وثيقة تاريخية بمناسبة الذكرى 48 لحظر -الاتحاد الوطني لطلبة المغرب- والذكرى 50 لتأسيس -الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين-


موقع 30 عشت
2021 / 1 / 28 - 14:15     

كان هذا النص معدا للنشر في يوم 24 يناير، ذكرى حظر المنظمة الطلابية المغربية: الإتحاد الوطني لطلبة المغرب (ا و ط م) في 24 يناير 1973، إلا أن ظروفا جد قاهرة حالت دون نشره يومها. وإذ ينشره موقع 30 غشت اليوم بقليل من التأخر، يقدم الموقع اعتذاره لكل قراءه ومتتبعيه عن هذا التأخر.
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ

بمناسبة الذكرى الخمسون لتأسيس "الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين"، التي تأسست في يناير 1971، عشية المؤتمر 14 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، والذكرى 48 لحظر "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب"، الذي أقدم عليه النظام الكمبرادوري في 24 يناير 1973، يقوم موقع "30 غشت" بنشر وثيقة تاريخية تحت عنوان:
"الحركة الطلابية ومخاض نشوء اليسار الثوري الماركسي – اللينيني بالجامعة".
تمت ترجمة النص من نسخة أصلية باللغة الفرنسية إلى اللغة العربية.
ويتطرق النص إلى مجموعة من الوقائع والأحداث والقضايا ذات الصلة بنشوء اليسار الثوري الماركسي – اللينيني داخل الجامعة، وكذلك نشوء "الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين" وتطورها، ويقف النص عند سنة 1975 عندما بدأ شعار رفع الحظر عن أ و ط م يعرف اتساعا نضاليا أفحم القوى الإصلاحية نفسها.

"موقع 30 غشت"

نص الوثيقة:
ــــــــــــ ــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
الحركة الطلابية ومخاض نشوء اليسار الثوري الماركسي – اللينيني بالجامعة
إن ما يميز الحركة الطلابية المغربية خلال تطورها كله هو أن تطورها كان موازيا لتطور الحركة الوطنية والقوى الديموقراطية في البلاد. إن الاتجاهات الأكثر تقدما للقوى الوطنية والتقدمية كان لها دائما صداها داخل الحركة الطلابية، رغم تذبذبات وتقلبات الحياة السياسية، وكذلك فيما يتعلق بالتشكيلات السياسية، التي لها حضور واسع وسط الطلبة فقد كانت لها تداعيات على التنظيم الطلابي وعلى قيادته وعلى توجهه.
هكذا يمكن أن نميز ثلاثة مراحل كبرى في حياة الحركة الطلابية منذ "الاستقلال" (بالنسبة لمرحلة الحماية، انظر "الأحزاب السياسية المغربية، رونيريزيت، ص 76 – 77،117، 257 – 258، 313، منشورات أرمان كولان، باريس 1955):
- مرحلة "استقلالية" قصيرة، من تأسيس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب سنة 1956 إلى تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1959.
- مرحلة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الطويلة، من 1959 إلى 1968.
- مرحلة إعادة النظر في قيادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب وبروز اليسار الثوري في الحركة الطلابية سنة 1968.
إذا لم يكن هناك شيء كثير يقال عن المرحلة الأولى، فإن تحليل المرحلة الثانية والثالثة غني جدا بالتجارب. لنكتف بالقول أن المرحلة الثانية تتضمن نفسها عدة فترات تتمشى مع تطور الاتحاد الوطني للقوات الشعبية:
*فترة مساندة حكومة عبد الله إبراهيم.
*فترة صعود نضالات ذات طابع سياسي، خاصة بعد عزل الحكومة "التقدمية" سنة 1960، وإلى غاية 1966 على إثر اختطاف المهدي بن بركة واغتياله.
*فترة تراجع 1966- 1968.
لنكتف هنا بهذا المرور السريع جدا حيث العديد من مظاهر الواقع تمر دون أن يفطن لها أحد بينما أخرى يمكن لمحها بالكاد.
بالنسبة للمرحلة الأخيرة، والتي سنركز عليها، يجب علينا أولا أن نقول بعض الكلمات لتبرير لماذا تم تحديد سنة 1968 كبداية لها (المؤتمر 12 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب)، ولماذا سميناها مرحلة إعادة النظر في قيادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وبروز اليسار الثوري في الحركة الطلابية.
نسلم عادة، وبشكل ضمني، كتحصيل حاصل، أنه ليس حتى من الضروري الحديث عن المؤتمر 12 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب لأنه لم يأت بشيء جديد، وبالتالي، من المشروع تصنيفه ضمن المؤتمرات السنوية الروتينية.
إنه صحيح في الواقع، أن قرارات هذا المؤتمر لم تعلن عن أي تغيير في توجيه الحركة الطلابية، وكذلك فإن القيادة التي انبثقت منه، هي إلى حد كبير نفس التركيبة كما سابقاتها (أغلبية من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية مع بعض الأعضاء من حزب التحرر والاشتراكية)! ومع ذلك، فإن المرحلة من ماي 1968 (انتخاب المندوبين للمؤتمر 12) إلى المؤتمر 13 (في غشت 1969) أتت بعدة عناصر جديدة، التي بدونها ستظهر التطورات التي سيعرفها العالم الطلابي كانقلاب فجائي (أو ضربة قدر) الذي لم يكن ضمن ترتيب الأشياء.
إن أول عنصر جديد هو "صعود" الطلبة الشيوعيين،( ثم حزب التحرر و الاشتراكية لاحقا)، الذي كان في المنزلة الثانية إلى ذلك الوقت، و حبيسا في دور الكومبارس في الأجهزة القيادية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، و في مكاتب التعاضديات في الكليات حيث كانوا أقليات، سيصبح الطلبة الشيوعيين لحزب التحرر و الاشتراكية منذ الآن في المنزلة الأولى و سيضعون بجد موضع تساؤل الهيمنة التقليدية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب و في القطاع الطلابي (وضع الطلبة الاستقلاليون، اللذين تقلص تأثيرهم إلى الحد الأدنى على الهامش و خارج الحركة الطلابية منذ إنشاء الاتحاد العام لطلبة المغرب سنة 1963) وسيشكلون اتجاها له جمهور واسع بنفس الدرجة كما للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بل مسيطرا في بعض المدارس (المدرسة المحمدية للمهندسين، المدرسة الوطنية للإدارة، المعهد الوطني للعلوم التطبيقية ...)، و هذا حتى تشكيل الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين عشية المؤتمر 14 في يناير 1971.
قبل أن نقول بعض الكلمات حول كيف ولماذا هذا الصعود، لنذكر باختصار خط السير المتبع من طرف الحزب الشيوعي المغربي في التنظيم وفي الوسط الطلابي، ومفهومه ل "وحدة القوى الوطنية والتقدمية" التي يستند عليها خط السير هذا.
إذا كان الطلبة الشيوعيون قد اكتفوا إلى هذا الحد بوضع الأقلية داخل الهيئات القيادية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، فإن ذلك بحكم ضعف تأثيرهم في القطاع الطلابي (هذا صحيح بصفة خاصة بالنسبة ل "المرحلة البطولية" للاتحاد الوطني للقوات الشعبية 1959 إلى 1965) أكثر منه بسبب "اتفاق سلم" مع طلبة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي قبله الشيوعيون "عن طيب خاطر "فطبقوا بدقة القرارات الهامة المتعلقة بسير المنظمة، التي يجب اتخاذها بعد اتفاق بين طلبة الحزبين المسؤولين داخل أجهزة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، و أن على اللوائح المشتركة أن تكون خاضعة للطلبة خلال انتخاب المسؤولين في أجهزتها.
