ضحايا الخداع و خداع الذات - مقتطف من كتاب -الشيوعية الجديدة - لبوب أفاكيان


شادي الشماوي
2021 / 1 / 28 - 11:20     

---------------------------------------------------------------
الماويّة : نظريّة و ممارسة

عدد 38 / أكتوبر 2020
شادي الشماوي
الشيوعية الجديدة – علم وإستراتيجيا و قيادة ثورة فعليّة ، و مجتمع جديد راديكاليّا على طريق التحرير الحقيقي

تأليف بوب أفاكيان

http://www.bannedthought.net/USA/RCP/Avakian/Avakian-TheNewCommunism-Searchable.pdf

)This is not an official translation ( ملاحظة : هذه الترجمة ليست رسميّة /
[ الكتاب برمّته متوفّر للتنزيل من مكتبة الحوار المتمدّن – نسخة بى دى أف]
-------------------------------------------------------
مقدّمة المترجم :

حينما صدر كتاب بوب أفاكيان " الشيوعية الجديدة – علم وإستراتيجيا و قيادة ثورة فعليّة ، و مجتمع جديد راديكاليّا على طريق التحرير الحقيقي " سنة 2015 ، أسرعنا إلى الإطّلاع على مضامينه المذهلة و إتّخذنا للتوّ قرار تعريبه في أقرب وقت ممكن إلاّ أنّنا واجهنا معضلة ليست بالهيّنة ما نفتأ نصطدم بها ألا وهي معضلة الأولويّات و قدر الوقت الذى نملك لتخصيصه للإشتغال على هذا الكتاب أو ذاك أو هذه المقالة أو مجموعة المقالات أو تلك ، و بالفعل إضطررنا إضطرارا إلى تأجيل تحقيق مشروع التعريب هذا مبجّلين أعمالا أخرى لها أهمّيتها القصوى هي الأخرى . و مع ذلك ، حتّى بعد ترجمتنا و نشرنا لكتاب آخر أصغر حجما لبوب أفاكيان صدر سنة 2019 و نقصد " إختراقات - الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة - خلاصة أساسيّة " ، لم تفارقنا قناعة ضرورة تعريف القرّاء باللغة العربيّة على هذا المصنّف ( " الشيوعية الجديدة ..." ) ذلك أنّنا نشاطر دار النشر بشيكاغو ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، إنسايت براس ، https://www.insight-press.com، إعتبارها الكتاب في تقديمها له " مَخبَرا للخلاصة الجديدة للشيوعيّة التي طوّرها بوب أفاكيان " و تأكيدها أنّه " مستفزّ للتفكير " و " يتحدّى الأفكار المنمّطة و التفكير التقليدي " . و من ثمّة ما برحنا لمدّة طويلة ، كلّما توفّرت و لو فسحة صغيرة من الوقت ، نقضم من جبل صفحات فصول ذلك الكتاب الأربعة ما نقدر على قضمه ترجمة مراكمين ، مع تصرّم الزمن ، ما يسّر تاليا الإنكباب على إتمام العمل برمّته في غضون أسابيع بدلا من أشهر .
و بما أنّ شغلنا الشاغل في إختيار الأعمال التي نترجم هو دفع النقاش و الجدال صلب الحركة الشيوعيّة العالميّة عامة و العربيّة خاصة على أساس علمي و الغاية هي إنشاء حركة ثوريّة تغيّر العالم من منظور بروليتاري شيوعي ثوريّ ؛ و بما أنّ كتاب بوب أفاكيان من شأنه ، إن تمّ التعاطى معه علميّا و جدّيا ، أن يحرّك المياه الراكدة التي تخدم التحريفيّة و هيمنتها على الحركة الشيوعيّة العربيّة و العالميّة و بالتالى تخدم أعداء الشيوعية و تحرير الإنسانيّة ، سعينا جهدنا إلى إضافة هذا الكتاب الجديد إلى سلسلة الكتب السابقة التي تُعنى بأمّهات القضايا التاريخيّة و الآنيّة و المستقبليّة للحركة الشيوعية العالمية ، الإيديولوجيّة منها والسياسيّة. و عليه ، نؤكّد على أنّ هذا الكتاب الجديد ، على فرادته و تميّزه ، مكمّل و متمّم لسلسلة كتب و مقالات عرّبناها و نشرناها منذ سنوات تتمحور حول الصراع المحتدم بشأن الخلاصة الجديدة للشيوعية / الشيوعية الجديدة ، و منها للذكر لا الحصر المؤلّفات التالى ذكرها ( علما و أنّ جميع أعمال شادي الشماوي متوفّرة للتنزيل من مكتبة الحوار المتمدّن ) :
- المعرفة الأساسيّة لخطّ الحزب الشيوعيّ الثوريّ ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة ( الكتاب عدد 9 من " الماوية : نظرية و ممارسة " )
- " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " ( مشروع مسودّة ) " ( ضمن الكتاب عدد 10 ).
- " الماويّة تنقسم إلى إثنين " ( الكتاب 13)
- " مقال " ضد الأفاكيانية " و الردود عليه ". ( الكتاب 15 )
- من ردود أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعيّة على مقال " ضد الأفاكيانيّة " لآجيث ( الكتاب 18)
- "عن بوب أفاكيان و أهمّية الخلاصة الجديدة للشيوعية
تحدّث قادة من الحزب الشيوعيّ الثوريّ ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة " ( الكتاب 25 )
و كتابان لبوب أفاكيان نفسه :
- " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " ( الكتاب 16)
- " إختراقات - الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة - خلاصة أساسيّة "(الكتاب 36).

