- ما يجب أن يعرفه كل ثوري عن القمع - فيكتور سيرج - الفصل الأول


موقع 30 عشت
2021 / 2 / 11 - 17:53     

تقديم:
هناك ثلاثة أسباب دفعتنا إلى نشر هذا الكتاب، أولها انعدام هذا الكتاب في المكتبات العربية، و من ثمة، فقد حرم المناضلون الناطقون بالعربية من الاستفادة من هذا الكتاب القيم، وذلك منذ سنين طويلة، وبسبب هذا، أخذ الموقع على عاتقه ترجمته من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية، أما ثان الأسباب، هو كون الكتاب من الكتب القليلة و النادرة التي اعتمدت في مادتها على الأرشيف، الذي استولت عليه الثورة (ثورة أكتوبر 1917) لتقديم صورة عن الأجهزة القمعية، و عن كيفية اشتغالها في قمع و متابعة و مطاردة و تصفية المناضلين الثوريين، و يتعلق الأمر هنا بالبوليس السياسي السري في روسيا القيصرية، خاصة "الأوخرانا"، الجهاز السياسي البوليسي السري للنظام القيصري، مما يعطي للدراسة أهمية تاريخية خاصة، و قيمة علمية كبيرة في خدمة المناضلين الثوريين، و ثالث الأسباب، كون الكتاب كان متداولا بشكل كبير في سنوات السبعينات من القرن الماضي، و بالنسبة لمنظمة "إلى الأمام" الماركسية- اللينينية المغربية بالأخص، فإن العديد من أطرها الثورية كانت مطلعة عليه، بل كان الكتاب ملهما و مرشدا للمنظمة فيما يخص إجراءاتها الأمنية في مواجهة أجهزة النظام الكمبرادوري القمعية، بل إن كراسة "حول الصمود"، التي صاغها عبد الفتاح الفاكهاني سنة 1974، كانت، بالإضافة إلى استعمال خبرة المنظمة، مستلهمة من هذا الكتاب القيم.
لقد عرف العالم منذ السبعينات إلى الآن تطورا هائلا في تقنيات وآليات اشتغال القمع الطبقي الذي استفاد من تطور علوم كثيرة ومنها علوم الحاسوب والمعلوماتية والتواصل، وأصبح القمع أكثر فعالية ونجاعة وسرعة في الأداء من جراء ذلك. ولا يمكن انتظار غير ذلك في المجتمع الرأسمالي. وبالمقابل، فالتاريخ لا يتوقف، ولن تكون الرأسمالية نهاية للتاريخ ولا بعدا واحدا للإنسان، فعجلة التاريخ مستمرة في الدوران، والصراع الطبقي لازال محركا للتاريخ، والجماهير المنتجة والمبدعة صانعته. ويرفع الثوريون التحدي باستمرار، فلكل سلاح، سلاح مضاد، والشيوعيون قادرون على الإبداع، أفليست الثورة إبداع، كما قال القائد الشهيد عبد اللطيف زروال، وإذا كان " الحق في الثورة" أسمى الحقوق والمبادئ، فإن منطق الثورة لا يقهر.
إن القواعد العامة لاشتغال آليات القمع التي استلهمها هذا الكتاب من التجربة الروسية، وتمت صياغتها في هذا الكتاب، تظل ذات راهنية وإن تطورت تكنولوجيات القمع، فالحرب الطبقية هي نفسها وإن تغيرت شروطها، تلك الشروط التاريخية التي تستدعي دائما العمل بالقاعدة الذهبية اللينينية: التحليل الملموس للواقع الملموس.

فيكتور سيرج وكتابه "ما يجب أن يعرفه كل ثوري عن القمع":
الكاتب:
ولد فيكتور سيرج في دجنبر 1890 في بلجيكا، من أبوين روسيين مهاجرين سياسيين، واسمه الحقيقي، فيكتور كيبالتشتش. بدأ حياته النضالية كمناضل اشتراكي في صفوف "الحرس الشاب الاشتراكي" في بلجيكا. ابتداء من 1906، بدأ يخالط الحركة الفوضوية في بروكسيل، فتعرض للعديد من الاعتقالات بسبب نشاطه ذلك. و في سنة 1909، غادر فيكتور سيرج بلجيكا نحو فرنسا، حيث استقر في باريس، و استمر في نشاطه داخل الحركة الفوضوية، و بسبب أنه أسكن عنده العناصر الأساسية لجماعة بونو (جماعة فوضوية فرنسية)، التي رفض التبليغ عنها، تم الحكم عليه سنة 1912 بخمس سنوات سجنا، و قد شكلت هذه التجربة مادة لروايته "الناس في السجن"، و بعدما أنهى مدة سجنه تم طرده من فرنسا، فالتحق ببرشلونة في اسبانيا، و استمر في نشاطه النضالي الفوضوي، و خلال هذه الفترة، و في مقالاته، التي كان ينشرها في مجلة "الأرض و الحرية" تبنى اسم فيكتور سيرج.
في يوليوز 1917، سيشارك فيكتور سيرج في انتفاضة قادها الفوضويون الإسبان، فر على إثرها سرا إلى فرنسا حيث تم اعتقاله من جديد، فحاول الهروب للالتحاق بروسيا الثورية، لكنه اعتقل مرة أخرى وسجن، ولم يتمكن من الالتحاق بروسيا إلا في يناير 1919، حيث تم تبادله في صفقة بين فرنسا والسلطة البلشفية، وتحدث فكتور سيرج عن هذه الفترة في كتابه "نشأة قوتنا". وفي ماي 1919 التحق بالحزب الشيوعي الروسي بعدما تخلى عن الفوضوية وتبنى الماركسية، مما جعله عرضة لهجومات قاسية من طرف رفاقه القدامى، فقام بالدفاع عن روسيا البلشفية.
