الحراك الشعبي في مرحلة ما قبل (ربيع الشباب العربي) الحلقة الأولى (1/ 18)


حسن خليل غريب
2021 / 2 / 10 - 22:09     

دراسة كتبت في أوائل العام 2018
تمهيد
منعاً للالتباس الذي قد يحصل بين مرحلتين من مراحل الحراك الشعبي العربي، تجدر الإشارة إلى الفصل بينهما. إذ ستنقسم الدراسة الموضوعة بين أيدي القراء إلى قسمين، وهما:
-القسم الأول: يتناول بالعرض والتقييم والنتائج، المرحلة الممتدة بين أوائل العام 2011، والعام 2018، التي حملت عنوان ما يُسمَّى بالمصطلح الاستعماري – الصهيوني اسم (الربيع العربي)، والذي كان عبارة عن البدء بتنفيذ مشروع ما أطلق عليه برنارد لويس (مشروع الشرق الأوسط الكبير)، والذي وافق عليه الكونغرس الأميركي في العام 1980، والذي أعلنت عن اسمه الجديد كونداليزا رايس في العام 2006، وأطلقت عليه اسم (مشروع الشرق الأوسط الجديد).
-القسم الثاني: يتناول بالعرض والتقييم والنتائج ما أطلقت عليه الحركة العربية الثورية اسم (ربيع الشباب العربي)، والذي امتدَّ منذ أواخر العام 2018، وابتدأ في السودان وشمل الجزائر، وانتشر لاحقاً في العام 2019، في كل من العراق ولبنان. هذا مع العلم أن التجربة الشعبية في العراق ابتدأت في أوائل العام 2014، وانتهت بالتآمر عليها في حزيران من العام ذاته، تحت مسمى محاربة إرهاب الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
ولهذا ستنحصر مهمات هذه الدراسة بالقسم الأول، على أمل أن تتم دراسة القسم الثاني لاحقاً.

القسم الأول: (الربيع العربي) بالمفهوم الاستعماري – الصهيوني، المعروف بمشروع الشرق الأوسط الجديد
تمهيد:
أشارت التقارير الصحفية، بتاريخ 12/ 4/ 2003، إلى أن خبراء الاستراتيجيا الأميركيين يرون أن تغيير النظام في بغداد ينبغي أن يفسح لعملية «اعادة ترتيب» في هذه المنطقة، وعن ذلك، أشار مساعد وزير الدفاع الأميركي بول ولفوويتز ومساعد وزير الخارجية جون بولتن، وهما من المنظرين لهذه العقيدة، إلى أن طموحات واشنطن لن تتوقف عند بغداد، وإن كان استخدام القوة المسلحة غير مطروح بالضرورة بالنسبة لدول أخرى.
ومن خلال البحث عما يقصده مصطلح (وإن كان استخدام القوة المسلحة غير مطروح بالضرورة)، وجدنا تفسيراً لها باستخدام أهم وسيلتين، وهما:
-الأول: وسيلة الجيل الرابع من الحروب التي تُستخدم في النزاعات التي تنطوي على دول فاشلة وحروب أهلية، خاصة تلك التي تنطوي على أطراف غير حكومية، أو قضايا عرقية أو دينية مستعصية. وفيهما يستخدم العدو فئة من الشعب ضد فئة أخرى، بحيث يستنزف أحدهما الآخر، ولا يدفع العدو فيها تكاليف بالأرواح والمعدات.
-الثاني: وهي الحرب الناعمة التي تعني القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلًا من الإرغام. وهي ما تُعرف بحرب الأفكار.
واستنتاجاً نرى أن الهزيمة العسكرية الأميركية في العراق لم تكن نهاية لاستراتيجيتها في الاستيلاء على المنطقة العربية، بل كان استخدام (الوسائل الأخرى) هو البديل. وفيها قرَّرت الولايات المتحدة الأميركية، بالتنسيق والتكامل مع الصهيونية العالمية لحماية (أمن إسرائيل). ولأنها تحتاج إلى ممرات جغرافية آمنة لتنفيذ استراتيجيتها كان لا مفرَّ أمامها من التعاون الكامل مع النظامين الإقليميين، الإيراني والتركي، لمصلحتهما في اقتطاع جزء من الوطن العربي، لاستعادة نفوذ تاريخي لهما في المنطقة العربية.
وإضافة إلى ذلك، فقد استغلَّت البيئة السياسية الاجتماعية، إن كان من جانب استفحال التعصب العرقي أو الديني، أم كان من جانب انقطاع العلاقة بين الجماهير العربية وأنظمتها الديكتاتورية الحاكمة. ولأن هذه البيئة كانت في غاية شديدة من الغليان، أصبح من السهولة بمكان استخدام تلك العوامل من أجل البدء في تفجير الأحداث في أكثر من قطر عربي تحت شعارات جذَّابة، تحمل وعوداً بالديموقراطية للشعب المغلوب على أمره، كما تحمل وعوداً بتحقيق الاستقلال الذاتي للمتعصبين عرقياً وطائفياً.
واستناداً إلى ذلك، ولأن الوقائع التاريخية أظهرت صحة هذه الاستراتيجية. وكذلك صحة استغلالها في حرف الانتفاضات الشعبية عن مساراتها وأهدافها، واستخدمت الشعب كبش محرقة، وقعت الكثير من الملابسات، والمواقف المتناقضة من تلك الانتفاضات.
ومن أجل توضيح تلك الإشكاليات، سنكون وظيفة هذه الدراسة الكشف عما لحق بتلك المرحلة من ملابسات.