ما هي أطروحة ماو حول العوالم الثلاثة؟ و كيف تم تحريفها في إطار الإنحرافات اليمينية و اليسارية البرجوازية الصغيرة؟


عمر الماوي
2021 / 2 / 10 - 09:41     

نظرية العوالم الثلاثة ، سيئة الصيت ، كنظرية معادية للثورة ، تم تحوير ما ترمي اليه هذه الاطروحة الماوية ، حيث نزعت عن سياقها كما سنرى في هذا الطرح. 


علينا أن نعلم أولا ً ، ان هذه النظرية بشكلها البرجوازي التحريفي الرائج ، هي بالضبط نتاج للذاتية البرجوازية الصغيرة و الإنحرافات اليسارية من جهة ، و الشوفينية اليمينية من جهة اخرى.

العالم الثالث هنا أيديولوجية تنكر ديالكتيك الواقع. حيث تدعي أن الرأسمالية يمكن أن تكون سلمية ودائمة التقدم .

هذه نظرية معادية للثورة ، لكن اصحابها البرجوازيين الصعار ، لا يعبرون عن ذلك صراحة: فهم يخفون رؤيتهم للرأسمالية السلمية من خلال التأكيد "الثوري" على العالم الثالث.

تتشارك نظرية العوالم الثلاثة بنفس النظرة إلى الرأسمالية مع الإصلاحيين من الديمقراطيين الإشتراكيين ، ولكن بتكتيك يتظاهرون من خلاله بأنهم "ثوريون" من خلال إنكار ما يسمى بالرأسمالية السلمية باسم "العالم الثالث" .

تمثل هذه النظرية و الأيدولوجية الرجعية إنحرافاً يساريًا متطرفًا ، لا يساعد في الواقع ، سوى دعاة الرأسمالية "السلمية" ، حيث يقال الشيء نفسه ، حتى لو كان اصحابها يتظاهرون بعكس ذلك.

 

تمثل انحرافًا يساريًا ينكر العداء الطبقي بين البرجوازية والبروليتاريا في البلدان الرأسمالية ، ويدعم الاستسلام باسم تفوق الإمبريالية.

وتمثل انحرافًا يساريًا متطرفًا يروج لمفهوم قومي للثورة ، في حين أن المسألة هي دائماً تتمحور حول حقيقة أن نضال شعوب البلدان المضطهدة ليس نضال أمة ضد أمة. أخرى ، بل هو نضال الجماهير من أجل الديمقراطية ضد الاستغلال والاضطهاد الذي تنظمه طبقة حاكمة في بلد آخر.

إن فهم اليسار المنحرف للعالم الثالث و للرأسمالية بالواقع ، هو نفس وجهة نظر الإصلاحيين الديمقراطيين الإشتراكيين للرأسمالية ، حيث يرون أنها غير عدوانية. كوجهة نظر مناهضة للمادية الديالكتيكية ، أفضت إلى ظهور مفهوم ميتافيزيقي مثالي برجوازي صغير عن "العالم الثالث".

إ

هي ذاتها أيديولوجية لين بياو ، الذي حاول القيام بإنقلاب فاشي في الصين الماوية الحمراء تحت ستار "العالم الثالث".

من الضروري التأكيد هنا على ما يجب أن نفهمه حول "العالم الثالث". كان ماو تسي تونغ هو من روج لهذا المفهوم. حيث وصف العالم كما يلي:

"لدى الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي العديد من القنابل الذرية ، وهم أغنى من العالم الثاني ـ حيث لا تمتلك أوروبا واليابان وأستراليا وكندا الكثير من القنابل الذرية وليست غنية مثل العالم الأول ، لكنها أغنى من العالم الثالث. "

كما نعلم ، كانت هناك محاولات من قبل مؤيدي الطريق الرأسمالي في الصين الحمراء ، بقيادة الخائن الاكبر دينغ شياو بينغ ، لإساءة استخدام هذا التوصيف من أجل الترويج لتحالف "العالم الثاني" و "العالم الثالث". ".

تسبب هذا في الكثير من الارتباك وعدم الفهم في بعض الأحيان. لكن الحزب الشيوعي البيروفي الماوي ـ الدرب المضيء ـ كان له تفسيراً مهمًا بهذا الصدد : "يتكون العالم الأول من قوتين كبيرتين: الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي اللذان يقاتلان من أجل الهيمنة على العالم ويمكنهما شن حرب إمبريالية">

الولايات المتحدة لديها اقتصاد يركز على احتكار الملكية التي لا تنتمي إلى قطاع الدولة ؛ سياسيا يمارسون ديمقراطية برجوازية مع تقييد متزايد للحقوق. إنها ليبرالية رجعية. عسكريا ، فهي أقوى دولة في الغرب مع عملية تنمية طويلة الأمد".
"يركز الاتحاد السوفييت ي اقتصاديًا على احتكار الدولة ؛ سياسيا هي الديكتاتورية الفاشية للبرجوازية البيروقراطية. عسكريا هي قوة عالية المستوى ، على الرغم من أن عملية تطويرها أقصر".
"تحاول الولايات المتحدة الحفاظ على نطاقاتها وتوسعها أيضًا".
"يهدف الاتحاد السوفياتي إلى التوسع لأنه قوة عظمى جديدة ، ومن وجهة نظر اقتصادية ، لديه مصلحة في محاولة الاستيلاء على أوروبا من أجل أن يجد نفسه في وضع أفضل".

