تأملات فى الإنسان والحياة بدون زيف أو تحايل .


سامى لبيب
2021 / 2 / 9 - 19:20     

أعشق كتابة التأملات ولا أتذكر عدد المقالات التي كتبت فيها تأملاتي .. لأعتز بكل ماكتبته من تأملات منذ صباي وحتى الآن , فالتأملات هى تقديم أفكار عميقة مركزة بشكل موجز ورشيق فى سطور قليلة داعية القارئ للتوقف والتفكير .
أنا سعيد أنى أقرأ أعماق نفسى جيدا لأدرك ما الذي يدفعني لهذا الفكر والشعور ومن هنا جاءت فلسفتي وتأملاتي , ليكون من السهل أن تنتج فلسفة وتأملات شريطة الصدق مع نفسك والبعد عن التقيد بقوالب فكرية مصمتة جاهزة .
اروع شئ فى الحياة هي مشاكستها , فمن مشاكسة الحياة تأتى المتعة والمعرفة , فتعالوا شاركوني فى مشاكسة الحياة بأنماطها وقوالبها التى فرضوها علينا .

- لذة العلم والمعرفة أنها تطور من الإنسان فتخلق فيه حالة مغايرة .. لذة العلم والمعرفة هو ذلك الصراع اللذيذ مع الجهل .. صراعنا لنيل المعرفة وتجاوز المجهول يجعل للحياة معنى وقيمة ولذة .. تأتى الإشكالية في وجود أيدلوجيات وعقائد تحول دون رحابة وحرية المعرفة أو تقصرها من خلال إطروحاتها الخشبية المشوهة .. تذكر أن سبب شقاء الإنسانية وفق أسطورة الأديان جاء من معرفة شجرة الخير والشر !.. فلنحرص على المعرفة حتى لو كانت قاسية متصادمة مع فرضياتنا .
- الشهادة غير التزكية , فطبيعي ومفهوم أن يُزكِّي البشر بعضهم عند توفر الثقة بينهم , لكن التدليس أن يتجاوز الإنسان حقه بتزكية ناقل الخبر ليشهد بحدوث موضوع الخبر وهو الغائب عنه في الزمان والمكان .. لا تشهد بشئ لم تُعاينه وتَختبره .

