بناء شبكات تغير حياتنا !


عادل احمد
2021 / 2 / 7 - 20:44     

مما لاشك فيه؛ اننا عندما تكون علاقاتنا واواصرنا الاجتماعية مع بعضنا البعض ضعيفة، ستكون مآسينا ومعاناتنا بدورها كثيرة ومؤلمة. والعكس صحيحا أيضا، أي عندما تكون علاقاتنا واواصرنا الاجتماعية قوية ومنظمة، يؤدي ذلك الى التقليل من معاناتنا، وإمكانية السيطرة على حل قسم اعظم من آلامنا الشخصية والاجتماعية. يمكن تشبيه ذلك بمهاجمة مجموعة من الذئاب قرية معينة، عندما يكون أهل القرية مشتتين عند مواجهتهم هذه الذئاب، سيعصب الامر عليهم وستكون الخسارة كبيرة بينهم وفي النهاية يخسر جميع أهالي القرية ما لديهم من الأغنام والمواشي، ولكن عندما يكون أهل القرية في تماسك وتعاون دائم مع البعض، ستكون مواجهة الذئاب مهمة سهلة وستكون الخسائر طفيفة.
وانطلاقا من تشبيه هذا المثل على القرية، بالبلد والمجتمع ككل ستكون صورته اكثر وضوحا واكثر تأثيرا، لان الحياة في البلد معقدة ومتداخلة اكثر، بعضها مع البعض. وهذا ما نراه اليوم في العراق كيف تهاجم ذئاب الطائفية والإسلاميون حياتنا يوميا وتمارس القتل وتغتال اعز رفاقنا وتسرق عرق جبيننا وتنهب أموالنا العامة وتقوم بتفريقنا على أسس هويات قومية وطائفية ودينية، وتضطهد النساء الى حد البشاعة، ويمعنون بزيادة آلامنا ومعاناتنا يوما بعد يوم. وان كل محاولات السياسيين من الأحزاب الشيعية والسنية والقومية بعروبييها واكرادها وبحشدها الشعبي وميليشياتها المسلحة، تصب في هدف أضعاف صفوفنا والقيام بمهاجمتنا بضراوة ووحشية، من اجل مصالحهم الأنانية وغير الإنسانية.
والغني عن البيان، بان من يدير المجتمع العراقي من الناحية العملية؛ ليس السياسيون واصحاب العمائم ورؤساء الأحزاب والمليشيات المسلحة وانما الجماهير العمالية والموظفون وأصحاب الحرف الصغيرة والمزارعون والفلاحون وعمال الخدمات وغيرها، جميع هؤلاء، هم أكثرية شرائح المجتمع وأكثرهم فقرا وأكثرهم معاناة من الألم والماسي وتقديم التضحيات، واكثر الفئات مهمشة اجتماعيا واقتصاديا رغم عظمة ومشقة اعمالهم في خدمة المجتمع. وكل هذا يحصل لان ارادتهم محطمة، وصفوفهم متشتتة و قوتهم ضئيلة ويؤنون تحت أعباء ومشقات الحياة التي لا عدّ لها.. هذا، وبدلا ان تكون جهودهم وعطائهم، موضع الفخر والاعتزاز للمجتمع لأنهم يخدمون المجتمع بما يحتاجه من الخدمات. وان الذئاب الطائفيين والقوميين تغرس انيابها في جسد المجتمع، وتفرض سطوتها بقوة السلاح وبعصاباتها الإجرامية، وتنهب الثروة كلها من اجل مصالحها. إذن كيف نغير هذه المعادلة أي كيف نغير (مَثل) أهل القرية، قواتنا وتعاوننا وخطتنا في مواجهة الذئاب وان نقلل من خسائرنا وان نطرد الذئاب خارج قريتنا للأبد؟
ان اول ما يتبادر الى ذهننا هو كيف يمكن المواجهة؟ من أين نبدأ ؟ وكيف نبدأ ؟ وبماذا نبدأ؟ لاشك في ان التمعن قليلا في اوضاعنا وطريقة معيشتنا، سيمهد لنا الطريق بإمكان إيجاد وسائل، عديدة ومختلفة لكي نكون معا، ابتدأ من العائلة والجيران والمحلة والمنطقة واواصرنا الاجتماعية في مكان العمل، وفي مكان معيشتنا وتعاملاتنا الاقتصادية والاجتماعية، كل هذا يدل على نمط من الأواصر الطبيعية في المجتمع. وان التفكير بان تكون هذه الأواصر والعلاقات الاجتماعية والطبيعية الى درجة إن تنظيمها سيكون له تأثرا كبيرا على حياتنا.
الوعي والتنظيم من اهم الحاجات التي نحتاجها اليوم في مواجهة الذئاب.. ان وجود شبكات التضامن المختلفة بيننا مثل شبكات التضامن في مجال الصحة من الأطباء والممرضين والصيدلانيين والكوادر الطبية وشبكات التضامن الأمنية وشبكات تضامن إيجاد العمل للمواطنين، وشبكات تضامن المعلمين والمدرسين وطلاب المدارس.. في مناطقنا، سيخلق درجة من الوعي الاجتماعي ويقوي الأواصر الاجتماعية و نوع من تنظيم قوانا وإدارة اعمالنا بنفسنا وقطع يد ومنع تطاول المليشيات على أبنائنا.. وان بناء وتشكيل هذه الشبكات ليس إراديا، وانما مبني على واقع معيشتنا لان نحن مربوطون في عشرات الشبكات غير المعلنة مع البعض، غض النظر عن تسميتها. ولكن فقط نحتاج الى تعريفها وتنظيمها اكثر وهذا ما نحتاجه. ان معيشة أهل منطقة ما، متداخلة في شبكات متنوعة، قرابة عائلية وصداقة، بيع وشراء مع البعض، دراسة في المدارس، عمال مع بعض، الموظفون والمستخدمون مع البعض.. وان اكثر ما نقوم به لتقوية الشبكات هي ربط الأقسام مع البعض وإيجاد أواصر اكثر والتخطيط اكثر من اجل تنظيم اكثر..
عندما تكون شبكاتنا المختلفة منظمة اكثر، واكثر واعيا ودفاع أمتن، عن أمور حياتنا ومعيشتنا، ستكون فاعلة اكثر، في مواجهة الذئاب الطائفيين والحشد ومراجعهم الدينية .. ومؤثرة اكثر في تقليل معاناتنا وآلامنا وهذا ما يخلق إرادة قوية بيننا و يخلق فرص حياة أفضل في معيشتنا.. ان هذه المرحلة في تاريخنا في العراق تحتاج الى هذا النمط من التآزر، اكثر من اي مكان اخر ويحتاج ان نعيد المدنية وان نقلل من عدم المساواة بيننا والعمل معا من اجل خلق حياة ملائمة للإنسان المعاصر.. وعن هذا سيكتب التاريخ فخرا لمواطنيها في مواجهة الذئاب و العصابات، والمجرمين الطائفيين وميليشياتها وإرسالها الى المحاكم الجماهيرية ومن ثم الى مزبلة التاريخ.