعتقدون ومنهم من يعّدها مصدر فخر للمدينة، ليرتفع شأنها بين مليارات البشر حول العالم. ومنهم من يرى ويكتب بأن هذه الزيارة وإن كانت متأخرة؛ هي أقل ما تستحقه الناصرية التي نشأ فيها أول حرف، ومنها انطلقت الدعوة الابراهيمية...الخ. كما أعلنت العتبة الحسينية إنها ستجهز الناصرية بباصات كهربائية وسرادق حديثة، وفرش أرضية استعدادا لهذه الزيارة. ووجه ايضا وزير الكهرباء ماجد مهدي الامارة، بإعداد خطة مستعجلة لتوفير متطلبات مدينة اور الأثرية من كافة النواحي المتعلقة بقطاع توزيع الكهرباء للمساهمة في إنجاح زيارة بابا الفاتيكان.
الكاردينال لويس ساكو بطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق، شرح تفاصيل زيارة البابا ونفهم منها بأنه ... سيلتقي المرجع الاعلى علي السيستاني، لتوقيع وثيقة "الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي"، وسهل نينوى واربيل حيث سيقيم قداسا في إقليم كردستان الذي لجأ إليه عدد كبير من المسيحيين بعد هجمات تنظيم الدولة الإسلامية على بلداتهم وقراهم، وبغداد، ومدينة اور في الناصرية منطلق ابراهيم ابو الديانات الابراهيمية.
الزيارة هذه تأتي استجابة لدعوة من الحكومة والكنيسة الكاثوليكية العراقية، والطرفان (الحكومة والكنيسة)، يهدفان لجني مكاسب سياسية، ودينية، من هذه الزيارة.
الحكومة العراقية الحالية، تسعى لكسب سمعة سياسية امام انظار العالم، ومحليا ايضا، بخطوتها بدعوة البابا لزيارة العراق، وتلبية الاخير لهذه الزيارة التي وصفت على مستوى الاعلام العالمي بأنها "تاريخية" وحقا فالزيارة هذه هي اول زيارة على الاطلاق يقوم بها بابا الفاتيكان لمكان مثل العراق. وما يترتب على هذه الزيارة من اهتمام اعلامي وصدى واسع، يعزز انطباع وإن كان شكلي، لدور الحكومة في فرض الامن، الذي اتاح المجال لقدوم مثل هذه الشخصية المهمة للعراق، والعمل على ترسيخ اواصر اللحمة بين ما يطلق عليه (مكونات) العراق الدينية والاثنية.
والكنيسة الكاثوليكية العراقية، بدورها أولتْ هذا الحدث اهتمام استثنائي، واستعدت على جميع الاصعدة لتغطيته، بهدف لفت الانظار الى حجم ما حاق من انتهاكات بحق المسيحين في العراق على يد داعش، لكي يستفيد القائمون عليها من مأساة الجماهير المسيحية، كما استفادت الاحزاب الشيعية مما اصطلحت عليه "مظلومية الشيعة" وكما استفادت الاحزاب الكوردية من مأسي جماهير كوردستان إبان حكم ومجازر البعث المهولة. لتنعم بعد ذلك بمكاسب السلطة التي وصلتها على اساس رفع راية المطالبة بحقوق المظلومين.
يقول الكاردينال العراقي، بأن البابا سيوقع وثيقة الاخوة الإنسانية مع السيستاني، مثلما وقع بداية عام 2019 وثيقة مماثلة؛ مع إمام الأزهر الشيخ أحمد الطيب في أبو ظبي، من أجل إعلاء قيمة الانسان.
ولم تفتْ هذه المناسبة مقتدى الصدر، دون أن يشارك الاخرين حزمة الترحيب بمقدمه وغرد كعادته قائلا "قلوبنا قبل أبوابنا مفتوحة له.. وأن النجف عاصمة الأديان فمرحبا به كمحب للسلام".
اللوحة التي ترسم ملامح المناسبة هذه، يظهر من جميع الوانها وظلالها، بأنها تسويق روحاني في غير محله، وبعيد عن الحقيقة؛ لمؤسسات وشخصيات مناقضة كل التناقض لما يحاول الاعلام وتحاول مؤسساتهم، الظهور بمظهر مقبول ومعتدل.