ستتم تعبئة فكتور سرج في بتروغراد لحظة هجوم القوات البيضاء بقيادة يودنيتش (عن هذه الفترة يتحدث كتابه "المدينة في خطر")، وخلال حصار المدينة أصدر الحزب البلشفي أوامره إلى فكتور سيرج بالحفاظ، وحراسة أرشيف البوليس السياسي القيصري "الأوخرانا"، وطلب منه أن ينقلها إلى مدينة موسكو، مع توصية خاصة تقول بوجوب إعدامها في حالة انتصار القوات البيضاء، وذلك لكي لا يستطيع الجيش القيصري استرجاعها، واستعمالها ضد الثوريين.
بعد هزيمة الجيوش البيضاء، مارس فيكتور سيرج عدة وظائف داخل الحزب البلشفي، وخلال سنة 1920 – 1921 شارك في مؤتمرات الأممية الشيوعية، وتحمل مسؤوليات في الجهاز التنفيذي للأممية الثالثة إلى جانب زينوفييف.
خلال السنوات العشرين، كتب سيرج العديد من المقالات لفائدة الصحافة الشيوعية العالمية، ومن بين أشهر هذه الكتابات، سلسلة من ثلاث مقالات حول أساليب "الأوخرانا" سيتم نشرها في نونبر 1921، وستشكل المقالات الثلاث الجزء الأول والأطول (الفصل الأول والثاني والثالث) مما سيصبح كتابا تحت عنوان "ما يجب أن يعرفه كل ثوري عن القمع".
كتب فكتور سيرج مقالاته الثلاث في موسكو حيث كان يشتغل في كوميسارية العلاقات الخارجية. وكان الكتاب في البداية عبارة عن وصف لكيفية اشتغال "الأوخرانا"، ذلك ان الاطلاع على الأرشيفات سمح له بمعرفة التقنيات الكلاسيكية المستعملة في التعقب والاقتفاء والتنصت الهاتفي واعتراض الرسائل والتقنيات الأنتروبوميترية والاستعمال الكبير للتسرب والاختراق والاستفزاز. وبناء على هذا، قدم فيكتور سيرج نصائحه لكل الثوريين عبر العالم من خلال كتابه القيم.
في سنة 1921، سافر سيرج إلى أوروبا الوسطى، و بالضبط إلى مدينة برلين، حيث اشتغل في هيئة تحرير مجلة "أمبريكور" (اختصار لاسم "وكالة الصحافة الأممية الشيوعية")، و خلال وجوده بألمانيا عاين أحداث الانتفاضة الشيوعية في أكتوبر 1923، التي تم سحقها، فانتقل إلى مدينة فيينا، حيث سيتمكن من كتابة الجزء الثاني من كتابه (الفصل الرابع) سنة 1925، و ذلك تحت عنوان "مشكلة القمع الثوري"، وسيتم نشرها في باريس، أما الكتاب كاملا فسيتم نشره سنة 1926 (3000 نسخة) ليصبح بعد ذلك أحد الكتب الكلاسيكية المستعملة لمواجهة القمع، و منذ ذلك الحين تتالت طبعات الكتاب، و أحيانا بأعداد كبيرة.
إن العنوان الأصلي للكتاب هو "كواليس أمن عام: ما يجب أن يعرفه كل ثوري عن القمع".
جهاز "الأوخرانا" موضوع الكتاب:
"الأوخرانا" هو الاسم الروسي لما كان يسمى في روسيا القيصرية ب "فرقة الحفاظ على الأمن والنظام العام"، اختصارا ل "أوخرانوي أو تدنيي"، بمعنى آخر كانت تمثل البوليس السياسي السري للإمبراطورية القيصرية في نهاية القرن 19 وبداية القرن العشرين، والاسم الروسي الشائع لهذا الجهاز هو "الأوخرانكا".
لقد تم تأسيس "الأوخرانا" بقرار قيصري يوم 14 غشت 1881 من طرف القيصر ألكسندر الثالث، وقد جاءت الأوخرانا لتعوض "الفرقة الثالثة لوزارة الداخلية"، التي تم حلها سنة 1880، وقد تم إنشاء الأوخرانا لمواجهة التهديد الثوري المتصاعد في روسيا، الذي كان يتميز بالعديد من العمليات الإرهابية السياسية، المسلحة، خاصة على يد المنظمة الشهيرة "نارودنايا فوليا" (إرادة الشعب)، وهي منظمة إرهابية ثورية قامت بعملية إرهابية يوم 13 مارس 1881 أدت إلى مقتل ألكسندر الثاني.
بعد تأسيسها، انطلقت "الأوخرانا" في عملها عبر زرع المخبرين داخل التنظيمات الثورية، والقيام بأعمال الاستفزاز والتصيد، بهدف خلق وضعية غموض معممة داخل تلك التنظيمات، مع الزيادة في أعداد العملاء المزدوجين. وطورت "الأوخرانا" أسلوب عملها بقيادة سيرجي زوباطوف، فأسست لما يسمى ب "الاشتراكية البوليسية"، حيث تم خلق منظمات مستقلة مراقبة من طرف عملاء مخبرين، وهو ما سمي بالزوباطوفشتشينا. ومن المعروف عن "الأوخرانا" أن مكتبها في باريس، هو من كان وراء تحرير ونشر ما سمي بكتاب "بروتوكولات حكماء صهيون"، كتاب مزور معادي للسامية لتبرير معاداة السامية وإطلاق المذابح ضد اليهود.
