لقاح الفرونوزيس من حيث هو بشارة الفيلسوف


زهير الخويلدي
2021 / 2 / 19 - 20:43     

استهلال:
"لا يوجد طريق أقصر من هذا لتحقيق ذلك الشكر اللبق الذي بموجبه يستحق كل من الحكم الأخلاقي في موقف ما ، والاقتناع الذي يكمن فيه ، لقب الحكمة العملية"1
تنظر مداخلتنا في العلاقة التي تقوم بها الحكمة العملية بين الوضع البشري الفردي والقواعد العملية العامة. بالنسبة لمسألة معرفة لماذا لا نطبق المعيار نفسه ببساطة ودائمًا، وبطريقة أفقية، في كل الحالات المرتبطة بالأفعال الإنسانية. كما تسعي للإجابة من خلال الفلسفة التطبيقية لبول ريكور عن المشكلة في هذه الحالة في حساسيتها تجاه الذاتية المتبادلة وفي تعقيد عملية التطبيق وفي ظهور طريق مسدود يمكن أن يولد عن صلابة الالتزام أو المعضلة الواقعية التي لا يمكن حلها إلا بالإشارة إلى مفهوم الحكمة العملية، الوسيط بين الحالة الفردية والمعيار الكوني. من المعلوم أنه في مجال تاريخ الفلسفة، تمثل الحكمة نموذجًا للحياة يتجه نحوها الفلاسفة، "عشاق الحكمة"، الذين "يفكرون في حياتهم ويعيشون أفكارهم"، من خلال التساؤل عن الفضائل وممارستها. وقد فرق الإغريق بين الحكمة النظرية ( صوفيا) والحكمة العملية (phronesis) الفرونوزيس: الحكمة الحقيقية التي ستكون الجمع بين الاثنين. يظهر الهدوء والاعتدال في كثير من الأحيان كعناصر للحكمة وغالبًا ما يحتفظ الاستخدام بهذه الصفات فقط عندما يصف الشخص بأنه حكيم، كما هو الحال بالنسبة للإنسان عندما يكون مطيعًا وهادئًا. على هذا النحو ان الحكمة (المعادل اليوناني القديم صوفيا) هو مفهوم يستخدم لتأهيل سلوك الفرد، غالبًا وفقًا للأخلاق، والذي يجمع بين الوعي بالذات والآخرين، والاعتدال ، والحصافة ، والإخلاص ، والتمييز ، والعدالة القائمة على المعرفة المنطقية . ان الحكمة العملية هي أداء الأعمال التي تتم من خلال الفضائل التامة والقيم الأخلاقية، وينبغي أن تتناسب هذه الأفعال الحسنة مع الإجراءات المتوقّعة من أجل تحقيق الخير والسعادة. صُبّ من أسس عملية الحكمة، وتشتمل على أمور تندرج تحت "العمل الجيد"، و"المسوغ السديد" و "المنظر الرائع". لكن لماذا يحرص الفلاسفة المعاصرون على استدعاء الحكمة العملية؟
والحق أن تسليط بول ريكور الضوء على فكرة أرسطو عن الفرونوزيس كرديف مفترض للحكمة العملية هو محاولة منه لابراز خصوصية العقل العملي بمعزل عن تبعيته للعقل النظري وتجاوزا للقسمة الأفلاطونية بينهما. لقد تم استعادة أرسطو باستمرار على مر القرون، على الرغم من مواجهة ثوابت العقل العلمي للتطور الحاصل في العلوم التقنية المعاصرة ومجتمع المعلومات. لقد تم استرجاع أطروحات أرسطو هنا في مجالات واسعة، من سبينوزا وكانط وهيجل إلى المشهد الفنومينولوجي والهرمينوطيقي والايتيقي والتحليلي اليوم.
من ناحية أخرى، تدون هذه المداخلة الاهتمام الحالي بالمفهوم الأرسطي في تاريخ تمكنت خلاله عقلانية الفعل دائمًا من التعبير عن نفسها، أين يُظهر أن الحكم، هذه الكفاءة الذهنية البشرية والمحدودة للغاية، وحيث تشكل جوهر المناقشات المعاصرة وقلب الممارسة نفسها. إن "الحكم على الأمور الصالحة والعادلة" هو في نفس الوقت محور وعلى هامش المناقشات الجارية حول الفعل البشري. في المحور، لأن هذه الكفاءة هي التي تحتاج إلى توضيح، إذا أردنا مواجهة القضايا الحيوية لكل هذه المناقشات. ولكن على الهامش، لأنها البقعة غير المعلنة أو المظلمة في جل النقاشات الفلسفية بين دعاة القيم الكونية وأنصار القيم الخصوصية2 .
من هذا المنطق ترتبط الحكمة العملية عند بول ريكور بالفرونوزيس phronêsis الذي ذكره أرسطو في كتابه الايتيقا الى نيقوماخوس وفي كتاب فن الشعر من حيث هو ممارسة للتعقل وقوة التمييز ويتنزل ضمن مجالات الحياة اليومية وخاصة في المجال المعرفي والمجال الأخلاقي والمجال السياسي والمجال الطبي. لكن ماهو الفرونوزيس phronêsis في الفلسفة الاغريقية عامة وعند أرسطو بالخصوص؟ ولماذا استعاده فلاسفة معاصرون مثل هيدجر وغادامير وأرندت؟ وكيف استعمله بول ريكور في الايتيقا والمجتمع وفلسفة الحق والسياسة؟ وهل فرونوزيس phronêsis أرسطو هو مجرد وعي أخلاقي أم منظومة معيارية للأنتوس؟ وكيف يساعد على إيجاد حلول في الحقل السياسي والمجتمعي والايتيقي؟ وهل يمكن التعويل عليه في الأزمة الصحية الراهنة من حيث هو لقاح للوقاية وترياق للعلاج؟ وماهي حدود استعمال هذا المفهوم ومخاطره؟
من المعلوم أن دلالة الفرونوزيس الحاضرة تختلف عن دلالته الماضية وأن استخدام ريكور له يختلف عن استخدام أرسطو وكذلك عن استخدام المحدثين والمعاصرين ولذلك نراه ينقد طريقة التعاطي الفلسفي معه. كما أن الحكمة العملية في معناها المتداول وفي استخدامها المستقر هي مجرد تطبيق في المجال الميداني للحكمة النظرية مثلما تتبع الممارسة المعرفة ويمثل العالم المحسوس مجرد نسخة منقوصة من العالم المعقول. ما نراهن عليه في المبحث هو الاستئناس بالمجهود الذي بذل بول ريكور في توطيع مفهوم الفرونوزيس من أجل حسن استخدامه ضمن السياق الفلسفي المعاصر واقحامه في معالجة جملة المشكلات الراهنة التي تداهم الوضع البشري وخاصة اللايقين المعرفي وهشاشة الديمقراطية والعدمية القيمية وكارثية الأزمة الصحية.
الحقل المعرفي:
الاقتناع convictionبدل الحقيقة
" المفهوم اليوناني للفرونوزيس phronesis هو واحد من تلك الكلمات القليلة غير القابلة للترجمة لتلك المفاهيم التي تقاوم تغيير اللغات."3
اللغة الفرنسية تعطينا معنيين هما الحذر prudence والحصافة sagacité واللغة الأنجليزية تعطينا معنى واحد هو practical wisdom الحكمة العملية ولغة الضاد تعطينا عدة معان أهمها التعقل وجودة الروية4 .