متى كان زعماء الفاتيكان محبين للسلام، او أي سلام مقصود يحبه رجل مثل يوحنا بولس الثاني؟. هذا الذي شكل مع تاتشر وريغان الثلاثي الجهنمي، لمحاربة التنظيمات والنقابات العمالية والاحزاب الشيوعية والانتفاضات وثورات البلدان المستعمرة ضد الاستعمار والتبعية، ودور دولته الفاتيكان في دعم النازية ومجازها ضد اليهود، ومباركتها لكل تدخل امبريالي في مصير بلدان وشعوب كثيرة حول العالم. إن لقصة علاقة تبادل المنفعة بين الفاتيكان والرأسمالية العالمية، مصنف مؤلف من اجزاء عديدة يمتد عبر تاريخها في كل تفاصيله، كسيف روحي بيد الرأسمالية، ومؤسسة طفيلية حالها كحال أي مؤسسة أخرى تعتاش على دماء العمال الحية وعلى جهود الملايين من بلدان العالم ونهب ثرواتهم. ناهيك عن تسترها عن الانتهاكات الجنسية التي يقوم بها رجال الدين المسيحين في كثير من مناطق العالم بحق الاطفال والقصّر، وهذه الفضائح أدت الى استقالة بنديكتوس السادس عشر من مهامه الرسولية.
وهل السيستاني مهتم حقا بشأن اعلاء قيمة الانسان، في العراق على اقل تقدير؟. هذا الرجل معروف بدوره (كمهندس تخريب)، هو ومؤسسته (الحوزة) لا تختلف من حيث الجوهر عن الفاتيكان وعلاقتها مع أي نظام حكم برجوازي، تقوم العلاقة بين طرفي السلطة بتعاقد لضمان بقاء سلطة الرأسمال كلأً من حسب طريقته، واسلوب عمله الحكومة بطريقتها البوليسية المعروفة في القمع، والمؤسسة الدينية بسلاحها الروحي الديني، ومباركة القمع الحكومي، لكل اعتراض ضد الطبقة الرأسمالية بوجه عام، ورجال ومؤسسات الدين من ضمنها. السيستاني صاحب الفتاوى اللاهبة التي خدعت الملايين على انتخاب حكومة طائفية وفاسدة ادت بنتائجها المدمرة تخريب العراق تخريبا مبرمجا، عن سابق وعي وتصميم في التخريب وإلحاق العراق بإيران. ومقتدى الذي فتح قلبه وابواب برانيته للبابا، صاحب جيش المهدي (وبطته)، وسرايا السلام وقمعه وفتكهم الاخير بالمتظاهرين، والكواتم والعبوات لكل من اعترض على السلطة وفسادها وقمعها. وما ذكرنا إلا غيض من فيض بما قام به مقتدى وانصاره من سلوك وحشي ودموي بحق جماهير العراق، ليغرد عن حب السلام.
فاقد الشيء لا يعطيه، كما يقال. أو لا يمكن لمن لا يعرف ما معنى السلام أن يتحدث عنه. مثلما سوّقت المؤسسات الدينية لهذه الزيارة، والتي من الممكن أن لا تتم بسبب الاوضاع الامنية في العراق والجائحة، سوّق الاعلام الغربي ايضا باهتمام بالغ لهذه الزيارة، كإعلام تابع وموجه من قبل انظمة رأسمالية تقصد دائما عن وعي ابراز رجال الدين وإعلاء شأن المؤسسات الدينية، في حل القضايا الاجتماعية والاقتصادية المعقدة، والترويج المحموم لذلك، ليحل بأذهان المحرومين والمضطهدين مكان قادة المجتمع المعاصرين من شيوعيين وعماليين ودعاة السلام الحقيقيين.
مدن العراق التي استحالت الى خرائب، تحت ظل هذا النظام الذي دعا اليه رجال دين مثل السيستاني ويحميه من امثال مقتدى وغيره، الناصرية كمثال بارز على محنة هذه المدن مع النظام، لم يبق عند بعض من اهالها الذين يعيشون على انقاض مدينة، ما يذهبون اليه سوى اوهامهم في الاشادة بهذه الزيارة؛ ويرحبون بها كمكسب واستحقاق لهذه المدينة. المكسب الحقيقي للناصرية وباقي مدن العراق هو ما صدح به من مطالب متظاهروها وضحوا بالغالي والنفيس من اجل حقوقهم، أن يجد العاطل عن العمل عملا يضمن معيشته، وأن يتوظف الخريجون والخريجات حسب اختصاصاتهم، والقيام بالخدمات، الكهرباء والماء الصالح للشرب وتنظيف الشوارع وتبليطها وبناء المدارس والمستشفيات ...وإحلال الامن والامان. لا أن يزور البابا المدينة ويلقي عضة في آثارها عن التسامح والاخاء بين القاتل والمقتول واللصوص، والمتخلفين حضاريا.