أشياء مؤلمة عن الثورات


مازن كم الماز
2021 / 1 / 29 - 14:44     

أن تثور لأن أحدًا لم يطعمك ، لم يأت لك بالطعام و بالنساء و النقود ، لم يحقق لك أحلامك … أن تنتظر أحدًا ما ليفعل كل ذلك ؛ الغرب ، منظمات حقوق الإنسان ، الله و لو ان أكثر المؤمنين بالله لا يطالبوه بطعامهم أو بالاصح بطعامنا و نسائنا و بيوتنا كما يعتقدون و يؤمنون و يحلمون ، إنهم مثلنا يطالبون كل كفار الأرض فقط بأن يعطوهم بل و أن ينهزموا أمامهم أيضًا بدون أية مساعدة من إلههم او ملائكته ، أو الدولة التي تمنح في أيامنا هذه صفات و قدرات و مهام خارقة للطبيعة بينما هي مجرد تنظيم للهيمنة و السجون و العنف و القمع و الاستلاب لصالح نخبة تتغير باستمرار دون أن يتغير اي شيء جذري في جوهر هيمنتها و قمعها … أن هناك من يكترث لك : معارضون ، ديمقراطيون ، قطيعك ، أهلك ، إخوتك ، عشيرتك الخ الخ … أنا مثلًا بالكاد أكاد أكترث لنفسي ، يجب أن اعترف مع ذلك ببعض النفاق في فعل الكتابة الفضائحي ، بأمل زائف يحاول أن يحارب الواقع و التفاهة و العدم و الموت ، ليس فقط موتنا الكامن و المحتم ، بل موت الأوهام أو ما كانت أحلامًا ، محاولة للهروب من القادم بالتمسك بلحظة تمضي دائمًا بسرعة لا نقدرها الا كلما اقتربنا من الهاوية … يعدوك بالكثير لكنهم لا يعرفون كيف و لا أين ، هم يعرفون جيدًا أن ثورتك هي فرصتهم للانقضاض على العرش ، ليبنوا سجونهم الخاصة و أكاذيبهم الخاصة قبل أن يطيح بها عبيد ملوا تفاهتهم و اعتقد بعضهم أن الوقت قد حان ليصبحوا سادة على إخوتهم السابقين … أما القطيع فهو يكترث لمحمد أو خالد بن الوليد ، لفلسطين أو الروهينغا أو الاندلس ، انت و أنا بالنسبة للقطيع مجرد شهداء مؤجلين و جلادين و قتلة بلا ضمير و روبوتات ، يأكلون من فتات القطيع و ساداته ، يعيشون و يموتون كما يريد القطيع و ساداته و شيوخه و منظريه و عسسه … فعل الثوار السوريون عين العقل عندما سرقوا الناس الذين ثاروا لتحريرهم و معها مساعدات الغرب الكافر لأهلهم الذين يبكونهم كل دقيقة و ذهبوا إلى بلاد الغرب الكافر الاستعماري ثوارًا يكللهم الغار و يهذرون عن الحرية و الديمقراطية بقدر ما يهذر الأسد و السيسي عن الوطن و الأمن و الاستقرار … و كلها جيل أو جيلين و يتصرف اولاد هؤلاء كارستقراطيين حقيقيين تمامًا كما لا يمكن اليوم أن تحدس أن اجداد شاليش و الأسد كانوا فلاحين شديدي الفقر و غارقين في الجهل … في عالم يتصارع فيه الناس على السلطة و المال بدون حدود و حيث يدوس على الاخلاق اكثر من يتحدث عنها و يزعمها ، كل ذلك في سبيل السلطة و المال ، في عالم جنونه بلا حدود و أكاذيبه و أوهامه بلا حدود لا نجاة لك ، فد يبدو القطيع مكانًا أفضل للنجاة في مثل هذا العالم و لو إلى حين ، قد تبدو قمة الهرم مكانًا جيدًا يستحق كل هذا النفاق و الكذب و كل تلك الدماء و كل ذلك الهراء ، كل تلك الآلهة و السجون و الوعود المتوهمة بل المزيفة و المنافقة بجنة لم و لن توجد الا لقلة أو لفرد فقط ، ربما ، إذا كان العالم مقسم إلى سادة و عبيد و من غير الممكن أن نكون جميعًا سادة بلا عبيد فمن المنطقي جدًا أن تفعل و نفعل كل ما يمكننا لنكون سادة لا عبيد … و أن نقترف كل شيء ، اي شيء لنصبح سادة … الثورة ستمنح البعض فقط الفرصة ليصبحوا سادة ، الأكثر قدرة على النفاق و الخداع و الأكثر همجية و إصرارًا ، الباقون سيسقطون في هاوية أسوأ من الهاوية التي كانوا يعيشون فيها … ليس فقط أنهم سيبقون عبيدًا و سيحرمون مرة أخرى من صوتهم و حياتهم و أحلامهم ، يجب الان اقتلاع ذكرياتهم عن السادة الجدد عندما كانوا مجرد عبيد تافهين خانعين و هذا يتطلب قمعًا و نفاقًا و أوهامًا تفوق ما يحتاجه اي ديكتاتور ليحافظ على عبيده خانعين … في عالم لا يقدس الا السلطة و المال و لا يهذي الا بهما ، كل شيء ، كلنا ، نباع و نشترى ، و كل شيء مباح … اما أن تذهب الان لتبول على كل شيء ، لتحتفل في الشوارع التي يلتهمها اللهيب ، تفعل ما يحلو لك ، تأخذ ما تطاله يدك ، تمارس اي فضيحة على الهواء و العلن ، أو أن تبدأ بتعلم فن الكذب و بيع الأوهام و قمع العقول و الأجساد لعلك تأخذ مكان السيد الذي تشتمه اليوم … لا أعدك مثلهم باي شيء ، لا الثورة و لا الدولة و لا حقوق الإنسان و لا اي هراء آخر يمكنه أن يعدك بأكثر من هذا