إذا كان البند الأول قد تم خرقه مرارا من طرف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي لم يكن يرى أي عيب في استعمال الاتحاد الوطني لطلبة المغرب كمنظمة ملحقة، فبسبب تطبيق البند الثاني بالفعل، فإن اللوائح المشتركة، التي كانت الوحيدة الخاضعة لموافقة الطلبة، و التي بالنتيجة، كان متفقا عليها، تضم بشكل لا يتغير أغلبية اتحاد وطني للقوات الشعبية و أقلية تحرر و اشتراكية، و حتى النسب تظهر محددة : من سبعة في اللجنة التنفيذية يوجد شيوعي واحد ،و يضم المجلس الإداري 21 عضوا من بينهم اثنين من الشيوعيين ،أما في مكتب التعاضدية بكلية الآداب أو المدرسة العليا للأساتذة الذي يضم 11 عضوا يكون من نصيب الشيوعيين اثنان أو ثلاثة، أما بالنسبة لتمثيلية فرع الرباط في المؤتمر الوطني، فمن مجموع 60 مندوب لفرع الرباط يحصل الشيوعيون على 12 مندوبا ...
كان أمرا عاديا في هذه الظروف أن أجهزة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، التي عليها أن تعمل كإطار بالنسبة للقرارات المشتركة المتخذة من طرف مناضلي الحزبين، ستصبح إطارا، حيث الأقلية تصبح خاضعة للأغلبية بعد الموافقة على أن تكون أقلية. بالنسبة للحزب الشيوعي المغربي كانت "وحدة القوى الوطنية والتقدمية" فوق كل شيء، بل حتى فوق المبادئ.
إن الشعار لم يكن "وحدة- نقد– وحدة" لكن "وحدة! وحدة! وحدة!" وحدة، التي عليها استبعاد النضال ضد المواقف والاتجاهات الخاطئة، التي تبرز عند أولئك اللذين يريدون التوحد معهم. محتقرين من طرف البعض، مهاجمين من طرف آخرين، يتم التعامل معهم في أحسن الحالات بتعاطف العائلة البورجوازية تجاه الأعضاء الفقراء داخلها، هاته العائلة البورجوازية التي يسمونها "قوى وطنية وتقدمية"، إن الحزب الشيوعي المغربي يقدم نفسه دائما صغيرا جدا من أجل طمأنة هذه العائلة، التي تظهر نفسها متواضعة ذليلة لينة مع النظام، ويقدم نفسه جاهزا لملائمة مواقفهم مع موقفه باسم الوحدة (كما فعل ذلك بمناسبة الاستفتاء حول دستور 1970) والاكتفاء بمقعد خلفي في منتدى الوحدة، شريطة القبول به.
في انتظار ذلك، يكتفي بالمقعد الخلفي في لجان الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وفي بعض مقرات الاتحاد المغربي للشغل. إن قاعدة الحزب الشيوعي المغربي، المكونة أساسا من الطلبة والمثقفين، التي تلاحظ يوميا تقريبا الآثار السيئة لمثل هذه السياسة، سواء على التنظيم والحركة الطلابية، كما على الحزب نفسه، والتي كانت تحاول مرارا معارضة ذلك، يتم إرجاعها دائما إلى الطريق المستقيم من طرف القيادة، عن طريق قرارات بيروقراطية التي تخلطها هذه القيادة بالمركزية الديموقراطية. هناك مثال واحد يكفي لتوضيح واقع الحال هذا.
في سنة 1965 قرر طلبة الحزب الشيوعي المغربي لفرع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في باريس، غير الراضين عن تسيير المكتب المنتهية ولايته، ولكونهم غير متفقين مع التوجه العام الذي أعطاه طلبة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية للحركة الطلابية، قررا نقل النقاش أمام الجمع العام للفرع. لم يكن من الممكن، في هذه الظروف طبخ لائحة مشتركة. و تبنى الجمع العام الانتقادات و برنامج طلبة الحزب الشيوعي المغربي، اللذين حصلوا على الأغلبية في المكتب الجديد للفرع، الذي رفض طلبة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المشاركة فيه، لكن قيادة الحزب الشيوعي المغربي لم تر الأمر كذلك، فتم انتقاد مسؤولي فرع الحزب الشيوعي المغربي في باريس بحدة لكونهم حاولوا شق "الوحدة"، و تم إخضاعهم للقيام بالتكفير عن الذنب (لأنه لا يمكن الحديث عن النقد الذاتي عندما يأخذ مناضل في منظمة جماهيرية المسؤولية في الخضوع لتسيير و توجيه هذه المنظمة للقاعدة و الحصول على المصادقة عليه من طرفها)،فحل المكتب الجديد و تم استتباب الوحدة، و لا يهم ما قررته القاعدة .
إن نتائج هذه السياسة لن تمر دون ان يشعر بها الوسط الطلابي، إن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي لم يعد له تأثير وسط الجماهير (وهو الأمر الذي أظهرته بشكل واضح انتفاضة 23 مارس 1965) لم يعد بإمكانه تعبئة أي شيء خارج الحركة الطلابية، فقد كان يستعملها ككتلة مناورة كلما احتاجها، لدفع النظام ليكون أحسن استعدادا تجاهه، أو عندما يفرض عليه هذا الأخير اختبار قوة.. لقد حمل الحزب، الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والحركة الطلابية مهام أثقل كثيرا مما يمكن موضوعيا أن يتحملاه وحدهما، وحيث لا يمكنهما أن يجنيا إلا الضربات.
في حرب الاستنزاف هذه، حيث المخطط والأهداف غير ذات صلة بالاتحاد الوطني لطلبة المغرب والحركة الطلابية، فقد انتهيا إلى فقدان النفس، فالجماهير الطلابية أصبحت في أغلبيتها، تظهر القليل من الاهتمام والكثير من الترددات بالنسبة لحركة المطالب، وبالكاد تم الوصول إلى تفجير بعض الحركات بشكل متقطع ومحلي، ولمدة زمنية قصيرة، من أجل دعم بعض المطالب المستعجلة.
لم يعد يقوم بمتابعة الأنشطة التنظيمية للإ و ط م (انتخابات اللجان، اجتماعات المناضلين، الجموعات العامة) إلا مجموعة محدودة جدا، مشكلة تقريبا و حصريا من مناضلي الحزبين، تعتبرهم جماهير الطلاب الوحيدين المعنيين ب "المطبخ الداخلي" للاتحاد الوطني لطلبة المغرب.
ما هي الأسباب التي دفعت الحزب الشيوعي المغربي إلى تغيير قواعد السلوك في القطاع الطلابي سنة 1968؟
ستعلن "الكفاح الوطني" (جريدة الحزب) في بداية صيف 1968 إنشاء حزب التحرر والاشتراكية، وأن قوانين هذا الحزب تكون قد وضعت بين أيدي "السلطات ذات الاختصاص". بما أن إنشاء حزب التحرر والاشتراكية يدخل في إطار استمرارية حركة التحرر الوطني، حيث كان الحزب الشيوعي المغربي دائما يشكل فصيلا طليعيا (هذا بالأساس ما سيصرح به السيد علي يعتة في ندوته الصحافية المنعقدة في أكتوبر 1968). و بما أنه كان نتيجة للنضالات التي خاضتها الجماهير الشعبية (كما سنعلم بذلك في بلاغ المكتب السياسي المؤقت معلنا عن خلق حزب التحرر و الاشتراكية، و كما بالتالي لا يترك نفسه مجرورا بنوع من الربط بين هذا الحدث "التاريخي" و زيارة نيكولا بودغورني الأخيرة للمغرب و الاتفاقات التجارية المهمة السوفياتية – المغربية الناتجة عن ذلك و التي تفتح بالأخص السوق السوفياتية أمام الحوامض المغربية)، لكل هذه الأسباب، كان على حزب التحرر و الاشتراكية أن يظهر نفسه جيدا، وعلى أن له وجود و تأثير، بينما ، كما بالنسبة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، لا يمكن أن يكون تحت تصرفه إلا القطاع الطلابي، و لأجل القيام بذلك، عليه أن يحسم جيدا مسألة إعادة النظر في الوضع القائم مع الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في هذا القطاع، وضع قائم يثبته في وضع أقلية.