- من الخطأ محاسبة الإنسان على سلوكه فكما لا نحاسب المادة والطبيعة على سلوكها , فالإنسان مادة يتأثر بكل العوامل المادية المحيطة به لتُشكل سلوكه وشخصيته وفعله كما الطبيعة .
- ليس السلوك والذات سوى انعكاس طبيعي وحتمي للجينات الوراثية ولثقافة مجتمع وظروف الحياة منذ الطفولة , فهي التي كونت بمجموعها واتحادها شخصية الإنسان سلوكاً وجسداً , فسلوك الإنسان وقناعاته قد نشأ بالتزامن مع نشوء ذاته المتمثلة في جسده الحي وبالطبع ليست الذات سابقة للسلوك ولا هي مهيمنة عليه بالمطلق , ومن هنا لا وجود لأي كيان إنساني بمعزل عن ذاته وسلوكه , ليكون له الخيار فيها وليكون بالتالي مسئولاً عنها .
- إن محاسبة الإنسان على سلوكه لا تختلف كثيراً عن محاسبته على وجوده , وإذا كان الإنسان لا يوصف بحُسن أو سوء السلوك إلا عند اتصاله بغيره , حيث لا وجود ولا معنى للصِدق والكذب والجريمة وغيرها في حياة الإنسان الفرد المنعزل .
- من هنا يكون الإفراط في تقديس المعتقدات الدينية هو محاولة لإعطاء صفة الوجود والكمال للصواب المنسوب لها مع تعمد إهمال الظروف المادية الموضوعية المنتجة للصواب والخطأ الخير والشر .
- إن تنظيم الحياة الاجتماعية أمر غريزي تفرضه الحياة لا يتميز به البشر دون غيرهم ليكون محاولة ربطه حصرياً بالدين أو محاولة إظهاره بمظهر الإنجاز البشري هو مجرد تعقيد فلسفي لا طائل منه لأمر بديهي , أو قل هو تضليل نخبة سياسية وإجتماعية معينة لتحقيق مصالحها .
- تفسير محاسبة ومعاقبة الإنسان على سلوكه هو شكل من أشكال ممارسة العنف والتنفيس تجاهه , ليتبرر هذا بكونه يحمل سلوكاً مغايراً لسلوكنا .
- إذا كل ما يمكن فعله يمكن تبريره , لذلك لا فرق بين وصف سلوك ما بأنه لا ينبغي فعله وبين وصفه بأنه لا يمكن فعله , فالحق والصواب والخير والشر مفاهيم إفتراضية خيالية لا وجود فعلي لها , وهذا الوهم هو سر كل مآسي البشر وخلافاتهم .
- إن عدم وجود الحق والصواب سببه الإعتقاد بوجودهما وهذا الإعتقاد بوجود الحق والصواب والخير والشر جعل البشر يتوهمون إنتظار ظهورهم بدلا من إيجادهم .
- كل إنسان يعتقد بوجود مرجعية للحق والصواب هو في قرارة نفسه يشعر بأن هذا الاعتقاد يبدو مجرد تأجيل للإعتراف بحقيقة الحياة أو هو تأجيل بانتظار الخروج من موقف المهزوم المقهور ليستطيع التحديق في وجه الواقع البشع , مهملاً الظروف الموضوعية التي أنتجت الحق والصواب الخير والشر ليزداد وهمه وتغييبه وإغترابه .
- الإنسان افترض لنفسه قيمة خيالية وهميّة، وصدق نفسه , فأخذ يسعى لتحقيق ما افترض وجوده بينما قيمته الحقيقية لا تزيد عن قيمة أيٍ من الكيانات الحية الأخرى , بهذا المعنى تكون قيمة الإنسان ضئيلة مؤقتة ونسبية تُقاس نسبة إلى غيره من الكيانات الضعيفة التي يُسودها الإنسان اليوم وأن سيطرته ربما تكون قد أوجدت لديه وهماً بأن له قيمةٌ مُطلقةٌ لا حدود لها ومن هنا أنتج فكرة الإله التى تفترض قيمته.
- الحقيقة أنه لا وجود لقيمته وما بحثه عن ذاته وصراعه مع نفسه ومع الطبيعة طوال حياته إلا ليجعل من وهمه حقيقة حتى بات يتظاهر بقيمة لا يحملها .
- من هنا تتأكد فكرة أن المادة والوجود المادي يسبق الوعي وتشكل مفرداته , فالوجود المادي هو الذي يُشكل جسد الإنسان وفكره وعقله وسلوكه لندرك أن أى فكرة فى الحياة منشأها حالة مادية مُحددة .
-ومن هنا أستدعي أيضاً تأملي القديم بوهم فكرة حرية الإنسان المثالية , فالأمور جبرية محضة لحراك نقطة داخل شكل هندسي لتكون حركة النقطة من محصلة تأثير أضلاعه وزواياه .

- لماذا نخاف الموت ؟ نخاف الموت لأننا نحمل ذكريات من الحياة نخشى أن تتبدد ليكون عشقنا للحياة من خلال ذكرياتنا , فنحن نحمل فى أدمغتنا شريط طويل من الذكريات تجعل لحياتنا معنى وجمال .
- نحن نخشى موت أحبائنا لأننا نحمل لهم ذكريات فمن لا يكون له وجود فى ذكرياتنا فلن نحزن عليه ولن نخشى موته .
- بقدر تفرد الإنسان بذاكرة وذكريات كبيرة فهي سبب تطورنا وتقدمنا ولكن نكبتنا أيضاً بنشأة الخوف من الموت .