لقد كانت "الأوخرانا" تقوم باستقطاب المخبرين والعملاء المحرضين من بين المناضلين الثوريين، ومن داخل التنظيمات الثورية نفسها. وقد تزايد نشاط "الأوخرانا" في هذا المجال ابتداء من ثورة 1905، ويذكر فيكتور سيرج أنه تم اكتشاف داخل مقر "الأوخرانا" بمدينة سان بترسبورغ دولابا خاصا بالملفات، ويضم 35 ألف اسما لعناصر اشتغلت مع أو لصالح "الأوخرانا"، ومن داخل التنظيمات الثورية المناهضة للقيصرية: "الاشتراكية الثورية"، "البلاشفة"، "المناشفة"، "الفوضويون". وتبين من خلال الاطلاع على الأرشيف أن الضباط المكلفين باستقطاب ومتابعة أعمال هؤلاء العملاء، كانوا يتوفرون على مجموعة من الكتب الموجزة تتطرق لأساليب الاستقطاب والتوجيه والتحكم في العملاء (دليل عمل). وقد تميز أسلوب "الأوخرانا" باستعمال مبدأ الاستفزاز (التصيد) على نطاق واسع، ويقوم هذا المبدأ على ترك الحركة الثورية أو التنظيم الثوري، تتطور إلى درجة ما، وتنضج ليتم تصفيتها بالكامل فيما بعد، وقد يترك البعض خارج الشباك ليبدأ العمل من جديد قبل أن يتم اصطياد جماعته من جديد، وسيتم التوسع في هذه التقنية لتصبح شائعة لدى أغلب أجهزة القمع عبر العالم.
يتبين كذلك من تلك الكتب والأرشيفات أن أساليب "الأوخرانا" كانت تقوم على أسلوب الاقتراب من الثوريين ذوي الشخصية الضعيفة، الذين يعيشون في الفقر، أو الذين يعانون من الإحساس بالإهانة نتيجة الصراعات الداخلية في التنظيمات الثورية. ويقوم الضابط المكلف بالاستقطاب بالمزاوجة بين الأسلوب البسيكولوجي وأسلوب الضغط، مما يؤدي إلى سقوط الضحية بين يديه، بعد ذلك، يبدأ العنصر المستقطب بالحصول على أموال، وذلك بارتباط مع مستوى المعلومات التي يقدمها للجهاز. ويطلب من العنصر الجديد المستقطب بعدم تغيير نمط حياته وأنشطته حتى لا يثير انتباه رفاقه. وخلال موجات الاعتقال يتم تجنيب المجند الجديد حالة الاعتقال، ولعدم إثارة الانتباه بين صفوف رفاقه، يتم ترك بعض المناضلين المخلصين خارج دائرة الاعتقال حتى لا يتم استشعار التنظيم بالخطر، وعندما يريد البوليس أن يقوم بترقية أحد العملاء داخل التنظيم إلى مرتبة عليا تنظيميا، يقوم باعتقال من هو أعلى منه مباشرة، فيصبح المخبر بديلا له.
هكذا، استطاعت" الأوخرانا" أن تستقطب عناصر من مستويات عليا داخل التنظيمات الثورية، ومن أشهر هؤلاء عضو اللجنة المركزية للحزب البلشفي ونائبه البرلماني في الدوما، ويتعلق الأمر ب رومان مالينوفسكي، الذي لم تكتشف هويته إلا بعد انتصار الثورة، فقام البلاشفة بإعدامه، ونفس الحال بالنسبة لإسرائيل كابلنسكي عامل الطباعة في حزب "البوند"، وكلاهما اشتغل أكثر من 11 سنة لصالح "الأوخرانا".
من بين الشهيرين اللذين استقطبتهم "الأوخرانا"، يأتي اسم إيفنوأزيف عضو الحزب "الاشتراكي الثوري"، الذي كان في نفس الوقت مسؤولا عن تنظيم العمليات الإرهابية من داخل الحزب، حيث كان يرأس التنظيم الخاص، وسبق له أن قام بعمليات أدت إلى اغتيال وزراء وموظفين سامين. كان إيفنوأزيف يشتغل لصالح "الأوخرانا"، وحتى لا يتم الكشف عن هويته، كانت "الأوخرانا" تقوم بالسماح للجماعة بعمليات اغتيال، ومن بينها اغتيال الوزير فيا تشسلاف بلييف والدوق الكبير سيرج، وقد انفضح أمره سنة 1908. وهناك عميل آخر ل "الأوخرانا" ذو شهرة كبيرة سيفتضح أمره داخل الاشتراكيين الثوريين، وستتم تصفيته لاحقا، وهو البوب غابون، أحد الأسماء المشهورة في ثورة 1905. وقد انفضحت العديد من العناصر العميلة بعد ثورة أكتوبر 1917.
إن النشاط الإجرامي لجهاز "الأوخرانا" كانت له نتائج خطيرة جدا، أدت إلى تسميم العلاقات الداخلية وسط التنظيمات الثورية، وأدى ثمنها العديد من المناضلين المخلصين، اللذين اتهموا بالعمل لصالح البوليس.