"من خلال هذا التوليف ، هاتان قوتان عظمتان لا تشكلان كتلة ولكن لديهما تناقضات واختلافات ملحوظة بينهما والتي تتطور في إطار التواطؤ  و الصراع من أجل تقسيم العالم".
"العالم الثاني يتكون من قوى إمبريالية ليست قوى عظمى ، أي أنها أقل قوة اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا ، مثل اليابان وألمانيا وفرنسا وإيطاليا إلخ. ."
"لديهم تناقضات مع القوى العظمى لأنهم يعانون - على سبيل المثال - من انخفاض قيمة الدولار والقيود العسكرية والقيود السياسية".
"تريد هذه القوى الإمبريالية الاستفادة من الصراع بين القوى العظمى لتظهر بدورها كقوى جديدة".
"كما أنها تشن حروبًا عدوانية ضد الدول المضطهدة ، وهناك أيضًا تناقضات متفاقمة بينها".
"العالم الثالث يتكون من دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية المضطهدة. هذه مستعمرات أو أشباه مستعمرات حيث لم يتم تدمير الإقطاع فيها وعلى هذا الأساس تتطور رأسمالية بيروقراطية".
"تخضع هذه الدول لواحدة أو لأخرى من القوى العظمى ، أو لقوة إمبريالية".
"التناقض بين الدول المضطهدة من جهة والقوى الإمبريالية العظمى والقوى الإمبريالية من جهة أخرى. هذا ما ورد في أطروحة العوالم الثلاثة ؛ هذا التناقض آخذ في الظهور - ونحن نصوغه بهذه الطريقة - لأن جوهر هذا التناقض هو مع القوى الإمبريالية العظمى ، ولكن هناك أيضًا تناقض مع القوى الإمبريالية الأخرى. هذا هو التناقض الرئيسي. إن تطور وانتصار ثورات ديمقراطية جديدة يمثلان الحل لها. "

إذن ، هذا هو المفهوم الماوي الصحيح للعوالم الثلاثة ، والذي وقع تحريفه وتحويره على نحو يخدم النزعات المثالية الذاتية البرجوازية الصغيرة.

لم يتم إعتماد هذا التفسير الصحيح من قبل معظم الأحزاب والمنظمات حول العالم ، فتارةً تم تحوير وتحريف هذه الأطروحة في إطار الإنحرافات اليمينية الشوفينية "القومية" ، وتارةً اخرى في إطار الإنحرافات اليسارية على النحو الذي تم التطرق اليه أنفًا.

في الواقع ، كان مفهوم "العوالم الثلاثة" مجرد وصف يسمح بفهم أفضل للتناقض بين القوى الإمبريالية ، أي بين القوى الإمبريالية والقوى الإمبريالية العظمى. لم يكن هناك أي مسائل حول مفهوم يمكن استخدامه ميكانيكيًاً.


لكن ايضًا ، و لكي نكون علميين ، يجب أن نستخدم نفس التمييز داخل البلدان شبه الإقطاعية شبه المستعمرة. بعضها "توسعي" ، كما هو الحال مع إيران وتركيا في منطقتنا ، لكن في واقع الحال ان هذه البلدان تبقى بلدانً شبه إقطاعية شبه مستعمرة ، لكن لديها بالطبع نزعة توسعية عدوانية . 


في جميع أنحاء العالم ، في البلدان المضطهدة ، يمكننا أن نرى أن التحريفيين يدعمون الرأسمالية البيروقراطية والإقطاعية ، في نهج و إطار قومي ، ويعملون في نفس الوقت مع الإمبرياليين والتوسعيين الذين يعتبرونهم "تقدميين" ـ كما هو الحال في منطقتنا ايضًا ، مع النظام السوري ، و الإمبراطورية الإيرانية (شبه الإقطاعية شبه المستعمرة) ، كذلك مع الإمبريالية الروسية التوسعية.


كما ان العوالم الثلاثة تنفي التناقضات الطبقية في الدول الرأسمالية المتطورة ، فضلاً عن الدول الأقل تطورا ً ، وهذا ينافي المادية الديالكتيكية ـ حيث يقول القائد ماو :

"السبب الأساسي لتطور الأشياء والظواهر ليس خارجيًا ، بل داخليًا ؛ يوجد في التناقضات الداخلية للأشياء والظواهر نفسها. كل شيء ، كل ظاهرة تنطوي على هذه التناقضات التي تنطلق منها حركتها وتطورها. "


وبهذا المعنى ، فإن النزعة العالمية الثالثة هي أيديولوجية رجعية ، لا تجلب سوى الارتباك ، وهدفها البرجوازي هو عرقلة دراسة الواقع عن طريق المادية الديالكتيكية ، بأرقى مراحلها  اليوم: الماركسية - اللينينية - الماوية .

هكذا إذن ، نكون علميين ، لنبتعد عن الذاتية و التفكير المثالي البرجوازي الصغير ، فلا يمكننا فهم العالم الموضوعي لتغييره الا بتنحية الذاتية ، فالعالم الموضوعي لا يمكن تغييره الا عبر فهم قوانينه الموضوعية و التخلي عن النزعات الذاتية و المثالية البرجوازية الصغيرة.