- إعتقد الإنسان بوجود إله من خوفه من الطبيعة فتصور آلهة للمطر والبرق والرعد والعواصف فلولا الخوف ما إبتدع فكرة آلهة ليطلب رضاها .
- يضاف للخوف من الطبيعة الخوف من الغد والمستقبل وما يحمله من مصائب وبلايا ليكون الإله هو المعين والستار .. الخوف من الموت الذي يفقدنا الحياة والذكريات والفعل هى إحدي أسباب الإيمان بوجود إله .
- كل ما سبق وعشته في هذه الحياة من أوقات فرح ونشوة والم وتجارب ومعرفة حتى اللحظة اصبح عبارة عن ذاكرة .. عندما ولجت هذه الصفحة لم تكن تعلم ما أقوم أنا بتدوينه .. مستقبلنا الذي يوصف انه مجهول هو مجرد تتالي لللحظات التي تتراكب بشكل دوري , وبحكم قوانين الاحتمال التي تجعل لحظتك القادمة احتمالاً واحداً فقط من مليارات الإحتمالات اللحظية الأخرى الممكنة ,يصبح مستحيلا مجددا ان يكون المستقبل ملموسا ماديا ..إن وجودنا هو عبارة عن آنية لحظية متعلقة بادراكنا لمحيطنا الناتج عن ترجمة أجسادنا وعقولنا لما تستقبله مستقبلاتنا.. وحياتنا هي عبارة عن هذه اللحظة الخاطفة التي ندرك بها وجودنا .. من هنا يأتى خوفنا وقلقنا من المستقبل .
- عندما يتزاوج الخوف من الطبيعة والغد مع الجهل مع غرور الأنا سينتج الإيمان بالإله والعفاريت .

- الحياة مجموعة من الصدف العشوائية أى الأحداث التي تفتقد التنظيم والغائية يسميها المؤمنون بالأقدار في رفض تام للطبيعة الغير مُنظمة والغير مُريدة ,ليحل الإله كمُنظم ومُريد ليقضي على عبثية وعشوائية الحياة لعقول ترفض عشوائية الطبيعة .

- وُجدنا ووُجدت غرائزنا معنا من خلال جيناتنا وكيمياء أجسادنا .. والحياة ماهي إلا إيفاء الغريزة , ليري الإنسان إن تحضره هو إهمال الغريزة أو قل عدم وضعها فى تفسيره فأبدع الأديان والفنون والآداب والفلسفة للإلهاء والتغييب .
- الإنسان المُتحضر يناور لإخفاء الغريزة أو يعلن شعارات تخفى هيمنة الغريزة , فيقول إن ممارسته للجنس هو لإنتاج النسل والتكاثر بينما هو يمارس الجنس لإيفاء غريزة الشهوة أولا وكون الجنس ينتج أو لا ينتج أطفال فلا يهم فسيستمر في ممارسة الجنس .
- إن فهم الغريزة ستنزع عنا المثالية الزائفة فأنا نتاج شهوة أبي وأمي وليس غايتهم , فالشهوة والغريزة جاءت أولا لتنتج غاية ليبقى حبي لأبى وأمي من ذكريات رعايتهم وإحتضانهم لي .

- الإنسان يأكل لحب البقاء بالإشباع والتغلب على الجوع ليدرك فيما بعد أن هناك أكل مفيد ومغذي لجسده , فهو لا يأكل كون الأكل مغذي بل للإشباع والتغلب على الجوع بغية البقاء .
- لماذا عندما نأكل بمفردنا لا نتسم بالشراهة بل نأكل على قدر حاجتنا ونمارس فعلا طبيعيا .. ولماذا عندما نأكل مع بعضنا نتعاطى مع الأكل بشراهة لنقول تحفظاً أننا نفتح نفسنا على الأكل .. هل مشاركة الطعام هو إستدعاء للتنافس البدئي؟!
- لن تشاهد أفلام تصور البشر وهم يأكلون ويمضغون الطعام .. فلا توجد أفلام تعتنى بذلك ولن تجد من يهتم بهذا إذا وجدت , ولكن ستجد أفلام كثيرة تعتنى بممارسات جنسية بين الرجل والمرأة لتعزف على الكبت الجنسي , وليصبح احتياج طبيعي كالطعام سلعة وشغف ومتاجرة .