عندما انتصرت ثورة أكتوبر 1917، سقطت أرشيفات الأوخرانا" في يد البلاشفة، اللذين قاموا بمعالجتها والاشتغال عليها لمدة سنوات للكشف عن العملاء المدسوسين، ذلك أن جزءا منهم ظل يمارس نشاطه داخل أجهزة النظام الجديد، وقام البعض منهم بإحراق الوثائق والملفات التي كانوا يتوفرون عليها، تحت غطاء أنهم يقومون بذلك لحماية الثوريين من أعداء الثورة.
إن التجربة الروسية في مجال قمع الثوريين، عبر بناء جهاز ضخم من البوليس السياسي السري، في محاولة للقضاء على كل مشروع ثوري، يهدف القضاء على قلعة الرجعية، التي تمثلها القيصرية الروسية، التي كانت تحكم امبراطورية شاسعة أطلق عليها "سجن الشعوب"، أثبتت أن لا شيء يقف أمام إرادة الشعوب و قواها الثورية، فقد استطاع البلاشفة بقيادة لينين أن يقودوا العمال و الفلاحين لدك تلك القلعة الرجعية، و نالوا شرف اسقاط القيصرية في روسيا و خلصوا الشعوب و العالم من ويلاتها ضمن مشروع توخى بناء الاشتراكية على طريق الشيوعية، و بقيادة حزب من طراز جديد، الذي بناه لينين، إنه الحزب البلشفي.
إن التاريخ هو تاريخ صراع الطبقات، والجماهير هي من تصنع التاريخ بقيادة طلائعها الثورية، وسيظل الصراع جدليا بين الحق في الثورة، الذي يصونه حزبها الماركسي – اللينيني الثوري، وبين "حق" الرجعيين والمستغلين في كبح الثورة وسحقها، فيقومون بشرعنة ذلك بترسانة من القوانين تحت شعار الحفاظ على الأمن والنظام، تسخر لها كل وسائل البطش المادي والمعنوي، وفي هذا الصراع ينتصر الحق في الثورة، كما تثبت ذلك نماذج الثورات العالمية.

وليد الزرقطوني

كتاب: " ما يجب أن يعرفه كل ثوري عن القمع"
تأليف: فيكتور سيرج

ترجمة أحمد الشرقاوي

مقدمة الكاتب
أسقط انتصار الثورة في روسيا بين أيدي الثوار، الآلية الكاملة للشرطة السياسية الأكثر حداثة، والأقوى، والأكثر خبرة، والتي تشكلت لأكثر من 50 سنة من الصراع المرير ضد نخبة شعب عظيم.
إن معرفة مناهج وطرق هذا البوليس، يقدم لكل مناضل خدمة عملية فورية، لأن الرأسمالية في دفاعها عن نفسها تستخدم نفس الوسائل في كل مكان، ولأن كل البوليس في العالم المتضامن فيما بينه يتشابه بطبيعة الحال.
إن علم النضال الثوري، الذي اكتسبه الروس خلال أكثر من نصف قرن من الجهود و التضحيات الهائلة، يجب على المناضلين في البلدان (و هم مضطرون أيضا )، حيث يتطور العمل اليوم، في الظروف التي تخلقها الحرب و انتصارات البروليتاريا الروسية و هزائم البروليتاريا العالمية - أزمة الرأسمالية العالمية، ونشأة الأممية الشيوعية، و تطور واضح جدا للوعي الطبقي عند البورجوازية: الفاشية، الدكتاتوريات العسكرية، الإرهاب الأبيض و القوانين الجائرة - استيعابها في فترة زمنية أقصر بكثير، فقد أصبح ذلك ضروريا بالنسبة لهم منذ اليوم.
فإذا كان المناضلون مطلعون جيدا على الوسائل التي يتوفر عليها العدو، فربما يصابون بخسائر أقل ... لذلك من الضروري، بهدف عملي، أن تتم دراسة الأداة الرئيسية لجميع الرجعيات ولكل أشكال القمع بعناية، هذه الآلة الخانقة لكل التمردات المشروعة والمسماة بوليسا.
إننا نستطيع ذلك، طالما أن السلاح المتقن، الذي صهرته الأوتوقراطية الروسية للدفاع عن وجودها، ونعني "الأوخرانا"، الأمن العام للإمبراطورية الروسية، قد وقع بين أيدينا.
لكي ندفع بهذه الدراسة إلى أقصى حد، الشيء الذي سيكون مفيدا للغاية، فإن ذلك يتطلب وقتا وراحة لا يمتلكها كاتب هذه السطور، فالصفحات التي سنقرؤها لا تدعي أنها تحل محلها.
إنها ستكون كافية، وأتمنى ذلك، لتحذر الرفاق، وتكشف أمام أعينهم حقيقة صدمتني من الزيارة الأولى لمحفوظات الشرطة الروسية، وهي أنه لا توجد أي قوة في العالم يمكنها وقف المد الثوري عندما يرتفع، وأن جميع رجال الشرطة أيا كانت مكيافيليتهم وعلمهم وجرائمهم، فهم لا حول لهم ولا قوة ...
إن هذا العمل، الذي نشر لأول مرة في "النشرة الشيوعية" في نونبر 1921، تم استكماله بكل عناية. إن القضايا العملية والنظرية، التي تثيرها دراسة آلية اشتغال الشرطة، التي لا يمكن ألا تثار في ذهن القارئ العامل، مهما كان تكوينه السياسي، قد تم بحثها في محاولتين جديدتين.
إن نصائحا للمناضل، على الرغم من بساطتها الواضحة، والتي لا تسمح التجربة في الشك من جدواها، ترسم القواعد الأولية للدفاع العمالي ضد المراقبة والوشاية والاستفزاز (التصيد).
