نقوش جدارية على دروب الاغتراب


ياسر إلياس
2021 / 2 / 16 - 00:31     

نعلتُ دمائي مُثخَناً أتلحَّبُ

مضيتُ ولا ألوي وفِي الأرض مهربُ

مضيتُ و حولي كل شيء مجندلٌ

مضيتُ و حولي كل شيء مُخضَّبُ

خرجتُ من الأنقاض لكنَّ مهجتي

تبقَّت على أنقاضها تترقَّبُ

توقِّيَ شرٍّ أو حِذار َ مصيبةٍ

و يوجعها طولَ الّليالي التحسُّبُ

وكم راعنا وحشُ ابنِ آدمَ في الذُّرا

وأثقل أعباءَ النُّفوس التنكُّبُ

خرجتُ و في الزَّفرات حرقةُ لاهفٍ

ولا شطَّ فيه يستكنُّ و يطنبُ

و خلفي أبوابٌ سُددنَ و ديرةٌ

سرى في مساربها الغراب المُقطَّبُ

تسحُّ عليها السَّاجماتُ بدمعها

غداة تناءى في المَغيبِ المحببُ

فكمْ مِن ظعينٍ في النواعير نعيُه

و كمْ من غريبٍ عند دجلة يُندبُ

و كمْ مِن خليلٍ بان عنه خليله

و ظلَّ على الخابور يُبكى و يُنحَبُ

وما لِشُداة الحيِّ أي بشاشةٍ

ولا للأغاني المُطربات تطرُّبُ

فما أحرقَ الأنَّاتِ بين صدورنا

و قد طال في الجمر الصَّليِّ التقلبُ

فمَن لم يمت فوق الثَّرى برصاصة

رماه إلى بطنِ البحار المركبُ

فتقذفه الأمواجُ موجاً فموجةً

و وجهُ المنايا في البحار مُنقَّبُ

تُجاذبُ أربابَ المطامحِ و الرَّدى

إلى المرء أدنى من مناه و أقربُ

فتخطفُ في لمحٍ من البرق مهجةً

و منذا يلوم البحر إذْ هو يغضبُ

فيا ويح غُرٍّ من غرارة نفسه

و حقَّ على المغرور عيشٌ أجدبُ

يُشنِّف أذنا صوب كل دعايةٍ

و يعرِضُ للبرقِ السَّرابِ فيُخلَبُ

على أيِّ جدران اغترابي أكتبُ

و في كل يومٍ في بلادٍ تغرُّبُ

أخطُّ على الحيطان من جفوتي و لا

يؤانس صدر الموحشين تقرُّبُ

و ننفر في نفرٍ من النَّاس نافرٍ

فليس له فينا نزوعٌ و مأربُ

و إني لتحشرني الهموم كأنني

أُوارى الثَّرى حياً بل الموتُ أطيبُ

وفيما وراء النفس لينُ رَفاهةٍ

و في النَّفس دوّى بالخواء السَّبسبُ

و صرَّ علينا من قوارض فارسٍ

و عثمانَ و الرَّبع الخوالي جندبُ

بلادٌ رمتها الدَّاهيات بطُغمةٍ

و شخَّ عليها الطَّائفي الممذهبُ

فهل موطنٌ هذا و دار إقامة

يُقام بها أم خِربةٌ تتقوبُ

أغار بنو وَبشٍ عليها و نزَّ في

كنيفِ العذارى المُونقات الأجربُ

و نحنُ أناسٌ كلما مات كلبنا

تسيَّدنا كلبٌ من الكلبِ أكلَبُ

تعيثُ بِنَا الأوباشُ من كل جانبٍ

و يحكم فينا الغالبُ المتغلِّبُ

فلا عَجَبٌ أنا حثالةُ أمةٍ

يبول عليها كلُّ وغدٍ و يلعبُ

تداعى علينا الأجنبيْ و ذيولُه

و جارت علينا فوق ذلك يعربُ

فلا تُتْرع العربان دلواً دلوتَه

و في كفِّهم تجري المياهُ و تَعذُبُ

فما كلُّ منسوبٍ إلى الجودِ أهلُه

و ما كلُّ مَدعوَّ إليه المُهلَّبُ

و ما كلُّ منخيٍّ إلى الغوثِ مُنجدٌ

و ما كلُّ موقودِ الزِّناد مُثقِّبُ

و منْ خان في وُدِّ القرابة فهو في

عِداد العِدا يدنو بها فيخربُ

فآمِلهمْ يحسو الحسافة و الأسى

وفوت المنى فيما يُرجِّي و يَطلُبُ

و ليس بجَدٍّ أو بحظٍّ يُنالُ ما

يُرادُ و لكنْ بالعقول التوثُّبُ

فمنْ لي بأوطانٍ يعزُّ ثَويُّها

تقرُّ بها نفسُ الأبيِّ و تُخصِبُ

فيا حبَّذا أهلي و عيشي بينهم

و يا حبذا الكوخُ القشيب المُقصَّبُ