و للتعريف بالمؤلِّف ، أوردت دار النشر نصّا قصيرا وثّقته في نهاية الكتاب و بتفحّصنا لهذا النصّ و مقارنته بنصوص إعترضتنا آنفا أدركنا أنّه يتعتمد أساسا على وثيقة كنّا ترجمنا و نشرنا فقرات منها في الكتاب الأخير لبوب أفاكيان أي " إختراقات - الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة - خلاصة أساسيّة " فآثرنا أن نعيد نشر الفقرات المعرّبة من مقال " بوب أفاكيان – السيرة الذاتيّة الرسميّة " الصادر عن معهد بوب أفاكيان ، https://www.thebobavakianinstitute.org
لنلحقه مجدّدا بمقال " النشاط السياسي لبوب أفاكيان و قيادته الثوريّة خلال ستينات القرن العشرين و سبعيناته و تواصلهما اليوم " في كتاب " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " و مقال " سيرة مختصرة " مستقاة أساسا من سيرة بوب أفاكيان الذاتيّة " من إيكي إلى ماو و بعده ، مسيرتى من الفكر الأمريكي السائد إلى شيوعي ثوري " أوردناه في كتاب " عن بوب أفاكيان وأهمّية الخلاصة الجديدة للشيوعية تحدّث قادة من الحزب الشيوعيّ الثوريّ ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة ". و هذه الفقرات هي :
"... بوب أفاكيان مهندس إطار نظري جديد لتحرير الإنسانيّة ، الخلاصة الجديدة للشيوعيّة ، المشار إليه بصيغة شعبيّة ب " الشيوعية الجديدة " . و هدف الشيوعية الجديدة هو الثورة الكلّية – أكبر ثورة جذريّة في تاريخ الإنسانيّة غايتها ليس أقلّ من تجاوز كلّ أشكال الإضطهاد و الإستغلال عبر العالم قاطبة ، مجتمع حيث يمكن للإنسانيّة أن تزدهر حقّا . و تستند الخلاصة الجديدة إلى أكثر من أربعين سنة من العمل الثوري أنجزه بوب أفاكيان محلّلا نقديّا و مستخلصا الدروس و العبر من التجربة و النظريّة الثوريّتين السابقتين ، و من مروحة واسعة من النشاط و الفكر الإنسانيين . إنّها إستمرار للنظريّة الشيوعيّة كما تطوّرت قبلا لكنّها تمثّل أيضا قفزة نوعيّة تجاوزت و في بعض الجوانب الهامة قطعت معها . وهي توفّر قاعدة – علم و إستراتيجيا و قيادة – ثورة فعليّة و مجتمع جديد راديكاليّا على طريق التحرير الحقيقي .
و بوب أفاكيان مؤلّف " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " الذى يعدّ تطبيقا ملهما للخلاصة الجديدة للشيوعيّة . و هذا الدستور الذى تبنّته اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكيّة ، مروع لمجتمع إشتراكي جديد ، بداية من اليوم الأوّل لفترة إنتقاليّة طويلة الأمد تؤدّى إلى عالم خالى من الطبقات و الإختلافات الطبقيّة ، عالم خالى من الإضطهاد و الإنقسامات و التناحرات المدمّرة في صفوف البشر ...
و المركزي في الخلاصة الجديدة للشيوعية لبوب افاكيان هو منهجها و مقاربتها العلميين الشاملين و الصريحين . " تمثّل الخلاصة الجديدة و تجسّد حلاّ نوعيّا للتناقض الحيوي الذى وُجد صلب الشيوعية فى تطوّرها إلى هذه اللحظة ، بين منهجها و مقاربتها العلميّين جوهريّا من جهة و مظاهر من الشيوعية مضت ضد ذلك . " [ ستّة قرارات صادرة عن اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكيّة -1 جانفى 2016 ]
و يوفّر هذا التقدّم النوعي في المقاربة العلميّة للقيام بالثورة و تحرير الإنسانيّة أساس و نقطة إنطلاق مرحلة جديدة من الثورة الشيوعية التي يحتاجها العالم بصورة ملحّة اليوم . و المنهج و المقاربة العلميين للخلاصة الجديدة عنصر مفتاح في إختراقاتها النظريّة التي تشتمل على : تعميق فهم الأمميّة ؛ و تطوير نظرات ثاقبة جديدة للمقاربة الإستراتيجيّة للثورة ، التي تكشف الإمكانيّة الفعليّة للقيام بالثورة ، حتّى في بلد كالولايات المتّحدة ؛ و تعيد صياغة كيفيّة التقدّم في النضال في سبيل إنشاء مجتمع جديد راديكاليّا – و تحرّريّ حقّا ...
و لم تكن الخلاصة الجديدة للشيوعيّة ، خاصة مقدّماتها الأساسيّة القائلة بأنّ الشيوعية علم ، محور خلاف و نزاع فحسب و إنّما كان بوب أفاكيان ذاته " مسألة خلافيّة " . فهناك البعض ، بمن فيهم مدافعون عن النظام الإضطهادي الراهن في العالم و موظّفوه و فارضوه ، الذين يمقتون بوب أفاكيان و يشيطنونه بالأساس للقيادة الثوريّة التي يمثّلها و التي يقدّمها . بيد أنّ عديد الآخرين ، حتّى الذين لهم إختلافات سياسيّة مع بوب أفاكيان ، يكنّون عميق الإحترام له و لما يقف في سبيله – قطيعة جذريّة مع عالم يطفح بالإضطهاد و العذاب غير الضروريين – و لتكريسه حياته للتقدّم بالثورة و تحرير الإنسانيّة . و الذين يقرّون بالدلالة العميقة للخلاصة الجديدة للشيوعيّة يعتبرون بوب أفاكيان بمثاب ماركس هذا العصر : قائد فذّ و نادر غيّرت مساهماته النظريّة نوعيّا و تقدّمت بعلم الشيوعية و عبّدت الطريق لموجة جديدة من الثورات الشيوعيّة التحريريّة الحقيقيّة عبر العالم ...
ظهور جماهيري :
منذ 2003 ، ظهر بوب أفاكيان في عديد المناسبات الجماهيريّة و شبه الجماهيريّة .
ففي 2003 ، أطلق شريط خطاب لبوب افاكيان ألقاه أمام الحضور في مدينتي نيويورك و لوس أنجلاس ، " الثورة : لماذا هي ضروريّة ، لماذا هي ممكنة و ما الذى تشمله ، شريط خطاب لبوب أفاكيان ".
و مع نهاية 2012 ، ألقى بوب أفاكيان سلسلة من الخطابات في عدّة مدن جاءت حصيلتها شريط " بوب أفاكيان يتكلّم : الثورة – لا شيء أقلّ من ذلك ! بوب أفاكيان على المباشر " .
و في 15 نوفمبر 2014 ، شهد 1900 شخصا حوارا تاريخيّا في كنيسة ريفرسايد بمدينة نيويورك بين كورنال واست و بوب أفاكيان ، و كان عنوانه " الثورة و الدين : النضال من أجل التحرير و دور الدين "...
و في أكتوبر 2017 ، في منعرج مفصلي حينما كان نظام ترامب / بانس يحاول توطيد الفاشيّة ، أطلق شريط خطاب لبوب أفاكيان عنوانه " يجب على نظام ترامب / بانس أن يرحل ! بإسم الإنسانيّة نرفض القبول بأمريكا فاشيّة - عالم أفضل ممكن "... "