هل يعني هذا، تخليا للحزب الشيوعي المغربي ثم حزب التحرر والاشتراكية عن الشعار – الأرضية "وحدة القوى الوطنية والتقدمية"؟
إن تجربة السنوات التي ستأتي، ستبين أن الجواب هو بالنفي، فالشيوعيون بتحقيقهم النجاح في الحركة الطلابية، أرادوا تقوية الحظوظ ليروا حزب التحرر والاشتراكية يخرج إلى الشرعية في أحسن الآجال. لقد كان يأمل أنه بتقوية مكانته أمام شركائه، سيدفعهم ليكونوا أكثر تفهما تجاهه. فعندما أصبح حزبا شرعيا، نزع منهم حجة ملائمة بما يكفي، كانوا يختبئون وراءها، أي عندما كانوا يعرضون فكرتهم عن الصعوبات بالنسبة للمنظمات الشرعية في أن تتحد مع حزب ممنوع.
إنه في هذا الاتجاه يمكن فهم تصريح علي يعته في ندوته الصحافية المنعقدة في أكتوبر 1968، الذي حسبه أن حزب التحرر والاشتراكية سيساهم في تعزيز و و "وحدة القوى الوطنية و التقدمية". في انتظار النتائج المنتظرة في تغيير الموقف داخل الحركة الطلابية، يجب أولا ضمان النجاح.
إن ظروف هذا النجاح لم تكن منعدمة:
- إذا كان الجزء الغالب من الطلبة، يبدو على العكس غير مبالي، تجاه "المطبخ الداخلي"، للإ و ط م (حسب تجربة تلك الفترة)، فإنه لن يبرهن على نفس اللامبالاة تجاه مشاكل تشتد خطورتها شيئا فشيئا، التي يتخبط فيها التعليم العالي (كما هو الشأن بالنسبة للابتدائي و الثانوي أيضا) و الذي يؤدون ثمنه.
في مؤسسة مهمة مثل المدرسة العليا للأساتذة، فإن كل أنواع المشاكل التي تراكمت منذ إنشاء هذه المدرسة تشكل خليطا قابلا للانفجار أكثر فأكثر.
- إن الوضعية الجديدة التي خلقتها هزيمة يونيو 1967، وتطور حركة مقاومة الشعب الفلسطيني، لا يمكن أن تترك جماهير الطلاب غير مبالية.
- كما أن أصداء ماي 1968 بفرنسا وتجربة الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى الصينية (التي كانت في أوجها في 1967 و1968) لا يمكن أن تبقى بدون جواب في الوسط الطلابي المنفتح على الأفكار وعلى الاتجاهات الجديدة.
إن نداء الطلبة الشيوعيين (القوة المنظمة الوحيدة إلى جانب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية) الموجه إلى جماهير الطلبة عشية انتخابات المندوبين إلى المؤتمر 14 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، قد فهم كبرنامج مناسب لحشد الطلبة لمواجهة ضرورات هذه الوضعية الجديدة.
إن هذه الشعارات التي يتضمنها هذا النداء كانت تسمح بالأمل في تعزيز:
- الطابع الديموقراطي للاتحاد الوطني لطلبة المغرب واستقلاليته
- إصلاح الجامعة، ودعم أكثر نشاطا للحركة الطلابية للنضالات من أجل تحرر الشعوب وفي العالم العربي.
وإذا كانت العملية بالنسبة للقيادة المقبلة لحزب التحرر والاشتراكية تروم بالأساس الأهداف المشار إليها أعلاه، فيجب الإقرار أن مناضلي القاعدة كانوا على العموم أكثر صدقا عند حمل الشعارات.
هكذا إذن، لأول مرة، منذ عدة سنين، تمت دعوة الطلبة إلى اختيار مندوبيهم (60 من 120 مرشح في فرع الرباط) وليس التصويت على لائحة مشتركة "مطبوخة" مسبقا، وأن يعبروا عن موقفهم حول البرنامج والشعارات. لقد كانت المشاركة مكثفة.
إذا كان 600 طالب، اللذين شاركوا في الانتخابات في فرع الرباط (الفرع يمثل 77% من مجموع الطلبة) لا يمثلون سوى 10% من طلبة هذا الفرع، فإن هذا العدد كان رقما قياسيا بالمقارنة بذلك الذي كان في السنتين أو الثلاث سنوات السابقة (150 إلى 200 مشارك).
لقد مرت لائحة الطلبة الشيوعيين بأغلبية واسعة، لكن الأمر هنا لا يتعلق إلا بانتقال بسيط للأغلبية. ستعرف السنة الجامعية التالية لأول مرة حركة مطالب، من حيث الاتساع، حتى أن حزب التحرر والاشتراكية، كما هو الحال بالنسبة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، اللذان كانا يشعران أنهما على وشك أن يتجاوزا من طرف الحركة الطلابية، كانت لديهما صعوبة في احتوائها.
لقد انطلقت الحركة بحكم أهمية والتركيبة الاجتماعية لعناصرها، وبسبب خطورة المشاكل التي تراكمت فيها لتصبح من الآن فصاعدا في مقدمة الحركة الطلابية
إن هذه الحركة من المطالب ستتعمم على مستوى الجامعة كلها، وستغطي تقريبا الدورة الثانية كلها، لن يكتفي الطلبة بطرح مشكل قانون المدارس والجامعات ومستقبل الطلبة، وما يتفرع عنها، مثل المنح والسكن ... و لا يمكنهم أيضا أن يكتفوا بالتساؤل، و المرور إلى تحليل وضعية الجامعة و ما يتعلق بالتعليم، و عواقب سياسة النظام على حاضر و مستقبل هذا التعليم، لقد بدأوا يهتمون بوضعية توجه الحركة الطلابية حول الروابط مع باقي التنظيمات السياسية و النقابية، و حول الدور الذي يجب أن يلعبوه إلى جانب الجماهير الشعبية.
إذا كانت الجدالات، بل الشجارات التافهة بين طلبة حزب التحرر والاشتراكية وبين طلبة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في صراع مفتوح، لقيادة الحركة الطلابية قد غذى هذا النقاش، فقد بدأوا بالكشف عن الهوة التي كانت بين خطي هذين الحزبين من جهة، وتطلعات وقدرات الحركة الطلابية من جهة أخرى.
لم يظهر بعد أي اتجاه منظم في صفوف هذه الحركة لبلورة تطلعاتهم، وتطوير قدراتهم، وسيستمر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب التحرر والاشتراكية في تقاسمها.
لا يمكن لهذا أن يسير بدون مشاكل بالنسبة للحزبين، لقد تقاسم المناضلون القاعديون لحزب التحرر والاشتراكية حماس وتطلعات الجماهير الطلابية، فوجدوا أنفسهم في تناقض مع القيادة والخط الرسمي لحزبهم، موزعين بين الانضباط للحزب، الذي ما زال يأملون أن يتحول إلى حزب ثوري طليعي، ورغبتهم في تحقيق الحركة الطلابية لقفزة نوعية، لقد انتهى بهم الأمر بلعب دور "المحتجين" داخل الحزب و "المسوفين" داخل الحركة الطلابية، وهو موقف سيصبح من الصعب الدفاع عنه أكثر فأكثر.
وسط الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، حيث القطائع والمصالحات بين التيارات والقادة استمرت في إشغال الحزب، فإن الانشقاق لن يكون نهائيا إلا فيما بعد على مستوى كامل الحزب، لكنه سيكون قد تم في القطاع الطلابي عشية المؤتمر 13.
إن الرواية الطلابية للاختلافات بين التيارين، سيكون كموضوع رئيسي لها "وحدة القوى الوطنية و التقدمية" الشهيرة (بتعبير آخر، وحدة العمل مع حزب التحرر و الاشتراكية) و لازمة مشكل التطبيق أو حذف نظام الاقتراع باللائحة النسبية في انتخابات مختلف أجهزة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب(المتبناة من طرف المؤتمر 12)، لكن اتضح أن الرهان الحقيقي كان هو استعادة هيمنة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية لصالح الطرفين المتنافسين داخل هذا الحزب ، اللذين لم يعد لهما وهم حول مستقبل تعايشهما وسط نفس الجهاز، و يريد كل طرف تأمين خلفياته .