في هذا السياق حري بنا ان نوضح أن الفرينوزوس Phronesis هو مفهوم أخلاقي في مركز النظرية الأرسطية. في البداية يمكن ترجمته على أنه "حذر" لأنه أحيانًا ما يتم الخلط بينه وبين الفضيلة نفسها: فهو يأمر بعدم المبالغة في ذلك، لإيجاد وسيلة سعيدة في العمل بين الإفراط والتفريط. في مقام ثان يمكن ترجمتها على أنها "حصافة" حيث لا يمكن تعلمها إلا بالوقت والخبرة. أخيرًا، يمكن ترجمتها على أنها "حكمة عملية" لأنها تشير إلى أن الأخلاق لا يمكنها الاستغناء عن تطبيقها، وأن كل حكمة تكون أيضًا عملية وممارسة.
لكن ماذا يمكن أن يقدم الفرونوزيس على صعيد الحقيقة أو المعنى في ظل الوضعية التراجيدية للحكم؟
على الأقل منذ أرسطو، تم فهم فضيلة الفرونوزيس (الحكمة العملية) ومهارة الشاعرية أو الانشائية poiesis (الصنع أو الإبداع) على أنهما نشاطان مختلفان في الأساس، أحدهما أخلاقي ويندرج ضمن السلم القيمي والآخر (في حد ذاته) غير أخلاقي ويتحرك ضمن الممتنع. اليوم، إذا كان هناك أي شيء، فإن هذا التمييز يزداد حدة عند الارتباط الرومانسي للشاعرية بالتعبير الذاتي الداخلي والاستخدام الواقعي للفرونوزيس5 .
بيد أن الإحيائيات الأخيرة للأخلاق الأرسطية تسمح أحيانًا بأبعاد شاعرية للأخلاق وتتعرض الى البعد التراجيدي للفعل البشري، لكنها لا تزال منفصلة تماما عن الحكمة العملية في حد ذاتها بالمعنى الريكوري.
من خلال قراءة جديدة للفرونوزيس في الفنومينولوجيا الهرمينوطيقية للفيلسوف الفرنسي بول ريكور، يمكن التبشير بأن المجادلة قلت حوله ويجب النظر إلى التأليف الصوتي على أنه على الأقل جزئيًا في جوهره. أي أن الفرونوزيس يتعامل مع الوضع الإنساني المأساوي بشكل أساسي المتمثل في عدم قابلية القياس الأخلاقي، وهو يستجيب لهذا من خلال صنع أو خلق معنى أخلاقي جديد. تساعد هذه الشاعرية في الحكمة العملية على اعتماد الفرونوزيس في مواجهة الانتقادات الكثيرة التي قدمها مجموعة من الحداثيين وما بعد الحداثيين، مما يشير إلى طريق للمضي قدمًا في بعض المناقشات الأخلاقية والإيتيقية والقانونية والحقوقية المعاصرة الهامة.
من خلال القياس مع الحواس الخارجية، فإن السؤال هو ما إذا كان الحكم الأخلاقي له نفس طبيعة التجربة الإدراكية أم يتفرق عنها. هذه الأطروحة، التي يدعمها الشراح، والتي هي حاضرة جدًا في إحياء الفكر الأرسطي في النظرية الأخلاقية المعاصرة، مرفوضة هنا. من خلال التمييز المفاهيمي بين الفاضل والحصيف، فإن الأمر يتعلق بإظهار أن التمييز الصحيح الذي يقدر عليه الفاضل ليس فكريًا (بالمعنى الضيق). إن الصفة الأخلاقية للفاعل هي التي تحدد قدرته على أن يكون على صواب بشأن ما هو صواب فعله. إن رغبته، التي يتم التخلص منها بشكل مناسب، هي التي تمكن الفرونوزيس phronêsis من رؤية الخير. وعلى العكس من ذلك، فإن أحد الأشكال المهمة للخطأ المعرفي في إدراك الصالح يرجع إلى الصفة الأخلاقية للفاعل وليس إلى نقص الذكاء العملي. من هذا الزاوية لا يبدو الحذر كأساس كل قيمة، ولكنه، كما هو أيضًا فاضل من الناحية الأخلاقية، هو أيضا كاشف كل قيمة: إنه يرى الحق. وهكذا، فإن مناقشة التأويلات التي خضع لها أرسطو تجعل من الممكن انتقاد القراءات الحسية لمفهوم الحكم الأخلاقي. تقترح أن الانخراط في كل المداولات، بدلاً من القياس مع الإحساس الذي يقتصر على تجسيد حكم الفرونيموسphronimos . فهل phronêsis نوع من النوس Nousأي العقل بالمعنى الأفلاطوني للنظر الروحي للحقائق بلا واسطة؟
يوجد بالفعل تقليد للتعليق الأرسطي الحديث الذي يرى في فهم الحد الأوسط من قبل الفرونيموس phronimos نظير للإدراك الحسي بترتيب إدراك القيمة. على خلاف ذلك إنه يجعل هذه الفضيلة الفكرية ملكة إدراك أو حدس أخلاقي، مثل الحاسة السادسة، لكنها تشمل أيضا استيعابًا واضحًا للتمييز الدقيق في الأمور العملية للحس aisthêsis . هكذا "تستوعب كلمة "فرونوزيس" الخاصية المطلقة التي لا يوجد فيها علم، ولكن تقتصر فقط على الإدراك الحسي: أنا لا أتحدث عن إدراك العقلاء المناسبين، ولكن عن ذلك، على سبيل المثال، الذي يسمح لنا برؤية أن الذي يحسب بين الأشكال الرياضية هو مثلث؛ لأننا يجب أن نتوقف عند هذا الحد أيضًا. سيقال إن هذه المعرفة هي إحساس بالأحرى وليست حصافة، لكنها شكل آخر من أشكال الإدراك غير ذلك ". جملة القول أن الفرونوزيس يتيح لنا الادراك الحسي للأشياء ضمن ملكة الحس السليم والحدس الأخلاقي ولا ينتهي الى الادراك التام للحقائق والأشياء ويكتفي بالإشارة الى أحوالها ومعانيها.
لكن لماذا تم اعتبار الفرونوزيس فضيلة أخلاقية بامتياز عند ارسطو على الرغم من هذا الدور المعرفي الواضح للعيان؟ وكيف تعامل بول ريكور مع هذا الاستخدام الأرسطي الأخلاقي له؟
المجال الأخلاقي:
"وبالتالي فإن عودة ريكور إلى المفهوم الأرسطي للعقل العملي لا يمثل فقط معارضة لفيشتي وهيجل وماركس، ولكن أيضًا قطيعة مع المفهوم السائد للأخلاق في قرنه قبل ليفيناس ودريدا"6 .