و كتمهيد و تعريف اوّلي بالمسألة المركزيّة في هذا الكتاب ، نقترح عليكم تعريفا مقتضبا للخلاصة الجديدة للشيوعية / الشيوعية الجديدة صاغه بوب أفاكيان ذاته :
" تعنى الخلاصة الجديدة إعادة تشكيل و إعادة تركيب الجوانب الإيجابية لتجربة الحركة الشيوعية و المجتمع الإشتراكي إلى الآن ، بينما يتمّ التعلّم من الجوانب السلبية لهذه التجربة بابعادها الفلسفية والإيديولوجية و كذلك السياسية ، لأجل التوصّل إلى توجه و منهج و مقاربة علميين متجذّرين بصورة أعمق و أصلب فى علاقة ليس فقط بالقيام بالثورة و إفتكاك السلطة لكن ثمّ ، نعم ، تلبية الحاجيات المادية للمجتمع و حاجيات جماهير الشعب ، بطريقة متزايدة الإتّساع ، فى المجتمع الإشتراكي – متجاوزة ندب الماضى و مواصلة بعمق التغيير الثوري للمجتمع ، بينما فى نفس الوقت ندعم بنشاط النضال الثوري عبر العالم و نعمل على أساس الإقرار بأن المجال العالمي و النضال العالمي هما الأكثر جوهرية و أهمّية ، بالمعنى العام – معا مع فتح نوعي لمزيد المجال للتعبير عن الحاجيات الفكرية و الثقافية للناس ، مفهوما بصورة واسعة ، و مخوّلين سيرورة أكثر تنوّعا و غنى للإكتشاف و التجريب فى مجالات العلم و الفنّ و الثقافة و الحياة الفكرية بصفة عامة ، مع مدى متزايد لنزاع مختلف الأفكار و المدارس الفكرية و المبادرة و الخلق الفرديين و حماية الحقوق الفردية ، بما فى ذلك مجال للأفراد ليتفاعلوا فى " مجتمع مدني " مستقلّ عن الدولة – كلّ هذا ضمن إطار شامل من التعاون و الجماعية و فى نفس الوقت الذى تكون فيه سلطة الدولة ممسوكة و متطوّرة أكثر كسلطة دولة ثورية تخدم مصالح الثورة البروليتارية ، فى بلد معيّن وعالميا و الدولة عنصر محوري ، فى الإقتصاد و فى التوجّه العام للمجتمع ، بينما الدولة ذاتها يتمّ بإستمرار تغييرها إلى شيء مغاير راديكاليا عن الدول السابقة ، كجزء حيوي من التقدّم نحو القضاء النهائي على الدولة ببلوغ الشيوعية على النطاق العالمي . "
القيام بالثورة و تحرير الإنسانية ، الجزء الأوّل – جريدة " الثورة " عدد 112 ، 16 ديسمبر 2007

