الحراك الشعبي في مرحلة ما قبل (ربيع الشباب العربي) الحلقة الثالثة (3/ 18)


حسن خليل غريب
2021 / 2 / 14 - 08:18     

كتبت الدراسة في أوائل العام 2018
خطة البحث
- أولاً : نظرة تاريخية إلى تسلسل انطلاقة الانتفاضات العربية.
- ثانيا : الفراغ الحزبي العربي فتح الأبواب أمام استغلال انتفاضات الحراك الشعبي العربي.
- ثالثاً : موقع النظام العربي الرسمي.
- رابعاً : نظرة توثيقية لمشاريع ما يسمى بـ )الشرق الأوسط الجديد).
- خامساً : علاقة النظامين الإقليميين الإيراني والتركي بالحراك الشعبي.
- سادساً : المتغيرات الدولية.
- سابعاً : في نتائج الحراك ، النجاحات والإخفاقات
- ثامناً : كيف تستفيد الحركة الثورية العربية من التجربة (دروس وعبر).
- تاسعاً : إعادة صياغة عدد من المفاهيم السياسية على ضوء تجربة الحراك العربي.
ملاذات الحراك الشعبي العربي الآمنة
وقائع ونتائج ودروس
مقدمة في مصطلحات الحراك الشعبي ومفاهيمه:
الحراك الشعبي هو مظهر من مظاهر الرفض الشعبي لواقع شاذ قائم تمارسه السلطات الحاكمة خاصة عندما تبتعد عن مهماتها التي من أجلها وصلت إلى كراسي الحكم. وإن توفير حقوق الشعب في كل ما له علاقة بمسائل معاشه في الدولة التي ينتمي إليها، هو من أهم الوظائف التي على السلطات الحاكمة أن تقوم بها. وإذا خالفت قواعدها فعلى الشعب، على قاعدة وعيه لحقوقه وواجباته، أن يتحرك مطالباً السلطات الحاكمة بتصحيح مساراتها. والحراك هنا، يعني حراكاً سلمياً نابعاً من حرص الشعب على المحافظة على ممتلكات الدولة أولاً، وثانياً أن يبتعد كلياً عن التعاون مع أية قوة أجنبية تزعم أنها تساعده على الضغط على حكومته لانتزاع تلك الحقوق. وهذان الممنوعان يفرضان وجود قيادات شعبية لأي حراك، ترسم له أهدافه المتصلة بحقوقه، وتسهر على تنفيذه بالوسائل اللازمة لمنع حرفه عن مساراته وسرقة أهدافه.
وعن ذلك، فقد عرف الوطن العربي بعد احتلال العراق حراكاً شعبياً لافتاً استأثر لسنوات عديدة باهتمام العالم كله، وكان له أبلغ الأثر في البنية المعرفية العربية، مما يُرتِّب على حركات التحرر في العالم بشكل عام، وعلى الوطن العربي بشكل خاص، دراسة هذا الحراك بشكل نقدي لاستخلاص الدروس والعبر. ولأن هذا الحراك جرى على مراحل، تميَّزت كل مرحلة عن الأخرى بخصوصيات في الزمان والمكان والأهداف والوسائل، الأمر الذي حدا بنا إلى تحديد مفهوم خاص لكل مرحلة ولكل حراك قبل الخوض في تفاصيله، وتحديد وسائله وأهدافه ونتائجه، وبالتالي نقدها بما يساعدنا على استخلاص الدروس والعبر التي ستشكل دليلاً لحركة الثورة العربية. ولأن تلك الحركة يجب أن تبقى مستمرة وصولاً إلى تحقيق أهدافها. وطالما أنها ستظل متواصلة من أجل إنجاز أهدافها الرئيسة وهي: التحرر من الاستعمار، وبناء الدولة الوطنية الحديثة، فهي جديرة بالتحليل والمتابعة ووضع النتائج التي ستشكل الدليل الضامن لتجاوز ما رافقها من سلبيات، وتعميق ما رافقها من إيجابيات. ولهذا سنقسِّم الفترة الزمنية التي سلكها الحراك الشعبي منذ ما قبل احتلال العراق، مروراً بقضية فلسطين حتى الآن، إلى نوعين وهما:

