أسباب تعثّر الاتحاد المغاربي


عبدالله تركماني
2021 / 3 / 1 - 18:39     

أسباب تعثّر الاتحاد المغاربي (*)
المحتويات:
- مقدمة.
أولاً. ظروف إعلان الاتحاد.
ثانياً. أسباب تعثّر الاتحاد المغاربي.
(1) – الأسباب الخارجية.
1 – المكانة الجيو استراتيجية.
2 – الميراث الاستعماري.
(2) – الأسباب الداخلية.
1 – تغييب الدور الشعبي.
2 - صراع المحاور الداخلية.
3 – عطالة أجهزة الاتحاد.
4 – غياب عمل الفريق.
5 – إشكالية الصحراء الغربية.
6 – أهم المفارقات المغاربية.
ثالثاً. تكلفة اللامغرب.
رابعاً. كيفيات التعاطي المجدي مع التحديات المغاربية.
- خاتمة

الاتحاد المغاربي إلى أين؟ سؤال بات تقليدياً ولكنه ما انفكَّ يعود في كل مرة مع حلول الذكرى السنوية لإعلان هذا الفضاء في مدينة مراكش عام 1989، ليظل عالقاً في كل مرة دون جواب مقنع حول الآفاق المستقبلية للاتحاد المغاربي.
أولاً. ظروف إعلان الاتحاد
إنّ تأسيس الاتحاد المغاربي كان يمكن أن يعيد ترتيب أولويات المنطقة، الموزعة بين الأمن والتنمية والديموقراطية وحقوق الإنسان، لكنه ظل مشروع نيات. وقد حمل الإعلان لمختلف الشعوب المغاربية الكثير من الأحلام والآمال بأنّ المنطقة باتت على وشك تغيير جذري في واقعها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي، قبل أن يتضح، على مدى مسيرة الاتحاد، أنّ كل تلك الآمال كانت مجرد سراب، بعد أن ظل الاتحاد عاجزاً عن تلبية الأهداف التي جاء من أجلها، وذلك في ظل استمرار تباين مصالح الدول المغاربية المعنية وتباعدها أمام توفّر فضاءات إقليمية أوسع.
ثانياً. أسباب تعثّر الاتحاد المغاربي
لقد ترتب على تأسيس الاتحاد إبرام حوالي 37 معاهدة تتعلق بمجالات مختلفة، كان من المفترض أن تُكرِّس توحيد السوق المغاربية وإنشاء اتحاد جمركي وإلغاء الحواجز بين بلدان الاتحاد وتكريس بطاقة هوية موحدة. لكنّ الاتفاقات لم تُنفَّذ، بل جُمِّدت هياكل الاتحاد منذ عام 1994. فما هي الأسباب؟
(1) – الأسباب الخارجية
1 - المكانة الجيو استراتيجية
تشغل المنطقة المغاربية مكانة استراتيجية هامة، فهي تطل على الساحل الجنوبي الغربي للبحر الأبيض المتوسط من الشمال، وتشكل بوابة رئيسية على أفريقيا جنوب الصحراء من الجنوب، وتمتد على حيّز من المحيط الأطلسي في الغرب، وترتبط مع المشرق العربي من الشرق.
وهكذا، فإنّ الجغرافيا تضع المنطقة في قلب التوازنات الدولية، من حيث كونها تمثل امتداداً حيوياً للمجال الأوروبي، وبوابة رئيسية للقارة الإفريقية وللدائرة الشرق أوسطية.
ولا شك أنّ الموقع الجيو استراتيجي للصحراء الغربية قد ساهم في إدخال مجموعة قوى أوروبية متنافسة منذ أوائل القرن الماضي. وارتبطت وضعية الصحراء بشروط الأمن الاستراتيجي لمداخل أفريقيا، ولربط محطات السيطرة الغربية في شمال أفريقيا.
2 – الميراث الاستعماري
لا يمكننا أن نفهم المشكل بصورة معمقة إلا في سياق الميراث الاستعماري، وسياق أخطاء معارك التحرير الوطني وإكراهاتها المعلنة والمسكوت عنها. وهنا لا بدَّ من التذكير بأنّ مسألة الميراث الاستعماري لا تزال قائمة في المغرب، حيث مازالت بعض ثغور شمال المغرب محتلة من طرف إسبانيا التي تواصل كذلك احتلالها لجزر كناري والجزر الجعفرية.