لم يعد بإمكان الطبقة العاملة، منذ الحرب وثورة أكتوبر، أن تكتفي بالقيام بعمل سلبي فقط ومدمر. إن عصر الحروب الأهلية قد انفتح، وسواء كانت راهنيتها يومية على وجه التحديد أو مؤجلة ب "سنوات" فيما يخص الاستحقاق، فإن الأسئلة المتعددة المتعلقة بالاستيلاء على السلطة لا يمكن ألا تطرح منذ اليوم بحدة على معظم الأحزاب الشيوعية.
في بداية سنة 1923، يبدو النظام الرأسمالي في أوربا في حالة استقرار، حالة مثبطة لعزيمة فاقدي الصبر، علما أن الاحتلال "السلمي" للروهر كان قد ألقى بقوة حقيقية بشبح الثورة على ألمانيا، قبل نهاية العام.
من الآن فصاعدا، فإن أي عمل يميل إلى تدمير المؤسسات الرأسمالية في حاجة إلى استكماله من خلال إعداد نظري على الأقل، لعمل الغد الإبداعي ... وقد قال باكونين:
"إن الروح المدمرة هي أيضا الروح المبدعة".
هاته الفكرة العميقة، التي تم تأويلها حرفيا قد ضللت الكثير من الثائرين بشكل بئيس، أصبحت اليوم حقيقة عملية، فنفس روح الصراع الطبقي اليوم تقود الشيوعيين إلى التدمير والإبداع في نفس الوقت. مثلما يجب أن تستكمل معاداة النزعة العسكرية الحالية بإعداد الجيش الأحمر، فإن مشكلة القمع التي تفرضها الشرطة والعدالة البورجوازية لها جانب إيجابي ذو أهمية كبيرة، ارتأيت أنه من واجبي تحديد ذلك في خطوطه العريضة.
علينا أن نعرف وسائل العدو، ونحتاج أيضا معرفة المدى الكامل لمهمتنا.

فيكتور سيرج
مارس 1925

الفصل الأول: الجزء الأول والثاني والثالث والرابع
الأوخرانا الروسية
I - الشرطي: عرض خاص
أحدثت "الأوخرانا" سنة 1881 لتخلف "الشعبة الثالثة" الشهيرة لوزارة الداخلية الروسية، لكنها لم تبدأ في التطور حقيقة إلا ابتداء من سنة 1900، التاريخ الذي وضع فيه على رأسها جيل جديد من رجال الدرك. لقد كان ضباط الدرك السابقون، خاصة اللذين هم في الرتب العليا، يعتبرون أن القيام بمهام الشرطة يتعارض مع الشرف العسكري.
لقد ألقت المدرسة الجديدة ب "أزمة الضمير" في سلة المهملات، وشرعت في تنظيم علمي للبوليس السري (الاستفزاز (التصيد)، الوشاية والخيانة داخل الأحزاب الثورية). وكان عليها أن تنتج رجالا ذوي ثقافة واسعة وذوي موهبة كما هو الحال بالنسبة للعقيد سبيريدوفتش، الذي ترك لنا تاريخا ضخما حول الحزب الاشتراكي الثوري وتاريخ الحزب الاشتراكي الديموقراطي.
كان تجنيد ضباط الدرك وتكوينهم وتدريبهم المهني موضوع رعاية خاصة، فكان لكل واحد منهم ملفا لدى الإدارة العامة، ويحتوي الملف كوثيقة كاملة للغاية على كثير من التفاصيل الطريفة: الطبع، مستوى التعليم، الذكاء، حالة الخدمة، ويتم تسجيل كل شيء بروح المنفعة العملية، وعلى سبيل المثال، فحين يوصف ضابط ما ب "العقل الضيق"، فسيعتبر شخصا لا يصلح إلا للوظائف الدنيا، ومن ثمة، لا يقتضي إلا الحزم في التعامل معه، ويسجل على ضابط آخر بأنه "يميل إلى مغازلة النساء.
من بين الأسئلة المطروحة في الاستمارة حول هؤلاء الأشخاص، ألاحظ ما يلي: "هل يعرف البرنامج والقوانين الأساسية للأحزاب؟ وما هي؟"، وأقرأ، أن صاحبنا "صديق النساء"، "يعرف جيدا الأفكار الاشتراكية الثورية والفوضوية، ويعرف بشكل متوسط الحزب الاشتراكي الديموقراطي، ويعرف بشكل سطحي الحزب الاشتراكي البولوني".
هناك تدرج في كيفية التعامل مع مستويات الإلمام بالمعرفة لدى كل عميل، لكن دعونا نواصل فحص نفس الملف."هل تابع "شرطينا" دروس تاريخ الحركة الثورية؟" "كم، وفي أي الأحزاب كان هناك عملاء سريون؟ مثقفون؟ وعمال؟"، لأنه غني عن القول، أنه لتكوين كلابها، كانت "الأوخرانا" تنظم دورات، حيث يدرس كل حزب: دراسة أصوله وبرنامجه وأساليبه، وحتى السير الذاتية لمناضليه المعروفين. ونسجل هنا، أن رجال الدرك الروس المدربين على أكثر مهام الشرطة السياسية حساسية، لم يكن لهم شيء مشترك مع شرطة أوروبا الغربية، لكن بالتأكيد لديهم ما يعادله في الشرطة السرية لجميع الدول الرأسمالية.
ll- المراقبة الخارجية: الترصد واقتفاء الأثر
كل مراقبة هي خارجية في المقام الأول، فالأمر يتعلق دائما بتتبع الرجل ومعرفة أفعاله وحركاته وارتباطاته، ثم اختراق نواياه، لذلك تم تطوير مصالح الترصد واقتفاء الأثر بشكل خاص في جميع قوات الشرطة، وتعطينا المنظمة الروسية دون شك نموذجا لجميع المصالح المماثلة.
