مسيرة 27 فيفري في تونس ورسائل راشد الغنوشي .


فريد العليبي
2021 / 2 / 28 - 23:11     

قبل موعد المسيرة بيوم المصادف للجمعة تم رصد ظاهرة تتمثل في بث تراتيل وأدعية دينية عبر مضخمات الصوت في الجوامع عبر البلاد ربما شحذا لهمم ايديولوجية بما فهم منه استغراق حركة النهضة الإسلامية في تديين السياسة وتسييس الدين وهى التي زعمت الفصل بين الدعوي والسياسية ترويجا لتمثيلها الإسلام الديمقراطي .
حشدت الحركة يوم المسيرة أتباعها وكل من أمكنها التأثير عليه للحضور بأشكال مختلفة فهى حزب حاكم تتوفر بين يديه وسائل النفوذ و التأثير وراج أن فرع من فروعها تقدم بطلب كراء قطار لنقل المشاركين المحتملين في المسيرة من الجنوب الى العاصمة وهو ما اعتذرت عليه شركة سكة الحديد التي لا تؤجر قطاراتها .
صباحا توافد المشاركون وكانت تبدو على أغلبهم مظاهر البؤس وعندما انطلقت المسيرة كانت الهتافات منصبة على ما يريده الغنوشي من دوام لحكمه ومرت ساعات قبل اعتلائه المنصة .من يدخل للمسيرة يفتشه الامن بدقة ...من يود الخروج يمنع ...هكذا تكون المحافظة على العدد ، قال صاحبي اريد قارورة ماء ...قال عون الأمن : المحلات مغلفة ....مريض بالسكري استغاث جلب عون كوب ماء .
بدأ الغنوشي خطابه بتحدي معارضيه ان يحصوا جيشه عددا ثم قال انه تمنى لو كان حمه الهمامي حليفه الأسبق معه ليخطب في الحشود دون انعزال في باب الخضراء ، و الهمامي هو اليساري الوحيد الذي دعا الى مسيرة في زاوية خلفية من زوايا تونس العاصمة منطلقا من باب الخضراء ، ربما لمجرد تسجيل حضور أمام المتابع الخارجي فمسيرته لم تجمع أكثر من مائتي مشارك ،
ختم الغنوشي برسالة الى قيس سعيد يقول فيها أن الشعبوية تقول كلاما ولا تفعله .
كان الرجل يتقمص روح بن على يوم كان يقول الشعب كله معي ، انظروا كم هو معي ،،، وعندما أزفت الساعة تبخر ، بن على جمع حوله حزبيين دون حزب الغنوشي يجمع المريدين دون ادعاء المشيخة أو هكذا يبدو حتى أن اتباعه ينفضون من حوله ...والنتيجة متماثلة في الحالتين فالاقتصاد أقوى من الايديولوجيا لسبب بسيط أنه هو من يصنعها لا العكس.
كان الغنوشي ممتلئ الجيوب ، والدليل تعرفه تلك الارواح المتعبة التي كان بعضها دون حتى جوارب تقيها برد الشتاء ، مخاطبا الخارج من وراء شاشة ضخمة في شارع واسع اسماه بورقيبة : محمد الخامس، على أمل مواصلة ضخه الدولارات اياها ، باقناعه ان الشعب معه كما كان يخاطب الداخل ليواصل الطاعة فالخارج معه ويوم مسيرته كانت تونس الراهنة تتعلم دروسها مع الأخونة بعد تعلمها مع الدسترة .ما جري خلال ذلك اليوم مفيد جدا ...التاريخ وقائع لا وجه شبه بين طبخها و طبخ الطعام ..