حتى عندما اضطر الاستعمار التقليدي، ضمن ظروف دولية استجدّت بعد الحرب العالمية الثانية، لشد رحاله، كان التشكيل السياسي والديموغرافي والجغرافي الذي تركه مشوهاً، حمل في أحشائه قنابل موقوتة. حيث تم عزل بعض المناطق عن عمقها التاريخي والاستراتيجي، وجرى التقسيم بالضد من الجغرافيا والتاريخ، وإرادة أصحاب الأرض. وكانت النتائج مناطق محايدة، وأقاليم متنازعاً عليها، وصراعات إثنية وقبلية على المراعي والحقول، وعلى آبار النفط ومناجم الحديد، ومصادر الثروة الأخرى.
أما بالنسبة للصحراء الغربية، فقد زاد اهتمام أوروبا بمنطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب إثر انطلاق موجة الاستعمار الأوروبي العارمة في اتجاه أفريقيا وآسيا، بحثاً عن الأسواق التجارية وتأمين الحصول على مصادر المواد الأولية. وهكذا اهتم البحارة الأوروبيون، خاصة البرتغاليون والإسبان، بسواحل هذا الجزء من أفريقيا.
وفي الواقع تمثل الصحراء الغربية أهمية خاصة بالنسبة لإسبانيا، فهي إضافة لكونها ظهراً لحماية جزر الكناري الواقعة تحت النفوذ الإسباني والمنتمية جغرافياً إلى المغرب، ولحماية المستعمرات الإسبانية في شمال المغرب (سبتة ومليلية والجزر الجعفرية)، تعتبر مجالاً استراتيجياً لتطويق المغرب الأقصى، ومجالاً اقتصادياً لتغذية الاقتصاد الإسباني بالمواد الخام الموجودة في الصحراء (الفوسفاط)، وبالثروة البحرية المتوفرة بكثرة في شواطئها.
ومن أجل تلك المصالح حاولت إسبانيا استغلال التنافس الجزائري - المغربي وخلافاتهما الحدودية، ففتحت مفاوضات اقتصادية وسياسية مع كل طرف على حدة، وحاولت استغلال القضية لابتزاز كل منهما وضرب الواحد بالآخر في سعي حثيث لتحضير أجواء خلق كيان صحراوي مستقل شكلياً، ومرتبط بإسبانيا عملياً.
وفي سباق محموم تتنازع الدول المغاربية الخمس استراتيجيتان: أولاهما، قديمة نسبيا، وهي الاستراتيجية الأوروبية التي تتعامل مع هذه المنطقة من منطلقين: أولهما، توسيع نفوذ أوروبا الاقتصادي والسياسي لتعزيز قدراتها التنافسية مع بقية التكتلات الإقليمية. وثانيهما، وضع حد لمعدلات الهجرة المغاربية والأفريقية المتصاعدة تجاه أوروبا، خصوصا بعدما تحولت إلى صداع ينخر في رأس القارة العجوز ويسبب لها ارتباكات اقتصادية وأمنية شتى.
وثانيتهما، الاستراتيجية الأمريكية التي بدأت تتشكل ملامحها منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، عبر مشروع شراكة أمريكية - مغاربية حول السياسة الاقتصادية، وتحقيق الاندماج المغاربي مع السوق العالمية، وإرساء تعاون اقتصادي يقوم على التبادل الحر، وإسناد دور أساسي للقطاع الخاص مع إجراء الإصلاحات الضرورية للنهوض بهذا القطاع.
وفي الواقع، تتجلى أهمية المغرب العربي، بالنسبة للبنتاغون، في كونه يقع في منطقة حساسة عسكرية للمخططات العسكرية الأمريكية، فهذه المنطقة تطل على البحر الأبيض المتوسط الذي يمر منه خمس التجارة الدولية ويبحر فيه باستمرار الأسطول السادس. أما وزارة الخارجية الأمريكية فترى في المغرب العربي منطقة حيوية سياسياً، في محاولة لتحجيم دور الاتحاد الأوروبي، الذي يهدد زعامة الولايات المتحدة الأمريكية مستقبلاً.
إنّ سياسات القوى الدولية الكبرى ترى في المنطقة خزاناً نفطياً وموقعاً استراتيجياً، فضلاً عن كونها سوقاً للسلاح بامتياز.
(2) – الأسباب الداخلية
1 – تغييب الدور الشعبي
منذ تأسيسه في عام 1989 بقي مصير الاتحاد المغاربي مرتبطاً بقادة الدول، واستُبعد دور الشعوب المغاربية، بما فيها الأحزاب السياسية المعارضة ومنظمات المجتمع المدني.
