-برنامج الحرية السياسية -برنامج إصلاحي


محمد علي الماوي
2021 / 1 / 30 - 23:36     

الجزء الثاني

من ارشيف الشيوعيين الماويين
" نحن نسير جماعة متراصة فى طريق وعر صعب متكاتفين بقوة ،ومن جميع الجهات يطوقنا الأعداء وينبغى لنا أن نسير على الدوام تقريبا ، ونحن عرضة لنيرانهم ، لقد إتحدنا بملء إرادتنا ، إتحدنا بغية مقارعة الأعداء بالذات لا الوقوع فى المستنقع المجاورالذى لامنا سكانه منذ البداية لأننا إتحدنا فى جماعة على حدة وفضلنا طريق النضال على طريق المهادنة ...
صحيح أيها السادة أنكم أحرار لا فى أن تدعوا وحسب بل أيضا فى الذهاب إلى المكان الذى يطيب لكم ،إلى المستنقع إن شئتم ونحن نرى أن مكانكم أنتم هو المستنقع بالذات ونحن على إستعداد للمساعدة بقدر الطاقة على إنتقالكم أنتم إليه . و لكن رجاؤنا أن تتركوا أيدينا ، أن لا تتعلقوا بأذيالنا ،أن لا تلطخوا كلمة الحرية العظمى ،ذلك لأننا نحن أيضا أحرار فى السير إلى حيث نريد ،أحرار فى النضال لا ضد المستنقع و حسب بل أيضا ضد الذين يعرجون عليه ". لينين /" ما العمل ؟".


مدخل :

" إنه نجم سياسي جديد ،أثبت جدارته فى مناهضة الإخوانجية ، إنه مولود جديد " وطريف. هكذا غمرتنا الصحافة الرسمية بسيل من المديح للفرقة الإصلاحية المعروفة بحزب العمال "الشيوعي" التونسي (ح.ع.ش.ت) و قد تم ذلك بعد الزيارة التى أداها زعيم هذا الحزب لقصر قرطاج ، هذه الزيارة التى نزعت عنه نهائيا ورقة التوت .
فى الحقيقة ، ليست هذه الزيارة إلا تتويجا لمسار كامل لعل بدايته الحقيقية كانت منذ إنبعاث جماعة "العامل التونسي" التى تمثل أطروحات (ح.ع.ش.ت) إمتدادا وفيا لها رغم محاولات التمويه المتعددة . فقد إحتفظت جماعة (ح.ع.ش.ت) بكل مقومات طرح "العامل التونسي " الجوهرية سواء فيما يتعلق بطبيعة المجتمع أو طبيعة الثورة أو فيما يتعلق بالمسألة الوطنية والمسألة القومية كما طوروا إلى منتهاه التوجه الإصلاحي "للعامل التونسي" الذى أفضى بهم إلى تبنى تكتيك الحريات السياسية الذى وقعت بلورته فى "برنامج الحريات السياسية " الصادر فى وثيقة نداء إلى الشعب " بمناسبة 20 مارس/آذار 1987 و فى وثيقة تصحيحية لتنقيح البرنامج بعد إنقلاب 7/11/1987 و الذى صدر فى أفريل –ماي 1988.
وتندرج الزيارة كذلك فى سياق المواقف اليمينية التى راكمتها جماعة "العامل التونسي" منذ السبعينات رغم القشور الثورية التى سرعان ما إنكشفت حقيقتها فى الممارسة العملية . ولعل مواقف هذه الجماعة فى الحركة الطلابية وفى الحركة النقابية خير شاهد على ما نقول ، فبعد صراعات دامت سنوات ضد حزب الدستور وإمتداداته فى الحركة الطلابية توجه جماعة (ح.ع.ش.ت) إلى التنسيق معه لإعداد المؤتمر 18 وذلك فى إطار مسعاهم الدؤوب للتحصل على تأشيرة حزبهم . ولم ينس العمال لهؤلاء تعاملهم فى الإتحاد العام التونسي للشغل مع منصبي التيجاني عبيد سنة 78 من خلال طرحهم تكتيك الافتكاك و التعامل مع النقابة البوليسية رغم التظاهر بالدفاع عن حقوق العمال ، وهاهم الآن يشنون حملة شعواء على الشيوعيين الحقيقيين ويدخلون فى تحالفات مع كل الشيم بما فيها الأطراف الظلامية بغاية عزل الشيوعيين والوطنيين الديمقراطيين عموما . وهاهم يعمدون اخيرا للتمسح على أعتاب قصر قرطاج بعد أن كانوا يركزون هجوماتهم على "الجنرال الفاشي" الذى إنقلب فى نظرهم بين عشية و ضحاها إلى النقيض وفق ما يمليه عليهم "برنامج الحرية السياسية " الذى سبق ذكره .
إننا لا ننظر إلى هذه المواقف باعتبارها طوارئ أو إستثناءات وإجتهادات فردية مثلما يحاول ان يبررها البعض لأنها تعبر فى الواقع على جوهر الخط الإنتهازي المعادي للشيوعية وعلى التكتيكات اليمينية المنبثقة عنه ولذلك فإن صراع الفكر الماركسي-اللينيني- الماوي ضد هذه المواقف لا يرتبط فحسب ببروز الشيوعية فى القطر و تبلور الطرح الوطني الديمقراطي بل إن جذور الصراع ترجع فى الحقيقة إلى صراع الحركة الشيوعية ضد الأممية الثانية وطرحها اليميني ، ثم ضد التروتسكية والتحريفية الخروتشوفية ، وصراعها أخيرا ضد الطرح الدغمائي التحريفي لحزب العمل الألباني الذى يقتفى (ح.ع.ش.ت) أثره فى كل شيئ حتى فى مضمون وشكل إعادة قراءة تاريخ الحركة الشيوعية فى القطر – والذى سنتعرض له بإيجاز –فى غير هذا الموضع .
ما نراه الآن هو إمتداد لذلك الصراع التاريخي بين الثورة وأعدائها ،بين الماركسية-اللينينية-الماوية وأطروحات الإصلاحية (التحريفية والتروتسكية ) وقد تمحور الصراع حول جملة من القضايا نذكر منها المسألة الوطنية و المسألة الديمقراطية ، وقضية تحرير الفلاحين فى المستعمرات و أشباه المستعمرات ،و المسألة القومية و مفهوم الأمم المضطهَدة كما وردت فى كتابات ستالين بعد 1913 وفى تراث الأممية الشيوعية –وحول المسألة التنظيمية .
فى هذا الاطار، يتنزل الموقف من تبنى هذا الحزب "تكتيك الحرية السياسية" الذى سبق للشيوعيين أن خاضوا ضده صراعا لا هوادة فيه ،وقطعوا معه كل صلة . ولكن حزب( ع.ش.ت ) إستيقظ مؤخرا ليسحب التجربة الروسية على الواقع العربي بعد تجريد نص لينين "خطتا الإشتراكية الديمقراطية " من محتواه الطبقي والنضالي وهو بذلك يتبنى تكتيكا إصلاحيا يدعو إلى الوفاق الطبقي ويتماشى طبعا مع برنامج (ح.ع.ش.ت) الذى لا يختلف عن برنامج اي حزب إصلاحي آخر من حيث الجوهر كما بينا ذلك سابقا .
وتحت غطاء هذا التكتيك يتستر هذا الحزب على كل ممارساته اليمينية ، فيعمل مع فرق الأممية الرابعة ومع الحزب التحريفي ويتحالف إنتخابيا مع الإخوانجية ويزور قصر قرطاج مستجديا ولكن أذياله يروجون أخبارا ملفقة حول مضمون الزيارة فيدعون أن حمة حاجج الزين ووقف أمامه ندا لند ودافع عن" سياسة حزبه ". ونحن نقول أن يكون دافع عن سياسة حزبه المتخاذل فنعم وأما أن يكون حاجج الزين فذلك ولا شك مثل محاججة عرفات للأمريكان وكل الإمبرياليين الذين يتمسح لهم صباحا مساء .
ولننظر الآن فى سياسة الحزب التى دافع عنها حمة . إنه دافع عن ضرورة حصوله على تأشيرة وتقدمه للتكلم بإسم "اليسار المتجذر" وإنخراطه فى الحملة ضد القوى الشيوعية الحقيقية وضد الأطراف الوطنية الديمقراطية تحديدا هذا من ناحية ومساهمته من موقع ذيلي فى الصراع مع التيار الظلامي من ناحية أخرى علما وأن هذا الصراع هو صراع كتلوي فى صلب النظام مرتبط كل الإرتباط بالتناحر الإمبريالي على القطر . وهذا ينسجم تماما وخطة النظام الهادفة إلى تهميش الصراع الطبقي والنضال الوطني والسعي إلى توسيع الغالبية الرئاسية حوله لتشريع "دولة المؤسسات " من جهة وشق صفوف الكادحين من جهة ثانية .
وفى هذا المجال يندرج " الهجوم التكتيكي" ل(ح.ع.ش.ت) وهو شبيه بهجوم السلام العرفاتي مع الفارق طبعا فى الأهمية والحجم والإنعكاسات – وكانت نتائج هذا الهجوم حملة فى الصحف الرسمية وعبر إصدار وثائق تتعلق بتاريخ ما سمي زيفا "الحركة الشيوعية فى تونس" لمحمد الكيلانى أو فى المجال النقابي والثقافي على الخط الماركسي-اللينيني وإتهامه بالفوضوية والشعبوية فى عملية تواطئ صريح مع بعض كتل النظام والغاية من ذلك هو تبرأ حزب (ع.ش.ت) مما قد يعتبر ماضيا ثوريا لهذا الحزب وتنصلا من جانبه من صفة الإرتباط بالثورة . والحقيقة أنه فرصة تاريخية لرفع الإلتباس ولإعلان هذه الجماعة عن حقيقتها الإصلاحية التى لم ترتبط مطلقا فى تاريخها بأي مشروع ثوري جدى لمواجهة الرجعية من منطلق ماركسي-لينيني. وهي ولا شك جديرة بأن تتبوأ مكانها فى أجهزة النظام لتساهم فى تكريس "الحرية السياسية " ودولة المؤسسات فى ظل الأغلبية الرئاسية ولتلعب الدور المناط بعهدتها أي تخريب الحركة الثورية التى أصبح هذا الحزب يسميها "التطرف" .
و لتعميق فهمنا لهذا الواقع لا بد من أن نعود لحقيقة برنامج "الحرية السياسية " الذى يطرحه هذا الحزب وتبيان الموقف الماركسي –اللينيني منه .
(I) حزب العمال "الشيوعي " التونسي يصرف الجماهير عن النضال و ينشر الأوهام :
يتعرض برنامج الحرية السياسية إلى :
1) وصف الحكم الفردي لبورقيبة وشكل سلطته الفاشية ويوهم البعض بأن هذا الحكم لا علاقة له بالإمبريالية وهو حكم مستقل يتخذ بوحده قراراته السياسية والإقتصادية وهكذا لم يفعل هذا الحزب سوى نقل حرفي لوصف لينين للحكم القيصري الأوتوقراطي مع "تونسة " الوصف .وبعد تركيزه على الجانب الديمقراطي الشكلي المقتصر على غياب الحريات ينتقل إلى النقطة الثانية :
2) "الحرية السياسية كخطوة حاسمة فى إتجاه الثورة الديمقراطية الوطنية " وهنا يفتضح جوهر برنامجه الإصلاحي وتنكشف القطيعة بين الجمل الثورية الفارغة وبين ما يعده الحزب للجماهير ورغم محاولات التنظير والتبرير فإنه ينسف الثورة الوطنية الديمقراطية (التى تصبح ديمقراطية وطنية ) و يوكل مهمة الحرية السياسية عمليا إلى النظام بل إنها ستحصل فى ظل النظام القائم إذ "ستتخلى البرجوازية الحاكمة عن شكل سلطتها الفاشي وستقر الحرية السياسية أما الثورة " الديمقراطية الوطنية " التى وقع نسفها بعدُ تأخذ شكل التحول الإشتراكي المشوه ويسقط فى خلط واضح بين المرحلة الوطنية الديمقراطية/الديمقراطية الجديدة التى قسمها إلى مراحل من جهة وبين الاشتراكية والشيوعية ويدعى أنه فى ظل هذه المرحلة "سيزول الفارق بين الريف والمدينة وتضمحل الإمتيازات التى كانت للعمل الفكري على اليدوي "ص 14.
و بإيجاز فإن كلامه المعسول يخفى طرحا تصفويا يستهدف كلمة ثورة فى كل مراحلها ويعوضها بإصلاح النظام القائم ويتجلى ذلك فى بند "البناء الإشتراكي " و برنامج الحرية السياسية " و الإصلاحات الأخرى" وفى الملحق المعنون ب "مسائل تكتيكية " والذى يضيف تعديلات "أملتها مستجدات 7/11 " و أهمها "طلب التأشيرة و العمل الجاد للحصول عليها ". يهدف" البرنامج وملحقه" إلى صرف الجماهير عن الثورة واغراقها فى أوهام تغيير الشكل "الفاشي لسلطة " البرجوازية . فهو يرى ان "العائق الذى يحول اليوم دون توحيد الجماهير الشعبية وتنظيم صفوفها وتوسيع نضالها واكتسابه الفاعلية اللازمة هو الطغمة الدستورية الحاكمة التى تمنع الصحف والإجتماعات والإنتخابات الحرة والتجمعات الديمقراطية ولذا فإن المهمة المباشرة الموكولة للشعب التونسي هي دون شك النضال من أجل الظفر بالحرية السياسية وكسر عبودية حزب الدستور قبل كل شيئ " (برنامج الحس ص 11).
و يضيف البرنامج "إن الفارق بين مهمة النضال من أجل الحرية السياسية المطروحة مباشرة ومهمة الثورة الديمقراطية الوطنية المطروحة على إمتداد مرحلة يتمثل فى كون الهدف من الأولى هو جعل البرجوازية الحاكمة تتخلى عن شكل سلطتها الفاشي والإقرار بالحرية السياسية بينما الهدف من الثانية هو فرض سلطة جديدة تماما فى شكلها ومحتواها الطبقي هي سلطة الكادحين الذين يعيشون من عملهم لا من إستغلال عمل الغير " ( برنامج الحس ص13).
إننا أمام تصور يميني إصلاحي للنضال السياسي فبرنامج الحرية السياسية ل(ح.ع.ش.ت) يجعل النضال رهينة العلنية والقانونية وينفى إمكانية تنظيم الجماهير وتوحيدها طالما انها لا تتمتع بحق الإجتماع وبالتالي ينفى إمكانية مراكمة التجربة والتقدم نحو إنجاز المهام الوطنية الديمقراطية/ الديمقراطية الجديدة . إننا أمام تصور جماعة أرهقها النضال وتشعر بالإختناق وبإنسداد الأفق وبالعجز عن تنظيم الجماهير التى لا تعتبرها صانعة التاريخ وتغطى هذا العجز بدعوى تحول شكل السلطة وتصبح تنظر لنظرية "العوالم الثلاث " بطرق ملتوية وتضفى الشرعية الوطنية على هذا النظام أو ذاك وتبرر بالتالي تواجدها إلى جانبه وزيارتها لمقراته.
وقد تكرس هذا التوجه فى التعديل الذى أضافه هذا الحزب ل"برنامج الحرية السياسية " بعد الانقلاب الذى اصبح مختصرا فى طلب التأشيرة والحصول عليها أي فى "معركة تشريع الحزب " كما تقول الجماعة و يا لها من معركة .
هناك فرق شاسع بين السعي لإستغلال الإمكانيات القانونية والعلنية التى يسعى الشيوعيون للإسفادة منها و تطويرها وإفتكاكها على محدوديتها خاصة فى ظروف البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة وشبه الإقطاعية، و بين هذا الطرح اليميني الذى يكبل أيدي و أرجل الثوريين ويجعل عملهم مرتهنا بتوفر "الحرية السياسية " و يقسم الثورة إلى مرحلتين مرحلة الحرية السياسية التى هي ليست ثورة طبعا بل جملة إصلاحات ضمن النظام القائم ويقوم بها النظام نفسه تحت "الضغط ". ومرحلة إشتراكية ( لاعلاقة لها بالإشتراكية فى الواقع ).
إن هذا التصور وهذه الممارسة اليمينية لا تفعل إلا صرف الجماهير عن النضال الثوري فبدلا من أن تستهدف الجماهير السلطة ،تصبح متوجهة إلى إستبدال الشكل الفاشي بالشكل الديمقراطي البرجوازي وعوض النضال الثوري تقع المراوحة و التأجيل و تربية الجماهير على أسس إصلاحية و ضمن الخطوط الحمراء التى يرسمها النظام إي وضع الجماهير أمام إختيار واحد ألا وهو التحرك القانوني وتشريع القانون الجائر والإكتفاء بالترميم فى حدود ما يسمح به القانون وهذا يعنى القبول بجوهر سياسة النهب والسكوت عن المصدر الأساسي المتسبب فى تدهور أوضاع الجماهير وتهدف مثل هذه التربية الإصلاحية إلى بث روح اليأس والخنوع و القبول بالفتات بإسم إختلال موازين القوى والإقلاع عن "الطلبات المشطة " ورمي المنديل للإندماج نهائيا فى صلب النظام القائم .
إنهم يوهمون الجماهير بإمكانية هذا التحول بل بإمكانية تخلى ما يسمونه بالبرجوازية عن السلطة . إنهم بذلك يبثون الأوهام حول التحول السلمي ويسقطون من حسابهم الإعداد الفعلي للثورة لتبقي الجماهير العربية بدون قيادة تتخبط فى العفوية ولتضل نضالاتها عرضة للإحتواء من قبل الرجعية و الفرق الإصلاحية .
(II) تكتيك "الحرية السياسية "يضرب المسألة القومية :

توهم التروتسكية الجديدة الشعب بإمكانية إحراز "الحرية السياسية " فى ظل الأنظمة العميلة . إن "الحرية السياسية " تتجاهل طبيعة هذه الأنظمة وموالاتها للإمبريالية وتتناسي أن مخططات هذه الأنظمة هي فى جوهرها مخططات إمبريالية مع تصرف العملاء فى هامش ضئيل ضمن الخطة الإمبريالية الشاملة . والشعب يواجه الإمبريالية وعملائها المحليين من برجوازية كمبرادورية و إقطاع و لذلك فإن النضال يأخذ طابعا وطنيا بارزا وهذا الطابع هو الذى أسقطه التروتسكيون . فأجهزة السلطة :الحكومة والأحزاب االرجعية والبرلمان هي فى الحقيقة أدوات لتنفيذ سياسة وقع ضبط خطوطها العامة مسبقا ، وهي ولا شك تتصرف فى جزئيات التنفيذ وفق ميزان القوى الإجتماعي مما يؤدى إلى ترقيع بعض الأدوات أو التخلى عن المتآكل منها إذا لم يكن ناجحا وإستبداله بما هو أفضل وأنجع لتنفيذ مزيد من نهب خيرات الوطن وإستغلال جهد الكادحين وفى هذا الإطار يأتى إستبدال العميل بآخر وبرلمان بآخر إلخ.. فى ظل هذه الظروف كيف يمكن للجماهير مثلا أن تشارك فى إنتخاب برلمان يشرع النهب و يقنن القمع ؟
و لكن (ح ع ش ت ) يرى ذلك ممكنا بل يرى أن التحولات التى حدثت فى العديد من البلدان والتى لم تكن إلا تحولات شكلية وقع فيها إستبدال عميل بآخر يراها تحولات من شكل سلطة البرجوازية الفاشي إلى شكلها الليبرالي .
ورد فى برنامج "الحرية السياسية "[ بالصفحتين ]17و 18 ما يلى :" و تشهد بلدان عديدة سواء بأوروبا أو أمريكا اللاتينية أو آسيا أو أفريقيا وكان آخرها بلد الفليبين ، على كون النضال ضد الدكتاتورية الفاشية عسكرية كانت أو مدنية يؤدى إلى إسقاطها والظفر كخطوة أولى بالحرية السياسية ". وهكذا يظهر الخلط الواضح فى تصور الجماعة المذكورة لواقع المجموعات فى أوروبا والمقصود هنا تحديدا إسبانيا والبرتغال و بين ما حصل مثلا فى البيرو والسودان والفليبين ولنتوقف أكثر عند هذا المثال الأخير لأنه ذكر بالإسم .
فالمقارنة تتم فى الواقع بين بلدان رأسمالية و أخرى شبه مستعمرة شبه إقطاعية و بذلك يطمس جانب عمالة الأنظمة فى النوع الثاني ، ويغيب النضال ضد الإمبريالية كعدو مباشر للشعب فهو بذلك مثلا يعتبر أن الحرية السياسية قد تحققت فى الفليبين وهو مجتمع متحرر تقع فيه إنتخابات حرة لمجالس شعبية تعبر عن إرادة الشعب و بالتالى يقع تغييب الطابع الرئيسي لهذا النظام بإعتباره نظاما عميلا للإمبريالية والحال أن كل ما حدث هو أنه تحت ضربات النضال الجماهيري الذى يقوده شيوعيون حقيقيون يشنون حرب الشعب طويلة الأمد منذ مدة وأحرزوا إنتصارات باهرة أدت إلى تحرير العديد من القرى وبناء مناطق حمراء أًنشأت فيها سلطة شعبية من طراز جديد و تفاقمت أزمة النظام ككل ، تحت هذه الضربات و إزاء هذا الضغط تراجعت الإمبريالية و عمدت إلى تغيير رموزها فأزاحت ماركوس واستبدلته بأكينو التى دافعت عن جوهر السياسة اللاوطنية واللا ديمقراطية. وسواء تعلق الأمر بالقواعد العسكرية الأمريكية فى الفليبين أو بالإصلاح الزراعي فإن المصالح الإمبريالية وعملائها ظلت محفوظة مع إدخال تغييرات شكلية فى طريق تمرير تلك السياسة ، أي بدلا من أن تمرر تلك السياسة بواسطة حزب واحد وسلطة عسكرية بوليسية مفضوحة يتم ذلك عبر برلمان عميل منتخب شكليا ، من خلال تنافس برلماني بين فرق سياسية عميلة وإصلاحية تمثل مختلف الكتل الرجعية والمتذيلة لمختلف الإمبرياليات فى البلاد ومن خلال سلطة عسكرية بوليسية فى زي مدني تمارس تفتحا مزعوما وفق متطلبات وضعها.
يرسم " تكتيك الحرية السياسية " رغم التطرف اللفظي الذى يبقى إحدى سمات التروتسكية طريقا مسدودا أمام الجماهير ، إنه طريق الوفاق الطبقي على حساب مصالح الشعب، طريق الإعتراف بشرعية الأنظمة العميلة والتحرك ضمن الإطار القانوني الذى ترسمه وبالتالي يعمل على تزكية جوهر السياسة اللاوطنية ، رغم التظاهر ببعض اللفتات النقدية التى لا تمس الجوهر . ويندرج هذا التوجه فى إطار ضرب المسألة الوطنية وضرب مفهوم الصراع الطبقي والإستعاضة عنه بمفهوم الوفاق الطبقي والتحولات السلمية والتنافس البرلماني
ويلتقى هذا التنظير مع الطرح التحريفي الذى يدعو إلى "إستكمال المهام الوطنية الديمقراطية " ويقر بالإستقلال ويطالب ب" تقليص التبعية الإقتصادية " و يطبق فى المجال الإقتصادي والإجتماعي مفهوم "النقابة المساهمة " أو النقابة المطلبية من منطلق إقتصادوي بحت.
(III ) "تكتيك الحرية السياسية " و المفهوم المغلوط للمسألة الديمقراطية :

يعكس "تكتيك الحرية السياسية " توجهات البرنامج الإصلاحي ل(ح.ع.ش.ت) بما أن التكتيك يعكس الإستراتيجيا فإن برنامج "الحرية السياسية " هو جزء من البرنامج العام فى مرحلته الحالية . وبما أن برنامج هذا الحزب يسخر من شعار "الأرض لمن يفلحها " وهو فى ذلك يقتفى آثار تروتسكي على وجه الخصوص فى إستهزائه من طبقة الفلاحين ، و بما أنه يتبنى تحليلا تروتسكيا لطبيعة المجتمع ويلغى التناقض بين الإقطاعيين و الفلاحين الفقراء و يعتبر الإمبريالية قد ثورت علاقات الإنتاج وحلت المسألة الزراعية وحولت الفلاحين إلى بروليتاريا زراعية فى حين تتخبط جماهير الفلاحين الفقراء فى البؤس وتعانى من الإضطهاد الإمبريالي ومن تخلف علاقات الإنتاج وتفشى القمع السياسي الرجعي لطبقتي الكمبرادور والإقطاع سواء عبر أجهزة الدولة أو عبر تنظيماتها السياسية الدستورية وما شابهها ، والإخوانجية المعبرة عن مصالح العملاء فى إرساء دولة دينية تزيد بؤس الجماهير وتؤبد تخلفهم .
كل هذا يلغيه ويتجاهله (ح.ع.ش.ت) من خلال حصره للمسألة الديمقراطية فى "الحرية السياسية " وإسقاط تحرير الفلاحين الفقراء من خلال رفع شعار الأرض لمن يفلحها وتحقيق إصلاح زراعي جذري يكون القاعدة المادية الفعلية للتمتع بالحقوق السياسية فى إطار نظام ديمقراطي شعبي فعلي . إن هذا الحزب يريد حصر النضال فى الحرية السياسية تحت مظلة النظام و بذلك يضرب التحالف بين العمال والفلاحين ويضرب تطلع الشعب بإسره إلى التحرر من الهيمنة الإمبريالية ومن سلطة عملائها. وهو الأمر الذى لا يثيره هذا الحزب إطلاقا إذ أنه منصرف لتحقيق التعايش ضمن "دولة المؤسسات " التى يطلب منها أن تكون فوق الأحزاب ولما لا فوق الطبقات ، دولة محايدة . وبذلك يحصر النضال الديمقراطي فى الحريات العامة التى سيمنحها النظام لا ندرى كيف ، ويغيب جوهر المسألة الديمقراطية أي مسألة تحرير جماهير الفلاحين، بحيث تظل قضية تحرير الأرض مرتبطة بتحقيق شعار "الحرية ".