الأول: الكفاح الشعبي المسلَّح، ويشمل القضيتين الفلسطينية والعراقية:
ولأن الكفاح الفلسطيني المسلح أصبح ثابتاً من الثوابت القومية، وهو يخضع للدراسة والتقييم منذ عشرات السنين، سنوجِّه الاهتمام والتركيز على الكفاح العراقي المسلَّح الذي مثَّلته المقاومة الوطنية في العراق. والذي امتدَّ حتى أواخر العام 2011، الذي أرَّخ لهزيمة الولايات المتحدة الأميركية، والتي توِّجتها بسحب الهيكل الأساسي لقواتها العسكرية المحتلة.
الثاني: الحراك الشعبي السلمي الذي تمثَّل بانتفاضة تونس ومصر وليبيا وسورية واليمن والسودان، والذي كانت أهدافه مطلبية داخلية، سقط بفعلها نظاما تونس ومصر تحت الضغط الشعبي. وباستثناء الحراك السوداني؛ وإنه بسبب دخول أكثر من قوة خارجية على خطها للاستفادة منها وتجيير نتائجها من أجل مصالحها، فقد تحوَّل الصراع في الأقطار الأخرى إلى صراع مسلَّح بين النظام الحاكم وجماهير الشعب الواسعة في كل من ليبيا وسورية واليمن. وفي عسكرة الحراك، لأكثر من سبب، تتحمل المسؤولية فيه الأنظمة الرسمية بفعل إصرارها على قطع وسائل الحوار الديموقراطي مع الجماهير المنتفضة من جهة، ومن جهة أخرى بفعل استغلال الدول الخارجية التي ركبت موجات الحراك الشعبي العربي لسرقة نتائجه وتوظيفها في خدمة مصالحها وأطماعها.
وبناء على تعريفنا للحراك الشعبي الراهن، يمكننا التمييز بين نوعين من الحراك، وهما:
-الحراك الشعبي في العراق:
ولأنه بعد هزيمة أميركا بفعله، استخدمت المقاومة العراقية أسلوب الحراك الشعبي السلمي بعد العام 2011، لاختلاف ظروفه عن الظروف التي فرضها الاحتلال الأميركي، فتم المزج بين الأسلوب المسلح والأسلوب السياسي. وذلك منعاً لتحويل الحراك إلى حرب أهلية يدفع فيها العراقيون الثمن من دماء أبنائهم وأرواحهم.
ولأن احتلال العراق تحوَّل إلى احتلال بالوكالة نفَّذ فيه النظام الإيراني دور الوكيل، فقد دفع بقيادة المقاومة العراقية بعد الهزيمة الأميركية الى اختيار دقيق لأسلوب المواجهة، بحيث يمكن استخدام الوسائل السياسية السلمية بشكل أساسي، واستخدام الوسائل العسكرية حيثما يجب استخدامها على قاعدة منع تحويل الحراك إلى حرب أهلية بين مكونات الشعب العراقي الدينية والسياسية والعرقية.
ولذلك، ولأن الحراك الشعبي العراقي له خصوصيته وهو يمثِّل أنموذجاً فريداً بين ما حصل على الصعيد العربي، فهو لن يكون مشمولاً بهذه الدراسة، وذلك لأهميته وخصوصيته ، حيث سيكون موقع الاهتمام بدراسات خاصة. ويمكننا اختصار خصوصيته هنا بالخصائص التالية :
- انه حراك عسكري استراتيجي، هدفه الرئيس تحرير العراق من الاحتلال. وتلك كانت ميزته حتى أواخر العام 2011، والمؤرخ له بالهزيمة العسكرية التي ألحقتها المقاومة العراقية بقوات الاحتلال الأميركي.
- هو حراك سياسي استراتيجي هدفه إسقاط العملية السياسية كأحد أهم إفرازات الاحتلال. وتلك تمثَّلت بتجربتين كانت الأولى منذ العام 2012، وميدانها كان محافظات الوسط، والتي كادت ان تسقط بغداد في حزيران من العام 2014، لولا الالتفاف عليها بإدخال تنظيم داعش على الخط . والثانية التي ابتدأت منذ تموز في العام 2018، والتي انطلقت شرارتها المجيدة من مدينة البصرة الفيحاء ، وما تزال.
- هو عمل جبهوي له ابعاده و أعماقه الوطنية، يعتمد على جدلية العلاقة بين العسكري والسياسي، بحيث يستخدم كل حراك بما يتناسب مع الأهداف والوسائل وحسب ظرفها وزمانها.
- وهو حراك يستفيد من كل مساهمات ومواقف الدول والأنظمة والشعوب لمساعدته على تنفيذ أهدافه الاستراتيجية المعلنة كثوابت لا يجوز المساس بها أو النزول تحت سقفها.

الحراك الشعبي السلمي في الأقطار العربية الأخرى:
إن الدراسة ستعتني بشتى أنواع الحراك الشعبي الذي حصل في الأقطار العربية الأخرى، باستثناء الحراك الشعبي في السودان، بأهدافه المطلبية كدليل نظري، وبقيادته الجبهوية، وبوسائله السلمية. ولأنه يمثِّل حالة شعبية تقودها مجموعة من الأحزاب السودانية رفضت أي تدخل خارجي أولاً، ورفضت عسكرة الحراك، وحافظت على سلميته وشعبيته وجبهويته ثانياً. وهذا الحراك يمكن دراسته بشكل مستقل وواف للاستفادة من تجربته الكبيرة.