- الحب بين الرجل والمرأة هي الرغبة في إيفاء غريزة الجنس فى هذه المرأة أو ذاك الرجل , وما الرومانسية إلا تغييب هذه الرغبة أو قل مداعبتها وتزيينها لتكون الرومانسية مداراة لفجاجة الغريزة .
- نحن نمارس مناورات عديدة في سعينا الحثيث للجنس ..ننثر كلمات الحب والغزل ونتوهم أننا نحب ولكن الأمور لا تعدو سوى الرغبة في إعتلاء الجسد , وعندما نشبع نقف فلا نجد الحب الرومانسي الذي رسمناه فنحن دخلنا للحب من بابه الرئيسي وهو باب شهوة الجسد .
- الجنس حاجة وغريزة إنسانية يمكن أن تقهرها وتعيش الحياة ولكنها لن تترك سالما ً هانئاً فستخرب وتدمر فى نفسك كثيرا ً ,فستخلق تزمت وتعصب وتطرف وعنف وإنعزالية وتشتت وأشياء كثيرة .
- الحب بين البشر سواء أكانوا أبناء أو أصدقاء أو جيران هي محاولة إثبات الوجود من الآخر , فحب الآخر هو رمز ومكون من مكونات إثبات حضورنا ووجودنا .. الآخر هو مرآة من المرايا التي نرى فيها وجودنا لنحزن على فقد هذا المكون بموته أو هجرانه , فقد فقدنا إحدي المرايا التي ندرك بها وجودنا .

- العنف أصيل فى جينات الإنسان وهذا يرجع لإنحداره من المملكة الحيوانية وصراعه مع الطبيعة ليتكون عنف كامن تحت مسام الجلد يَطلب التحقيق .. ليكون أضعف ممارسة للعنف هو متعة مشاهدته كما نحفل بالملاكمة ومصارعة المحترفين .
- أدرك الإنسان أن العنف سينال من أمنه وأمان المجتمع ليوجه طاقة العنف في الآخر والشرائح الأضعف كالنساء والأطفال , فالأمور لا تكتفى بالصراع على المصالح والهيمنة بل لتحقيق لذة العنف .. من هنا وجد العنف ضد الآخر تمجيداً وفخراً بينما العنف والقتل فى الجماعة البشرية مرفوض منبوذ .
- حظيت الأيدلوجيات والعقائد التى تفتح المجال أمام العنف على القبول فهى تحقق لذة الممارسة بدون قلق نفسي ومن هنا تم الحماس لها بالرغم من شموليتها وتهافتها وقسوتها .
- تطور وعي وفطنة الإنسان ليدرك أن هذه الأيدلوجيات والعقائد ستجلب الخراب والدمار له فإنصرف عنها لتبقى المصيبة فى شعوب مازالت متمسكة بأيدلوجية تُبيح العنف وتُمنهجه , ولكن كل هذا إلى إنتهاء لتبقى الإشكالية فى إبداع مجالات لممارسة الصراع بديلا عن العنف وليكن فى الرياضة مثلا .

- إستمرار وتراكم القهر بواسطة فكرة أو أيدلوجية أو معتقد أنتج حالات نفسية مشوهة , فصار هناك حضور طاغي للمازوخية حيث لا تكتفي الأمور بالإستسلام للقهر بل إستعذابه والإستمتاع به .
- هناك إزدواجية نفسية تولدت فى ذات الوقت , فالمازوخية أنجبت سادية كتعويض نفسي ضد القهر والتهمييش ليمارس نفس الإنسان سلوك سادي مهيمن فيمن تطوله يده من الضعفاء متمثلاً فى الأبناء والنساء مثلاً ,ولتدور الدوائر ليستمتع المُتسيد عليهم بمازوخيتهم .

- البحث عن اللذة والهروب من الألم أنتج الإعتقاد بفكرة الإله طالبة التحقق فى الدنيا , لتتناسل الخرافة والأسطورة منتجة إله يمنح اللذة بإفراط والألم بلا نهاية , ولتتناقض الأسطورة مع فهمنا للحياة , فلا توجد لذة وألم دائم بلا توقف فحينها سنفقد فهم وتعريف للألم واللذة , فالأشياء يتم تعريفها بوجود الضد ,كذا نفقد الإحساس والألم فى أبديتهما فماذا بعد مليارات من السنين فى ألم أو لذة ؟َ!

دمتم بخير وإنتظروا المزيد من التأملات فى الإنسان والحياة وأنتظر تأملاتكم .
-"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " - حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .