مآثِرَ مسيرة حسين مروة إنتصرت .. وضلالة وقهر كاتم الصوت إندثرت وإحتضرت ..


عصام محمد جميل مروة
2021 / 2 / 14 - 17:40     

لم يكن هيناً وسهلاً إختيار اسم كتاب فلسفي ضخم ويستند الى مادية تفتقد في ابعادها حول التاريخ الطويل والمديد للحضارة او للثقافة الإسلامية المعاصرة التي إمتدت منذ اكثر من " 1442" عاماً تقريباً وصعوداً الى مراحل متعددة التنقل والأسفار من جيل الى جيل . واكثر من ذلك هناك من رأى والمح الى دموية فترات الحكم الإسلامي منذ الخلافة الى ما وصلت اليه النزعات في اخذ الحاكم زمام الامور والفجور والتعلق لأبسط تفاصيل سيرورة الحكم لكى يبرهن للعالم وللثقافات الأخرى والحضارات بأن ألأسلام هو الدين الحق والأوحد الذي من خلاله يستطيع ويتمكن الأنسان الذي يعيش على شبه الجزيرة العربية ويتمتع بتعاليم ونهج الاسلام وفرض القرآن نموذجاً كقانون ودستور يحتكم اليه القائد والزعيم عندما يحتاج الى عدالة وإقامتها من الصعب تقييمها ما لم يكن هناك خبراء ومراجع وفلاسفة يُفندون الأصول والنصوص البدائية والأولية لنمط العيش تحت ظل حاكم وزعيم اسلامي متزمت قابل للغضب قبل التسامح !؟.
كتاب " النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية " الذي اصدره المفكر والأديب والفيلسوف " حسين مروة 1910- 1987 " منذ عام " 1978-1979" عندها لاقى المنشور إقبالاً غير مسبوق لأبعاد الحركات الاسلامية وكتابها لدى الأوساط الثقافية في لبنان ، وفي العالم العربي وصولاً الى العالمية . والجدير ذكره هنا أن صاحب الفكرة قد إستمد في نزعاتهِ مستنداً الى مراحل تاريخية عميقة إختارها وعمل جاهداً متكلاً ومعتمداً على حيثيات افكارهِ التي عايشها على ما يبدو للقارئ. فقد يمكننا ان نقرأ في "نزعتهِ الأولى " ، حينما كان طفلاً ويتواجد في دارة ابيه الشيخ " على مروة " في بلدة وقرية "حداثا " الجنوبية المتاخمة والمشرفة والمطلة على شمال فلسطين المحتلة ، من هنا كان الشاب والفتى الصغير حسين مروة يسمع ويركنُ في مجلسهِ الصغير في " الدار " او في ما يُسمى "مجلس تحت العريشة " او تحت شجرة زيتون مُعمْرِه او شجرة "خروب - خرنوب " وارفة الظلال تحمى وتقى في الصيف من اشعة الشمس الحارقة .
وكان يستمتع حسين مروة عندما كان يصغى برهفٍ مشاهدتهِ ومراقبتهِ اثناء إستقبال والده الشيخ الجليل للمشايخ والسادة والوجهاء من اصحاب وحاملي الفكر " العاملي" حيثُ كانوا يجتمعون ويهتمون في حكايا يسردونها عن سيرة اهل البيت او في الخصوص الواضحة عن "ملحمة الحسين إبن علي " وعن ظلامات طالتهُ حينها وتعرض لها بعد إرتكاب مجزرة حقيقية بحق أحفاد الرسول محمد !؟.
وكانت مناسبة "عاشوراء " تمرُ على ديار اهل الجنوب اللبناني حينها برغم الإحتلال التركي والعثماني الظالم . مع كل ذلك تربي الأبن الوفي لتعاليم والده الغنية في قرارة نفسه ان يتوسع في العلم ويدرك المآثر الحقيقية التي يمارسها الجنوبيون وابناء جبل عامل في طقوسهم وشعائرهم التي تنكبُ على رسم معالم الحدث التاريخي الذي جعل ابناء الجنوب يبذلون كل ما يدخرونهُ من عوائد واموال بعد المواسم الفلاحية والزراعية المتواضعة وصرفها على إقامة مجالس عاشوراء في المنازل الفقيرة وفي ساحات القرى والمدن الجنوبية ، حيث صارت الإحتفالات تتجسد و تنشط تمثيلاً في مدينة النبطية وسط جبل عامل،
من هنا نظر حسين مروة الذي غدا مؤهلاً وشاباً يافعاً يمكنه السفر والطلب للمزيد من العلم الاسلامي والمعرفة . ولم يعارض والده إطلاقاً في تقبله الذهاب بعيداً الى حيث "مراقد الأئمة في العراق والنجف الأشرف " . وهناك كانت الحياة صعبة وشاقة بكل المقاييس والتعاليم من مبدأ المتعارف في المقارنة ما بين جنوب لبنان المنفتح ومدن العراق المنعزلة والتي يعود نمط عيشها على احوال وإدارات الحوزات والمدارس الدينية التي تفرض التقاليد في "مذهب ابناء عليُ إبن ابي طالب وأولادهِ الشهداء ومدرسة الحسين " ، التي اضحت وغدت ملحمة تاريخية لكل من يسعى ويريد ان يتعمم ويدخل اعباب بحور العلم خصوصاً إذا ما مال الى جهة ضد اخرى !؟.
