تعبيرات الغضب


بشير الحامدي
2021 / 1 / 31 - 19:46     

مظاهرة الشببة أمس في شارع بورقيبة لا يمكن إلا مساندتها والانخراط فيها و الدفع لتجذيرها بإعتبار أنها تمثل نقلة نوعية في أشكال الاحتجاج برغم أنها مازالت شكلا ومحتوى مجرد " تعبيرات غضب ورفض " لا أكثر غضب من كل شيء ورفض تقريبا لكل شيء: غضب من عنف الدولة المباشر عضب من عنف الأسرة غضب من عنف المنظومة الأخلاقية السائدة غضب من الأوضاع التي تعيشها هذه الفئة العمرية والتي لا ترى من حل لما هي فيه غير إسقاط كل شيء ورفض لسيطرة البوليس ورفض لسيطرة السياسات القائمة رسمية ومعارضة ورفض لكل قيادة ورفض لكل هرمية ورفض للقانون الذي لا يطبق إلا على الضعفاء إنه غضب ورفض للسائد برمته ولكل أنواع الضبط والتطويع والإبعاد.
غضب الشبيبة الذي وقع ترجمته في مظاهرة أمس بالطريقة التي رأيناها سوف لن يبقى على تلك الصورة وستعرف أشكاله تطورا كبيرا في قادم الأيام وهذا التطور ستفرضه طبيعة الحركة الاحتجاجية هذه نفسها بوصفها حركة مواجهة ورفض خصوصا عندما يغير الجهاز القمعي من خطط مواجهته ولا أظنه سيستمر بالشكل الذي ظهر عليه أمس. كما لا أعتقد أن أساليب و أشكال مواجهة الشبيبة أنئذ ستكون بعيدة عن أشكال و أساليب مجموعات الـ" BLACK BLOCS" كما ظهرت في ألمانيا في ثمانينات القرن الماضي أو في فرنسا أثناء حركة"Les Gilets jaunes" أو في كثير من البلدان الأخرى.
في مظاهرة أمس البوليس غير من أساليب حضوره في الشارع ولا يمكن أن يغيب عن أحد أن ذلك لم يكن إلا لامتصاص الغضب الجماهيري المتصاعد ضده بعد قمعه العنيف للاحتجاب الأخيرة وايقافه وإحالته للقضاء أكثر من ألف شاب فيهم نسبة كبيرة من القصر أغلبهم التقطهم من خارج الاحتجاجات.
الشبيبة التي تظاهرت أمس في شارع بورقيبة والتي يعتبر كل مشارك فيها أن كل بوليس هو في الحقيقة رصاصة تتربص به ستلجأ بدورها لتطوير أشكال مواجهتها حين يغير البوليس من أشكال مواجهته سيختفي الدهن المائي وأحمر الشفاه والجونته وستعوض كل ذلك أشكال غضب ورفض للقمع أخرى وليس هناك من طريقة غير مواجهة عنف أجهزة الدولة القمعية المسلحة المباشر بعنفهم المباشر. ستلجأ الشبيبة إلى أشكال أكثر راديكالية في المواجهة بتطور الاحتجاجات وبدخول فئات اجتماعية مسرح الاحتجاج وحين تتحول الاحتجاجات لبداية حركة مقاومة جماهيرية للسيستام وتتخذ لها طابعا سياسيا جذريا مستقلا وواضحا.
في الحقيقة إن السيستام لا يمكن أن يتأثر كثيرا حين تستمر الحركة مجرد حركة غضب شبابية. إن التغيير يتطلب حركة طبقية عارمة ومشروعا واضحا للتأسيس على أنقاض القديم الفاسد.
وهنا بالضبط يكمن المأزق مأزق كل المعنيين بهذا التغير.
السيستام اليوم يطحن الكل وليس الشبيبة فقط والمعنيين بإسقاط السيستام ليس الشبيبة فقط بل كل الأغلبية المستغلة المقموعة والمبعدة عن كل قرار يهم حاضرها ومستقبلها. ولئن فتحت الشبيبة اليوم وكل أشكال الاحتجاج التي مارستها الطريق لإسقاط المنظومة الحاكمة الفاسدة فهي لن تتمكن لوحدها من الذهاب بعيدا في ذلك إن لم تول أمر ضرورة انخراط كل المعنيين في هذه الاحتجاجات ولم تسعى لتذليل صعوبات ذلك عبر انتظام هذه الشبيبة الغاضبة الرافضة أولا ودفع بقية الفئات للانتظام والتنسيق الأفقي بين هذه الانتظاميات ثانيا.
أمر أخير لابد من الإشارة إليه وهو مسألة تنظيم الدفاع الذاتي الذي صار اليوم أحد أهم المسائل لتغيير ميزان القوى بين الجماهير والحاكم وخصوصا أثناء المظاهرات والمواجهات مع البوليس ففرض الحقوق اليوم لم يعد ممكنا دون مواجهات ودون انتظام أفقي ودون استقلالية ودون دفاع ذاتي إنها الأسس التي لابد منها لكل حركة مقاومة لكل حركة تفكر وتعمل من أجل التغيير الجذري.
هنا أين يجب أن تنظر الشبيبة وهنا أين يجب أن يكون النقاش وهنا أين يجب أن يكون التفاعل.