فكرة العقد السياسي.. وعبرة الديمقراطية التوافقية


علي عرمش شوكت
2021 / 2 / 15 - 17:15     

أخذنا طبع الاهتمام الى شعار " العقد السياسي الجديد " الذي يلوّح به هذه الايام والذي يراد به حلاً، كما يبدو، للازمة الحكم في البلاد، علماً انه على غير ذلك طبعاً .. بذلك تقفز امام المرء مباشرة المآلات التي وصلت اليها "عقود الشرف" السياسية والاجتماعية السابقة بما فيها " الدستور العراقي " كونه عقد اجتماعي ايضاً. فهل هذا الشعار المطروح هو تعبير عن الاخذ بالعبرة القاسية عما القته ما سميت بـ " الديمقراطية التوافقية " ..؟ التي مسخت الديمقراطية وسلخت عنها كافة اجزاء منظومتها المدنية واختصرتها بـ " العملية الانتخابية " التي لم تفلت مرة واحدة من التزوير الشرس.
العقد المقترح بحاجة الى مزيد من الايضاح .. ليست مفهومة مضامينه. فهل هو رقعة بائسة لا تستر ام بدعة ملتبسة لا تجبر ام ماذا.؟ واذا ما كان كذلك فمن الوهم اذا ما ظن متبنوه بانه كفيل لاخفاء عورة فشل حكم الطغمة الحاكمة، الذي انتج خراباً لا مثيل له من الفساد والانحطاط . كان عصفه حقاً قد شلح عرابيه الفاسدين من براقعهم التي موهوها بالمقدسات زوراً وبهتاناً.
صرنا نشاهد ونسمع ما يتحفوننا به الفاسدون من الوان الخدع والدجل المحنك كي يتمكنوا من كسر جدار عزلتهم عن الجماهيرالذي شيدته انتفاضة تشرين. لقد لجأوا الى المكر الناعم هذا بعد ان خذلتهم اسلحتهم الكاتمة حيث عجزت عن صنع الموت القادر على تحجيم حراك الشارع المنتفض. فبالرغم من بشاعة الاغتيالات والخطف والتهديد المتواصلة ظل عزم التشرينين والقوى الديمقراطية المشاركة والحاضنة لهم متصاعداً.
لقد شاهدنا حلقات مسلسل الهموم بدءً من " الدستور" الذي فصّل على مقاسات صانعيه و" وثائق الشرف " بين الكتل المتنفذة الى " المشروع الاسلامي " الذي تنادي به كتلة دولة القانون ، و" الكتلة العابرة للطائفية " التي يطرحها تيار الحكمة، و " ترميم البيت الشيعي " الذي يتبناه التيار الصدري. حتى وصلنا مؤخراً الى مشروع " العقد السياسي الجديد ".. لاشك في ان جميعها بضاعة للاستهلاك المحلي ليس فيها ما يبشر برائحة تغيير النهج السياسي القائم على المحاصصة الطائفية المقيتة، انما هي عناوين لا مضمون معالج فيها. وهذا ما قصر عمرها الذي لم يتعد ساعة موتها قبل ان يجف حبر كتابتها.
يتبلور سؤال باحث وحريص يفرض نفسه على الذين يتبنون مشروع " العقد السياسي الجديد : مفاده هل ثمة معطيات من شأنها خلق القناعة لدى الناس بالوجود الفاعل لهذا الطرح. وهو ما زال في صلب البيئة السياسية التي فشلت، وذات الشخوص الذين لم يتمكنوا من تحقيق انجازات تذكر للشعب و الوطن، ولم يسهموا بايقاف مجرى التدهور السياسي والاقتصادي الحاصل منذ اعوام، ولم يثبتوا عملياً بقربهم من منهج التغيير الذي ينادي به المنتفضون، الذي تتبناه القوى المدنية الديمقراطية.
كما ان ما يعتمل في المسرح السياسي العراقي الساخن جداً يدعو الى اعتماد نظرية "الاحتمالات " السلبية والاجابية مرهونة بالشك الحذر بكل ما تطرحه القوى المتسلطة. حيث ان ما بدأوا يرونه اليوم لم يكن ياتي على بالهم لا من قريب او بعيد قبل انتفاضة تشرين. فأقرب تفسير له هو محاولات لبناء خطوط الصد والحماية لمكتسباتهم من السحت الحرام المنهوبة من اموال الدولة، وكذلك للتشبث بمواقع نفوذهم في الحكم.. لذا اقتضى الحذر.