أخيرا، فإن مجموعة أخرى من مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية التحقت بالحلقات الأولى للحركة الماركسية - اللينينية، التي كانت في طور الجنين. هذه هي التيارات الأربع التي ستلتقي في المؤتمر 13.
إذا كانت "الكتلتان" الحاضرتان في المؤتمر 12، "كتلة" الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، التي نجحت في الحفاظ على التحامها في وجه مجموعة حزب التحرر و الاشتراكية المنضبطة، فقد استطاعتا أن تتفق حول برنامج العمل، كما حول مكونا ت الأجهزة القيادية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وحول نمط التنظيم، يسمح لكل مجموعة أن تكون ممثلة حسب أهميتها في الوسط الطلابي (الاقتراع النسبي)، و إذا كان من السهل عليهم في حالة عدم الاتفاق إيجاد مخرج للوضعية، عن طريق اتفاقات الكولسة بين المسؤولين السياسيين للقطاع الطلابي لكل حزب بموافقة قيادة كل حزب، فإن الخلافات بين المجموعات الأربعة الحاضرة في المؤتمر 13 لا تسمح أبدا بإيجاد أرضية قادرة على تحقيق الإجماع.
أولا، فإن مجموعتي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وجدت نفسها، تكتيكيا موحدة تجاه حزب التحرر والاشتراكية حول مسألة "الانتداب"، فلم تتحقق أية أغلبية واضحة على إثر انتخابات مندوبي المؤتمر، فليس بإمكانهما سوى أن يأملا تشكيل تلك الأغلبية وسط المؤتمر نفسه. لم يكن هناك بالإمكان بالتأكيد خلق أوهام حول إمكانية جر عناصر كتلة التحرر والاشتراكية، خلال المناقشات، إلى صفوفها. فلم يكن هناك سوى تقليص أعداد ممثليهم باعتبار نتائج الانتخابات في القطاعات التي حصلوا فيها على الأغلبية لاغية. هذا ما حاوله الأعضاء الاتحاديون داخل لجنة الانتدابات، لقد وجدوا الوسيلة لمعارضة انتدابات المدرسة الوطنية للزراعة، وفرع المدرسة العليا للأساتذة في الدار البيضاء وتطوان، وبعض المعاهد التقنية الأخرى، وبعض الفروع في الخارج.
لقد احتج ممثلو التحرر والاشتراكية حول انتدابات كليات الآداب والحقوق والعلوم، بتعبير آخر، ف 90% من المؤتمرين قد تم الاعتراض عليهم. لقد تم إيقاف نقاشات المؤتمر خلال ثلاثة أيام، وقررت رئاسة المؤتمر الذهاب بالقضية أمام اللجنة التنفيذية، التي قررت تغيير تشكيلة لجنة الانتدابات، من خلال ضمان أغلبية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية. إذن سينسحب طلبة التحرر والاشتراكية من لجنة الانتدابات، ثم من المؤتمر، بعد إعلان نتائجها.
التقت المجموعتان في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، من الجانبين، للتقرير فيما إذا كان بإمكان المؤتمر الاستمرار في أشغاله، أم لا.
لقد فرض الاتجاه "الوحدوي"، الذي يقوده الرئيس الجديد، الذي يتوفر على الأغلبية في اللجنة التنفيذية، والذي كان يتمنى أن يكون قادرا على الوصول إلى اتفاق مع التحرر والاشتراكية، تأجيل المؤتمر بالادعاء أنه لم يبلغ النصاب القانوني بعد انسحاب مندوبي حزب التحرر والاشتراكية.
يظهر لنا جيدا أن مفهوم وحدة العمل منذ الفترة السابقة للمؤتمر 12، أو على الأقل منذ هذا المؤتمر (حيث وافق على بعض التنازلات، على الأخص ما يتعلق بتشكيلة اللجنة التنفيذية والمجلس الإداري) طالته في الممارسة بعض التغييرات اللافتة للنظر، لماذا؟ إن مناضلي قاعدة حزب التحرر والاشتراكية أصبحوا لا يقبلون أن يكون سير مؤتمر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب مرتهنا بالقرارات المتخذة خارج هذا المؤتمر، وأن التنازلات الموافق عليها من طرفهم، تصبح الشرط الذي لا غنى عنه في سيره في ظروف جيدة، أيضا، كان نظام "النسبية" المعتمد من طرف المؤتمر 12 قد تم إلغاؤه بعد تجربة سنة من طرف المؤتمر 13، وحول هذه النقطة الأخيرة، فقد أبرزوا أنها الطريقة الوحيدة القادرة على ضمان تمثيلية كل تيار حسب أهمية حضوره. إنهم لا يريدون داخل القاعدة، في فترة، حيث تأثير الحزبين كان متساويا تقريبا، ويتوفران على 100% من المقاعد ب 51% من الأصوات. كان هذا بإمكانه أن يلعب مرة أخرى لصالح الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، لكن طلبة حزب التحرر والاشتراكية، مع القيادة، لم يكونوا يتقبلون بصدر رحب إمكانية أن يوجدوا لوحدهم في قيادة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، في حالة ما إذا كان طلبة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الغاضبين من حالة أن يكونوا أقلية، قرروا تركهم يتدبرون أمرهم لوحدهم.
لم يعودوا يقبلون أخيرا أن يمسح طلبة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، هكذا، وببساطة من خريطة للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، مدرسة بكاملها أو فرعا (كما سيقومون به بعد المؤتمر 14 بالنسبة للمدرسة الوطنية للزراعة بمكناس) من أجل ضمان الأغلبية. وإذا استطاعوا إقناع قيادة حزبهم بالرغم من هذا التحفظ، فلإن هذه الأخيرة أصبحت في حيرة من أمرها. فهناك مجموعة أعلنت الحرب عليها، وإذا كان بإمكانها التفاهم مع المجموعة الثانية، فلم تكن متيقنة أن هذه الأخيرة ستمثل الاتجاه "الرسمي" بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية. في هذه الظروف كان من الأحسن القيام بتنازلات للقاعدة، التي تتوفر على عدة مؤشرات تنبئ عن عدم رضى في تعاظم. كان يجب مرارا خلال السنة الجامعية الجارية تذكير بعض المناضلين بالانضباط لكونهم عبروا أو تبنوا مواقف مختلفة عن مواقف الحزب.
لم نر لحد الآن في الساحة إلا مجموعتين، مجموعة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ومجموعة حزب التحرر والاشتراكية، فماذا عن المجموعة الرابعة؟ إنها مجموعة في وضع يمثل حركة ما زالت في بدايتها تصل إلى المؤتمر تحت نفس اللافتة لمجموعتي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (لائحة مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والطلبة "التقدميين المستقلين") لم تكن المهمة سهلة لديها وسط هذا الوضع المعقد، معتبرة مشكل الانتدابات تصفية حسابات، ونظام النسبية كتركيب بسيط بين المجموعات الممثلة للأحزاب الإصلاحية، فقررت عدم التدخل في هذا النقاش، الذي كان يأخذ في بعض الأحيان طابعا مسطريا و ترافعيا كما لو في جلسة محكمة مدنية تعالج قضية إرث.
لقد كان لديها خطا سياسيا عليها أن تدافع عنه، سواء تعلق الأمر بالوضع على الصعيد الوطني، أو تعلق الأمر بحركة التحرر العربية والقضية الفلسطينية، وكان لديها أيضا خطا نقابيا لكي تقترحه، كانت ستركز تدخلاتها في المناقشات على هذه المسائل، هل كانت غير مهتمة بالقضايا التنظيمية؟
إن الجواب يجب أن يكون تقريبيا جدا، فإذا كان ممثلو هذا الاتجاه في اللجنة التنفيذية المقبلة، سيظهرون لا مبالاة وجهل تام تجاه نمط سير مختلف أجهزة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب (الشيء الذي سيلعب بالنسبة للجبهة الموحدة للطلبة التقدميين أدوارا سيئة في المؤتمر 14)، فقد طرح مندوبوها المشكل في المؤتمر لكن دون القدرة على بلورة الحلول بشكل واضح.