و تجدر الإشارة إلى أنّ رحلة دراسة هذا الكتاب دراسة جدّية علميّة نقديّة رحلة شيّقة لا محالة و ممتعة أيضا بالنسبة للباحثين و الباحثات عن كثب و بإستمرار عن الحقيقة و الساعين و الساعيات بحيويّة و تصميم لتغيير العالم و ليس تفسيره فحسب غير أنّ هذه الرحلة قد تكون عسيرة نوعا ما بالنسبة لمن لم يعتادوا الخوض في المسائل النظريّة المثارة هنا لذلك ندعوكم إلى التحلّى بسعة الصدر و إعتماد القراءة المتأنّية و المتمعّنة التي لا تستبعد التوقّف و إعادة القراءة إن إقتضى الأمر لإستيعاب أفضل لمضمون القضيّة المعالجة ، كما ندعوكم إلى التسلّح بالفكر النقديّ فلا تبخلوا علينا و على مؤلّف الكتاب عينه بملاحظاتكم النقديّة التي نرجو أن تتوخّى النقد العلمي و الملموس الذى تنادى به الماركسيّة و تشجّع عليه ، علّنا نستفيد من مضامين الكتاب و من نقدها كذلك ، هذا النقد الذى قد يساهم في تطوير النقاش و الجدال اللازمين بحثا عن الحقيقة التي هي وحدها الثوريّة .
و هكذا بعد ما قيل هنا ، بات الطريق معبّدا للغوص فى عالم محاضرات تعرض الشيوعيّة الجديدة بمنهجها و مقاربتها و بفهمها للإشتراكية و الشيوعيّة و طريق تحرير الإنسانيّة ، و بإستراتيجيا الثورة مطبّقة على بلد إمبريالي هو الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، و بالقيادة التي نحتاج لتوجيه الشعب و إرشاده في صنع التاريخ و تغيير العالم تغييرا شيوعيّا ثوريّا بهدف إنشاء عالم أفضل بكثير ، عالم شيوعي خال من كافة أصناف الإضطهاد و الإستغلال ترغب الإنسانيّة جمعاء في العيش فيه و الإزدهار في أحضانه .