الأخلاق عند أرسطو (384-322 قبل الميلاد) هي علم السعادة أي فن الممكن، وهو فن قائم على أساس
تجربة الحياة وعادة التفكير الأخلاقي (على عكس الفلسفة الأفلاطونية للأفكار المطلقة والمثل المفارقة للحق والخير والجمال). أما ديكارت (1596-1650) فيدافع عن الأخلاق بالتدبير الذي يدعونا لتغيير رغباتنا بدلاً من نظام العالم. في حين ذهب كانط (1724-1804) الى وجود نوعين من الأخلاق - الأولى على أساس الضرورات القطعية والثانية التطبيقية على أساس الضرورات الشرطية. لكن هيجل (1770-1831) يميز بين Moralität أخلاق النية التي لا تعمل (أخلاق النفوس الجميلة) والشيم الاجتماعية Sttlichkeit هي الأخلاق التي تمثلها أخلاقيات العمل الأرسطية ، من المسؤولية السياسية والعالمية الحقيقية . ضمن هذا السياق يعود بول ريكور الى سبينوزا (1632-1677) في نظره الإيتيقا فقط هي الحكمة، وهي أن تؤخذ في الاعتبار الرغبة ومنذ الأخلاق التي تعارض الخير والشر بقي الكثير من الجهل. لا أريد شيئًا لأنه جيد، بل جيد لأن لديّه توق ل... ورغبة في... أما بول ريكور فهو يرى أنه "بموجب الاتفاقية أنا احتفظ بمصطلح الإيتيقا للهدف من حياة كاملة والأخلاق لتوضيح هذا الهدف في المعايير. " ما يلفت للنظر أن التميز بين الأخلاق / الإيتيقا وفقًا لبول ريكور هو بين الإيتيقا السابقة والإيتيقا اللاحقة: الإيتيقا السابقة antérieure تمثل مصدر المعايير في الموقف "ما قبل" الأخلاقي وتشتغل من خلال الحدس. أن الأخلاق تقوم بوظيفيتين: تعيين المعايير والشعور بالإلزام، وتصدر أحكاما وفق قواعد من خلال غربال قيمي. الإيتيقا البعدية تمثل الحالة الختامية للمعايير في الموقف المشارك للواجب والمستهدف للحياة الغائية. رسالة مؤثر الحكمة ليست التنبيه على المخاطر الآتية والدعوة الى تجنب الكوارث فقط بل التعجيل بالتغيير واستنهاض الهمم واكتساب القدرات وتحفيز الارادات، فالفيلسوف هو بشير أكثر منه نذير ولعل بشارته للإنسانية زمن الزمة الصحية هو الاعتتصام بالفرونوزيس.
غاية المراد أنه يوجد مثلث إيتيقي عند بول ريكور يتكون من ثلاث أضلع:
الضلع الأول: أن يعيش الانسان حياة جيدة
الضلع الثاني: أن يعيش مع الأخرين ومن أجلهم
الضلع الثالث: أن يعيش معهم في مؤسسات عادلة
لقد أعاد بول ريكور تأهيل مفهوم أرسطو عن الفرونوزيس، وترجمه إلى حكمة عملية، في إطار التفكير الإيتيقي، الذي يتوج كتاب عين الذات غيرا. يبدأ المؤلف في المستوى الأخلاقي للمعيار ويحيطه بالأخلاق، والتي يتم اعتبارها بعد ذلك في تطورها الأمامي البعدي والخلفي القبلي. على هذا الأساس تتوافق الحكمة العملية مع فرع الأخلاق اللاحقة، المرتبط بديناميكيات التطبيق العملي، وهي نفسها تعتمد على أخلاق سابقة، ترتكز على الحياة والرغبة. أكثر من مجرد نظام، نحن نبني علاقة تأويلية بين الأنا والغير وبين أخلاقية النظير الغائي والآخر ذي الطبيعة الأخلاقية. أما الحكيم العملي أو الفيلسوف المبشر بلقاح الفرونوزيس فهو القادر على التداول بأفضل الوسائل، سواء فيما يتعلق بالغاية أو الظروف التي تحدد هدف عمله، مع مراعاة الوقت المناسب والأسباب ذات الصلة. إن عمل بول ريكور، في هذا المستوى، محفز، لأنه يعبر عن قصد عدة وجهات نظر بطريقة جدلية ونقدية. يتبع المؤلف في تحليلاته مدرسة الفنومينولوجيا والتقاليد التفكيرية، متجاوزًا مسارات التأويل وممددًا الحكمة العملية، من بين أمور أخرى، إلى المستويات الاقتصادية والسياسية والقضائية والطبية. إن التأصيل الفرونوزيسي، المليء بالانفتاح أو النسبية، كحكمة عملية، هو مبدأ مثير للاهتمام وأرضية ممتازة للعمل. يمكن التعويل على الفرونوزيس في مواجهة توترات التي تهز الحقل الأخلاقي وخاصة التناقض بين الأخلاق الغائية التي تربط الفعل الأخلاقي ببلوغه لغاياته والأخلاق الواجبية التي تربط الفعل الأخلاقي احترامه للمعيار وتطبيقه للقاعدة الكلية ضمن الحالات الخاصة.
يحاول ريكور إظهار أن الصراعات والتوترات المختلفة التي سلطتها إيتيقا الرعاية تحجبها الايتيقيات الأخرى. في البداية، نأى ريكور بنفسه عن الانتقادات التي وجهت له والتي بموجبها سيطور أخلاقًا مجردة ومفاهيمية. ثانيًا، يعتمد على العمل على منظومة الرعاية والتقاطع والتقسيم الجنسي للعمل، من أجل إظهار أنه في مجتمعاتنا، يتخطى مفهوم الرعاية توتر أساسي: فهو يحدد كل شيء. على حد سواء ممارسة معيارية وعلاقات الهيمنة، معرفة وسلطة، هرمينوطيقا ونقد الايديولوجيات. يبدو من الصعب إدراك هذا التوتر في فلسفة ريكور، لأنه بين العلاقات الشخصية ووجهة نظر المؤسسات، فإن منظور العلاقات بين المجموع تزعج الإيتيقا الريكورية الصغيرة بسبب المكانة التي ستعطيها للخيال الأخلاقي. من ناحية ثانية يصعب تصنيف مشروع ريكور في بانوراما الأخلاق المعاصرة، ويقدر تعددية التقاليد الأخلاقية على أنها تفاهمات مسبقة عملية مع إعطاء الإبداع العملي مكانًا بارزًا. هذا التوتر بين التقاليد والمعاصرة يغذي الخيال الأخلاقي يضفي على حكمته العملية طابعًا ديناميكيًا وإرشاديًا. تظهر خصوبة هذه الحكمة في عصر المجتمعات ما بعد الصناعية التي تتميز بالتعددية والتعقيد، وتكشف هذه المداخلة عن أهميتها العملية. يحتفظ ريكور أولاً بتحليل مكونات المشورة الجيدة حيث يتم تعبئة الإبداع العملي، ويضع عمله قيد المناقشة، ثم يدرس، في سياق الاقتصاد حيث يكون الدور والمكان الذي يلعبان فيه مركزًا، مكان الخيال في أنثروبولوجيا الانسان القادر7 .
من خلال عدم تحديد الشكل الذي يمكن أن تتخذه الحكمة العملية على المستوى الجماعي، فإنها لا تسمح لنا حقًا بالتفكير في شروط تسييس قضايا الرعاية. وينتهي المقال بالقول إن أخلاقيات الرعاية، من جانبهم، تحاول العثور على إجابات لهذه التوترات من خلال إجراءات جماعية مناسبة: على سبيل المثال فيما يتعلق بإعادة تنظيم أعمال الرعاية والمناقشة العامة. علاوة على ذلك يتحدث ريكور عن حسن الضيافة hospitalité ولقد سعى من خلال نصوصه إلى العودة إلى مساهمات الأخلاق المختلفة في التفكير في أخلاقيات الضيافة. لم يكن الأمر يتعلق باستبعادهم أو رفضهم. يبدو لي أنهم جميعًا يشيرون إلى العناصر الأساسية لأخلاقيات الضيافة. ومع ذلك، في مواجهة العديد من المعضلات والتحديات، يبدو من المهم السعي لإطالة أمدها. لتلخيص الاتجاه الذي أشعر أنه ضروري لاتباعه في عبارة واحدة، أود أن أقول إننا يجب أن نسعى للتفكير في كيفية "ترسيخ" إيتيقا الضيافة. يمكن لمثل هذا الفعل أن يفاجئ بل ويثير بعض المقاومة. يردد ريكور مصطلح إضفاء الطابع المؤسسي، والذي غالبًا ما يشحن سلبًا لأنه يشير إلى فكرة الروتين أو التوحيد. والأكثر جدية، قد تشير فكرة إضفاء الطابع المؤسسي إلى وجوب تحديد حسن الضيافة من خلال أدلة للممارسات الجيدة والمعايير والتوصيات التي تحددها السلطات المؤسسية وحدها. في الواقع، أعني بكلمة "مؤسسة" هنا قبل كل شيء أن أدرج في الزمان والمكان ما الذي يشكل قلب روح الضيافة. إن الاقتراب من الاستقبال من هذا المنظور يجعل من الممكن إدراك أنه حتى لو كان من الممكن التعامل معها بطريقة أكثر تحديدًا وتميزًا من قبل شخص واحد، فإنها تظل قضية تنظيمية وجماعية قوية. كيف يمكننا تنظيم أنفسنا بشكل جماعي لممارسة مسؤولية مشتركة للاستقبال؟ كيف تستثمر في مناطق الاستقبال؟ ما هي التغذية الطبية المفيدة التي تتيحها دار رعاية المسنين في طريقة عملها؟ الكثير من الأسئلة التي يبدو من المهم بالنسبة لي أن أستمر في التفكير في حسن الضيافة.