إن تسيير الاتحاد الوطني لطلبة المغرب كان يتذبذب بين طرفين انتهيا إلى المزج بينهما. و لأنهما كانا دائما يجران الحركة على هواهما (أو بالتحديد حسب الضرورات التكتيكية لحزبهما)، فإن القيادات التي تعاقبت لحد الآن كانت تملي قراراتها على الطلبة، و إذا ظهرت القاعدة الواعية أكثر فأكثر أنها حذرة، يلجؤون إلى الجمع العام "الديموقراطي"، و هو نوع من التجمع الانتخابي، حيث التصفيق بدون انقطاع، و حيث الصراخ إلى غاية فقدان النفس، و حيث يؤخذ المرء بالخناق إذا تطلب الأمر ذلك، إذ ينتهي في هذه الظروف، حيث مناقشة جدية و مسؤولة تصبح مستحيلة عمليا، إلى التصفيق على الموقف الرسمي : تقترح المجموعة التي نتكلم عنها إعادة إحياء لجان المناضلين و توسيع صلاحياتهم، لكن وصولا إلى هنا، فإن الحلول العملية المقترحة أصبحت مشوشة و متناقضة.
إن النقاشات لم تختزل فقط بطبيعة الحال في قضايا التصديق على الانتدابات، وعلى نظام الاقتراع النسبي، لقد تمت مناقشة الوضعية السياسية بالمغرب في هذا المؤتمر 13للاتحاد الوطني لطلبة المغرب بشكل صارم، وقد وضعت الأحزاب "الوطنية والتقدمية" على المحك.
إن المجموعة الرابعة (نسميها كذلك باعتبارها لم تمثل بعد باسم تيار) لم تتوان في توجيه انتقاداتها لسياستهما منذ "الاستقلال". لقد وجدت "مجموعة المانوني" (كما أصبحت تسمى بعد المؤتمر) ومجموعة حزب التحرر والاشتراكية نفسيهما موحدين في تقديم الرد والدفاع عن الوحدة الغالية. لن نتوسع في هذه الانتقادات وسنكتفي بالقول أنها ستكون بالأساس مستعادة و مطورة من طرف اليسار الثوري.
لن ينعدم تحليل نتائج سياسة الأحزاب على الحركة الطلابية: اتجاه نحو تعاضدوية الأكثر ضيقا، تاركا الحركة في موقف دفاعي، وجاعلا إياها هكذا تفقد كل مبادرة في مواجهة النظام، إن هذا الأخير هو الذي يبدأ بشكل عام بهاجمة مكتسبات الطلبة، اللذين وجدوا أنفسهم مدفوعين إلى الرد، في ظل ظروف لم يختاروها، والتي وجدوا أنفسهم أمامها غير مهيئين. إن نضال الطلبة غالبا ما يكون حادا لكن النتائج تظل ضعيفة.
كانت قيادة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب لا تطلق حركة إلا عندما لا يكون هناك ما يمكن عمله، وعندما يتم إطلاق الحركة على عجل، فإن أوجه القصور تبدأ في الإعلان عن نفسها، وتبدأ المصاعب في الظهور، فتعتمد القيادة على ذلك لإقناع الطلبة بقبول أول حل مشرف يأتي.
إن تبني خط دينامي وهجومي، وإقحام نضالات الحركة الطلابية في نضالات الجماهير الشعبية، وتعزيز طابع تنظيم جماهير الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، تلك كانت العناصر العامة للخط المدافع عنه من طرف العناصر الأولى لليسار الثوري في المؤتمر، والتي تم تلخيصها في الملتمس التنظيمي، عن طريق شعار "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، منظمة وطنية وتقدمية، تنظم الجماهير، ديموقراطية ومستقلة".
في هذا النقاش حول السياسة الوطنية، فإن "مجموعة لخصاصي" (الذي سيصبح رئيس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب عند نهاية المؤتمر، انزاحت لتترك المجموعة الرابعة في صراع مع "مجموعة المانوني" ومجموعة حزب التحرر والاشتراكية، وذلك في سياق تفاهم "تكتيكي" مع المجموعة الرابعة، في نفس الوقت الذي تلافت فيه الدخول في تناقض مع عضويتها في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، هذا الأخير الذي لم تتوان عناصر اليسار في توجيه الانتقادات إليه، وهو الموقف الذي تبنته "مجموعة لخصاصي" حول القضية الفلسطينية.
وبالنسبة لحزب التحرر والاشتراكية، فإن كل اقتراح حول "قضية الشرق الأوسط"، يجب أن تكون مناسبة من أجل تمجيد الدور الذي يلعبه الاتحاد السوفياتي إلى جانب الدول العربية، ويوجه التحية لنضال " الأنظمة التقدمية" كما هو الحال بالنسبة للمقاومة الفلسطينية وتأكيد حق هذه الأخيرة، وإعلان حق هؤلاء كما أولئك في القيام بأي عمل جماعي أو كل على حدة، الأولى لفلسطين والثانية لاسترجاع الأراضي المحتلة بكل الوسائل التي يرونها مناسبة، دبلوماسية، سياسية وعسكرية.
وستنضم إلى حزب التحرر والاشتراكية "مجموعة المانوني"، على أساس توجيه التحية لكل المحاولات، التي ترمي إلى توحيد المقاومة (حول فتح كما يفهم من ذلك)، وإذا كان لخصاصي ومجموعته متفقين أيضا على هذه النقطة، فهم يفضلون الامتناع، لأن المجموعة التي يريدون التفاهم معها ترى الأمور بشكل آخر.
و بالفعل، فإن عناصر اليسار اعتبرت أن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب و الحركة الطلابية هي جزء لا يتجزأ من حركة التحرر العربي (ديباجة القانون الأساسي للاتحاد الوطني لطلبة المغرب) و معتبرين كذلك، أن القضية الفلسطينية هي قضية وطنية (ملتمس حول فلسطين في المؤتمر 12) و هي تريد من الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، في الوقت الذي يؤكد فيه موقفه المبدئي في هذه المسألة، أن يتبنى نهجا يسمح له بالتعبير عن هذا الموقف في الممارسة من جهة، و من جهة أخرى أن يساند، و أن يقيم علاقات نضالية مع الجناح الأكثر تقدما داخل المقاومة، فليس هناك مجال للقيام بمدح للاتحاد السوفياتي و لا التصفيق ل "الأنظمة التقدمية"، التي تهضم هزيمتها في انتظار غودو– روجرز .
كان على المؤتمر 13، خمسة عشر يوما بعد تعليق هذه النقاشات في مدينة الرباط، أن ينتقل إلى الدار البيضاء، في هذه الأثناء فإن اللجنة التنفيذية ذات الأغلبية من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية قد فتحت الطريق نحو مسألة "الانتدابات". فقط الحالات المثيرة للخلاف (أي الحالات التي تمثل أغلبية لحزب التحرر والاشتراكية) سيتم إخضاعها للجنة التحقق من الانتدابات، هذه اللجنة التي كررت تقريبا القرارات المتخذة في الرباط حول هذا الموضوع، فوقع الانسحاب الثاني لحزب التحرر والاشتراكية، هكذا، لم تعد مسألة النصاب القانوني مطروحة مسطريا، فاستمر المؤتمر في أشغاله. سيحمل الملتمس السياسي والملتمس النقابي والملتمس حول فلسطين بصمة جماعة اليسار الثوري، التي ستصبح ممثلا في اللجنة التنفيذية بعضوين والخمسة الآخرين سيكونون من مجموعة لخصاصي، وهي صيغة مقبولة أساسا بالنسبة لهذه الأخيرة: ترك النظري لهم، ففي كل الأحوال فلن يكون هناك تطبيق ذلك.
بالفعل، إذا كانت قرارات وملتمسات المؤتمر 13 تعبيرا عن المواقف الأكثر تقدما للحركة الطلابية، فالقيادة التي انبثقت منها ستستمر في الخط وممارسات القيادات السابقة، بل وحتى تجاوزها في هذا الميدان.
ستعرف السنة الجامعية 1969 – 1970 سواء على المستوى الجامعي أو على المستوى الوطني والعربي، سلسلة من الأحداث المهمة، ستسرع تطور الحركة الطلابية في اتجاه رسم مسبقا خلال السنوات السابقة.