إذا أخدنا مثلا، مصلحة المراقبة الخارجية الأكثر بساطة، فعملاؤها العديدون، اللذين نتوفر على صور هوياتهم، يدفع لهم 50 روبلا شهريا، وكانت مهمتهم الوحيدة هي تعقب ساعة بساعة، ليلا ونهارا دون أي انقطاع، الشخص الذي تم تحديد مهمة اقتفاء أثره (تتبعه)، ولا يجب مبدئيا أن يعرفوا اسمه ولا هدف التتبع، وذلك من باب الاحتياطـ، وبدون شك ضد أي سلوك أخرق أو ضد أي خيانة، فإن الشخص موضوع التتبع يعطى له لقب: الأشقر، ربة البيت، فلاديمير، سائق العربة الخ ...
نجد هذا اللقب في الجزء العلوي من التقارير اليومية، مجلدة، مشكلة دفاتر ضخمة، حيث سجل المترصد ملاحظاته. هذه التقارير دقيقة بشكل كبير، ويجب ألا تحتوي على أي فراغات (فجوات)، وتتم صياغة النص بشكل عام تقريبا على النحو التالي:
في الساعة التاسعة وخمس وأربعين دقيقة من يوم 17 أبريل، غادرت ربة البيت منزلها، وضعت رسالتين في المركز في زاوية شارع بوشكين، دخلت العديد من المتاجر في شارع X، دخلت الساعة العاشرة والنصف صباحا شارع Z رقم 13، غادرت الساعة الحادية عشر وعشرون دقيقة صباحا الخ..
في أخطر الحالات، يترصد عميلان نفس الشخص في نفس الوقت دون معرفة بعضهما البعض، فيتقابل التقريران ويتكاملان وتسلم هذه التقارير إلى قوات الدرك لتحليلها من قبل المختصين.
يضع هؤلاء الموظفون – الجواسيس – الثاقبو الفكر بشكل خطير جداول شاملة، تلخص الأحداث وحركات الشخص وعدد زياراته وانتظامها ومدتها الخ ... وعن طريق الأماكن، مكنت هذه المخططات من تقدير أهمية علاقات المناضل وتأثيره المحتمل.
قام الشرطي زوباتوف، الذي حاول حوالي سنة 1905 الاستيلاء على الحركة العمالية في المراكز الكبرى، بخلق نقابات هناك، قد وصل بتعقب الأشخاص إلى أعلى درجات الكمال، فقد كانت فرقه الخاصة قادرة على تعقب رجل عبر روسيا، بل عبر كل أوروبا، متنقلة معه من مدينة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر، علاوة على ذلك لم يضطر المتعقب أبدا إلى القلق: فكتاب النفقات لأحدهم لشهر يناير 1903، يعطينا رقم النفقات العامة التي تصل إلى 637،35 روبلا. ولإدراك أهمية الائتمان المفتوح بهذا الشكل، لصالح واش عادي، دعونا نتذكر أنه في ذلك الوقت، كان الطالب يعيش بسهولة ب 25 روبلا شهريا.
في حوالي سنة 1911، جرت العادة بإرسال المتعقبين (المترصدين) إلى الخارج لمراقبة المهاجرين هناك، وربط الاتصال مع الشرطة الأوروبية. لقد كان وشاة جلالة الإمبراطور في "عقر دارهم" في كل عواصم العالم.
كان من مهام "الأوخرانا" الثابتة، البحث عن، ومراقبة بعض الثوار، اللذين يعتبرون الأكثر خطورة، وبالأساس إرهابيين أو أعضاء في الحزب الاشتراكي الثوري، اللذين مارسوا الإرهاب، وكان على عملائها أن يحملوا دائما دفاتر صور تحتوي على، من 50 إلى 70 صورة، ونتعرف بشكل عشوائي على أسماء: سافنكوف، الراحل ناتاسنون، أرغنوف، أفكسنتيف (للأسف!)، كارلين، أوفسيانيكوف، فيرا فغنير، بشكوفا (زوجة غوركي)، فابركانت. كما كان أيضا في حوزتهم نسخ من صور ماركس، فوجود هذه الصورة في منزل الشخص أو وسط كتاب يشكل مؤشرا.
إليكم تفصيل طريف: لا تمارس المراقبة الخارجية فقط على أعداء النظام القديم، إذ نتوفر على كنانيش تشهد على أن أفعال وحركات وزراء الإمبراطورية لا تفلت من يقظة البوليس، فإحدى كنانيش المراقبة للمحادثات التيلفونية لوزير الدفاع في سنة 1916، تعرفنا على عدد مرات الاتصال في اليوم، وأن شخصيات القصر المختلفة أخذت علما بالصحة الهشة للسيدة سوخوملينوف.
lll- خبايا وأسرار الاستفزاز
كانت الآلية الأكثر أهمية في الشرطة الروسية التي لا شك فيها هي "الوكالة السرية"، إنه الاسم اللائق بمصلحة الاستفزاز والتصيد، التي ترجع أصولها إلى النضالات الثورية الأولى، والتي وصلت إلى تطور استثنائي للغاية بعد ثورة 1905.