حول هذا الموضوع صرح ريكور أثناء تحليله لمهمة المربي في كتاباته الأولى في كونها مهمة عالمية وكونية ما يلي: "الحضارة فريدة من نوعها. يتم الحصول على جميع الاختراعات بحق لجميع الناس. والتاريخ التكنولوجي للإنسانية هو تاريخ الانسانية التي تعتبر إنسانًا واحدًا"8 ، لكن لماذا ربط ريكور بين أنسنة التربية وتنمية الإيتيقا؟ وكيف يتطلب ممارسة الفرونوزيس في الطب التأليف بين إيتيقا الاقتناع وإيتيقا المسؤولية؟
3-المجال الطبي:
"الوضع الذي تتدخل فيه مهنة الطب هو حالة المعاناة الإنسانية"9
من المعلوم أن بول ريكور يضع ثلاثة مستويات للحكم الطبي ضمن محاولته نحو تحديد التجوه العيادي للإيتيقا الطبية الذي يتميز بشكل تطبيقي سريري عن التوجه الموازي المختص في البحث والاختراع ويبتعد قليلا عن الدلالة الاغريقية للفرونوزيس من حيث هو حكمة عملية ويقترب من الدلالة اللاتينية من هو حيث حذر وتحوط واحتراس واتخاذ مختلف التدابير والإجراءات بصدد اصدار حكم طبي أي قرار تجاه المريض.
إذا كان التوجه الثاني من الإيتيقا البيولوجية يسعى الى تنمية المعرفة الحيوية ويراكم الاختراعات العلمية فإن التوجه الاخر يستهدف الوقاية وتقوية المناعة ويقوم بالرعاية ويحرص على معالجة الأمراض والشفاء منها.
"ما يبدو خاصًا بالمقاربة العلاجية السريرية هو أنه يؤدي إلى إصدار أحكام تتعلق بعدة مستويات مختلفة. الأول يمكن أن يسمى حكما تعقليا مصطلح prudentia الذي يشكل النسخة اللاتينية من الفرونوزيس اليوناني: يتم تطبيق كلية الحكم على مواقف فردية حيث يتم وضع المريض الفردي في علاقة شخصية مع طبيب "10 . لكن،" كيف نجعل الناس يدركون أن من يعاني هو شخص يمكن أن يشفي"؟
في نفس الاتجاه تمكن ريكور من تطوير مفهوم أصلي للإيتيقا كان مثمرًا بشكل خاص، خاصة لمقدمي الرعاية الصحية. ان تدريب التمريض والتزام الطبيب بجملة من القواعد المهنية ودراية المريض بآداب الممارسة العلاجية، يقترح وضع "الأخلاقيات الصغيرة" في اختبار التحديات الحالية للرعاية وأخلاقيات علم الأحياء، ولكن أيضًا لإظهار أن هناك استخدامًا عمليًا حقيقيًا، وحتى تشغيليًا لإيتيقا ريكور في مجال الطب والرعاية. "عِش حياة كريمة، مع الآخرين ومن أجلهم، في مؤسسات عادلة": بهذه الصيغة المختصرة نوعًا ما، قدم ريكور "أخلاقياته الصغيرة". بدءًا من تحليل مقال بعنوان الأخلاق والإيتيقا (قراءات 1 ، نشر سوى، 1990) ، يأخذ في الاعتبار ، خطوة بخطوة ، في هذا العمل ، خصوصية ثلاث لحظات مختلفة ولكنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا. وهكذا يبدو أن اللحظة الأولى هي الاهتمام واحترام الذات، والثانية هي الاهتمام بالآخرين، والأخيرة للعدالة للآخرين التي تجعل الحياة المشتركة ممكنة على الرغم من التباين.
من خلال هذه اللحظات الثلاث، يوضح المؤلف كيف أن ريكور يميز بين "الأخلاق الأولية" المتعلقة بالرغبة في أن يعيشوا حياة تتحقق تحت علامة الأفعال التي تعتبر جيدة، من "الحياة الأخلاقية" التي تضع المعايير التي تهدف إلى خلق الشعور بالالتزام. هذا التمييز، بعيدًا عن كونه نظريًا فقط، يسمح لريكور أن يقدم، كخطوة أخيرة، حكمة عملية حقيقية للإنسان الذي يتصرف في عالمنا. في عالم الرعاية الصحية، يوجد الآن إجماع على المبادئ الأربعة الرئيسية لأخلاقيات البيولوجيا. من المعلوم أن الجميع يوافق على بناء الممارسة الأخلاقية على العناصر الأساسية للاستقلالية والإحسان وعدم الإساءة والعدالة. ومع ذلك، عند مشاهدة مجموعة من الأطباء وهم يناقشون موقفًا أخلاقيًا حول الإجهاض أو زرع الأعضاء أو الاستنساخ او التخصيب الاصطناعي أو الرحم البديل أو الموت الرحيم، أو يتم تدريب الممرضات في هذا المجال، يظهر استنتاج آخر: يختلف الرأي وفقًا للتصور الذي يمتلكه المرء عن المهمة السريرية. إذا تم النظر إلى هذا الأخير على أنه عمل علمي على الأعضاء المريضة وليس على أنه فعل مقدم رعاية يستجيب للاحتياجات الخاصة لشخص يعاني، فإن العلاقة مع الأخلاق ليست هي نفسها في كلتا الحالتين. أعتقد أن أخلاقيات مقدمي الرعاية يجب أن تُبنى على تجربة المرض وأن تتكيف مع الشخص المريض؛ العديد من التيارات تتحرك في هذا الاتجاه اليوم. لا تمنح هذه الرؤية المريض سلطة مطلقة على مقدم الرعاية، ولكنها تسلط الضوء على أن عمل مقدمي الرعاية والأقارب له مصدره في تجربة المريض. دون أن أتعرف على نفسي بشكل كامل مع أحد هذه التيارات أو الأخرى، ولكن من خلال مناشدة ديناميكياتهم ، سأسعى في هذا الكتاب إلى كشف ما يبدو لي أنه التوجهات الأخلاقية التي يجب تفضيلها من أجل الوصول بفعالية إلى المريض في تجربته. كما تكشف النماذج الثلاثة للأخلاقيات العلائقية عن الأهمية المتزايدة المعطاة لجودة العلاقة بين أعضاء فرق الرعاية الصحية والأشخاص الذين يخدمونهم. يظهرون رغبة في إضفاء الطابع الإنساني على الرعاية، لا سيما في حالات الأمراض المزمنة. ومع ذلك، فإن هذه النماذج تخضع لنقد شديد، وبعضها لا يخلو من الجدارة. يمكن العودة الى مساهمة بول ريكور في الأخلاق المناسبة للمريض. لماذا تفعلون هذا؟ من المسلم به أن فحص المقاربات التي رأيناها في الفصل السابق من زاوية أخرى ينطوي على خطر التكرار، لكن يجب أن أتعامل معه لتجنب وضع هذه التيارات الثلاثة جنبًا إلى جنب، كما لو أنها لم تتصل ببعضها البعض. من خلال إجراء المراجعة، يجدر التوضيح أن ريكور يؤكد على رؤية الفضيلة والاهتمام بالسرد، إذا تم النظر في الرعاية الصحية، اذ يجب على مقدمي الرعاية أن يتركوا مرضاهم يروون قصة معاناتهم مع المرض ووصف آلامهم وعذاباتهم ويجعلون من السرد وسيلة للتطهر من الآلام والتخلص من المعاناة وأن يشاركوهم وجدانية ويتقاسمون معهم ذلك. هكذا يحلل ريكور السلوك الأخلاقي على ثلاث مراحل:
اللحظة الإيتيقية: "الهدف من حياة الصحية تتحقق تحت علامة أفعال طبية تعتبر جيدة".