- سيتم منع حزب التحرر والاشتراكية بعد 13 شهرا من الوجود الشرعي، وحكم على علي يعتة مع شعيب الريفي ب 10 أشهر سجنا.
- سيقوم عمال بعض القطاعات (خاصة النسيج) بإطلاق حركات مطلبية على نطاق واسع خلال الدورة الثانية من السنة، وقد ميزت انتفاضات فلاحي ولاد خليفة الدورة الأخيرة من السنة.
- ستعرف الحركة الطلابية والتلاميذية صعودا قويا.
- بعد الاعتراف الرسمي للمغرب بموريطانيا (خلال المؤتمر الإسلامي الأول صيف 1969) والتخلي الضمني للحسن الثاني عن الصحراء، ستحدث مفاوضات بين الحكومة المغربية والاسبانية لمحاولة الوصول إلى اتفاق.
- سيكون صيف 1970 في المغرب أيضا فترة استفتاء جديد وانتخابات مزورة جديدة.
- قام وليام روجرز سلف كيسنجر، بعد سلسلة من الجولات في الشرق الأوسط، انتهت بإقناع عبد الناصر بمخططه. ستقوم المقاومة الفلسطينية، العقبة الكبرى لتطبيق هذا المخطط والعدو القاتل للنظام الهاشمي بمواجهة المحاولة الدامية لتصفية أيلول وسط صمت الأنظمة العربية.
على المستوى الطلابي، وعلى مستوى الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، استمرت التناقضات وصراع الاتجاهات، التي ميزت المؤتمر 13 على مستوى القاعدة. باعتبارها الأغلبية في الأجهزة القيادية، سيصطدم اتجاه لخصاصي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية بمعارضة منظمة لطلبة حزب التحرر والاشتراكية، اللذين يشكلون أغلبية في مكاتب التعاضديات والمدارس. صراع لا هوادة فيه، حيث، خاصة من جانب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كل الضربات كانت مسموحة: لقد سبق وأن رأينا اللجنة التنفيذية في العمل على نسج أغلبية من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية على حساب الاتجاه المنافس، وسنرى خلال هذه السنة ظهور مجموعات الصدام داخل الجموعات العامة، مجموعة تتكون من عناصر مدربة على وضع العراقيل والشغب وعلى الضرب عند الضرورة، وسنرى بعض الأجهزة قد تم حذفها ببساطة (مثل مكتب فرع الرباط) بسبب الأغلبية التي يمكن أن يحصل عليها الاتجاه المنافس. سنرى انتخابات مزورة، استعراض جثة المهدي بنبركة، رقصة موت انتخابية للتخلص من عدم المصداقية التي رمتها القاعدة تجاه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في بعض الكليات، سنسمع في الجموعات العامة خطابات لا تنتهي، قد يغبطهم عليها أكبر الديماغوجيين في التاريخ، وسنرى أشياء أخرى.
لقد قمنا بالتذكير بهذه الوقائع، ليس من باب تحريك الوحل، لكن لأنها ضرورية لفهم التطورات التي ستعرفها الحركة الطلابية في هذه السنة.
وإذا كان لخصاصي وحزب التحرر والاشتراكية في مواجهة بينهما، فأين كان "المانونيون" واليسار؟
إن الأغلبية الساحقة من الطلبة اللذين ما زالوا مستمرين في إعطاء نوع من الثقة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية كانوا إلى جانب مجموعة لخصاصي، فتأثير "المانونيين" قد تقلص للحد الأدنى. أما بالنسبة لعناصر اليسار، التي كانت بدورها تشكل أقلية باستثناء فرع فاس، اللذين كانوا يتوفرون فيه على نوع من التأثير، فلم يكونوا يظهرون بعد كاتجاه فرض نفسه، في كثير من الأحيان كان يتم خلطهم ب "لخصاصي"، الذي لم يكونوا يتميزون عنه بشكل واضح، وفي أحسن الحالات كانوا يعتبرون عناصر مستقلة وصادقة، لكنها قليلة الفعالية، فقد كانت مجموعة واحدة فقط مطلعة (على "المطبخ الداخلي") هي التي تعرف ماذا يمثلون في الواقع.
في هذا المناخ، ستندلع نضالات على نطاق واسع مع بداية الدورة الثانية من السنة الدراسية من طرف الحركة الطلابية، كما هو الشأن بالنسبة للتلاميذ، الحركة التي حاول النظام، ونجح في احتوائها عن طريق مناظرة إفران المشهورة، السيئة الذكر، حول التعليم، التي جمعت بيروقراطيي وزارة التعليم وبيروقراطيي الكليات والمدارس العليا وممثلي النقابة الوطنية للتعليم العالي، والحركة الطلابية.
يجب تسجيل أن ممثلي النقابة الوطنية للتعليم العالي، كانوا في نفس الوقت قادة في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية أو حزب التحرر والاشتراكية (برلماني سابق من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وعضوان من اللجنة المركزية الحالية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، اللذان كانا شخصيتان بارزتان في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وعضو مرشح وعضو كامل العضوية في المكتب الوطني من حزب التحرر والاشتراكية سابقا وعضو من اللجنة الوطنية).
مع قبول، أو بتعبير أدق، تصفيق ممثلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ورئيس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، سيقوم النظام في هذه المناظرة بتبني القرارات التي يريد التصديق عليها من طرف ممثلي الطلبة والأساتذة: تحسين استثنائي للوضعية المادية والإدارية لأساتذة التعليم العالي، زيادة (مرتبطة نسبيا بتزايد الأعداد) في عدد المنح والسكن وحذف المدرسة العليا للأساتذة.
بعد العودة إلى الجامعة، استقبل ممثلو الطلبة في المناظرة بصرخات الاستهجان وبعض الطماطم والصراخ بكلمات "الخونة". كان خطاب الحسن الثاني الختامي، الذي تم نقله مساءا عبر الراديو والتلفزة المغربية مليئا بالعجرفة والاحتقار للحركة الطلابية والتلاميذية، كان قد كشفت لهم بالفعل حجم الخسائر. تمت المناداة على رئيس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، لكن هذا الأخير انتظر حتى تهدأ العاصفة، بعد ذلك، فضل جمع "مجموعة الصدام"، وألقى خطابا، وحده يستطيع القيام به، فاستمع له الجمع العام بلا مبالاة، حتى أنه لم يجد الجمع العام ضرورة مناقشته، كان الطلبة يعرفون مع من يتحدثون.
بعد هذه الضربة القوية، ساد جو من اليأس والإحباط وسط الحركة الطلابية، واستبد الخوف من أن تنتشر البلبلة وسط القاعدة، لكن الأحداث التي وقعت في ماي 1970 والحركة التي تلتها، والتي سماها البعض "حركة ماي 70" ستذهب إلى تبديد هذه المخاوف وهذه الافتراضات.
في إطار المحادثات بين النظام الرجعي والنظام الفرنكاوي حول الصحراء، كانت زيارة وزير الخارجية الإسباني متوقعة ليوم 4 ماي، وبمبادرة من طلبة حزب التحرر والاشتراكية، قررت العديد من التعاضديات أن تجعل من 4 ماي يوما ضد الاستعمار الفرنكاوي، فتقرر الإعلان عن إضراب عام في الجامعة، وعقد اجتماع في المطعم الجامعي، وحملة ملصقات تغطي كل المقرات الجامعية، وفي الأحياء الشعبية، والأماكن الأكثر ترددا عليها في الرباط – سلا. و قام طلبة حزب التحرر و الاشتراكية بتغطية الجدران بالكتابات، و في انتظار 4 ماي، أعطى الطلبة لمسيرة فاتح ماي في الرباط طابعا بارزا : صورة لينين في المقدمة (كانت مئوية لينين وكانت واجهة الحي الجامعي منذ عدة أيام مغطاة بلافتات حمراء و بصور و اقتباسات للينين)، أعلام حمراء في اليد، كان الطلبة يمشون في موكب المسيرة وهم يصدحون بشعارات "عمال و طلبة في مواجهة نظام العصابات" (كان عمال النسيج في الرباط و سلا و تمارة في إضراب منذ عدة أيام)، "لوبيز سر ف حالك الصحرا ماشي ديالك"، و عندما كان بعض الطلبة من حزب التحرر و الاشتراكية يبرزون العبارة الشهيرة "الاشتراكية العلمية هي طريق التنمية" (الشعار الرسمي للحزب) حوله مجموع طلبة حزب التحرر و الاشتراكية إلى "الماركسية –اللينينية هي طريق الحرية".
