حوار مع صاحب رسالة الغفران


عبدالله محمد ابو شحاتة
2021 / 2 / 7 - 18:37     

سيد أبو العلاء المعري ، اني اتشرف حقاً بمحاورتك ، وعندي من التساؤلات الكثير و التي أود أن اسألها لك إن كان هذا لا يضنيك .

-- فلتسأل ما شأت وسأجيبك ، فمن لا يخشى الصراحة لا يخشى السؤال .

أولاً سامحني على ضعف لساني فلستُ خبيراً بلسان العرب مثلك .

--ولما عليك أن تكون خبيراً بلسان زمان ليس بزمانك ؟ ألقي أسألتك ويكفيني اني افهم مقصدك .
سيد أبو العلاء ، لقد قال البعض عنك انك كنت براهمياً تؤمن بعقائد الهنود ، وقال آخرون انك لستُ إلا ربوبياً ، وقالت فئة ثالثة انك مسلماً، فما هو معتقدك ؟

---أني بحاث ، بحاث عما يتمثلهُ عقلي ، لا أقبل بقوالب الدهماء كما هي بل إني استحق أن يكون لي قالبي الخاص الذي اصنعه بنفسي ، ولذلك فمعتقدي هو ما يجود به عقلي أنا أبو العلاء المعري .


سيد أبو العلاء ، من المعروف أنك دعوت لعدم الانجاب ، فلما قادك تفكيرك لتبني تلك النظرة ؟ فعلى حد علمي إنك من أوائل من تبنى هذه الفلسفة في الحياة ، أقصد اللاإنجابية .

--- الأمر أوضح من أن يُسأل بشأنه ، لقد أصابني الجدري بعد أربع سنوات من مولدي ثم تركني بعد أن تسبب لي في العمى الذي لازمني حتى مماتي ، هذا العمى الذي لم يكن أثقل علي من مفاسد القطيع ومن أباطيل العامة والدهماء ، كل هذا جناه علي أبي و لم أرد ان أجنيه على أحد .

أني يا سيد أبو العلاء أعرف بشكل شخصي رجل وامرأة اقارب قررا الزواج والانجاب حتى بعدما أخبرهم الطبيب عن وجود احتمال كبير لمعاناة أطفالهم من تشوهات خطيرة ، وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك .

----التأكيد كان في ظنهم حينها أن قوانين الطبيعة يمكن تجاوزها بالدعاء.

صحيح هذا بالفعل ما ظنوه و ظنهم طبعاً قد خاب كما يحدث دائماً ، ولكن لنتركنا الان منهم و لتدعني أسألك في أمور تخص رسالة الغفران ، و بالمناسبة أود أن أخبرك أولاً أن هناك شخص يدعى دانتي ألغري جاء بعد موتك بسنوات عديدة وآلف كتاب اسمه الكوميديا الالهية استناداً على نفس فكرتك في رسالة الغفران ، وقد حقق بها شهرة واسعة لم تنالها أنت أثناء حياتك ولا حتى بعد مماتك .

--- انا لم اكتب لكي انال شهرة ، وحاشاني أن ابغي في يوم من الايام ثناء العوام ، فسأل ما شأت ولتتركنا من سفاسف الأمور .

سيد أبو العلاء ، إن أكثر ما استوقفني وانا اقرأ رسالة الغفران هو سؤال الشيطان " لابن القارح حول إن كان أهل الجنة يمارسون اللواط مع الغلمان المخلدون ام لا، فما الذي كان يدور في ذهنك سيد أبو العلاء حين كتبت تلك الفقرة .

---لم يكن يدور في خلدي سوى أنني لو كنتُ في مكان الشيطان لتعجبت من هذا الأمر ، ولتسائلت لماذا ءات الافعال التي أعاقب لأنني أغويت بها بني آدم في الدنيا هم الان يفعلونها في الاخرة ، كشرب الخمر بل وحتى اللواط يبدو أنهم يفعلونه أيضا ، فتخيل معي على سبيل المثال ما هو شعور قوم لوط حين يحترقون في جهنم عقاباً على اللواط بينما في ذات اللحظة يمارس المؤمنين اللواط على الجانب الآخر في الجنة .