اللحظة الأخلاقية: "تتميز بالمعايير والالتزامات والمحظورات التي تتميز بمتطلبات الكونية وبتأثير القيد". أي الربط بين الواجب المهني وتحمل المسؤولية الاجتماعية داخل المدينة والإدارية داخل المؤسسة.
مرحلة الحكمة العملية: التعبير عن الهدف الأخلاقي والواجب الأخلاقي في علاقة المرء بالآخر غير الذات، في "إرادة التعزيز المتبادل للحياة والصحة والسلامة" التي تهدف إلى "الحياة الواقعية مع الآخر ومن أجله في مؤسسات عادلة ". يجب احترام القانون الأخلاقي واحترام كرامة الشخص وتقديس الحياة الإنسانية. لكن ما هي أخلاقيات الرعاية الصحية؟ ألم تسعى أخلاقيات الرعاية الصحية إلى استبعاد كل التأثيرات الإجرائية؟
يقدم ريكور وصايا ايتيقية معاصرة على غرار آداب أبقراط تتكون من النقاط التالية:
- المصداقية الأخلاقية - يعتمد على الضمير الانساني
- الواجب المهني - يقوم على العقل - تحمل المسؤولية
التعاطف واللطف والرفق والاحساس بمعاناة الأخرين
الشعور الأخلاقي ومنهج التصويب والتعديل والتعزيز
واجب احترام الكرامة الإنسانية وتقدير الغيرية
تقديس الحياة وحفظ الكيان وعدم تخليف الضرر.
هكذا تتكون الفلسفة الطبية عند بول ريكور من عناية بالصحة الإنسانية من جهة سلامة الجسم والذهن وتحرص على استقلالية الذات من كل الضغوطات وتضع جملة من الأوامر والقواعد الايتيقية التي تحقق هذا المطلب وتصدر احكاما تعقلية وآداية وتفكرية تنظم العلاقة بين الطبيب والمريض وبين الفرد والمؤسسة وتبرم عقد ثقة بين مختلف الأطراف الطبية يتعدى أن يكون مجرد عقد طبي تجاري لكي يجسد روح العقد الايتيقي الذي يحمي الناس من المعاناة والعذاب والالام ويمنح الجهاز الطبي حرية التصرف في الوضعيات الحرجة ويضفى الطابع الإنساني على القرارات العيادية ويدفع بالرعاية الصحية الى درجة عليا من المصداقية. لكن كيف يمكن استخدام عمل ريكور حول الحكمة العملية سياسيا؟
4-المجال السياسي:
" تتكون الدائرة مما يلي: أن السلطة السياسية، بسبب الهشاشة التي كشفت عنها مفارقات السلطة، لا يتم إنقاذها إلا من خلال يقظة هؤلاء المواطنين أنفسهم الذين ولدتهم المدينة بطريقة ما "11
الى أي مدى يعد بول ريكور فيلسوفا سياسيا؟
لم يتعامل المؤرخون والشراح والنقاد مع بول ريكور على أنه فيلسوف في السياسة وركزوا انتباههم على اسهاماته في الفلسفة التأملية واضافاته للمدرسة الفنومينولوجية وتجديده للهرمينوطيقا والرمزية والسرد وكشوفاته في مجال الذاكرة والاعتراف والتاريخ والأنطولوجيا وحصل حوله اجماع بكونه فيلسوفا إيتيقا.
من جهة ثانية اعتبر البعض الآخر حضور المباحث السياسية في المدونة الريكورية بشكل مبعثر ومتناثر ووفق أسلوب شذري وفاقدة للتنظيم المنهجي والترتيب المنطقي وخالية من أي إمكانية لقيام نظرة متكاملة وبعيدة كل البعد عن الابتكار والتأسيس والاقتراح وقريبة من الاقتباس من الآخرين والتلخيص للموجود.
بلا شك سبب بقاء ريكور معروفاً قليلاً كمؤلف سياسي، على الرغم من أن تفكيره، من خلال إنتاجه وأصالته، يبدو أنه لا يُذكر في هذا المجال. بالإضافة إلى العديد من المقالات، فإن البعد السياسي لفكر ريكور قد تم تناوله بالفعل في العديد من الكتب. السياسة أيضا ليست غائبة عن المؤتمرات المكرسة لعمل ريكور. "المفارقة السياسية" هي موضوع فصل كامل - من بين أمور أخرى - من السيرة الذاتية الرئيسية المكرسة لريكور. ولكن، على حد علمنا، عندما يتعلق الأمر بالأعمال في الفلسفة السياسية أو تاريخ الأفكار السياسية، لم يكن الفكر السياسي لريكور سوى موضوع فرعي عن موضوع رئيسي في الطبعات الصادرة باللغة الفرنسية.
لا يبدو أن الأدب الأنجلو ساكسوني يظهر اتجاهًا مختلفًا جوهريًا. ولم يعترف مؤلف مثل برنار ب. داونهاور فيه "بمساهمة كبيرة في الفكر السياسي المعاصر" حتى نهاية التسعينيات. لم تذكر مختارات أكاديمية مكرسة لفلسفة ريكور شيئًا تقريبًا عن تأمله في السياسة على هذا النحو، ولا تظهر "المفارقة السياسية" في فهرس الموضوع. على خلاف ذلك وفي عام 2003، خصص كارل سيمز فصلاً كاملاً للسياسة والعدالة في عمله على فكر ريكور. يُظهر هذا اعترافًا يمكن القول إنه متأخر، إذا لم يبدو أنه يقلل من حجم انعكاس يمكن أن تضاهي وفرة وطموح هانا أرندت أو جون رولز أو يورغن هابرماس ، أو مرة أخرى من كلود ليفور ، بيير روزانفالون وكورنيليوس كاستورياديس ومارسيل غوشيه على التمسك بالمؤلفين الفرنسيين المعاصرين.