جاءت مسيرة حركة النهضة رد فعل على الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في تونس قبل مدة وجيزة وهي التي انصب فيها الغضب على الحركة ورئيسها من خلال رفع شعارات تنادي باسقاط النظام وتحميل راشد الغنوشي شخصيا المسؤولية عن تردي الأوضاع المعيشية وتفشي البطالة والاغتيالات السياسية كما تعد أيضا محاولة من طرف الحركة لتثبيت المؤسسات السياسية التي تهيمن عليها وخاصة البرلمان الذي نادت تلك الاحتجاجات بحله ، وفضلا عن ذلك تستهدف الحركة رئيس الدولة قيس سعيد للحد من تأثيره واستباق ما يمكن ان يقدم عليه من حل للبرلمان .و يدرك رئيس الدولة ان حركة النهضة تريد المحافظة على هيمنتها السياسية والضغط عليه للقبول بشروطها خاصة الإبقاء على الحكومة الحالية فهى تستعمل المال السياسي لحشد جموع من الناس لكي تصور نفسها باعتبارها قوة شعبية ومن هنا يجب القبول بما تمليه عليه من شروط بينما يعتبر هو ذلك افلاسا سياسيا فهو منتخب بأصوات تفوق الأصوات التي تحصلت عليها وهو لن يصغي لغير المطالب الشعبية في الشغل والتنمية والتعليم والصحة الخ ..وهى المطالب التي تتحمل الحركة المسؤولية الأولى عن عدم تلبيتها فقد وعدت الشعب بحلول لمشاكله الاقتصادية والاجتماعية ولكنه لم يجن شيئا منها بل أن تلك المشاكل تفاقمت.
السبب الرئيسي للخلاف بين الطرفين هو سعي الحركة الى الهيمنة الكاملة على الحكم كما ذكرنا بما في ذلك مؤسسة رئاسة الجمهورية فضلا عن الحكومة والبرلمان والإدارة والمؤسستين الأمنية والعسكرية وهذا ما تنبه اليه قيس سعيد مبكرا فقد حاولت الحركة استمالته وتوظيفه لصالحها وعندما عجزت وضعت العوائق في طريقه ومارست تأثيرها على رئيس الحكومة الحالي وجلبته الى صفها فأصبح رهن اشارتها وهذا ما لم يقبل به قيس سعيد ، وهذا الخلاف سيحتد خلال المدة القادمة أكثر فأكثر و لن تفعل مسيرة الحركة يوم 27 فيفري 2021 في شوارع العاصمة غير تأجيجه .
الأزمة الاقتصادية والاجتماعية عميقة في تونس والبلاد على حافة الانهيار ان لم تكن قد أدركت ذلك المصير فعلا والأرقام الخاصة بنسبة النمو والعجز التجاري والتضخم وارتفاع المديونية والبطالة مرعبة وقد ردت الحكومة الحالية على الاحتجاجات الأخيرة بوسائل العنف والاعتقال بينما ظلت مطالب المحتجين الاجتماعيين على حالها وهذا ما سيدفع الى الاحتجاج مجددا ، بل ان الاحتجاجات متواصلة حاليا هنا وهناك وقد مست الآن قوى اجتماعية جديدة مثل الفلاحين .

يمكن لحركة مثل النهضة جلب الناس بوسائل مختلفة وبالأخص المال كما قلنا لكي يهتفوا لها في الشوارع ولكن لا يمكنها تقديم حلول للأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها هؤلاء....تلك المسيرات كرنفالات انتخابية من شانها تأجيج الغضب الشعبي اكثر فأكثر فالشعب يتظاهرواحزاب الحكومة والبرلمان تسير في الشوارع...
واذا كان قد راج أن الحكام لا ينظمون مسيرات فإن هذا غير صحيح بالمطلق هم ينظمونها خاصة عندما يكونون في حالة ضعف حتى زين العابدين بن على نظم مسيراته بما فيها تلك التي جابت شوارع العاصمة ليلا بعد خطاب " فهمتكم." وبورقيبة نظم ما تيسر منها غداة الاضراب العمالي وعملية قفصة الخ.....الحكام ينظمون كل ما يناسبهم للبقاء في السلطة ولكن الشعوب تنظم كفاحها ضدهم ويستمر الصراع بأشكاله المختلفة قبل اصدار التاريخ حكمه.