(VI) الموقف الرجعي من المسألة القومية :

يجر ضرب المسألة الوطنية وإفراغ المسألة الديمقراطية من مضمونها المتعلق بتحرير الفلاحين من علاقات الإنتاج الإقطاعية حتما إلى الوقوف موقفا رجعيا من المسألة القومية . (إذ أن المسألة القومية هي فى جوهرها مسألة الفلاحين كما قال ستالين ) .
ولقد إكتفى "برنامج الحرية السياسية " بتعديد ما سماه عمل بورقيبة على فسخ "الهوية القومية " للشعب التونسي" فقد إشار إلى أن بورقيبة عمد إلى مسخ وفسخ هوية الشعب وجعله يتقوقع إقليميا ويتنكر لسياقه التاريخي العربي ...و يتحول إلى كتلة من البغايا والعياشة ... و لقد رفع بورقيبة راية الفرنكفونية ... و إحتقر لغة قومه ولم يتورع عن مخاطبتهم بالفرنسية ... وقتل مشاعر التضامن العربي الأممي ... و بذل قصارى جهده لإقناع التونسيين بأن تونس "أمة قائمة بذاتها وأن نهضتها لن تتحقق إلا بعيدا عن العرب " و يتوقف (ح.ع.ش.ت) عند هذه المظاهر التى يسوقها من باب لفت النظر دون أن يؤسس عليها مطالب محددة وكأننا ببورقيبة قد أقنع هذا الحزب فى من أقنع بوجهة نظره فى المسألة القومية إذ أننا لو تأملنا برنامج هذا الحزب فيما يتعلق بهذه النقطة وسلوكه اليومي ندرك عمق موقفه الرجعي منها وإلتقاء هذا الموقف مع مواقف الأنظمة والأحزاب الإصلاحية و الظلامية ،فهو يرفض المفهوم الماركسي –اللينيني للأمم المضطهَدة مثلما حددته الحركة الشيوعية العالمية بعد سنة 1913 و 1917إلى اليوم ومثلما طبقته فى تجارب الثورات الظافرة و مثلما يتجسد فى واقع الأمة العربية المضطهَدة الآن .
والواقع أن هذه الجماعة وفية لتاريخها المعادي للمسألة القومية ووفية لبرنامجها الإقليمي فهو يعلن أن الشعب العربي فى تونس هو شعب تونسي و ينفى وجود الأمة العربية المضطهَدة ويقر الحزب بالتجزئة المكرسة إمبرياليا و يسخر من المعترضين عليها ويعترف بالبروليتاريا الصهيونية ويعتبر أن "قضية فلسطين " قضية تهم الفلسطينيين لا غير " كما ورد ذلك فى قرارات مؤتمره التأسيسي ويساند علنا مشروع المؤتمر الدولي والدويلة بإسم "حق تقرير المصير " وعدم التدخل فى الشؤون الداخلية لمنظمة التحرير الفلسطينية " إلى غير ذلك من المواقف اليمينية المعروفة "للعامل التونسي" سابقا مع بعض التعديلات الطفيفة التى سرعان ما ينكشف زيفها بفعل الحنين إلى الماضي فترى أدبيات الحزب وخطب رموزه و إنتاج مثقفيه مرصعة بدرر من الشعر الملحون والتعابير الدارجة بإسم التقرب من الجماهير ، بالرغم من النقد الذاتي الشكلي المعروف فى هذه القضية وبالرغم من تخلى التنظيم الأم لهذا الحزب عن إستعمال اللهجة العامية منذ 1974. فى الواقع يمارس هذا الحزب تجهيل الجماهير وتسطيح وعيها ، كما تلجأ كوادره اليوم وأدواته إلى إعتماد اللغة الفرنسية . ( أنظر النصوص الدعائية حول النقابة التلمذية المحلاة بختم المنظمة بالفرنسية ) و فى ذلك ربط للواقع بالجذور الرجعية لهذا الحزب وتواصل تبنى موقف معاد للمسألة القومية وما يترتب عنها من حتمية النضال الموحد فى إطار تحرير الأمة المضطهَدة من الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية .
(V) "الحرية السياسية " و أشكال النضال و التنظيم :

بما أن "تكتيك الحرية السياسية " لا يرى أن التناقض بين الإمبريالية و الشعب تناقضا عدائيا ( ما دام قد أسقط المسألة الوطنية ) فهو لا يحسم بالعنف و بما أن هذا التكتيك نظرا لطبيعته الإصلاحية ، لا يرى العنف كنتيجة حتمية يؤول إليها الصراع الطبقي فى أرقى أشكاله وهو يعارض ضمنيا الكفاح المسلح المندلع فى أرجاء الوطن العربي و يعتبر حرب الشعب بدعة ، نظرا لكل ذلك من الطبيعي أن يعمل هذا الحزب على تربية متعاطفيه تربية إصلاحية لا تربية كفاحية. و يخضع قضية تحرير الشعوب مثله مثل التحريفية للتفاوض والحلول السلمية أي على طريقة البيرسترويكا فى حل النزاعات الإقليمية .
إن اشكال النضال والتنظيم المقترحة من قبل التروتسكية والمتوخاة فى الحقل الطلابي والحقل النقابي هي الأشكال المتبعة من قبل الأحزاب التحريفية والتى يربطها قاسم مشترك وتتمحور حول الصراع البرلماني والمنافسة "النزيهة" فى حدود ما يسمح به القانون وهي أشكال تؤدي رأسا إلى وجود معارضة كارتونية تبيض بها الأنظمة وجهها ويسمح لها بالمزايدة بالديمقراطية من جهة وتتعارض كليا مع الأشكال النضالية التى تمارسها الجماهير من جهة ثانية .
ان الحزب الشيوعي حزب كفاحي يبنى تحاليله ومواقفه على أساس الصراع الطبقي وقد حسمت مسألة التحول السلمي نهائيا منذ الحسم فى الأممية الثانية ووقع الحسم فى مسألة الصراع الهادئ والسلمي على أساس المعارضات البرلمانية ، كما أن بناء هذا الحزب فى المستعمرات و أشباهها يتم بصفة سرية لا حبا فى السرية بل نظرا لطبيعة الأنظمة ولواقع المستعمرات وأشباهها لذلك فإن توخى الأسلوب السرى و البناء الكفاحي ليست قضية رغبة ذاتية و مع ذلك فإن الحزب الشيوعي يحكم المزج بين العمل السرى والعمل الشرعي و يوظف العمل الشرعي لخدمة الكفاحي ودعم الحزب ، بينما تفعل التروتسكية عكس ذلك وتسعى لتأخذ موقعها إلى جانب الفرق الإصلاحية الأخرى أما المزايدة بإسم التكتيك أو تخلف الوعي أو التنظير لواقع المرحلة السلمية نظرا لضعف القوى وانعدام تبلور البديل إلخ ...كل هذه الحجج تطعن فى الصميم طبيعة الحزب وتدعم التوجهات الإصلاحية و تغذى الإستسلام إذ كيف يمكن لحزب تربى على أسس سلمية أن يتحول إلى حزب كفاحي بين عشية وضحاها ، و كيف يمكن لحزب تربى على مبادئ تروتسكية تحريفية أن يتحول إلى حزب ماركسي –لينيني؟
تكذب تجربة الجماهير فى حد ذاتها ادعاءات الاصلاحيين فقد بينت انها ترد على العنف الرجعي بالعنف الثوري وإذا بقي عنف الجماهير عفويا فذلك يرجع إلى عدم قدرة القيادة على التأطير وتطوير ردود الفعل الجماهيرية فى اتجاه إرساء الأسلوب الأساسي للتحرير أي حرب الشعب طويلة الأمد.
وهكذا يتضح الفرق بين حزب جعل من القانون شكلا رئيسيا فى نضاله و حزب يستغل العمل القانوني والشرعي كغطاء لدعم الحزب و تغذيته بدم جديد . وهنا يكمن الفرق بين التعامل الإصلاحي والتعامل الثوري مع النشاط الشرعي. فلا غرابة بعد ذلك أن تجد (ح.ع.شِ.ت) يدعو أنصاره للمشاركة فى الإنتخابات للتعبير من خلالها عن مواقفه اللاهثة وراء التأشيرة وأن يرفع أرضية الحرية الساسية شأنه فى ذلك شأن كل الأحزاب التحريفية الجديدة التى تستمد زادها النظري من أطروحات "حزب العمل الألباني "مثل الحزب الشيوعي الفرنسي الذى صوت لفائدة ميتران ووافق على برنامج مشترك بتعلة التصدي الى اليمين الفاشي المتجسد فى لوبان .