إذاً هنا "النزعة الثانية " في حياة الباحث حسين مروة بعدما عانى من عدم الإستقرار في العراق منذ سفرتهِ "منتصف العشرينيات الى مراحل ما بعد اواسط الخمسينيات " ، من القرن العشرين، بعد تبدل الحياة السياسية في العراق وكان هناك مكاناً للخط والنهج الشيوعي او الفلسفة الجديدة الماركسية . بعد الإطلاع على مقتطفات من مبادئها وارائها في كيفية التعايش والتعامل مع النظرية الجديدة وشعلتها الثورية المتقدة . وكان معجباً في اخذها مجدداً كنمط فكري . فسرعان ما تحول الشيخ الى "رفيق ،محاور، ومناقش ،ومجادل ، ومثقف كبير" يضع ويستخدم كل مقدراته ومعرفته التاريخية عن الإسلام وعمل مطولاً لكى (يدمج العلم المادي ) ، ويمزج بروح التعامل مع الحضارات القديمة والجديدة للحياة والتعايش والتعرف على ثقافات اخرى حتى ولو كانت "" تنفي وجود الله "" حسب ما كان يُحكى عن دخول عالم "ماركس وانجليز" الى العالم العربي !؟.
وكانت هناك ماكينات اعلامية تُهلل ضد التوجه والتمدد الشيوعي المباغت والوافد حديثاً الى ديار العالم العربي . لكن النطام العراقي حينها رأى في طرد الشيخ حسين مروة من العراق كضرورة مهمة خوفاً من تمكنه في التكامل مع زعماء الحزب الشيوعي العراقي حينها ويُصبحون خطراً على النظام .
لكن النظام العراقي تعامل مع الحزب حينها في طرد وسجن ونفي و "شنق "، كل قيادة الحزب في تلك الاثناء ، أًجبِر حسين مروة على تجريدهِ من الجنسية العراقية وتم ترحيله ونفيه مجدداً الى خارج العراق .كان الإبعاد الى بلده لبنان مجدداً بعد تطور الاحداث السياسية الخطيرة في عز مجدها ومرحلة التغيير كانت سمحتِ لَهُ ان ينتسب الى صفوف الحزب الشيوعي اللبناني منذ مطلع الخمسينيات . عندها تنقل ما بين بيروت ودمشق باحثاً عن عمل في مجال الكتابة والصحافة إنطلاقاً من اسس وقواعد عريقة درسها وتعلمها في مطلع شبابهِ في حلقات التعاليم الدينية والثقافية الاسلامية . لكنهُ يقول في بعض تصريحاتهِ ان مرحلة دمشق كانت فاضحة وشاقة وصعبة وجافة من حيث ايجاد عمل ثابت .وكان يخرج صباحا حتى يوهم اهلهِ انه يعمل ويعود بعد خيبات آمال خاوى اليدين .
وقرر الإنتقال مجدداً الى بيروت وعاش هناك في بلد تتلبد الغيوم ويفتقدُ الى مراعات اصحاب الأقلام إلا اذا ما كانت "مآجورة " وهذا ما لم يكن في بال وحسبان المفكر الذي قرر تثقيف "نزعته الثالثة "، في الذهاب بعيداً الى بحوث علمية ومادية تتعلق بالإسلام وتاريخه الطويل والمديد وربما الدموي ، في تسرع كل معالم الحياة السياسية لهذا الدين الذي كان واسع الإنتشار وما زال !؟.
لكن كتاب المفكر حسين مروة برغم تثاقل الازمات وهفوات الشبهات للمراحل المتعلقة في اسلوب التحاليل في "الرفض او في القبول "، مما ورد وجاء بهِ وما كان نتيجة دراستهِ للألاف من المراجع والكتب الاسلامية والغربية عن الإسلام.
إلا إنهُ أُغتيل في "17-شباط -1987" بعد نزاعات متفرقة حول السيطرة والهيمنة على شوارع وأزقة الجهل في بيروت حينها . والملاحظ هنا ان الرصاصات التي أصابت قلب ورأس الشيخ الشهيد كانت تُعبِرُ عن "كتم الأصوات "!؟.
مآثر مسيرة حسين مروة إنتصرت ،وضلالة وظلم وقهر كاتم الصوت إندثرت وإضمحلت وإحتضرت ،من عميها وعورتها الغارقة في الضياع.
الموسوعة التي قدمها الى العالم العربي لم تأتي إلا بعد بحث جذري لتحديد ماهية ومدى تسلط الحكام وفجورهم ، برغم وجود مستمر لمن يُجمّلُ لهم هفواتهم المشينة .
قال حسين مروة في إحدى كتاباته عن دخوله الى غرفة في بيته الجنوبي المتواضع ورؤيتهِ من نافذة المطلة على " الحواكير" الجميلة في كمية تناسق الألوان للورود وللدحنون ولرائحته الطيون كانت دائماً ترافقه وتحثه على التصوف والنسك والشعور بالرضى للنفس . وجد طريقاً وعِراً للمستقبل وكانت ضراوة وصعوبة الخيار إلا إنهُ انجز مشروعاً قل نظيرهُ في نهاية القرن الماضي.

عصام محمد جميل مروة ..
اوسلو في / 14 شباط -جانفييه /2021/ ..