و محتويات الكتاب 38 ، فضلا عن مقدّمة المرتجم :

مقدّمة و توجّه
- ضحايا الخداع و خداع الذات
الجزء الأوّل : المنهج و المقاربة ، الشيوعيّة كعلم
- الماديّة مقابل المثاليّة
- الماديّة الجدليّة
- عبر أيّ نمط إغنتاج
- التناقضات الأساسيّة و ديناميكيّة الرأسماليّة
- الخلاصة الجديدة للشيوعيّة
- أسس الثورة
- الأبستيمولوجيا و الأخلاق ، الحقيقة الموضوعيّة و هراء النسبيّة
- الذات و المقاربة " الإستهلاكيّة " للأفكار
- حول ماذا ستتمحور حياتك ؟ - رفع رؤى الناس
الجزء الثاني : الإشتراكيّة و التقدّم نحو الشيوعيّة : يمكن أن يكون العالم مختلفا جذريّا ، طريق التحرير الحقيقيّ
- " الكلّ الأربعة "
- تجاوز الأفق الضيّق للحقّ البرجوازي
- الإشتراكية كنظام إقتصادي و نظام سياسي – و مرحلة إنتقاليّة إلى الشيوعيّة
- الأمميّة
- الوفرة و الثورة و التقدّم نحو الشيوعيّة - فهم ماديّ جدليّ
- أهمّية " نقطة مظلّة الطيران " - حتّى الآن و أكثر حتّى مع ثورة فعليّة
- دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا - اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة على أساس اللبّ الصلب
- محرّرو الإنسانيّة
الجزء الثالث : المقاربة الإستراتيجيّة لثورة فعليّة
- مقاربة إستراتيجيّة شاملة
- التسريع بينما ننتظر
- قوى الثورة
- فصل الحركة الشيوعيّة عن الحركة العمّاليّة ، و القوى المحرّكة للثورة
- التحرّر القوميّ و الثورة البروليتاريّة
- الأهمّية الإستراتيجيّة للنضال من أجل تحرير النساء
- الجبهة المتّحدة في ظلّ قيادة البروليتاريا
- الشباب و الطلبة و الأنتلجنسيا
- الصراع ضد أنماط التفكير البرجوازيّة الصغيرة بينما نحافظ على التوجّه الإستراتيجي الصحيح
- " الإثنان تحقيق أقصى قدر "
- " أوقفوا الخمسة "
- العامودان الفقريّان
- العودة إلى " بصدد إمكانيّة الثورة "
- الأمميّة – الإنهزاميّة الثوريّة
- الأمميّة و البُعدُ العالميّ
- الأمميّة – التقدّم بطريقة أخرى
- نشر الإستراتيجيا في صفوف الشعب
- توجّه جوهريّ
الجزء الرابع () : القيادة التي نحتاج
- الدور الحيويّ للقيادة
- نواة قياديّة من المثقّفين – والتناقضات التي تنطوى عليها
- نوع آخر من " الهرم "
- الثورة الثقافيّة صلب الحزب الشيوعي الثوري
- حاجة الشيوعيّين إلى أن يكونوا شيوعيّين
- علاقة عدائيّة جوهريّة – و تبعات ذلك الحيويّة
- تعزيز الحزب – نوعيّا و كمّيا أيضا
- أشكال التنظيم الثوريّ - و " الأوهايو "
- رجال دولة و قادة إستراتيجيّين
- مناهج القيادة و العلم و " فنّ " القيادة
- العمل خلفا إنطلاقا من " بصدد إمكانيّة الثورة "- تطبيق آخر ل" اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة على أساس اللبّ الصلب "
الملاحق :