أنه للوهلة الأولى، لا يمثل التفكير السياسي أولوية بالنسبة لريكور وأنه، على سبيل المثال، لم يخصص أي كتاب في حد ذاته لهذا الترتيب من الاهتمامات، لكن ريكور فلسفته يثير قضية "حرية الفعل"، التي يُنظر إليها على أنها مؤشر على الإحجام الافتراضي عن الالتزام. بدلاً من ذلك، يمكننا أن نقول إن التجربة الفعلية للخطأ أو الوقوع في الخطأ تثير وعيًا قويًا لدمج المسافة النقدية في مشاركة مستمرة في الفضاء العمومي. بالنسبة للآخرين، على العكس من ذلك، فإن الأمر يتعلق بالأسلوب والتحيز الذي ذكرناه للتو لصالح تفكير في نمط مجزأ والذي لا يُقصد من عناصره التعبير عن أدلة بطريقة منهجية. يضاف إلى ذلك حقيقة أن ريكور ليس فيلسوف تحطيم الأيقونات. على النقيض من الثقافة الفرنسية التي تميل إلى تفضيل المثقف على القطيعة، هناك شك في أن ينسب على عجل لفكره سمات التوافقية وتوبخه الراديكالية غير الكافية. والأسوأ من ذلك: أن لفتة يربط بها التناقض بين القدماء والمحدثين تفاقم سوء التفاهم من خلال إضافة شكاوى المحافظة. ولحسن الحظ، قيل إن ريكور، على العكس من ذلك، يسعى إلى بناء الجسور التثاقف بين التقاليد الخصوصية وأن أصالة مساهمته تكمن في التعبير عنها، بدلاً من تأكيد نفسه في معارضتها لها. لكل هذه الأسباب، ولكن باسم ما يجعل مساهمته الجوهرية، فإن المهمة إذن هي نشر هذا الفكر السياسي في كل نطاقه وفي التنوع الفردي لسجلاته.
تنطبق هذه الاعتبارات مع أكثر من سبب للقلق الراسخ الذي يقود هذه الفلسفة السياسية إلى اعتبار الشمولية موضوعًا للفكر، ولكن في كثير من الأحيان دون الإشارة إليها صراحة. أيضًا، خارج دائرة الخبراء الجيدين لكتاباته، نادرًا ما يتم تحديد ريكور كمؤلف يواجه هذا السؤال بنفس الطريقة مثل حنة أرندت، ريمون آرون، كلود ليفور، ومنظري مدرسة فرانكفورت أو فاتسلاف هافيل ومقاومة جان باتوشكا للشمولية وغاندي لعنف الاستعمار. بمعنى ما، يمكن للمرء أن يعتبر أن فكره المناهض للشمولية يلقي نفس مصير تفكيره السياسي لسبب وجيه أنه مدرج فيه ولا تتوقع أن تجد نقيضه. علاوة على ذلك، نادرًا ما يظهر المفهوم نفسه في قلمه.
يمكننا أن نعتبر أن شكل التناقض الذي يطبقه على السياسة يجعل عقلانية المصدر ذاته لأكبر من لاعقلانية النتيجة المقترحة للمشروع الذي يتألف، في نفس الوقت، من التفكير في الشمولية دون ادعاء تفسير ظهورها من الشر الشمولي. إن التوتر بين العقلانية واللاعقلانية يجعل من الممكن ترك لحظة التغيير في الظلام. بيد أن عودة الى النصوص الريكورية ذاتها كفيل بأن ينسب هذه الآراء ويدعوها الى مراجعة نظرتها بشكل تام وصرف النظر عن هذه الأحكام المسبقة والتصورات المنقوصة والقراءة التجزيئية والمقاربات الانتقائية والانتباه الى ثراء مؤلفات ريكور ومحاضراته ومقالاته وترجماته ودراساته بالأدبيات السياسية الاجتماعية.
يمكن تقديم جملة من القرائن على هذه الدعوى:
أولا، السيرة الذاتية للفيلسوف وما حملته من جدلية التأثر والتأثير في الحياة السياسية، فقد عاصر أهم الأحداث الكبرى التي عصفت بالقرن العشرين، الحروب والثورات والانتفاضات والتحولات وسقوط الامبراطوريات وميلاد دول قومية وزعامات كارزماتية وظهور الأيديولوجيات وبروز الأحزاب والهيئات الأممية والنقابات.
ثانيا، الالتزام السياسي بالديمقراطية وحقوق الانسان والانخراط الميداني في القضايا المجتمعية والانخراط في العمل الحزبي والانحياز للمنظومة الاشتراكية والمسيحية التقدمية من زاوية المذهب البروتستانتي المستنير واعجابه بحركات التحرر الوطني في الدول التابعة ومناهضته للتميز والاستعمار وايثاره المنزع الانساني.
ثالثا، الحرص الكبير على ترجمة عدد من المؤلفات السياسية وتعريفه بالكتابات الفلسفية التي تفتقدها المكتبة القارية الناطقة بالفرنسية وتسليطه الضواء على فلاسفة كبار من العالم الأنجلوساكسوني مثل حنة أرندت وجان رولز وشالرز تايلور واجراء حوارات عميقة مع الماركسية والليبرالية ومدرسة الخيار الثالث.
رابعا، اثارة إشكاليات سياسية كبرى وطرح مسائل عويصة ورصد توترات حقيقية ضمن الحقل الحقوقي وتوجيه الرأي العام منذ مؤلفاته الأولى الى قضايا السلطة والعنف والشر والتربية والديمقراطية والحرب ودولة القانون والتنمية الاقتصادية والمفارقة السياسية والسيادة والمواطنة والحرية وإرادة العيش المشترك.
"السياسة والسياسي مهمان جدا لريكور. وهو يعتبر أنه من خلال السياسي لدينا القدرة على أن نصبح ما يمكن أن نصبح، وأن يكون المواطن حرا. الشرط الذي لا غنى عنه لإجراء مناقشة هو نقد السلطة. إن التمييز بين السياسة والسياسي هو أكثر من مجرد فارق بسيط، والسياسة هي استيلاء على السلطة وممارستها، وسياسة سياسية؛ السياسي هو العيش معًا، حقيقة أنه استشهد بها هناك، الجماعية البشرية. كيف يتم التعبير عنها؟
إن مرحلة الحكمة العملية هي دائمًا توازن هش تكون فيه السلطة السياسية مسؤولة عن يقظة المواطنين والضامن لها. من هذا المنظور، فإن الاعتراف المتبادل بالحق في التعبير عن الذات وممارسة مناقشة الرأي بحرية أمر ضروري. إن التحليل الذي أجراه ريكور لما يسميه "علمانية ديناميكية، نشطة، جدلية، ترتبط روحها بروح النقاش العام" يوضح الدور الذي يسنده إلى المواطن في هذا المفهوم للتعبير بين الأخلاق والسياسة. ان الاحتكام الى الفرونوزيس في مواجهة هشاشة السياسة وتحديات الديمقراطية وصعوبة تحديد مفهوم العادل والانصياع الى إرادة العيش المشترك في كنف السلم واللاعنف يعد من الأمور الضرورية.
تم التطرق إلى العدل في الجزأين السابقين إما على أنه الوعد بالمدينة السعيدة أو كمجموعة من قواعد العدالة، والتي تشكل خطابين متباينين حول الخير والعدل، أو عن الصالح والقانون. هل يمكننا التوقف عند هذا التكوين المزدوج لما تم اكتشافه للتو من تفارق بين المصطلحين في جذورهما وما تم بناؤه للتو في إجراءاتهما؟
سوف تتمثل المهمة التي يعمل عليها ريكور في الجمع بين "الغائية" للأخلاق الأرسطية التي تهدف إلى الخير، و"علم الواجب" للأخلاق الكانطية التي تحظر الشر. تزداد المهمة صعوبة لأن هذين الخطابين لا يجيبان على نفس الأسئلة، وهو ما يفسر سبب وجود خطر بين المؤيدين الأحاديين لكل منهما. ولا يتوقف ريكور أبدًا عن ربط هذين الخطابين معًا، لتحديد موقع هذين الاتجاهين فيما يتعلق ببعضهما البعض.