كان ضباط الشرطة (المسمون ضباط الدرك) المدربين تدريبا خاصا، المكونين والمنتقين، يقومون بتجنيد عملاء مستفزين (عملاء محرضون)، وقد كانت النجاحات التي حققوها بدرجة أقل أو أكثر في هذا المجال قد صنفتهم وساهمت في ترقيتهم. وكانت التعليمات الدقيقة تتوقع أقل التفاصيل مع المتعاونين السريين. وأخيرا، يجمع المتخصصون اللذين يتقاضون أجورا عالية، في حزمة واحدة، كل المعلومات المقدمة من طرف العملاء المحرضين، فيدرسونها ويقومون بتشكيلها و وضعها و حفظها في ملفات.
في مباني الأوخرانا (بتروغراد، فونتنكا) كانت هناك غرفة سرية لا يدخلها أبدا إلا رئيس الشرطة والموظف المكلف بترتيب الأجزاء داخلها، إنها غرفة الوكالة السرية، كانت هذه الغرفة تضم على الخصوص دولاب جدادات العملاء المحرضين، حيث وجدنا أكثر من 35 ألف اسما. في أغلب الحالات، وللزيادة القصوى في الاحتياطات، فإن اسم "العميل السري" يعوض بكنية (لقب)، الشيء الذي يجعل من مهمة تحديد هوية بعض البؤساء بعد الثورة، بعد أن سقطت الملفات الكاملة بين أيدي الرفاق، تكون صعبة بشكل خاص. إن اسم العميل المحرض لا يمكن أن يكون معروفا إلا عند مدير "الأوخرانا" وضابط الدرك المكلف بربط علاقات دائمة معه، حتى الوصل الذي يوقع فيه العميل عند نهاية كل شهر – كان يتم تقييده بطريقة اعتيادية مثل الموظفين الآخرين، بمقادير تتراوح ما بين 3، 10 و 15 روبل في الشهر إلى 150 أو 200 روبل كحد أقصى – لا يحمل بصفة عامة إلا ألقابهم. لكن الإدارة تتحدى عملاءها وتخشى أن يتخيل ضباطها من قوات الدرك أنهم متعاونون مزيفون، وتلجأ في كثير من الأحيان إلى مراجعات دقيقة لمختلف فروع منظمتها.
يقوم مفتش ذو صلاحيات واسعة بالتحقيق مع المتعاونين السريين بنفسه، يراهم عند الضرورة، يطردهم أو يزيد في رواتبهم. دعونا نضيف أن تقاريرهم يتم فحصها بعناية – قدر الإمكان – من قبل بعضها البعض.
VI- تعليمات حول التوظيف ومصلحة العملاء المحرضين
دعونا نفتح على الفور وثيقة يمكن اعتبارها ألفا و أوميغا التحريض، و يتعلق الأمر بالوكالة السرية، كتيب من 27 صفحة مطبوع بالآلة الكاتبة من حجم صغير، تحمل نسختنا (المرقمة ب 35) في نفس الوقت في أعلى الجانبين هذه الإشارات الثلاث:
"سري جدا"، "يجب عدم إرساله أو إظهاره"، "سر مهني". يا له من إصرار على التوصية بالغموض! سوف نفهم السبب قريبا، فهذه الوثيقة تحمل معلومات بسيكولوجية وعملية، وبروح تأهب دقيقة، ومزيج فضولي للغاية من السخرية والنفاق الأخلاقي الرسمي سوف تثير علماء النفس في يوم من الأيام.
يبدأ هذا مع المعلومات العامة:
يجب أن يميل البوليس السياسي إلى تدمير المراكز الثورية في وقت نشاطها الأعلى، وعدم إفساد عملها بالتوقف عند أصغر المؤسسات، لذا فإن المبدأ الأول هو: دع الحركة تتطور لتصفيتها بشكل أفضل.
يحصل العملاء السريون على راتب ثابت يتناسب مع الخدمات التي يقدمونها، ويجب على الأمن أن يتلافى جيدا تسليم متعاونيه، وتحقيقا لهذه الغاية، لا يجب اعتقالهم ولا إطلاق سراحهم إلا إذا كان هناك أعضاء من نفس المستوى، ينتمون إلى نفس المنظمات الثورية يمكن أن يعتقلوا أو يطلق سراحهم.
على الأمن تسهيل على العملاء اكتساب ثقة المناضلين.
يلي هذا فصل عن التجنيد والاستقطاب:
إن تجنيد عملاء سريين هو مصدر انشغال دائم لمدير البحوث و المتعاونين معه، يجب عليهم ألا يهملوا أية فرصة بما في ذلك إعطاء القليل من الأمل للحصول على عملاء .. إن هذه المهمة صعبة جدا، ولتحقيقها يجب البحث عن اتصالات مع المعتقلين السياسيين ...
وهنا، فإن اللذين يجب اعتبارهم مهيئين للخدمة هم ثوريون ذوو شخصية ضعيفة، جرحوا أو أصيبوا بخيبة أمل من طرف الحزب، يعيشون في بؤس وهربوا من أماكن الترحيل، أو معينين للترحيل.
توصي التعليمات بدراسة نقط ضعفهم واستخدامها "بعناية" وبالتحدث مع أصدقائهم وأقربائهم الخ ... ومضاعفة "في جميع المناسبات الاتصالات بالعمال وبالشهود والآباء، وما إلى ذلك دون إغفال الهدف"...