وتعكس أشكال النضال والتنظيم المتبعة من قبل (ح.ع.ش.ت) وأشباهه جوهر برنامجه الإصلاحي وتضرب فى العمق الاعداد الفعلي لإفتكاك السلطة على أي شبر تنضج فيه الظروف الذاتية والموضوعية وهي من جهة ثانية تسحب الأشكال المتبعة فى البلدان الرأسمالية بعد تجريدها من محتواها الكفاحي طبعا لتصطف إلى جانب الأحزاب التحريفية وتوهم أنه بالإمكان إفتكاك السلطة من خلال الإنتخابات .
أما مواصلة هذا الحزب إصدار البيانات الشبه سرية أو إصدار جريدته إلخ ... فذلك يندرج ضمن الإعداد للبروزإلى العلنية خاصة أن المضمون لا يختلف عن مضمون الجرائد المعارضة الإصلاحية وهي ليست حجة لإحكام المزج بين السري والعلني خاصة ونحن نعلم أن رسائله المفتوحة والمباشرة للقصر تلهث وراء الإعتراف القانوني وليس ذلك فى الواقع سوى تعلة لتمرير تخاذله ،هذا فضلا عن أن إصدار المناشير من شاكلة التى يصدرها هذا الحزب عمل تنجزه بإستمرار جماعات أخرى مثل الإخوانجية والوحدة الشعبية إلخ...
ولعل أكبر دليل على ما نقوله هو سلوك عناصر هذا الحزب فى الحركة النقابية والحركة الطلابية والتلمذية و فى المجال الثقافي ، فهو يلهث وراء المقاعد ويسعى بدأب لإنعاش الجبهة الاصلاحية و محورتها وهو يتحالف مع الشيطان ومع الإخوانجية إن لزم الأمر لضرب الماركسيين –اللينينيين . وآخر ما يمكن الإشارة إليه فى هذا المجال هو فقدان عناصره لأدنى مقومات المسلكية الثورية و تميزها بالتفسخ على كل المستويات و انعدام اليقضة الثورية لديها التى تبقي إحدى سمات الشيوعي.
( VI ) "الحرية السياسية " تتويج لمسار تاريخي :

لقد تمكنت التروتسكية فى السابق من المزايدة وتظاهرت بالتطرف اللفظي وحاولت التأقلم كلما تقدم الفكر الماركسي-اللينيني-الماوي فى بلورة الطرح الوطني الديمقراطي فتخلت عن السمات المفضوحة مثل مقولة الثورة الإشتراكية و إستعمال اللهجة العامية و مقولة الطليعة الطلابية و الأمة التونسية و كان هذا التخلي شكليا فى سنة 1974.
و قد عاد التيار التروتسكي إلى ينابيعه من خلال برنامجه و" تكتيك الحرية السياسية " الذي تعرضنا إلى بعض جوانبه و بذلك كان (ح.ع.ش.ت) ببرنامجه و تكتيكاته "خير خلف لخير سلف" و هذا ما تثبته القراءة المتأنية لكتاب "الحركة الشيوعية فى تونس " فقد حاول صاحب الكتاب قراءة التجربة التروتسكية قراءة نقدية و لكن تلك القراءة لم تحسم لفائدة التحول المزعوم فلئن إعترفت التروتسكية بتروتسكيتها السابقة فإنها تكتمت على طرحها التروتسكي التحريفي الحالي علما وأن الخط الماركسي –اللينيني-الماوي كان يعتبرها دوما تروتسكية منذ نشأتها ، بل إن الطرح الوطني الديمقراطي نشأ فى تباين مع هذه التحريفية وهذه التروتسكية بالذات ورفض آنذاك صاحب الكتاب وجماعته تحاليل الخط الماركسي-اللينيني-الماوي لكنه هاهو يستفيق اليوم ليعلن أنه كان تروتسكيا ماويا!!؟ و ينسج على منوال أنور خوجة فيعيد قراءة التاريخ من منظوره الدغمائي التحريفي (أنظر" ردا على حزب العمل الألباني" –منشورات دليل الممارسة- باريس ) .
وقد قنن صاحب كتاب "الحركة الشيوعية فى تونس" الخط التروتسكي الذى إنتهجه "العامل التونسي " منذ نشأته فنظرته لطبيعة المجتمع لم تتغير جوهريا رغم التعديلات ، فهو مجتمع رأسمالي متخلف تابع" .(أنظر تحديد طبيعة المجتمع العربي ".- دليل الممارسة ) و برنامجه هو نفس البرنامج تقريبا ورؤيته للمهام الوطنية الديمقراطية لم تتغير و إستخفافه بالمسألة الفلاحية و بالمسألة القومية و قضية الأمم المضطهَدة تحديدا متواصل ، كما أن "تكتيك الحرية السياسية " أتى تتويجا لهذا التواصل وهو يكشف كذلك جوهر سلوكه اليومي .
إن نظرة (ح.ع.ش.ت) إلى المجتمع هي نظرة "العامل التونسي " سابقا مع بعض التعديلات الطفيفة .و نظرته للثورة الوطنية الديمقراطية هي نظرة "العامل التونسي" وذلك أمر طبيعي إذ كيف يمكن لمثل هذا الحزب أن يتحول من مستنقع التروتسكية و يتخلص من هذه التركة الثقيلة التى يدعمها فى كتابه المذكور ،إنه لم يفعل غير التأقلم الشكلي الذى فرضه عليه تطور الأوضاع وإفتضاح نقائصه وإنحرافاته تحت وقع المحاججة الماركسية-اللينينية وإصطدامه بإنسداد آفاق الواقع أمامه وهو بذلك لم يتحول إلى حزب ماركسي –لينيني كما يزعم صاحب الكتاب . [...]
و لم تكتف التروتسكية بتشويه الحركة الماركسية –اللينينية-الماوية فى القطر بل أرادت إقحام نفسها فى صلب هذه الحركة . وسعت لتقديم نفسها كممثل وحيد لها . إننا نجد أنفسنا مرة أخرى عند مقولة "العامل التونسي" "العمود الفقري" الطيبة الذكر.إن قراءة التروتسكية للتاريخ قراءة ذاتية ، قراءة تتم بمعزل عن الصراع الطبقي و النضال الوطني ، إنها قراءة الوقوف على الأطلال ، قراءة اللص السياسي الذى الذى يحاول سرقة تاريخ الحركة الشيوعية . وصاحب الكتاب رغم إعترافه بأن التجربة كانت تروتسكية فهو نظرا لطبيعته الإصلاحية لم يقف عند الجذور الفعلية للتروتسكية ولم يتعرض ولو مرة واحدة لأسسها الإيديولوجية إذ إستثنا الترديد السطحي لمقولة الصراع الطبقي وإنعكاساته على ما سماه الكاتب "بالفقاقيع " فقد عمد إلى طمس الوقائع التاريخية لأنها تورط و تفضح طبيعته فى تلك الفترة وفى الواقع الحالي التى تتجدد عبره إمتداداتها –ان غاية القراءة الذاتية هي تغطية الطرح الحالي المرتبط بالطرح السابق وإلا كيف نفهم هذا المديح المليئ بقلب الحقائق التاريخية المتعلقة بتاريخ "العامل التونسي" الأسود فى فترة 1977/1978 و ما بعدها . يقول صاحب الكتاب فى الصفحة 68 " لكن منذ حوالي 1978 بدأت " العامل التونسي " تتوجه إلى ضرورة رسم تكتيكات تتلاءم و متطلبات النضال الجماهيري فقدمت إسهامات جديدة فى فهم الأوضاع المستجدة فى 1977-1978 و فسرت تطوراتها ومآلها ودعت إلى تكتيل الطبقة العاملة وحركتها النقابية ضد هجمة رأس المال والفاشية فى جبهة نقابية موحدة على أساس التمسك بالشعارات التى رفعتها الحركة النقابية قبيل 26 جانفى وبعده كما حاولت توحيد الحركة الديمقراطية حول شعار "العفو التشريعي العام " و رفضت المصالحة بين شقي البيروقراطية (منصبين و مخلوعين) ... " . يالها من ذاتية و يا له من قلب للحقائق . يعتقد صاحبنا أنه يكتب لأناس لا علاقة لهم بالتاريخ القريب للصراع الطبقي فى القطر لذلك سمح لنفسه بأن يسكت عما يريد و يزيد من عنده ما يريد آخذا فى ذلك رغباته الذاتية كوقائع.
