حقوق الإنسان وصراع المصالح / أليكسي نافالني ليس بديل روسيا المطلوب


رشيد غويلب
2021 / 2 / 7 - 23:46     

بعد صدور الحكم على المعارض الروسي أليكسي نافالني بالسجن ثلاث سنوات ونصف، تصاعدت الاحتجاجات ضد الرئيس الروسي بوتين. واحتفى الإعلام الغربي بنافالني باعتباره رمزا ديمقراطيا، وجرى توظيف الدفاع عن حقوق الإنسان، وهو أمر لا غبار عليه، في الحرب السياسية والإعلامية ضد روسيا الاتحادية، باعتبارها منافسا غير مريح في إطار الرأسمالية السائدة في أوربا.
كان عام 2020 عام الاحتجاجات، التي شملت أكثر من 40 بلدا. وبدت روسيا في عهد بوتين “مستقرة”، ولكن في 23 كانون الثاني 2020، شهدت البلاد تظاهرة كبيرة نظمها أنصار اليكسي نافالي.
لقد أمضي المعارض الروسي الأشهر 5 أشهر في المستشفيات الألمانية بعد تعرضه لحالة تسمم، حمل السلطات الروسية مسؤوليتها. وعندما عاد في 17 من الشهر الفائت، كان واضحا، ارتباطا بطبيعة النظام السياسي في البلاد، أنه سيتعرض للاعتقال مباشرة، وهذ ما حدث. لكنه نجح في ان يكون الصوت الأعلى بين معارضي بوتين. وأدى تجدد الاحتجاجات إلى ادخال البلاد في أزمة عميقة، لا تزال مفتوحة النتائج.

نافالني ليس بديلا
نافالني لا يختلف عن معظم سياسي الفئات المهيمنة في روسيا الراهنة، فرؤيته السياسية تقوم على القناعة بضرورة هيمنة أيديولوجية السوق الحرة. لقد بدأ ظهوره السياسي عام 2000 في صفوف حزب يابلوكو الليبرالي، عادا نفسه ليبراليا جديدا كلاسيكيا. وفي هذه السنوات دعم سياسة خفض الإستثمار العام إلى أدنى مستوى ممكن، وتبني خصخصة متطرفة، وتفكيك الخدمات الاجتماعية، وتعزيز “ ترشيق الدولة “ وإطلاق حرية السوق المنفلتة.
وسرعان ما أدرك أن سياسة السوق الليبرالية البحتة، بنسختها الغربية، محدودة النجاح في روسيا، وفقدت مصداقيتها، بسبب السياسات الاقتصادية، التي اعتمدت بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، التي سببت الفقر والظلم وعدم المساواة والإذلال والسرقة. وهذا ما دفع الطبقة الحاكمة حول فلاديمير بوتين إلى تبني سياسات مختلفة تستند على فكرة وراثة الإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفيتي ورفع راية الوطنية الروسية، وبناء نموذج رأسمالي يأخذ بنظر الاعتبار خصوصيات التجربة التاريخية والثقافية للبلاد، ويخضع لمركزية سياسية واضحة المعالم. هذا التحول جعل الأحزاب الليبرالية الموالية للنموذج الغربي محدودة التأثير.

نزعة قومية متطرفة
وفي سياق بحثه عن بديل جديد انتقل نافالني إلى تبني نزعة قومية يمينية متطرفة، فأعلن الحرب على “الهجرة غير الشرعية” وبدأ حملة بعنوان “أوقفوا إمداد القوقاز”، بالضد من الدعم الحكومي لمناطق الحكم الذاتي الفقيرة التي تسكنها أقليات عرقية في جنوب روسيا. وتزامن ذلك مع تصاعد رصيد اليمين المتطرف في أوساط شبيبة المدن الكبرى. اعتقد نافالني أن هذا التطور سيكون لصالحه، وكان على صواب جزئي.
وباعتماد توجه محسوب، لم ينظم نافالني إلى جوقة اليمين القومي المتطرف غير المؤثرة مباشرة، بل وجد في تبني فضح ومحاربة الفساد مساره الخاص، الذي أكسبه شعبية واسعة تعدت حدود أوساط اليمين المتطرف. وبواسطة شراء أسهم صغيرة في الشركات الكبيرة المملوكة للدولة، تمكن من الوصول إلى وثائق مهمة، وقام بدراستها ونشر النتائج التي توصل اليها. وحقق بذلك نجاحا صحفيا لافتا، أكسبه المزيد من الشعبية. في حين اتهمه نقاده بالتورط في “الحروب الإعلامية” بين الفاعلين الماليين والصناعيين المتنافسين الذين أعطوه “أوامر” وسربوا معلومات مضللة حول منافسيهم. لقد حصل على تعاطف الطبقة الوسطى، مستندا إلى موضوعة ترجع عدم كفاءة الأداء الحكومي إلى الفساد. ورأى رجال أعمال ومديرون تنفيذيون في الفساد عقبة أمام نجاحهم الاقتصادي، فاشترك الكثير منهم في مدونته، وقدموا له تبرعات مالية.

لم ينل ثقة العمال والفقراء
وفي سنوات 2011-2013، اجتاحت روسيا احتجاجات واسعة ضد التلاعب بنتائج الانتخابات البرلمانية، التي أعادت بوتين لرئاسة الجمهورية، وما ارتبط بذلك من تشديد للاستبداد. شارك نافالني في الاحتجاجات، وفشل في أن يصبح المتحدث باسمها. لأنه حظي بدعم الطبقة الوسطى في العاصمة والمدن الكبرى. لكن الطبقة العاملة وأغلبية الفقراء لم يثقوا به. وكانوا غير مبالين بحملته لمكافحة الفساد، الذي يمثل بالنسبة لهم عاملا واحدا من عوامل عديدة يستخدمها المهيمنون لتحقيق المكاسب، وان إنهاء الفساد بمفرده لن يغير الكثير في التفاوت الطبقي.
لقد بينت احتجاجات عامي 2011 و2013، إن الصراعات الاجتماعية ليست بلا جذور، وأن التراكم التاريخي لليسار في روسيا يملك تأثيره، فتظاهر الآلاف تحت الرايات الحمراء، وتصدرت شخصيات يسارية الحركة الاحتجاجية. قال ليونيد فولكوف، المقرب من نافالني، ذات مرة في مقابلة إن على النخبة الروسية أن تقتنع بأن انتصار المعارضة أفضل من استمرار حكومة بوتين الفاسدة. ومن أجل ذلك، عليهم أولاً التخلص من المعارضين اليساريين، الذين يشكلون حجر عثرة امام كبار رجال الأعمال، لهذا شق نافالني المعارضة. وعندما أصبح السجن نصيب العديد من الناشطين اليساريين، رفض نافالني الدفاع عنهم.