كانت قوات الشرطة على أعصابها، وتضاعفت الاستفزازات خلال المسيرة، وعند نهاية مسارها، هكذا على حين غرة، أخذ الحماس بمجموعة من المتفرجين؟!، فاخترقت المسيرة بدون أن يمنعها البوليس كما كان يفعل لحد الآن، وأخذت تردد شعار "إلى بغيتو الحرية قلبوها جمهورية".
أمام هذا الوضع، أعلن القادة المحليون للاتحاد المغربي للشغل نهاية المسيرة، وطلبوا من العمال أن يتفرقوا، كما ظهر السيمي جاهزا لإطلاق النار، لكن تم تجنب المجزرة بالكاد في آخر لحظة.
ليس كثيرا على النظام أن يقوم الطلبة بالإضراب لطلب المنح أو تغيير القانون الأساسي لهذه المدرسة أو تلك ... ولكن أن يشرعوا بالتلويح بالأعلام الحمراء وصور لينين في وسط الشارع، وأن يقوموا بإضراب للاحتجاج ضد زيارة وزير "دولة صديقة"، فهذا يتجاوز الحد! ألم يعبر الوزير العسكي بوضوح خلال مناظرة إفران أن: "هناك حكومة في هذا البلد تنوي إدارته، لن نترك الطلبة يمارسون القانون".
في 9 ماي 1970، تم الدفع ب 15 مناضل من الاتحاد الوطني لطلبة المغرب الأعضاء السبعة للجنة التنفيذية، والأعضاء الثمانية لتعاضدية المدرسة العليا للأساتذة وكلية الآداب) إلى الخدمة العسكرية دون سابق إعلام وبدون إجراءات و لو شكلية.
هكذا كان النظام يأمل قطع رأس الحركة الطلابية بأقل الأثمان، لكن حسابه كان خاطئا: إضرابات عامة في الجامعة، مظاهرات طلابية يومية في الأحياء الشعبية، كانت نتيجتها رجوع المجندين الحليقي الرؤوس خلال أسبوع.
إنه لمكر التاريخ! فأولئك اللذين ستنعتهم الأحزاب البورجوازية الإصلاحية ب "اليسراويين" وتركهم ينعتون بالخونة من طرف الرجعية فيما يتعلق ب "عملية الصحراء" الحالية، كانوا هم الأولون من اعترضوا على المناورات المشتركة بين الفرنكوية والرجعية المحلية فيما يتعلق بالصحراء.
وبعد أن تلا القمع ذلك، صرح أحد المرشحين للمكتب الوطني لحزب التحرر والاشتراكية خلال اجتماع للقطاع الطلابي لهذا الحزب، ومن أجل تبرير معارضته للرد الذي كان الطلبة يريدون تنظيمه "اتركوا هؤلاء الرفاق يقومون بتجربتهم في القمع فلن يجعلهم ذلك إلا أكثر حكمة".
لقد تمت التجربة، ولم تجعل المناضلين إلا أكثر حكمة، لكن حكمة الثوري ليس لها أي شبه بالحكمة الإصلاحية الجبانة.
علاوة على ذلك، فان حركة ماي 70 ستستمر، وتصل الى مقاطعة الامتحانات، ستتضاعف الاعتقالات والمحاكمات تحت مبرر "الإخلال بالنظام العام"، ضد المضربين والمتظاهرين، اللذين يطالبون بضمانات موثوق بها، ضد الإجراءات المماثلة لتلك المرتبطة ب 9 ماي.
إذا كانت اللجنة التنفيذية ومكاتب التعاضديات مشلولة بسبب هذه الاعتقالات، فإن الحركة الطلابية كانت لها بنيات جديدة تتلاءم مع الوضعية الجديدة، بنيات ستسمح لها بالحفاظ على مستوى أعلى من التعبئة. داخل الحركة الطلابية، سقط القناع مرة أخرى عن الأحزاب الإصلاحية وقيادة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.
لقد تركوا الحركة تتدبر نفسها بنفسها، والرفاق "يقومون بتجربتهم في القمع"، فلن يظهروا من جديد إلا عندما تصبح الظروف ملائمة لتوقيفها. لقد وجدت "مجموعة لخصاصي" أنه من الطبيعي ومن الحكمة تأخير انتخابات مندوبي المؤتمر 14، رغم معارضة حزب التحرر والاشتراكية، الذي رغم تشويه السمعة التي لحقت به، فقد استمر في الاستفادة كأشخاص وكمناضلين في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بنوع من التقدير، علاوة على ذلك أنهم لن يستمروا في الحفاظ على هذا الوضع المزدوج.
لقد أصبح الوضع مهتزا وسط حزب التحرر والاشتراكية، وصار الطلبة أكثر تشددا. إن نقد خط الحزب والقيادة أصبح أكثر حدة، ولم يتردد بعض المناضلين في إدانة قادة الحزب علانية، خاصة اللذين شاركوا في مناظرة إفران باعتبارهم قادة للنقابة الوطنية للتعليم، فقد ظهرت القيادة بدل ذلك مائعة على مستوى الانضباط، لكن شيئا ما كان قد انكسر، وأن الأحداث الوطنية والعربية لصيف 1970 ستكمل القطيعة.
خلال هذا الصيف، كان النظام يحاول شرعنة حالة الاستثناء، الذي أصبح معمولا به منذ 1966، عن طريق منح دستور جديد، فقرر قادة حزب التحرر والاشتراكية الممنوعين أن يلعبوا لعبة النظام، بالقيام بحملة من أجل "لا"، ويكمن السبب في أن الأحزاب الأخرى "الوطنية والتقدمية" تبنت نفس الموقف، وكان يجب أن يصطفوا معها من أجل تحقيق " الإجماع للقوى الوطنية والتقدمية"!
سيصفق علي يعتة بحرارة لتأسيس "الكتلة الوطنية" ("تجمع وطني")، و تفاديا لكل انتقاد، سيكتفي بإبداء ملاحظة باحتشام، أن كل القوى "الوطنية و التقدمية" لم تكن ممثلة. ومن أجل الانتخابات البرلمانية اكتفى بدعم موقف عدم المشاركة ل " القوى الوطنية والتقدمية".
(نسجل بين قوسين، أنه فيما يتعلق بالاتحاد الوطني لطلبة المغرب، فإن رئيس اللجنة التنفيذية الذي اتخذ موقف من أجل مقاطعة الاستفتاء، ولكن لكونه. مناضل في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية فقد كان يقوم بالحملة من أجل "لا").
عندما كان النظام الرجعي في المغرب (كما في لبنان، هل هي صدفة محضة؟!) يحاول إشغال الجماهير الشعبية بمهزلته الانتخابية، كان مخطط روجرز يشق طريقه، ويتم التهييء لأيلول الأسود في الشرق العربي. لم يدن أبدا حزب التحرر والاشتراكية هاته المواقف الرسمية (انظر مشكل الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، تقرير اللجنة الوطنية المؤقتة لحزب التحرر والاشتراكية سنة 1968 (أو 69)).
بالنسبة لقرار مجلس الأمن 242 بتاريخ 28 – 11 - 1968 كان الحزب يرى أن البلدان العربية التي لها أراضي محتلة من طرف الصهاينة لها الحق باستنفاذ كل الوسائل لاسترجاع أراضيها، كما للمقاومة الفلسطينية الحق في استعمال كل الوسائل لتحرير فلسطين، وكان يرى أيضا أن دعم الاتحاد السوفياتي كان شرطا أساسيا لكل انتصار. والحال أن ها هي بلدان عربية تجد في مخطط روجرز وسيلة لتحرير أراضيها، وها هو الاتحاد السوفياتي كان متفقا مع هذا المخطط ...