يعرف الجميع حالة العزلة والفشل الذريع الذى آلت إليها سياسة هذه الجماعة الإصلاحية التى عرفت "بتكتيك الإفتكاك النقابي" السيئ الذكر والذى كان خيانة بأتم معنى الكلمة لجماهير العمال الذين قاطعوا النقابة البوليسية للتيجاني عبيد .وقد أدى الأمر بدعاة الإفتكاك لإعلان نقدهم الذاتي مرارا على رؤوس الملأ ولكن التروتسكية الجديدة تريد أن تطمس خيانتها القديمة للتغطية على خيانتها الجديدة إذ أن "صوت الشعب " ،لسان حال (ح.ع.ش.ت) ، دعت بعد التمسك الشكلي بمقاطعة جماعة بوراوي-النقابة الموازية- ،إلى الإفتكاك مجددا و"إلى التواجد داخل النقابات الفاشية لتعميق الهوة بين القاعدة و القيادة ..." و لهذا السبب نفهم لماذا تتم قراءة التاريخ قراءة ذاتية وإنتقائية كما نفهم لماذا وقع السكوت على موقف هذه الجماعة المخزى من عملية قفصة . والغرض من ذلك تبييض وجه التروتسكية وتقديمها فى ثوب ماركسي-لينيني كما فعل أنور خوجة من جهة والتهجم على الفكر الماركسي-اللينيني-الماوي والطرح الوطني الديمقراطي من جهة أخرى . ويهدف تقديم الشيوعيين الحقيقيين فى ثوب شعبوي مزعوم إلى تغطية حقيقة الخط الاصلاحي لصاحب الكتاب الذى صدر فى توقيت لا يمكن إهمال مغزاه فقد إقترن بطلب التأشيرة والتبرأ من تهمة التطرف اللفظي الذى كان عليه " العامل التونسي" وإعلان الإستعداد لتزكية سياسة النظام و مهاجمة الفكر الماركسي-اللينيني-الماوي والقوى الوطنية الديمقراطية وهذه هي المهام الموكولة راهنا للتروتسكية الجديدة ،لذلك تأخذ هذه المهمة إتجاهين متلازمين ، تمجيدا للتروتسكية والتنويه بتحولاتها ، ومهاجمة الفكر الشيوعي. وفى هذا الإطار، يأتى الإدعاء بأن الخط منحدر من "تجمع دراسات " لكن الوقائع التاريخية تشهد على أن الخط الماركسي-اللينيني والطرح الوطني الديمقراطي الذى جسدته "الشعلة" آنذاك ورغم إنحرافاتها ، لاعلاقة له لا من قريب ولا من بعيد بخط "العامل التونسي" بل إن تلك التجربة إنبنت على التناقض والتباين الصارخ مع الخط التحريفي والتروتسكي فى كل المجالات . ولكن صاحب الكتاب تجاهل هذا الواقع بمعطياته التاريخية كما تجاهل مثلما قلنا تطور الصراع الطبقي وإنعكاساته على هذه المجموعة أو تلك وإكتفى بمحاربة الأشباح أو التركيز على اخطاء ونواقص هذه المجموعة أو تلك لضرب الخط المركسي-اللينيني-الماوي في الصميم بالضبط كما فعل أنورخوجة بعد مرور سنوات عديدة ،فأصبح يرى وجود لين بياو أو دنك سياو بينغ حجة لضرب الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو كما أصبح عند البعض وجود تروتسكي إلى جانب لينين حجة لضرب الحزب البلشفي ، ومن ثمة أصبحت ظاهرة الحياد والنقابوية مثلا حجة لضرب الفكر الماركسي اللينيني بما يعكس عدم الاقتناع بالفرق الشاسع بين الصراع الايديولوجي والصراع بين الخطين .
ان تاريخ الخط الماركسي –اللينيني-الماوي فى القطر والمرتبط بالحركة الشيوعية العالمية هو تاريخ الصراع الطبقي والنضال الوطني أولا وقبل كل شيئ ويشهد هذا التاريخ على محاربة الخط الماركسي-اللينيني-الماوي لكتلة الحياد المحسوبة على الطرح الوطني الديمقراطي وهي كتلة تتواجد موضوعيا وهي وإن تلونت وحاولت الإنضواء تحت لواء الطرح الوطني الديمقراطي فهي تبقى كتلة حيادية ، تضرب الخط الماركسي –اللينيني-الماوي وتعمل على تخريبه بحكم طبيعتها البرجوازية الصغيرة وعجزها عن الإنصهار فى صفوف الطبقة العاملة وعجزها عن إستيعاب الموقف الشيوعي والإنضباط له ورفضها للتنظم رفضا قطعيا .
كما أن الفرقة التصفوية التى برزت خاصة بعد إجتياح لبنان سنة 1982 والتى رجعت إلى أصولها وأعلنت إنضواءها تحت يافطة البرجوازية الوطنية وواصلت التنويه بمعجزاتها والنسج على منوالها فى كل مناسبة ،إن هذه الفرقة التصفوية المتمركسة لا علاقة لها بالماركسية-اللينينية-الماوية رغم إدعائها تبنى الطرح الوطني الديمقراطي.و إعتماد التروتسكية على مثل هذه النماذج التى خاض ضدها الخط الماركسي –اللينيني-الماوي صراعا لا هوادة فيه وتوصل إلى هزمها وتقديمها على حقيقتها بل إنه خرج من هذه الصراعات أصلب من ذى قبل ، الإعتماد على سلوك هذه الفرق التصفوية لتشويه الخط الماركسي اللينيني-الماوي هو أسلوب مهزوز لا يمكنه الصمود أمام الواقع .
خلاصة :

فى إطار " بيريستروكا اليسار " ، حاولت جماعة (ح.ع.ش.ت) بدعم مفضوح من الصحف الرسمية تقديم نفسها كبديل يساري مزعوم من جهة وتقديم الماركسية -اللينينية- الماوية كفكر متطرف إنعزالي وفوضوي . لكن الواقع يتجاوز هذه الظواهر والعموميات ويكشف باستمرار أن الهجمة المركزة ضد الماركسيين –اللينينيين-الماويين تهدف إلى تغطية مواقف هذا الحزب الذى إنخرط عمليا فى الدفاع عن التفتح المزعوم وراح يخرب تحركات الجماهير (البريد مثلا) و يحاول توضيفها فى إتجاه ضمان التواجد القانوني .
إن تناقض الماركسية-اللينينية-الماوية مع الإصلاحية هو تناقض له جذوره التاريخية وتجسد دوما بين إستراتيجيا ثورية وتكتيك ثوري من جهة وإستراتيجيا إصلاحية وتكتيك إصلاحي من جهة أخرى . ولئن سكتت الإصلاحية عن جوهر هذا التناقض وتوخت أسلوب الشتم والتشويه وتوزيع التهم فلأنها تتهرب من الصراع السياسي وتحاول تغطية خطها الداعي للوفاق الطبقي والموقّع "سّرا" أي ضمنيا على الميثاق وعلى النقابة المساهمة أو المطلبية كما يدعى أصحاب هذا الطرح .
لا يمكن لإستراتيجيا هذا الحزب إلا أن تنجب تكتيكا إصلاحيا وقد تستر هذا التكتيك وراء ضرورة إستغلال الإمكانيات الشرعية ليجعل منها هدفا فى حد ذاته وشعارا مركزيا "هدفه كسب معركة تشريع الحزب ". بيد أن التكتيك الشيوعي كجزء لا يتجزأ من الإستراتيجيا الثورية واحدى الخطوات المؤدية لها يختلف كليا عن المفهوم الإصلاحي المبتذل للتكتيك. فالتكتيك الشيوعي ينطلق من واقع حركة الطبقات وتحديدا من مستوى تطور وعي الطبقات الثورية من جهة ووضع القوى الذاتية من جهة ثانية و يعمل على استنهاض الجماهير فى فترات الجزر مثلا والإستفادة من الخطة المرسومة فى إتجاه التقدم لا المراوحة أو الذوبان . فى حين أن التكتيك الإصلاحي و تحديدا تكتيك (ح.ع.ش.ت) ملتصق بخطة النظام لا بواقع جزر الحركة أو مدها وقد صرح هذا الحزب علنا أن "الحس ما زال صالحا خاصة بعد ان قمنا بتحديثه وإدماج العناصر الجديدة التى تفرضها ظروف ما بعد 7 نوفمبر ( ص12-13 مسائل تكتيكية ) .
