ترامب والصدر: قضيتان وجذر واحد!


توما حميد
2021 / 2 / 16 - 09:21     

نشرت صحيفة واشنطن بوست في 10 شباط 2021، مقال حول دوافع الهجوم على الكابيتول بعنوان" غالبية الاشخاص الذين تم اعتقالهم بسبب اعمال الشغب في الكابيتول لديهم تاريخ من المشاكل المالية- تثير سلسلة من حالات الافلاس والمشاكل الضريبية والديون السيئة اسئلة لدى الباحثين الذين يسعون الى فهم دوافع الهجوم".

ويضيف كاتب المقال “اظهر ما يقارب من 60% من الأشخاص الذين يواجهون اتهامات تتعلق بأحداث الشغب في الكابيتول علامات على مشاكل مالية سابقة، بما في ذلك حالات الإفلاس، واشعارات الاخلاء او الحجر على العقار، او ديون سيئة (مشكوك في إمكانية دفعها ولها نسبة فائدة عالية) او الضرائب غير المسددة، على مدى العقدين الماضيين، وفقا لتحليل واشنطن بوست للسجلات العلنية ل 125 متهما توفرت عنهم معلومات كافية لسرد تفاصيل تاريخهم المالي".

"ووجدت صحيفة واشنطن بوست ان معدل افلاس هذه المجموعة هو 18 في المئة- وهو معدل اعلى بمرتين تقريبا عن معدل افلاس عامة الأمريكيين، وواجه ربعهم دعوى قضائية للحصول على أموال مستحقة لدائن، وواجهة واحد من خمسة منهم خسارة منزلهم في وقت ما".

"وتراوحت الزلات المالية التي ارتكبها المتهمون بالمشاركة في العصيان بين ديون صغيرة تزيد على بضعة الاف من الدولارات منذ أكثر من عقد مضى، الى فواتير ضريبية غير مدفوعة بقيمة 400 الف دولار ومنازل تواجه المصادرة في السنوات الأخيرة. يبدو ان بعض هؤلاء قد استعادوا موضع قدمهم من الناحية المالية، لكن العديد منهم وقفوا على حافة الهاوية".

ويقول كاتب المقال "تكشف المشاكل المالية الكثير لأنها تقدم أدلة محتملة لفهم سبب استعداد العديد من مؤيدي ترامب - كثير منهم من ذوي المهن ولدى القليل منهم تاريخ إجرامي عنيف - للمشاركة في هجوم حرضه خطاب الرئيس الذي صور نفسه ومؤيديه على أنهم ضحايا لا يستحقون هذا الظلم".

ويتابع الكاتب "قالت سنثيا ميلر-ادرس وهي بروفسور العلوم السياسية التي تساعد في إدارة مختبر ابتكار البحث حول الاستقطاب والتطرف في الجامعة الامريكية ردا على نتائج واشنطن بوست، "اعتقد ما تكتشفه هو اكثر من مجرد انعدام الامن الاقتصادي، بل هو شعور عميق بعدم الاستقرار بشأن وضعهم الشخصي، وهذا الوضع الهش جنبا الى جنب الشعور بالخيانة او الغضب لان شخصا ما ينتزع شيئا مهم منهم- حشد الكثير من الناس في ذلك اليوم". وقالت ميلر -ادرس "انها صدمت بدراسة عام 2011 التي وجدت ان دخل الاسرة ليس عاملا فيما إذا كان الشباب يدعم اليمين المتطرف في المانيا، ولكن كان من المؤشرات المهمة للغاية، ما اذا كانوا قد مروا بمرحلة عانى فيها احد الوالدين من البطالة". وأضافت " هؤلاء هم الأشخاص الذين يشعرون انهم فقدوا شيئا ما". " انهم يعرفون انه يمكن ان يضيع. لديهم هذا التاريخ- ثم يأتي أحدهم ليخبرك ان هذه الانتخابات قد سرقت، انها تنقر على نفس الشيء"".

من جهة أخرى ونقلا عن المقال قال دون هايدر ماركل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كانساس والذي يدرس التطرف السياسي، "ان مزاعم ترامب الكاذبة بشان الانتخابات ....-بدت مصممة لاستغلال المشاعر حول هذا الوضع المحفوف بالمخاطر". " من الصعب تجاهل هذه الرسالة من رئاسة ترامب بان أمريكا التي عرفتها واحببتها في زوال، وسوف أقوم انا بحمايتها". " انهم يشعرون، على الأقل، بأنهم تحت التهديد".

يتابع المقال "قد يؤدي التعرض للإفلاس او التخلف عن سداد الضرائب، حتى قبل سنوات، الى رد فعل مماثل" أي مماثل لتعرض أحد الوالدين للبطالة. "ففي حين أن بعض المشاكل المالية كانت قديمة، يبدو أن الخسائر الاقتصادية للوباء ألحقت مزيدًا من الألم ببعض الأشخاص المتهمين بالمشاركة في التمرد".

فوفقا للسجلات العامة، قدم رجل من كاليفورنيا طلب إفلاس قبل أسبوع من انضمامه إلى الهجوم. واتُهم رجل من تكساس بدخول مبنى الكابيتول بعد شهر واحد من مواجهة شركته غرامة ضريبة حكومية تقارب 2000 دولار. وكان هناك الكثير من الامثلة الاخرى على مواجهة المشاركون مشاكل مالية منذ بدء وباء كورونا.