2 - صراع المحاور الداخلية
عانى المشروع المغاربي، الذي انبثق من ديناميكية حركة التحرر الوطني في خمسينيات القرن الماضي، منذ بداية حقبة الاستقلال، من صراع المحاور الداخلية، الذي تركز في التنافس المغربي - الجزائري داخل الدائرة الإقليمية وامتداداتها عربياً وأفريقياً. ولم يكن اختلاف نماذج الحكم والخيارات الأيديولوجية والتوجهات الاقتصادية هو العائق الأساسي الذي حال دون نجاح الاندماج المغاربي، بل إنّ المشكل المحوري الذي اعترض هذا المشروع هو التضارب القائم بين الطرفين المركزيين في الاتحاد، من حيث العلاقة الثنائية والملفات الإقليمية، مما تمتد جذوره إلى ما هو أبعد من موضوع الصحراء، مع الإقرار بأنّ هذا الموضوع هو بدون شك العقدة المستعصية اليوم في الرهان المغاربي. إذ يدور الصراع بين الطرفين حول ثلاث نقاط أساسية: أولاها، من سيخرج منتصراً في نزاع الصحراء الغربية. وثانيتها، من سيحظى بود واحترام الدول الكبرى. وثالثتها، من سينسج علاقات مع دول مرشحة لأن تكون فاعلة في الساحة الدولية مستقبلاً.
3 – عطالة أجهزة الاتحاد
ظلت هياكل الاتحاد التنظيمية معطّلة، ولم تعرف سوى إجراءات وممارسات بروتوكولية تسويقية، لتزيين وجه أنظمة الحكم، ولا علاقة لها بانتظارات الشعوب التي ظلت معلّقة، وهو ما سهّل دخول الاتحاد الى الثلاجة، وتجميد أنشطة هياكله التي ظلت مشلولة.
4 – غياب عمل الفريق
من جانب آخر لا يوجد أسلوب عمل الفريق، ولذا لا نجد الأنظمة السياسية والاقتصادية المغاربية تبحث عن التكامل والشراكة في مجال الصالح العام، بل كل فرد أو مجموعة يعمل لصالحه الخاص.
5 – إشكالية الصحراء الغربية
نزاع الصحراء الغربية يشكل آخر مخلفات الحرب الباردة، وبين نقطتين متباعدتين وموقفين متعارضين،‏ بين الجزائر والمغرب،‏ تراوح القضية مكانها لأكثر من أربعة عقود.‏
6 - أهم المفارقات المغاربية
إنّ الجارين المغاربيين، الجزائر والمغرب، يلتقيان تحت مظلة منظومة 5+5 بين الدول الشمالية والجنوبية للبحر المتوسط، وينضويان تحت لواء الحلف الأطلسي في توجهاتهما الأمنية، إلا أنهما يعجزان عن اللقاء تحت سقف المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة.
المفارقة القائمة هنا، أنه فيما أخفق الاتحاد المغاربي في تحقيق الحد الأدنى من النجاح في مساره طيلة السنوات الماضية، يلاحظ أن بعض دوله نجحت في تنفيذ اتفاقات شراكة اقتصادية مع أطراف ودول وتجمعات خارجية لإقامة مناطق تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
ثالثاً. تكلفة اللامغرب
أظهرت إحصاءات اقتصادية أنّ دول الاتحاد المغاربي تخسر نحو عشرة مليارات دولار سنوياً، بسبب غياب التنسيق في المواقف الخارجية، وتعثّر قيام سوق مغاربية مشتركة، واستمرار الاعتماد على الأسواق الأوروبية في تسويق الصادرات واستيراد المواد الضرورية. وبحسب المعطيات التقديرية لا تتجاوز التجارة البينية بين دول الاتحاد نسبة 5 في المائة من مجموع تجارتها مع الاتحاد الأوروبي.
كما أنّ منطقة الساحل والصحراء، من خلال الإرهاب العابر للقارات، تتقدم واجهة الاهتمامات. فكلما خطت الدول المغاربية خطوة باتجاه تنقية الأجواء فيما بينها، وتصفية المشاكل العالقة، خطا الإرهاب خطوات على صعيد الانتشار، وتنسيق العمليات، وترسيخ قواعده، ومضاعفة إمكانياته، على امتداد الساحة المغاربية، وصولاً إلى الصحراء الكبرى عبر مساحات وعرة وشاسعة، تخترق أراضي دول الشريط الساحلي وعلى وجه الخصوص مالي والنيجر والسنغال.