فمفهوم هذا الحزب للتكتيك مفهوم إصلاحي قلبا وقالبا وهو لا ينطلق من واقع الجماهير فى إتجاه كشف المناورة الإمبريالية بل يبنى نفسه على أساس هذه المناورة فى إتجاه تشريعها ولا يرى سوى جانبا واحدا من حركة الطبقات وإرتكز على السلطة فطمس بالتالي الجماهير صانعة التاريخ لأنه لا يؤمن بقدرة الجماهير على المواجهة ولا يعمل على إستنهاضها بل على تربيتها فى إتجاه الخنوع والقبول بالأمر الواقع أي بالتحرك فى حدود ما يسمح به النظام كما أن هذا الحزب يضع مهمة واحدة بعد التعديل الذى أجراه على برنامج "الحس" وهي مهمة " تشريع الحزب " بكل الوسائل، إفهم بالتمسح و بتقديم شهادات الولاء على ارض الواقع أي بالوشاية و بتخريب حركة الجماهير و فى هذا الإطار أكد نص" مسائل تكتيكية"فى الصفحة 17 على : "علينا أن نقنعهم (الأطراف) بأن الديمقراطية بدون الإعتراف بحزب العمال الشيوعي ديمقراطية زائفة وعرجاء ، ديمقراطية لا تتجاوز حدود العائلة البرجوازية بمختلف مكوناتها ".
إن مهمة تشريع هذا الحزب لا ترتبط طبعا بمصالح الكادحين بل بطموحات الجماعة نحو التواجد القانوني "فى حدود العائلة البرجوازية بمختلف مكوناتها " كما تقول أي أنها تلهث وراء مبادرات النظام وتتأقلم معها سلبا و تدعو الجماهير إلى "التأقلم" فى حدود ما تريده السلطة .
ان التكتيك الشيوعي مغاير لهذا التكتيك المفرغ من كل بعد طبقي ووطني ومن كل محتوى نضالي وقد سبق لستالين ان فضح مثل هذه التكتيكات بقوله : " ففى نظر الإصلاحي الإصلاح هو كل شيئ أما العمل الثوري فليس هو إلا للمظهر و ليس هو إلا للحديث عنه ولذر الرماد فى العيون وهذا هو السبب فى أن الإصلاح فى ظل السلطة البرجوازية يصبح حتما مع التكتيك الإصلاحي أداة لتدعيم هذه السلطة وأداة لتفكيك الثورة .
أما فى نظر الثوري فإن الأمر عكس ذلك تماما فالمهم هو النشاط الثوري لا الإصلاحي . فالإصلاح فى نظره ليس سوى نتاج متمم للثورة وهذا هو السبب فى أن الإصلاح فى ظل السلطة البرجوازية يصبح بفضل التكتيك الثوري أداة لتفكيك هذه السلطة وأداة لتدعيم الثورة و نقطة إرتكاز للتطور المتواصل للحركة الثورية .
إن الثوري يقبل الإصلاح بهدف إستعماله كذريعة لمزج العمل الشرعي بالعمل غير الشرعي و بهدف إستعماله كغطاء لتدعيم العمل غير الشرعي للتحضير الثوري للجماهير من أجل الإطاحة بالبرجوازية . ذلك هو جوهر الإستعمال الثوري للإصلاحات و الإتفاقات فى ظروف الإمبريالية .
وعلى نقيض ذلك فإن الإصلاحي يقبل الإصلاحات ليعدل عن القيام بأي عمل غير شرعي لإحباط تحضير الجماهير للثورة وللإستراحة فى الإصلاح "الممنوح" ( الإستراتيجيا والتكتيك – ستالين ).
يلخص هذا الإستشهاد المطول تصرف التروتسكية الجديدة التى تدعى زيفا تبنى الماركسية-اللينينية . و يعكس شعارها "كل شيء من أجل تشريع الحزب " وفق القوانين الجائرة طبعا لا وفق شرعية الجماهير يعكس هذا الشعار جوهر خطها الإصلاحي . وهكذا يجرى تبرير المواقف المتخاذلة فتتحول زيارة "حمة" إلى قرطاج من تزكية شرعية الإنقلاب إلى محاججة الزين ويصبح التحالف الإصلاحي مع حزب حرمل و حزب البعث وجماعة الأممية الرابعة إلخ ... تحالف من أجل تجميع اليسار وتتحول مواقف دعم البيروقراطية النقابية واللهث وراء التواجد فى قوائمها مسألة ضرورية فى مواجهة المد الظلامي ويصبح موقف الدفاع عن الشارة الحمراء والتصدى للإضراب موقفا مسؤولا مقابل موقف القواعد الذى نعته أصحاب هذا الحزب ب" لعب الصغار" و بإيجاز فإن كل الوسائل جائزة بما فى ذلك الوشاية والسب والشتم من أجل "تشريع الحزب".
و يثبت التاريخ الذى حاول أحد رموز هذه الجماعة إعادة قرائته ( "تاريخ الحركة الشيوعية فى تونس ") من موقع الإبن الضال الذى إختار طريق" التوبة "، يثبت بجلاء صحة تحاليل الفكر الماركسي-اللينيني-الماوي ويدحض أطروحات الجماعة التروتسكية المتقدمة فى ثوب جديد وهو يثبت أن الخط الاستراتيجي للثورة الوطنية الديمقراطية/ الديمقراطية الجديدة الذى أجبرت الجماعة على التظاهر بتبنيه ليس بحلم طوباوي ولا مجرد شعارات فضفاضة إذ يظل برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية/ الديمقراطية الجديدة نقيض الواقع السائد ،واقع الهيمنة الإمبريالية والإضطهاد الإقطاعي و يمثل الحل الجذري لهذا الواقع والبديل الثوري له ولئن لم يصبح هذا البرنامج جماهيريا فإن نضالات الجماهير وتحركاتها تعبر بوضوح عن الطابع الوطني الديمقراطي بمعاداتها للإمبريالية وتطلعاتها للأرض والحرية .
ان الأحداث فى فلسطين ولبنان وفى اريتريا وبقية الأقطار ما إنفكت تؤكد صحة المطالب الواردة فى هذا البرنامج من جهة وكيفية تحقيقها من جهة ثانية .ولقد أصبح البرنامج السياسي برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية / الديمقراطية الجديدة أداة عمل يومية بالنسبة للماركسيين-اللينينيين- الماويين ومن واجب الجميع إحكام إستعماله بدون دغمائية حتى لا يبقى حبرا على ورق وإذا لم ترتق الجماهير بعد إلى مستوى البرنامج الذى يطرح البديل الثوري فى شموليته فان دور القوى الثورية يكمن فى رسم الخطط المناسبة بغية الإرتقاء بوعي الجماهير الكادحة و مراكمة التجربة .
غالبا ما تتحرك الجماهير بعفوية فى ظل غياب القيادة البروليتارية وتتجند من أجل مطالب جزئية لا ترى ا أبعادها ولا تدرجها ضمن عملية التحرر والإنعتاق ولا تربطها بالنهب الإمبريالي والإضطهاد الإقطاعي ولذلك فإن دور التكتيك هو الإرتقاء بوعي الجماهير وبتجربتها حتى يحصل التراكم ويصبح جوهر البرنامج برنامجا جماهيريا .
تناضل الجماهير مثلا ضد النهب الإمبريالي وتطالب بإستمرار بتحسين أوضاعها المعيشية المتدهورة بل إن إنتفاضاتها العفوية فى العديد من الأقطار ضد غلاء المعيشة وإلغاء الدعم بالنسبة للمواد الإستهلاكية الأساسية هي فى الحقيقة إنتفاضة ضد الصناديق الإمبريالية النهابة كما ان نزول الجماهير إلى الشوارع تنديدا بالغارات الصهيونية أو الإعتداءات الإمبريالية هو تعبير عن تطلعاتها الوطنية المشروعة وفى حين تمثل هذه التحركات دروسا ثمينة للقوى الثورية وحجة إضافية لصحة توجهاتها فهي فى الآن نفسه صفعة للقوى الإصلاحية . كما أن الجماهير تناضل مثلا من أجل حق الشغل وتتصدى للطرد ويظل حق الشغل القار مطروحا بإستمرار طوال المرحلة الوطنية الديمقراطية/ الديمقراطية الجديدة ولا يمكن تحقيقه فعليا والقضاء نهائيا على آفة البطالة إلا فى ظل الديمقراطية الشعبية لكن لا يكفى ترديد شعار حق الشغل ووعد الجماهير بأن ذلك سيتحقق ذات يوم بعد قيام الثورة فالمطلوب هو الإنطلاق من الوضعيات الملموسة وتعميم مطلب النضال ضد الطرد ومن أجل الشغل القار وإيجاد الأشكال التنظيمية المناسبة لذلك حسب إستعدادات الجماهير ووفق قدرات العامل الذاتي .
و ما يصح على الجانب الوطني للنضال ينطبق على النضال من أجل الأرض و على كل المحاور الواردة فى البرنامج والتى تطرح من خلال الصراع اليومي سواء بصفة جزئية أو كلية وعلى القوى الماركسية –اللينينية إحكام ربط هذه المطالب الجزئية والظرفية بالمطالب العامة والعمل على إفتكاك ما أمكن إفتكاكه فى إتجاه ترسيخ المكاسب والإرتباط بتجربة الجماهير واعدادها فعليا للمعارك الضارية .