رغم ان صحيفة واشنطن بوست قدمت هذا البحث كونه اختراق هائل في فهمنا للتطرف والدوافع وراء الهجوم على الكابيتول، الا ان الذي قام به هذا المقال؛ هو تقديم ادلة وشواهد حية، على ما كنا نعرفه منذ زمن طويل حول التطرف. فمثلا، لقد وضحنا بشكل مفصل أسباب فوز ترامب وصعود الجماعات اليمينية في أماكن كثيرة.

لقد كان هناك فالفعل عنصريين ونازيين بين المهاجمين على الكابيتول. وهناك من وصف الشرطة من الأصول الافريقية بالقرود ومن اتهم الشرطة والكونجرس بالشيوعيين الخ. اذ قال مكتب التحقيقات الفيدرالي انه وجد ادلة على مؤامرات منظمة من قبل جماعات متطرفة. ولكن الكثير من المهاجمين على مبنى الكابيتول في 6 يناير—قاموا بهذا العمل لأنهم يشعرون بأنهم وصلوا الى طريق مسدود في حياتهم الشخصية، ولهم قلق هائل حول المستقبل الذي ينتظرهم وينتظر أطفالهم، ولهذا يريدون تغير الواقع. والأهم من كل هذا، ان المشترك بين هؤلاء هو الشعور او التصور بالتعرض الى ظلم، الشعور بفقدان وضع اقتصادي ومكانة دون وجه حق.

لقد اثبتت الأبحاث بان من العوامل الأساسية للانضمام الى الحركات اليمينية، هو الشعور بالتعرض للظلم، والتقهقر في الوضع الاقتصادي والاجتماعي والصدمات السابقة التي تخلق الشعور بالقلق والشعور بهشاشة الوضع الشخصي. ان الوضع الاقتصادي للإنسان الأمريكي، لايزال أفضل من وضع الانسان في الكثير من البلدان الفقيرة، ولكن التراجع والتقهقر في مجمل الاوضاع في امريكا، والشعور بالظلم نتيجة عدم المساواة التي وصلت الى ابعاد فلكية وتخلي الرأسمالية عن الطبقة العاملة، عن طريق نقل الإنتاج الى بلدان أخرى هي التي تخلق كل هذه المرارة، لدى الانسان الأمريكي وهذا عامل مهم للانتماء الى الحركات اليمينية.

ففي مواجهة وضع مثل هذا وفي ظل غياب بديل انساني وتقدمي، تجد الكثير من الناس ضالتها في المجاميع والحركات اليمينية. لكي يشعر الانسان بالقوة وبالقدرة على تغير الواقع يجد ضرورة للارتباط بالأخرين الذين يتقاسمون نفس الأوضاع من خلال ايدولوجية أوسع. أي يجد ضرورة تبني ايدولوجية معينة. ليس على الانسان، بالضرورة، ان يتفق مع كل جوانب هذه الايدولوجية، بل يقوم باختيار مسائل معينة منها يعتبرها مهمة. وهنا يأتي دور شخصيات يمينية مثل دونالد ترامب، الذين هم أساتذة في استغلال هذه الاوضاع، لحشد الناس في نضال غير مثمر ورجعي يبعد الأنظار عن المسائل الجوهرية وعن النظام ويوجه الغضب الى مكان اخر. فبدلا من مناقشة قصور النظام ولماذا لم يكن النظام الرأسمالي الأمريكي مهيئ لمواجهة وباء كورونا، وعدم المساواة الهائلة والامراض الاجتماعية والأزمات الاقتصادية الدورية، يجعلون هذه الأمور تبدوا وكأنها مسلمات حياتية خارجة عن سيطرة الانسان مثل الكوارث الطبيعية، ويتم توجيه الأنظار نحو خلق كبش فداء مثل المهاجرين والسود والصين الخ. خطاب ترامب السياسي مصمم بشكل بارع لاستغلال مشاعر القلق والخوف من المستقبل والشعور بهشاشة الوضع الشخصي والشعور بالغبن وفقدان المكانة والقوة.

نفس هذه العوامل التي تدفع الانسان في أمريكا الى أحضان الحركات اليمينية، تدفع الانسان العراقي الى أحضان الحركات الإسلامية والقومية الرجعية مع فرق واحد وهو كون الانتماء الى المليشيات الإسلامية مصدر رزق أيضا.

إذا كان ترامب هو أستاذ اليمين الرجعي في أمريكا لاستغلال المصاعب التي يخلقها النظام الرأسمالي، لدينا في العراق أستاذ مشابه لترامب الى حد كبير وهو مقتدى الصدر وحركته. ففي تقليد مشابهة جدا، يقوم الصدر وتياره، رغم امتلاكه اليد الطولى في الساحة السياسية في العراق بلوم الاخرين مثل الاحتلال، والتدخل الاجنبي والفاسدين، وغير المؤمنين الخ.

ان الدرس للقوى التقدمية هنا واضح جدا. ان سبب أساسي لارتماء الانسان في حضن الحركات اليمينية الرجعية هو ضعف الشيوعيين والتقدميين في المجتمع وهو عدم تحولهم الى بديل لتغير الواقع المرير. كما ان الفرد المنتمي الى هذه الحركات هو ليس بعدو، بل ضحية من ضحايا هذا النظام الذي بات يتقهقر في كل ميدان وفي معظم ارجاء العالم.