كلام منطقي سيد أبو العلاء ، ولكن اليس الأمر هنا يتوقف على ضرر تلك الأفعال؟ فهي ليست مضرة في الآخرة كما كانت مضرة في الدنيا .

---ولما كانت مضرة في الدنيا ولما اصبحت غير مضرة في الآخرة ؟ أليس الأمر برمته يبدو تعسفياً !

نعم سيد ابو العلاء اني افهم قصدك ، و على كل حال دعني ألقي عليك سؤالاً آخر يخص رسالة الغفران ، إن ابن القارح حينما يطلب من الملاك الذي يقف على باب الجنة أن يدخله بدون أن يمر بالموقف والحساب يخبره الملاك أن هذا لا يمكن بدون أمر الله ، ولكن بعد ذلك تُدخله فاطمة الزهراء واخوها ابراهيم الجنة مباشرة، وعلى ما يبدو دون أي أذن من الله، فماذا كنت تعني بهذا الأمر ؟

أعني أن عوام المسلمين في الواقع يعبدون البشر أكثر مما يعبدون الله ، وهذا ما يفعلونه دائماً مهما ادعو أنهم لا يفعلونه ،.

حسناً ، آخر سؤال أود أن اسأله لك بخصوص رسالة الغفران ، لقد قال اوس ابن حجر وهو في النار أنه قد دخل الجنة من هو أشر منه ولكن المغفرة ارزاق ، فماذا كنت تقصد بهذا ؟

---لم اقصد أكثر مما قصده اوس بن حجر .

سيد أبو العلاء ، يُروى انك قضيت عقود كنباتياً ، حتى أن الطبيب حين وصف لك قبل موتك تناول ديك لعل هذا ينجيك من مرضك ، قُلت قولك الشهير مخاطباً الديك " استضعفوك فوصفوك ، فهلا وصفو شبل الأسد " ، فلما كنت تصر على موقف النباتية هذا .

---هناك قصة لا اعرف إن كنت تعرفها ، ولكنها على كل حال كانت تروى من قديم الأزل ، إنها قصة الذئب الماكر الذي يربي غزالة لكي يأكلها حين تكبر، لقد كانت تروى لي وانا صغير ، فكرهت هذا الذئب واشفقتُ على الغزالة ، هذا كل ما في الأمر .

سيد أبو العلاء ، إن كثير من الناس يظنون وانا منهم انك كنت فظاً في حديثك عن المرأة ، فما هو ردك على هذا.
---اظنهم محقون نوعاً ما ، ولي عزري وانا الذي عشتُ من صغر سني أعمى ولم أكن جميل الهيئة ، وبالطبع أنت تعلم تهكم الفتيات وقلة احترامهن في معاملة أمثالي ، ولكن هذا لا يعفيني من ذنب فظاظتي .
لقد اثنيت في رسالة الغفران يا سيد أبو العلاء على ابيات عقلمة التي يقول فيها ،
فإن تسألوني عن النساء فإنني. * بصير بأدواء النساء طبيب
إذا شاب رأس المرء أو قل ماله * فليس له في ودهن نصيب
يردن ثراء المال حيث علمنه * وشرخ الشباب عندهن عجيب»
لن أتكلم هنا عن حب الشباب ، فالجميع يفضلون الشباب سواء رجال أو نساء ، ولكن هل تعتقد حقاً يا سيد أبو العلاء أن النساء اكثر شيء يهمهن هو المال ؟

--حسناً ، إن كانت لك علاقات بنساء من قبل فأخبرني كم واحدة من هن لم تكن تُفضل المال كأهم الاشياء .
الحقيقة ، أن معظمهم كانوا يقيمون كل شيء وفق المال

----و تلك الأمور تحكم فيها التجارب ، وقد حكمت تجربتك .
سيد أبو العلاء اني اشكرك على الساعات الممتعة التي قضيناها سوياً داخل عقلي .