الاندماج كأفق / الاندماج كقرار.....4


محمد الحنفي
2021 / 2 / 21 - 11:02     

الاندماج كقرار:.....2

وعندما يتعلق الأمر بالأحزاب السياسية، التي لا تكون إلا يمينية، أو وسطية، أو يسارية، فإن الاندماج فيما بينها، يخضع لشروط معينة.

فالأحزاب اليمينية، أحزاب سياسية صرفة، إلا أنها، في سياستها، لا تخدم إلا مصالح اليمين: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يتأتى له تنمية مصالحه، وجعل الشعب، بفئاته الكادحة، في خدمة تنمية مصالحه، في القبول بحكمه، دون نقاش، واعتبار ما يصدر عن اليمين، أمرا من الله، لجعل حكم اليمين، من حكم الله، من أجل إعطاء البعد الغيبي / الديني، لما يصدر عن حكم اليمين.

أما أحزاب الوسط، فإنها تسعى، باستمرار، إلى نهج سياسة، تهدف إلى جعل الواقع يخدم مصالح الطبقة الوسطى، التي تسعى إلى إيجاد مناخ سياسي مناسب، لتحقيق التطلعات الطبقية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى تتنفس الطبقة الوسطى الصعداء، وتصير نخبتها جزءا لا يتجزأ من اليمين المسيطر على الاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والسياسة. والحكم الذي يسخر كل شيء لخدمة كل من يسيطر على الاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والسياسة، هو حكم: مستبد بالضرورة.

وبالنسبة لأحزاب اليسار المناضل، فإنها تسعى، في سياستها، إلى خدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين. هذه الخدمة، التي لا تتحقق إلا بالتحرير، وبالديمقراطية، وبالاشتراكية.

فالتحرير، يعمل على تحرير الإنسان، والأرض، والاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والسياسة.

وتحرير الإنسان، لا يكون إلا من العبودية. والعبودية، لا يتم التخلص منها، إلا بتمتيع الإنسان، بجميع الحقوق الإنسانية. وإذا كان عاملا، فيجب تمتيعه بحقوق الشغل، كما هو منصوص على تلك الحقوق، في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

وتحرير الأرض، يتمثل في مقاومة المحتل، مهما كان، وكيفما كان، من أجل الإنسان، الذي يعيش على الأرض، الذي يصير من حقه أن يتحرر من الاحتلال الأجنبي، الذي يعتبر بمثابة عبودية، حتى يشعر بانتمائه إلى الأرض المحررة، ومن خلالها: إلى أرض الوطن المحرر، جملة، وتفصيلا، من الاحتلال الأجنبي، ومن التبعية.

وتحرير الاقتصاد، لا يتأتى إلا من خلال اعتباره اقتصادا وطنيا صرفا، ليس مرتبطا بالاقتصاد الأجنبي، ولا بالقروض التي ترغمه على خدمة الدين الخارجي، الذي يتسلمه الحكام، أو يمكن أن يتسلموه، من صندوق النقد الدولي، أو من البنك الدولي، أو من أي مؤسسة مالية دولية، مما يجعل الاقتصاد الوطني غير متحرر من التبعية، أو من خدمة الدين الخارجي. ولذلك، فتحرير الاقتصاد يقتضي التحرر من التبعية، ومن خدمة الدين الخارجي، والقضاء على كل الأمراض الاقتصادية الداخلية، كنهب الثروات العامة، والخاصة، والإرشاء، والارتشاء، وغير ذلك، مما يسيء إلى إيجاد اقتصاد وطني متحرر، على جميع المستويات.

وتحرير الاجتماع، يتمثل في اعتماد توظيف الإمكانيات المتوفرة في التعليم، والصحة، والسكن، والشغل، وغير ذلك، مما يجعل الاجتماع متحررا من كل القيود، التي تؤدي إلى استغلال ما هو اجتماعي، الأمر الذي يترتب عن استغلال ما هو اجتماعي، في أمور ليست اجتماعية، حتى نحافظ على حرية التعليم، والصحة، والسكن، والشغل، من الاستغلال الرأسمالي، ومن التبعية، وخدمة الدين الخارجي، من أجل أن نحافظ على تحرير الإنسان، وعلى تحرير الخدمات الإنسانية / الاجتماعية.

وبالنسبة لتحرير الثقافة، فإن الحرص على اعتماد الوسائل التثقيفية الوطنية، تجعل اللغة الوطنية، تحتل مكانتها في التثقيف، وتجعل الوسائل التثقيفية الوطنية، ذات مكانة عالية، لإيجاد إنسان متحرر في القيم الثقافية، وفي الأخلاق، وفي المعاملات.

أما بالنسبة لتحرير السياسة، فإن الحرص على الاختيارات الديمقراطية الشعبية، هو المدخل لجعل السياسة الوطنية، متحررة من التبعية، ومن تحكم النخبة السياسية، ولجعل الانتخابات حرة، ونزيهة.

ذلك أن الاختيارات، إما أن تكون ديمقراطية / شعبية، وإما أن تكون لا ديمقراطية، ولا شعبية.

فالاختيارات الديمقراطية الشعبية، هي اختيارات، بناء على سيادة الشعب على نفسه، وقدرته على تقرير مصيره الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، بما يخدم مصلحة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وبطريقة ديمقراطية، يساهم الجميع في أجرأتها، وجعلها حاضرة في الممارسة اليومية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

أما الاختيارات اللا ديمقراطية، واللا شعبية، فهي الاختيارات التي تفرضها نخبة سياسية معينة، تهدف إلى الاستبداد بالحكم، وبالاقتصاد، وبالاجتماع، وبالثقافة، وبالسياسة، مما يجعل سيادة الشعب غائبة، جملة، وتفصيلا، في ظل الاستبداد الذي تفرضه النخبة السياسية، والتي تفرض مواجهة الشعب لها، على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، سعيا إلى جعل الحكم قائما على أساس: فرض سياسة الشعب على نفسه، في أفق التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية.

فالاندماج كقرار، إذن، هو الاندماج الذي لا رأي فيه لقواعد الجمعيات، أو النقابات، أو الأحزاب السياسية الراغبة في الاندماج.

واندماج كهذا المشار إليه، لا يهم إلا الجهات التي تقرره، ولا يهم، أبدا، قواعد الإطارات المهتمة بالاندماج على جميع المستويات: الجمعوية، والنقابية، والحزبية.

وبالتالي، فإن نتيجة هذا النوع من الاندماج، لا بد أن تكون سلبية؛ لأن الغاية من الاندماج، لا تتحقق أبدا، بقدر ما تؤدي عملية الاندماج إلى إخطاء الطريق، والسير في طريق آخر، لا علاقة له بالاندماج. فكأن المقررين للاندماج، يسعون إلى خدمة مصالح الحكام، بتحقيق الاندماج، الذي لم يتم إنضاج شروطه الجمعوية، أو النقابية، أو الحزبية.

وكيفما كان الأمر، فإن الاندماج كقرار، لا يمكن أن يعد اندماجا، بقدر ما هو قرار بمصادرة حق الوجود، بالنسبة لتنظيمات معينة، صارت مندمجة، في إطار جمعية معينة، أو نقابة معينة، أو حزب معين. والمستفيد الأول من الاندماج كقرار هو الحكم. لأن إسقاط الحق في التواجد بالنسبة لجمعيات معينة، أو بالنسبة لنقابات معينة، أو بالنسبة لأحزاب معينة، هو لإخراس الأصوات، التي يعتبرها المستبد مشوشة عليه.