يرتبط التكتيك كتطبيق لفترة محدّدة للإستراتيجيا دوما بكيفية تحقيق المهمة المركزية المطروحة فى وضع تاريخي محدد وبقوى ثورية محددة وان التقدم فى إنجاز المهمة المركزية يعني التقدم خطوة فى إتجاه تقريب ساعة الخلاص من البؤس و الحرمان أي التقدم على درب إنجاز المهمة المباشرة ألا وهي إفتكاك السلطة . وان التكتيك الذى لا يخدم هذا التوجه ولا يعمل على إستنهاض الجماهير وإعداد الشعب الكادح لأرقى أشكال الصراع الطبقي ، هو تكتيك إصلاحي وكل تكتيك لا يضع مسألة النضال ضد النهب الإمبريالي والإضطهاد الإقطاعي فى جدول أعماله ولا يتوخى أساليب كفاحية فى مواجهة هذا النهب وفق ما يطرحه الحدث من ردة فعل هو تكتيك إصلاحي كذلك .
وإذا كان مفهوم التكتيك الثوري يختلف كليا عن التكتيك الإصلاحي فإن كيفية تجسيده تختلف هي الأخرى . ففى حين تعتمد الإصلاحية رئيسيا على أساليب الإستجداء و إستعمال نضالات الجماهير كورقة ضغط للحصول على مناطق نفوذ فى صلب النظام القائم تسعى القوى الثورية إلى تدريب الجماهير على إفتكاك حقوقها وممارستها إنطلاقا من الأساليب الكفاحية التى تلتجئ إليها الجماهير نفسها بعد تعديلها وتقنينها كتقاليد ثورية .
وعلى هذا الأساس وعلى عكس ما تدعيه التروتسكية الجديدة فإن الشيوعيين الحقيقيين يناضلون من أجل تحسين أوضاع الجماهير ومن أجل حرية التعبير والتظاهر والتنظيم إلخ ... ويستغلون كما يقول ستالين توسع هامش الإمكانيات الشرعية نسبيا من أجل دعم النشاط الثوري وفى اتجاه توسيع الجبهة المعادية للإمبريالية والكمبرادور والإقطاع.
وقد أثبتت الوقائع فى القطر أن القوى الثورية لم تترقب تأشيرة السلطة لتنزل إلى الشارع وتمارس حقها فى التظاهر كما أن القوى الثورية رغم وجود قانون الصحافة والأحزاب تواصل ممارسة حقها فى التنظم وفى إصدار المنشورات و يظل هذا الحق مقدسا مهما تصاعد القمع إذ أثبت الشيوعيون تمسكهم بهذا الحق المقدس حتى تحت الفاشية فى البلدان الرأسمالية وتثبت الجماهير فى فلسطين أن بشاعة الصهيونية لم تنجح فى إسكات صوت الجماهير ولا فى القضاء على المناشير السرية . وإذا بدا النشاط السري محدودا فالمطروح ليس الإستعاضة عنه ب" تشريع الحزب " كما تفعل الإصلاحية بل تطويره وإحكام توضيف الشرعي فى خدمة النشاط الثوري حتى تصبح العناصر الثورية كالسمكة فى الماء يصعب إصطيادها وحتى تصبح شرعية الجماهير واقع معيش .
ان الطريق صعب وشاق بالتأكيد لكن المستقبل مشرق ووضاء وليس هناك أمام الشعب سوى خيار واحد ووحيد النضال الدؤوب ودفع النضال إلى أرقى أشكال الصراع الطبقي . لكن لا يمكن التقدم فى هذا الإتجاه الإستراتيجي بالتنظير للعفوية أو اللهث وراء الأحداث بل بمحاربة العقلية الحلقية المتخلفة ودعاة تأجيل المهمة المركزية، مهمة تاسيس حزب الطبقة العاملة .
وتتم عملية البناء هذه فى خضم الصراع وعلى أساس المحاور الوطنية الديمقراطية إنطلاقا من الأحداث التى تشغل بال الجماهير والتى لا بد من إستغلالها كأحداث ومطالب ملموسة لتعبئة الكادحين وبلورة البديل الثوري.
و لئن فرز الصراع الطبقي والنضال الوطني محاور سياسية دون أخرى فى فترات معينة ولئن حاولت القوى الثورية بدورها طرح محاور محددة فى إطار خطتها المرسومة فإنه بالإمكان التركيز حاليا على المحاور التالية :
1) التصدى لسياسة التفقير والتجويع المجسدة فى تعليمات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والتى تنعكس سلبا على كافة مجالات الحياة المادية للجماهير فى المدينة والريف والنضال من أجل تحسين أوضاع الكادحين .
2) التصدى لسياسة الإستسلام للإمبريالية والصهيونية المجسدة حاليا فى مخيم داوود والمؤتمر الدولي والنضال ضد خطة زرع الطائفية وتشكيل التكتلات الرجعية الهادفة إلى مزيد من التجزئة والعمل على إرساء تقاليد ثورية تدعم البعد العربي للنضال من وجهة النظر الماركسية-اللينينية- الماوية .
3) التصدى للعسكرة والدكترة ولخطة تشجيع الإخوانجية والتمسك بحق الجماهير فى التعبير والتنظيم إلخ بالنضال ضد القوانين الزجرية فى هذا المجال .
4) دفع العناصر العمالية إلى إستنهاض جماهير الفلاحين فى أهم الأرياف حيث لم تتطور تقاليد المواجهة المنظمة بفعل هيمنة النظام و ضعف التواجد الثوري.
ولا تقتصر عملية البناء على رسم المحاور السياسية التى يتم على أساسها لف أوسع الجماهير وخاصة العمال والفلاحين بل يجب كذلك تحديد أشكال النضال والتنظيم وعلى عكس الإصلاحية التى تعتمد الأساليب السلمية و ترضخ للعنف الرجعي و تتوخى العمل الشرعي كأسلوب أساسي و تعد العدة إلى عقد الصفقات الخيانية فإن القوى الثورية نظرا للأوضاع السائدة فى المستعمرات و أشباهها وتحديدا فى تونس، لا تعيش على الأوهام ولا تترقب الصدقات وتسمى المحراث محراثا وإن رأته التروتسكية جرارا. وتؤكد أن الأنظمة فى الوطن العربي هي انظمة عسكرية بوليسية وان رأتها الإصلاحية أنظمة مدنية ،أنظمة "البرجوازية الليبرالية المتحضرة ". وعلى أساس نظرة القوى الماركسية –اللينينية- الماوية لطبيعة المجتمع العربي وإنطلاقا من الثوابت الشيوعية والتوجهات الإستراتيجية للثورة الوطنية الديمقراطية/ الديمقراطية الجديدة فإنها تسعى إلى إعداد الجماهير إعدادا كفاحيا . ويستوجب مثل هذا الإعداد كما بينت التجربة توخى النشاط السرى كأسلوب أساسي وعلى ضوء هذه التوجهات يتم طبعا تحديد أشكال النضال و التنظيم حسب تطور وضع حركة الجماهير ووفق طاقات القوى الثورية .
إن تربية الجماهير الشعبية على أساس هذه التوجهات هي الضامن الوحيد لإجتثاث جذور البؤس والحرمان و التقدم فى دحر النير الإمبريالي والإضطهاد الإقطاعي ويكفى النظر من حولنا فى البيرو مثلا أو فى الفيليبين [...] لتثبت صحة الخط الماركسي-اللينيني-الماوي من جهة و زيف إدعاءات الإصلاحية من جهة ثانية .
هكذا رغم الاكتفاء بخطوط عامة فقد أتينا على حقيقة "ح.ع.ش.ت" و بينا البون الشاسع بين التكتيك الثوري من جهة وما سمي "بالمسائل التكتيكية وبرنامج الحس " من جهة ثانية .

ملحق هام: في اطار التكتيك يتحالف حزب العمال الشيوعي التونسي مع الاخوانجية-النهضة- في اطار حركة 18 اكتوبر ويبرر هذا التحالف بالاعتماد على تكتيك "الحرية السياسية" كما انه يجلس حاليا مع رموز البيروقراطية النقابية الذين خانوا الشعب والشغيلة الى جانب الجبالي ممثل النهضة الاخوانجية ويتم ذلك باسم التكتيك, وباسم التكتيك كذلك يتعامل مع الحكومة المنصبة والتي يدعي عدم الاعتراف بها. تكشف هذه المواقف وغيرها الحقيقة الانتهازية لهذا الحزب ولهثه وراء المواقع والفتات على حساب دم الشهداء.