رابعاً. كيفيات التعاطي المجدي مع التحديات المغاربية
يبدو جلياً اليوم أنه بات من المستحيل للدول المغاربية مواجهة التحديات اليوم، بالاعتماد فقط على السياسات الوطنية في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. مما يفرض عليها تكثيف الجهود من أجل إحداث نقلة نوعية في العمل التكاملي والاندماجي المغاربي.
فلم يعد معقولاً ولا مقبولاً، ونحن نشاهد ما يجري في العالم، أن نواصل التعامل مع قضايانا التاريخية وإشكالاتنا السياسية بالطرق التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه اليوم. فهل يعقل أن لا تقيم النخب السياسية المغاربية، خاصة في الجزائر والمغرب، اليوم تمييزاً بين شروط نشأة وتطور أزمة الصحراء الغربية في لحظات تشكّلها في سبعينيات القرن الماضي، وبين مآلها الراهن في علاقاته بالمتغيّرات الجارية سواء في المغرب الكبير أو في العالم؟
إنّ بناء المغرب العربي هو طموح شعبي لسكان المنطقة، وأي تجاهل لهذا الطموح هو ازدراء بالرغبة الجماعية للتوحد. وهو يشكل فرصة نادرة لتنمية المنطقة وتحقيق الرفاهية لشعوبها، فكون المنطقة جذابة لرؤوس الأموال الخارجية الراغبة في الاستثمار يؤشر على إمكانيات دعم النمو وتطوير التجارة البينية وخلق فرص العمل ورفع الحواجز عند الحدود. وبالمقابل، فإنّ غياب مغرب موحد هو فشل اجتماعي- اقتصادي بالنظر إلى الفرص التي يتم تضييعها وعدم استغلال عوامل التكامل.
كما أنّ بناء الاتحاد المغاربي هو كذلك حاجة أمنية ملحة، بالنظر إلى الأخطار المتعددة التي تحيط بالمنطقة وبأمنها الجماعي واستقرارها من قبيل الإرهاب والهجرة غير القانونية وتهريب البشر والمخدرات والأسلحة، وهي أخطار عابرة للحدود ولا يمكن لأية دولة بمفردها مواجهتها في غنى عن التنسيق والتعاون مع الدول الأخرى، إنه خطر واحد يستوجب استراتيجية موحدة وتنسيقاً وتشاوراً وتحركاً جماعياً.
ويبدو أنّ الديبلوماسية الشعبية، القائمة على تبادل الرأي بين مؤسسات المجتمع المدني في القطرين الجارين خاصة، قد تساهم في تكسير رتابة لغة التجافي المستندة إلى أطروحات لم يعد لها أي مبرر، حيث لا يمكن أن يجادل أحد في المصير المشترك لشعبين تحكمهما شروط تاريخية واجتماعية متشابهة، وتواجههما اليوم تحديات الاصلاح السياسي وتحديات التنمية الاقتصادية.
وفي السياق نفسه نتصور أنّ مواصلة العمل في مجال تفعيل مؤسسات الاتحاد المغاربي المعطلة، يمكن أن يساهم بدوره في بناء اقتراحات إضافية معززة لآلية التفكير في إيجاد مخرج متوافق عليه، ذلك أنّ بناء برامج تنموية في إطار الاتحاد على سبيل المثال سيساهم في إنشاء شركات ومؤسسات تدفع في اتجاه بناء اقتصاديات مغاربية مندمجة، وهو الأمر الذي تترتب عليه إمكانية وصول المنتجات الاقتصادية المغاربية والمنتجات المعدنية الجزائرية إلى موانئ المغرب في المحيط الأطلسي، فيصبح المستفيد من كل ما سبق هو مجتمعات المغرب الكبير.
وفي سياق كل ذلك فإنّ الاعتماد على الذات مغاربياً يحتاج إلى حرية انتقال عوامل الإنتاج المغاربية من رؤوس أموال وقوى عاملة ومنتجات، كما يحتاج إلى ترشيد العلاقات الاقتصادية مع العالم الخارجي ووضعها على أسس متكافئة نسبياً، بحيث يمكن تحقيق مزايا جماعية للأقطار المغاربية.