إنها ازدواجية غريبة في الروح البشرية! أترجم هنا حرفيا ثلاثة أسطر محيرة:
يمكن استخدام الثوار عندما يكونون في حالة بؤس، وبدون التخلي عن مبادئهم يقبلون بتقديم المعلومات ...
هل كان يوجد أمثال هؤلاء بالفعل؟
لكن، فلنستمر.
وضع خراف مع السجناء هو ممارسة ممتازة.
عندما يبدو الشخص ناضجا للخدمة، بمعنى أنه عندما نعرف أن ثوريا يشعر بالمرارة والإحراج المادي، محطم بسبب إحباطاته الشخصية، ونتوفر ضده على بعض التهم الخطيرة بما يكفي نستطيع التحكم فيه وجعله تحت السيطرة:
يتم هذا بالقبض على المجموعة بأكملها التي هو جزء منها، وقيادة الشخص المعني إلى مدير الشرطة، وأن تكون هناك أسباب جدية لمقاضاته، مع الاحتفاظ بإمكانية إطلاق سراحه في نفس الوقت مع الثوار المسجونين الآخرين دون التسبب في مفاجأة.
يتم استنطاق الشخص وجها لوجه، ولإقناعه يتم توظيف النزاعات القائمة بين المجموعات، وأخطاء المناضلين، والجروحات في الكرامة.
وحين نقرأ هذا، هذه السطور، يظهر لنا كما لو أن الشرطي" الأب" يشعر بالأسف على مصير ضحيته:
"آه، نعم، عندما تذهب إلى الأشغال الشاقة بسبب أفكارك، فإن رفيقك X... الذي لعب عليك الحيل جيدا، سيستفيد على حسابك. ماذا تريد؟ إن الطيبين يؤدون الثمن لحساب الأشرار! "
إن هذا يؤتي أكله عندما يكون الشخص ضعيفا أو يكون في حالة من الذعر، مهدد بسنوات من النفي ...
بقدر المستطاع، يجب أن يكون لديك عدة متعاونين في كل منظمة.
يجب على الأمن توجيه المتعاونين وليس مجاراتهم.
لا يجب أن يكون العملاء السريون على دراية بالمعلومات المقدمة من طرف زملائهم.
وإليكم مقطعا سيستنكره مكيافيلي نفسه، جاء فيه:
إن متعاونا يعمل بشكل غامض في حزب ثوري يمكن ترقيته في منظمته من خلال اعتقال المناضلين الأكثر أهمية.
إن متعاونا يعمل في خفاء داخل حزب ثوري بإمكانه أن يصعد في تراتبية تنظيمية عن طريق اعتقال مناضلين أكثر أهمية (بمعنى أنه لما يعتقل مناضلون مهمون، يجب أن يكون هناك من يعوضهم، ومن هنا يصعد المخبر في المرتبة).
إن ضمان السرية المطلقة لعمل العملاء المحرضين، هو بطبيعة الحال واحد من أهم هموم البوليس.
يتعهد المخبر بالسرية المطلقة عند دخوله الخدمة، ويجب عليه ألا يغير طريقة حياته بأية طريقة، وتكون العلاقة معه محاطة بالاحتياطات التي يصعب تجاوزها.
يمكن إعطاء المواعيد للمتعاونين الموثوق بهم. وتتم هذه المواعيد في شقق سرية مكونة من عدة غرف لا تتواصل مباشرة مع بعضها البعض، حيث يمكن عند الضرورة عزل مختلف الزوار.
يجب أن يكون المستأجر للمسكن موظفا مدنيا، ولا يمكنه أبدا تلقي زيارات شخصية، كما يجب ألا يعرف العملاء السريين أو يتحدث إليهم.
إنه المسؤول الوحيد عن فتح الباب، والتأكد قبل مغادرتهم ألا أحد يصعد الدرج. تجري المقابلات في غرف مغلقة بالمفاتيح، ولا يجب ترك أي ورقة مهملة، والحرص على ألا يجلس الزائر سواء قرب النافذة أو قريبا من مرآة، وفي أدنى إشارة مشبوهة يجب تغيير الشقة.
لا يمكن للعميل المحرض، بأي حال من الأحوال، أن يأتي إلى مقر الأمن، ولا يمكنه قبول أية مهمة ذات أهمية دون موافقة رئيسه. يجب أن تؤخذ المواعيد بعلامات (رموز) متفق عليها مسبقا، وترسل المراسلة إلى عناوين متفق بشأنها، ويجب كتابة خطابات المتعاونين السريين بنص غير قابل للتعرف عليه، ويحتوي فقط على تعبيرات عادية (تافهة) واستعمال ورق وأظرفة مطابقة للوسط الاجتماعي للمرسل إليه واستعمال الحبر السري.
يرسل المتعاون رسائله بنفسه، وعندما يتلقى الرسائل، عليه حرقها مباشرة بعد قراءتها، ولا يجب تسجيل العناوين المتفق عليها في أي مكان، وتتمثل المشكلة الخطيرة في إطلاق عملاء سريين تم اعتقالهم مع من تم تسليمهم إلى الشرطة من طرفهم، تنصح التعليمات في هذا الموضوع بعدم اللجوء إلى الهروب، لأن الهروب يثير فضول الثوريين، وعليه، فقبل تصفية منظمة ما، يجب استشارة العملاء السريين، بشأن الأشخاص، اللذين لا يجب اعتقالهم، وذلك حتى لا نخون مصادر معلوماتنا.
ــــــــ ــــــــ ــــــــ
يوجد هذا النص بصيغة ب.د.ف. على موقع 30 غشت
http://www.30aout.info