علاوة على ذلك، فقد رأينا أن كل من هذه المقاربات تجاه العدالة غير قادرة على الصمود بمفردها، وأنه لا تزال هناك مقاومة، والتي تشير إلى الآخر. دعونا نأخذ مرة أخرى استنتاجات الأجزاء السابقة: الانجراف الشمولي، الذي هو انحراف لهدف السعادة، يتطلب تدخل القواعد التي تحد من السلطة. وبالمثل، فإن المفهوم الإجرائي البحت للعدالة مستحيل إذا لم يكن متجذرًا في تنوع شخصيات السعادة. كل اتجاه من هذه الاتجاهات يصحح الآثار الضارة للآخر: استشراف الأمل بالسياسة وبناء السياسة من خلال الامل، في هذا السياق صرح بما يلي: "بقدر ما تحدث هو نفسه عن الحرية وفقًا للأمل، كما نكتشف اليوم أن مفهومه للعدالة يعزز العدالة وفقًا للأمل، وفيما يتعلق به، يمكن التحدث عن السياسة وفقًا للأمل، والتاريخ وفقًا للأمل، وما إلى ذلك"12 .
ان التكهنات المتجذرة في تراث الفلسفة السياسية، ونظرية المعرفة التي تعبر عن العلوم والآداب والفنون كلها، والتأمل الأخلاقي للأخلاق الأساسية في الحكمة العملية. لتلخيص جميع الأنشطة التي يكون الإنسان "قادرًا" عليها من خلال الفعل السياسي والالتزام الإيتيقي والابداع الفني والحكم المعرفي: "التصرف، والكلام، والرغبة، والتواصل، والابتكار، والتأويل، والترجمة، والتذكر، والنسيان، والمسامحة، والاعتراف". على هذا النحو يتم وضع هذا العمل المكرس للفكر السياسي لبول ريكور تحت موضوع توحيد السلطة. إن السؤال السياسي هو، في الواقع، أحد الاهتمامات التي يمكن القول إن أسلوب وأسلوب الفلسفة التي تفضل النمط المجزأ هو الأكثر انفتاحًا عليه. ومع ذلك، نعلم أن التشتت الظاهر يتعايش، في عمل ريكور، مع الكتل الضخمة التي هي فلسفة الإرادة، والزمن والسرد أو الذاكرة، والتاريخ، والنسيان، حيث ينظر الفكر بعناية في موضوعه وينشر مشروعه في قطعة واحدة. يقف في تشويق غير حاسم. لكن لا شيء من هذا القبيل يؤثر على السياسة. القراءات 1، إذا حصر موضوعها "حول السياسي"، كما جاء في العنوان الفرعي، فإنها تشكل مجموعة من الدراسات من فترات متنوعة للغاية وموضوعات متفرقة على ما يبدو. إذا كان كتاب الأيديولوجيا واليوتوبيا في مجمله يتعلق بالسياسة من زاوية الخيال الاجتماعي ويشكل بلا شك تفسيرًا رئيسيًا لريكور مع الماركسية كما هو الحال مع هابرماس أو مع ماكس فيبر، فإن هذا العمل لا يدعي أنه لا يشكل نظامًا، إلى حد ما باعتباره انعكاسًا أنثروبولوجيًا وإبستمولوجيًا لا يمتد إلى تأمل في أشكال السياسة وعلى وجه الخصوص في المؤسسات. يمكن أن تعطي نظرة عامة متسرعة للعمل بأكمله مصداقية الشعور بأن النية التأسيسية والبرنامجية التي يمكن إدراكها من خلال مقالة 1957 حول "المفارقة السياسية "13 ستعرف، بعد سلسلة من الإيقافات ، نتيجتها الحقيقية بعد ثلاثين عامًا مع الدراسات الثلاث التي تشكل "الأخلاق الصغيرة" لعين الذات غيرا قبل الاستمرار في العادل 1 و2 من خلال تأمل يركز على مسائل العدالة. لكن هذا يعني تجاهل التطورات العديدة المجاورة التي تميز هذا المحور الرئيسي، الذي تم اجتيازه خطوة بخطوة، وفق تقدم بطيء يبني بصبر تماسكه المفهومي ويسمح بتصور مقاربة سياسية إيتيقية مرنة. لعل هذه الانعطافات الواضحة، التي تتشابك مع مسألة الفعل أو السرد أو اللغة أو الشر، تشهد بالأحرى على ديمومة الانشغال، في نفس الوقت بالنسبة إلى حكمة التأمل المنتبه إلى انقطاع مشاكله وكذلك الأهمية الخاصة التي ترتبط بهدف الإنسان من الصالح العام. عندما يتعلق الأمر بالسياسة، يبدو أن هذا الفكر، الذي يخصص لنفسه دائمًا مشروعًا محدودًا، يشير إلى انحسار خاص للنتائج الجزئية والمؤقتة للمجموعات، عندما لا يهمل الدراسات التي لم يتم إعادة نشرها مطلقًا. إن منهجيتها الوحيدة هي رفض التوليفات ذات الادعاءات العامة.14
لكن هل ساعد تبني الفرونوزيس بول ريكور من تخطي العطوبية الاجتماعية والهشاشة السياسية وتجاوز الأزمة الايكولوجية والانتقال بالإنسان من المواطن السلبي الى المواطن الإيجابي ومن المذنب الى القادر؟
خاتمة
"الحكمة العملية التي ليست سوى الرؤية الأولية، ولكن تم تناولها مرة أخرى لإيجاد طريقة للخروج من المواقف المتضاربة. دعونا نلاحظ أن ريكور هنا يُخضع قواعد العمل لقاعدة التعميم. بدلاً من أن تشكل خطرًا كبيرًا، فهو يعتبر الآن كاختبار مفيد تطهرت به الرؤى للحصول على أقوال صحيحة "15
هكذا يمثل فكر ريكور نفسه على أنه المنبه على ضرورة الحذر لهذا اليوم وتوخي سياسة الفرونوزيس. ولهذا السبب تتقدم فلسفة بول ريكور دائمًا على مسارات القمة، على الحدود. لكن عبقريته هي أنه عبر الحدود. ربما يعني التفلسف إذن معرفة كيفية المغامرة في جميع المناظر الطبيعية للفلسفة، ولكن أيضًا المخاطرة بالنفس في بلدان أخرى، أجنبية، لا تخضع للفلسفة ويمكنها مقاومة ذلك. لقد شق بول ريكور طريقه هناك، من خلال مواجهة إيديولوجيات التاريخ (الماركسية)، والعلوم، واللغويات، وعلم الدلالات، والأدب والأنثربولوجيا . كل هؤلاء المفكرين، هؤلاء الكتاب هم هؤلاء الفلسفيون الآخرون الذين لم يتردد في إدخالهم في تفكيره.
الحكمة العملية ما هي إلا مهارة عمل الخير، أي الأعمال التي تتم لسبب وجيه وبالطريقة الصحيحة. لفهم ما هي الحكمة العملية، نحتاج إلى فهم المقصود بعبارة "العمل الصالح" و "العقل الجيد" و "السلوك الجيد".