وهكذا، فإنّ التنسيق والتكامل المغاربيين يمكن أن يخلقا إمكانية تنمية حقيقية تلبّي الحاجات الأساسية للشعوب المغاربية، وتضمن استقلال الإرادة المغاربية. إذ أنهما ينطويان: أولاً، على إمكانية تطبيق مبدأ الميّزة النسبية بالنسبة إلى إنتاج كل من الأقطار المغاربية، وما يترتب على ذلك من زيادة في الكفاءة الإنتاجية، وذلك بأن يتخصص كل قطر في إنتاج السلع التي يتمتع فيها بالكفاءة الإنتاجية. وثانياً، زيادة فرص التوظيف الكامل، فبعض البلدان المغاربية تعاني من انتشار البطالة، بينما يعاني بعضها الآخر من نقص الأيدي العاملة.
وثالثاً، تقليل المخاطر الناجمة عن التنافس في التجارة الخارجية بين الأقطار المغاربية ذات الإنتاجية المتشابهة، وما يستتبع ذلك من زيادة في قدرة هذه البلدان على المساومة للحصول على أسعار أفضل وشروط أفضل في تسويق منتجاتها. ورابعاً، تمكين المغرب الكبير من اللحاق بركب الدول المتقدمة، عن طريق التخطيط المشترك لتسريع النمو الاقتصادي ورفع المستوى المعيشي للمواطنين المغاربيين.
وهكذا، يبدو أنّ عامل التهديدات الأمنية يمكن أن يشكل دافعاً لتحريك البناء المغاربي، فالإحساس المشترك بالتهديد هو دوماً عامل محرك لكل الأطراف من أجل التنسيق الأمني، ولكن بقدر ما يمكن أن يكون هذا الأمر مدخلاً مهما فإنه يفترض حدا أدنى من التنسيق السياسي. كما لا بدَّ من تشريك قوى المجتمع المدني بشتى تياراتها، فلا ننسى أنّ الدعائم الصلبة للفكرة غذّاها نضال المغرب الكبير من أجل الاستقلال والتحرر.
إنّ الدول المغاربية مطالبة، لكسب الرهان، بإيجاد أرضية اقتصادية وتجارية مشتركة، بعيدة عن المؤثرات السياسية المباشرة، تجسد شبكة من المنافع والمصالح الاقتصادية المتبادلة بينها، وتمهد الطريق أمامها لتحقيق التكامل المنشود، الذي لن يحقق لكل دولة منها المزيد من القوة والمنافع فحسب، بل سيكون سبيلها للبقاء والوجود في عالم تتحكم به التكتلات والتجمعات الاقتصادية العملاقة.
- خاتمة
في غبار الخلافات، توارت ذاكرة التاريخ المشترك، وفُرّط في صروح المغرب الكبير التي بناها جيل الآباء. قُطعت جسور التلاقي، وتكاد يد العبث تعمد إلى تدمير ما بقي منها يقاوم من أجل مصلحة الشعبين والبلدين. غاب عن هؤلاء العابثين بمصير المنطقة حقيقة أنّ الجغرافيا واحدة، فلا الجزائر سترحل ذات يوم، ولا المغرب سيشدُّ الرحال إلى وجهة أخرى.
إنّ التوازن الحقيقي في المنطقة لن يُبنى بمنطق من يقود ومن يتبع، وإنما وفق منظور التحوّلات الدولية التي تؤكد استحالة العيش في انغلاق. فأية قضية تُحلُّ عبر الحوار وأية مقاربة لا تنشد المفاهيم المستقبلية محكوم عليها بالفشل. إذ إنّ الذي بين المغرب والجزائر دون الذي كان بين ألمانيا وفرنسا حول المقاطعات المتنازع عليها.
لم يعد مقبولاً من بلدين جارين، تربط بينهما قواسم مشتركة في التاريخ والجوار وحتمية المصير، أن يتصرفا بمعزل عن معطيات إقليمية ودولية وثنائية باتت تفرض نفسها على الجميع. ولعلها المرة الأولى التي يضيق فيها هامش الحركة أمام الجزائر والمغرب على حد سواء، كون خلافاتهما التي كانت مطلوبة في فترة الحرب الباردة وتباين خيارات الأنظمة أصبحت الآن مزعجة إلى حد كبير.
إنّ المنطقة المغاربية لا تحتاج إلى مغامرات، وإنما إلى قناعات تشدها إلى واقع أنّ المعركة من أجل الديمقراطية والتنمية والتكيّف مع تحوّلات العصر لا ينبغي أن يعلو صوت فوقها.
(*) – قُدمت في ندوة أونلاين بدعوة من " جمعية البحوث والدراسات من أجل اتحاد المغرب العربي "، تحت عنوان " مؤسسة اتحاد المغرب العربي: الواقع والتحديات وآفاق المستقبل "، خلال يومي 27 و28 شباط 2021.