هكذا بالنسبة للمناضلين اللذين يطالبون حزب التحرر والاشتراكية بأن يأخذ موقفا واضحا حول المشكل، ويقرر عملا ملموسا لدعم هذا الموقف، لم يقم علي يعتة سوى برفض الطلب، واتهامهم باستعمال هذه الذريعة من أجل التملص من "واجبهم الوطني" (المشاركة في الحملة الاستفتائية و ما يتبعها).
فما كان على هؤلاء المناضلين سوى تحمل مسؤولياتهم، فتحملوها، مدعمين من كل العناصر الصادقة في الحزب، فقام علي يعتة بالكشف عن أسمائهم، فتمت القطيعة.
هكذا، ستعزز مجموعة جديدة صفوف الحركة الماركسية –اللينينية.
في الانتخابات للمؤتمر 14 سيتوارى هذا الحزب إلى الخلف، وستصبح هناك قوة جديدة في مواجهة مجموعة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. ستجتمع العناصر المستاءة من الخط المفروض على الاتحاد الوطني لطلبة المغرب من طرف الأحزاب الإصلاحية، والمناضلين الماركسيين –اللينينيين عشية انتخابات المؤتمر 14 حول برنامج عمل مقدم للحركة الطلابية، وسيسمون لائحتهم ب "الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين":
- من أجل تعليم عربي في المضمون والشكل، ديموقراطي وشعبي في بنياته ومناهجه وأهدافه، علمي في مضمونه.
- من أجل منظمة جماهيرية، تقدمية، ديموقراطية ومستقلة.
- ومن أجل ألا تبقى هذه المبادئ كلمات مسطرة في ديباجة القوانين الأساسية، وفي بطاقة الانخراط في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.
- من أجل أن تخرج الحركة الطلابية من الإطار التعاضدي الضيق والدفاعي، ومن أجل الانخراط في نضالات الجماهير بتبني مناهج النضال الملائمة تحت شعار: "لكل حركة جماهيرية صداها في الجامعة".
من أجل تقوية التضامن في النضال بين الحركة الطلابية المغربية والحركات الطليعية في نضال التحرر العربي وفي العالم.
تلك كانت الخطوط العامة لبرنامج الاتحاد الوطني لطلبة المغرب المبلورة انطلاقا من نقد التجربة الغنية بدروس السنة الماضية.
حصلت اللوائح المسماة "الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين"، أو المشكلة على قاعدة نفس البرنامج، على أغلبية ساحقة في كلية الآداب و في المدرسة العليا للأساتذة، وفي كلية الحقوق و المدرسة المحمدية للمهندسين، و المعهد الوطني للإحصاء و الاقتصاد التطبيقي و المدرسة الوطنية للإدارة، و ينتمي مجموع المندوبين لفرع فاس إلى لائحة موحدة حول نفس شعار الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين، لكن هذه الجبهة (كما ستسمى منذ الآن والتي حاول البعض بث الغموض حولها) كانت مشكلة من عناصر ذات اتجاهات متنوعة إلى حد ما، ليتحقق تماسكها في وقت قصير جدا، و حتى يمكنها أن تكون قادرة على تعميق برنامجها في ما وراء الشعارات العامة.
في هذه الظروف شاركت الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين في المؤتمر 14. و لكونها شكلت أغلبية في اللجنة التنفيذية ، نتيجة المؤتمر 13، سيجد لخصاصي نفسه أقلية في اللجنة التنفيذية عشية المؤتمر 14، كان اثنان من أنصاره قد تركا الميدان خلال صراعات السنة الجارية، و ينفصل عنه اثنان آخران تقززا من ممارساته، و أصبحا يتفاهمان أحسن مع العنصرين الممثلين لليسار، كان بإمكان هؤلاء في هذه الظروف، الإحاطة علما و مسبقا بمحاولات رئيس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب لقضم أغلبية الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين، إذا لم يكونوا بهذه المناسبة قد أظهروا ، كما هو الحال طيلة السنة جهلا، بل ازدراء تاما للنزعة "القانونية".
هكذا طرح مشكل الانتدابات للمؤتمر 14 بنفس مصطلحات المؤتمر 13. بعد أن دافع ببسالة عن مواقفه السياسية وشعاراته، ودحض اتهامات الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وبعض بقايا حزب التحرر والاشتراكية (وقد ظهر هذان الاتجاهان موحدان في هذه المناسبة)، التي وفقا لها، تريد الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين تحويل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب إلى طائفة سياسية، وسينسحب مندوبو الجبهة الموحدة.
بعد نقد ذاتي صارم ودقيق لتجربة الجبهة الموحدة، وبعد سنة، حيث كان على الحركة الطلابية أن تعاني من قيادة 100% اتحادية، التي لم تكن أحسن من سابقاتها، هاته الأخيرة، رغم كل المحاولات لتوقيف الكارثة التي جلبتها، كان عليها أن تنحني في المؤتمر 15 أمام الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين المتماسكة، التي تتوفر على خط واضح وتولف المواقف الأكثر تقدما للحركة الطلابية وللحركة الجماهيرية.
سينسحب مندوبو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بدورهم من المؤتمر، ولكن لأسباب مختلفة عن الأسباب التي كانت قد تسببت في انسحابين سابقين، وجد اليسار الجديد الثوري نفسه بقوة الأشياء وحيدا على رأس الحركة الطلابية.
وفي سياق إخلاصها لطبيعتها، فإن الحركة الطلابية بعد صراع إيديولوجي وسياسي حاد، أعطت لنفسها قيادة وخطا يمثل التيار الأكثر تقدمية وطليعية لحركة الجماهير.
في نفس الوقت، الذي انفجرت فيه التناقضات الداخلية للنظام للمرة الثانية، خلال صيفين، وفي واضحة النهار (16 غشت 1972)، فإن ما حاوله النظام سنة 1964، ضد الإ و ط م، الذي كان تحت قيادة العناصر الأكثر جذرية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، حققه في 24 يناير1973، عندما انتقلت قيادة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب إلى يد الجبهة الموحدة، حيث كان جزء منها يتشكل من مناضلين ماركسيين ــــ لينينيين، هؤلاء سوف لن يتأخروا في أن يلتحقوا بالسجن و بالمقرات السرية للبوليس برفاقهم اللذين كانوا فيه منذ بداية السنة.
طالبت الأحزاب البورجوازية الإصلاحية برفع الحظر المفروض على الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، إنه موقف صحيح وصادق في العمق، لا يجب على المناضلين الثوريين التردد في قيادة العمل المشترك مع مناضلي القاعدة في هذه الأحزاب تحت هذا الشعار، كما حول ما يتعلق بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
لكن كيف ترى الأحزاب الإصلاحية رفع الحظر عن الاتحاد؟ بالنضال؟ أم باستجداء القصر؟ ماذا تريد أن تقول عمليات السحب المتكررة في المجلس الاتحادي للاتحاد الوطني لطلبة فرنسا، ورفض المشاركة في اللجن السرية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب في المغرب؟ هل يريد النظام رفع الحظر على الاتحاد عندما تتوفر ضمانات جادة، التي يمكن لهذه الأحزاب أن تأخذها بين يديها؟ مهما كان موقف الأحزاب في هذه المسألة، فإن النضال يستمر لرفع الحظر عن الاتحاد و ط م، و سيستمر ا و ط م كما كان عشية حظره: منظمة جماهيرية ديموقراطية تقدمية و مستقلة، و مهما كانت حسابات النظام و الأحزاب، نتمنى أن يتركوا حساباتهم السيئة لأنهم سيفشلون، فالظروف الموضوعية و الذاتية للجماهير الطلابية لن تخضع لأي تحولات، ستبقى الحركة الطلابية رغم المنعرجات و التراجعات المؤقتة وفية لطبيعتها التقدمية.
غشت 1975
ـــ ـــ
نص هذه الوثيقة بصيغة ب.د.ف. يوجد على موقع 30 غشت
http://www.30aout.info