لقد سعينا لتوضيح كيفية تحديث ريكور، من خلال مفهومه للحكمة العملية، الرسالة الأساسية للأخلاق الأرسطية وذلك بالانطلاق من الأهمية التي ينسبها ريكور إلى تكوين الوعي من خلال علاقته بالمعيار العالمي ونتساءل، من خلال اللجوء إلى مأساة أنتيجون كما استعملها هيجل للتعبير عن الفعل التراجيدي في التاريخ، عن التطبيق الأخلاقي البحت للقاعدة. إذا كان التراث الكانطي للواجب القطعي، بالنسبة للأخلاق العملية المعاصرة، لا يمكن دحضه، فإن الصراع الذي يثيره المسار التنازلي للأخلاق، من القاعدة إلى الموقف الملموس، هو الذي يتطلب حكمة عملية، من النوع الأرسطي، التي تعرف كيف تخترع السلوكيات التي ، مع خيانة القاعدة بأقل قدر ممكن ، قادرة على التعرف على الطابع الذي لا يمكن تعويضه للشخص المفرد. في عين الذات غيرا، يختتم ريكور استجوابه للذات، من خلال التفكير في الآثار الأخلاقية الناشئة عن القدرة على التصرف الخاص بالذات. كما أن النقاش الذي فتحه حول هذا السؤال معقد ومذهل. اذ ما نسميه في التقليد الأنجلو ساكسوني "الإيتيقا" يمثل بالنسبة لريكور لحظة واحدة فقط ضمن المخطط الديالكتيكي الكبير الذي يقترحه. اللحظة الإيتيقية هي اللحظة الغائية، التي هي أساس اللحظة الأخلاقية أو المعيارية، واللحظة العملية التي تليها. المثير هنا ليس انتقاد هذه النظرية، بل فحصها من أجل اختبارها من منظور آخر، وهو منظور دعانا ريكور نفسه إليه في مناسبات عديدة في كتابه. يعمل. بعبارة أخرى، سيكون من المثير للاهتمام تعيين حدود ما يقوله ريكور، في عين الذات غيرا، كما في كتاباته اللاحقة الأخرى، عن العادل 1 و2 ، من أجل التساؤل عن الآثار المترتبة على ذلك والكيفية التي تستمد الحياة الجيدة والعادلة من نظريتها الأخلاقية وما هو المكان الذي يمكن أن يعطى للحكمة العملية.
في الختام، يمكننا أن نأخذ الصيغتين التاليتين على أنهما متكافئان: من ناحية يمكننا ذلك احتفظ بإيتيقا المستوى المرجعي فيما يتعلق به يتم تحديد الإيتيقا على كلا الجانبين الأساسية التي ستكون قبلها والأخلاق التطبيقية التي ستتبعها. من جانب اخر، يمكننا القول أن الإيتيقا، في انتشارها الخاص، القانوني، السياسي، يشكل الهيكل الانتقالي الذي يوجه نقل الإيتيقا الأساسية نحو الإيتيقا التطبيقية التي تمنحها الرؤية وسهولة القراءة من حيث التطبيق العملي في الإيتيقا الطبية وتعتبر الإيتيقا القضائية نموذجية في هذا الصدد، بقدر ما تشكل المعاناة والصراع حالتان نموذجيتان تضعان ختم المأساة على التطبيق العملي. فكيف يمكن أن يساهم استخدام الفرونوزيس من حيث هو حكمة عملية في قيام إيتيقا قضائية وإيتيقا اقتصادية وإيتيقا تربوية16 ؟
الاحالات والهوامش:
[1] Paul Ricoeur, Soi-même-comme un autre, Edition seuil, Paris, 1990, neuvième étude : le soi et la sagesse pratique : la conviction, p280.
[2] Danielle Lories et Laura Rizzerio (-dir-.), Le jugement pratique. Autour de la notion de Phronèsis, edition Vrin, « Bibliothèque d’Histoire de la Philosophie ». 384 p., 13,5 × 21,5 cm. ISBN : 978-2-7116-1980-1
[3] Dorian Lacaze, La phronesis, lien : https://www.les-philosophes.fr/aristote/la-phronesis.html
[4] راجع أبو نصر الفارابي، فصول منتزعة، تحقيق فوزي متري النجار، دار المشرق، بيروت، لبنان، 1971.
[5] Aristote, Ethique à Nicomaque, II 1107 a
[6] Peter kemp, sagesse pratique de Paul Ricoeur, éditions du Sandre, Paris, 2010, p108.
[7] Jean-Philippe Pierron, L’invention morale et la sagesse pratique. Une lecture de la petite éthique de Paul Ricoeur, in revue Eudes ricoeuriennes, Vol 10, No 2 ,2019
[8] Paul Ricoeur, lectures 1, édition le seuil, collection Point, Paris, 1991, p 243.
[9] Paul Ricoeur, Préface au code de déontologie médicale, édition seuil, Paris, 1996, p10.
[10] Paul Ricoeur, les trois niveaux du jugement médical, in Revue Esprit, n�, Décembre, 1996, p21.
[11] Paul Ricoeur, Politique, économie et société, écrits et conférences 4, éditions du seuil, Paris, 2019, p113.
[12] Adrien Lentiampa Shenge, Paul Ricoeur, la justice selon l’espérance, éditions Lessius, Paris, 2009, p423-424
[13] Voir Ricœur P., « Le paradoxe politique », 1957, repris dans Histoire et vérité, Paris, Points/Le Seuil, 2001 [1955, 1964, 1967], p. 294-321.
[14] Lien : http://www.pur-editions.fr/couvertures/1378211245_doc.pdf
[15] Peter kemp, sagesse pratique de Paul Ricoeur, op.cit,p109
[16] Paul Ricœur et la question éducative, sous la -dir-ection de Alain Kerlan et Denis Simard, presses de l’université laval, 2014,170 pages.


المصادر والمراجع :
https://resspir.org/wp-content/uploads/2017/10/l-ethique-clinique.pdf
https://www.jstor.org/stable/43063796?refreqid=excelsior%3A8294997e56006e3b57df4956f1a5ce9b&seq=1
https://journals.openedition.org/philonsorbonne/904
https://lareviewofbooks.org/article/the-fragility-of-politics-what-paul-ricoeur-can-teach-us-about-the-french-election
https://zetesis.hypotheses.org/1315:
Danielle Lories et Laura Rizzerio (-dir-.), Le jugement pratique. Autour de la notion de Phronèsis, edition Vrin, « Bibliothèque d’Histoire de la Philosophie ». 384 p., 13,5 × 21,5 cm. ISBN : 978-2-7116-1980-1
La sagesse pratique : réflexions sur l éthique appliquée de Paul Ricoeur, De Ephrem-Ndungi Khonde
https://www.cultura.com/la-sagesse-pratique-reflexions-sur-l-ethique-appliquee-de-paul-ricoeur-9783631539422.html
La Sagesse pratique chez Paul Ricœur, Une « prudence » pour aujourd’hui ?
Par Emmanuel Leclercq
https://www.edilivre.com/la-sagesse-pratique-chez-paul-ricoeur-une-prudence-pour-notre-temps-emmanuel-leclercq.html/
Sagesse pratique de Paul Ricoeur : huit études, Auteur : Peter Kemp, Paru le : 01/02/2010, Éditeur(s) : Ed. du Sandre, Collection(s) : Bibliothèque de philosophie contemporaine
La sagesse pratique, autour de l œuvre de Paul Ricoeur, -dir-igé par Jeffrey Andrew Barash, Mireille Delbraccio, Édité par Université de Picardie, Centre national de documentation pédagogique, 1998.
Repenser l éthique avec Paul Ricoeur, Philippe Svandra, Ed. Connaissances et savoirs, coll. Philosophie, Éthique et Santé, 2020,

كاتب فلسفي