الجَمال


محمود الرشيدي
2021 / 2 / 20 - 23:40     

أُحب الجَمال ،نعم بكل صدق إنني أحبه ، هكذا وفقط هكذا....أخالني أمتلكه .
أنخدع في حدود أبعاده الوهمية وكأنني أنا رَاسِمُها .
تفاصيل قِوَام الجمال عندي هي مَن تُقِرُّ بذاتها مِن داخل الشيء هذا، وقد تكون ليست هي في غيره ، تتراقص مكوناته ببراعة كأنها عن قصد تُخْفِي جوهر هذا السراب الزئبقي ، لكي لا يُمَكِّن أيّ مُدْرِك من إدراك تعريف لهويته.
أعلم جيداً، أن لغيري مِثْلُ حظي من الجمال، كبَصْمَةٍ أو مسْحَةٍ من الإبداع، على أو في موضوع أتأمله أنا والآخر، وليس بِذي أهمية كذلك تَطَابُق الرؤية أو الإختلاف على ما نحن بصدد تلوينه بحُكْمِنا ، ولكنني لا أغار عليه ولامن الآخر الذي له حقه من وهم الإمتلاك، عملاً بقانون المنافسة والتفوق ، بل أغبطه إن صح التعبير . ولا أعلم لذلك من سبب. لكنني ربما أُقلد بحكم العادات التي تُقْبِر التفكير وتُلْغِي العقل تحت سلطة الأوتان والمتبنى من العرفان المتحجر.
إن للجمال نِسْبِيَّةٌ بحسب خربشاتنا في عالم الوهم، تلك التي اختلط فيها الشعور واللاشعور ، الواقع وَالمُتَخَبََّل ، الموروت والمكتسب .
الخربشات في مخيالنا الجمعي أو الفردي أو هما معاً، هي مَن تُبْدِعُ وتَصْنَع تركيبة وتصوراً لجمال كل واحد منا ، حسب قوة نبوغه، وحسب منهجه، إن شكّاً مِسْطَرِيَّا أو يقيناً بعد الشك.
تركيبةٌ بكيمياء خاصة لا تَصْمُدُ أمامه إلا ليقترب منها ثم تتلاشى بمحاذاته، وتَتَوَهَّج بعد الإطفاء، ربما في مكان آخر، بمسعى الإستمرار كما في سُنَّة التطور.
الجمال في ذاته يشبه بَلْوَرَةً مُمَغْنَطَة ، تَجْذب من هنا وتدفع من هناك ، والعكس صحيح ، وتفقد قوتها متى انعدم السالب والموجب فيها. إنه كالوهم لايكاد يستقر إلاّ ليتحول، ولا يكاد يَثْبُت إلاّ ليتغير.
الراجح أن اللفظ هو وعاء المعنى في جميع اللغات، ولفظ الجمال لا أكاد أُصَدِّق إلّا أن وعاءه قد انفجر وتناثرت شظاياه، أو هو مطاطي متمدد إلى ما لا نهايه.
وتلك الشظايا المتطايرة هنا وهنالك هي ما تَرَسَّبَ في وعي بعضنا أو جُلِّنَا عن الجمال، فآمَنَّا بالشظايا دون الجوهر.
فكرة الجمال هي من جمال الأفكار . والجميل بالجمال الحُر، هو فيض من فيض مطلق، يسمو فوق كل تدنيس، ويمتنع عن كل تعريف، لا مقاييس لأبعاده ولا تحديد لقيمه إن صح الافتراض أنّ له قِيَّم .