الملحق الأوّل : الخلاصة الجديدة للشيوعية : التوّجه و المنهج و المقاربة الجوهريّين و العناصر الأساسيّة – خطوط عريضة
الملحق الثاني : إطار و خطوط عامة للدراسة و النقاش
--------------------------
الملاحق 3 و4 و5 من إقتراح المرتجم
الملحق الثالث : " بصدد إمكانيّة الثورة "
الملحق الرابع : مزيد من الأفكار عن " بصدد إمكانية الثورة "
الملحق الخامس : " بصدد إستراتيجيا الثورة "
----------------------------
الهوامش
المراجع و المصادر
تعريف بمؤلّف الكتاب
----------------------------------------------------------------------------------------------------------

فهارس كتب شادي الشماوي

=================================================================

مقدّمة و توجّه

ينتظم هذا الاجتماع في لحظة هامة للغاية ، لحظة نهوض جماهير المضطهَدين في هذه البلاد ، و بالخصوص أولئك المضطهَدين بأكثر مرارة – رافضين الخضوع للعنف و القتل المسلّطين عليهم بإستمرار ، لا سيما على يد الشرطة التي تتحرّك كفارضة لهذا النظام الإضطهادي – و قد إلتحق بهذه التمرّدات أناس من فئات أخرى من المجتمع . التمرّد و المقاومة على هذا الصعيد حول مثل هذا التناقض الحيوي و " خطّ صدع " هذا النظام ، و عمق هذا التمرّد و هذه المقاومة و تصميمهما و الطريقة التي تواصلا بها ، لا يزالان " تستشيطان غضبا " أكثر مع الفظائع الجديدة . وهذا ما لم يشاهد منذ مدّة طويلة من الزمن . و بهدف دفع هذه المقاومة إلى مستوى أرقى نوعيّا و تكثيفها في طريقة أقوى نوعيّا و مؤثّرة في المجتمع بأسره و العالم الأشمل – و إنطلاقا من موقفنا للعمل على جعل هذا يخدم الهدف الإستراتيجي لثورة فعليّة ستضع نهاية لهذا و لفظائع أخرى تركّز التناقضات الإجتماعيّة الكبرى لهذا النظام ، مثلما هي مكثّفة في " أوقفوا الخمسة " (1) – وقعت الدعوة إلى حشد جماهيري للناس المطالبين بضرورة إيقاف فظائع عنف الشرطة و جرائم القتل التي تقترفها و كذلك السجن الجماعي ، و للتحرّك مع هذا الخريف ضمن " إنهضوا أكتوبر " (2) ، المركّزة في مدينة نيويورك أيّام 22 إلى 24 أكتوبر ، واضعة تحدّيا أمام كافة المجتمع حول التالى : إلى جانب من تقفون ؟ و لكلّ هذا إمكانيّات كُبرى و ضرورة كُبرى و يطرح تحدّيات كُبرى أمام العاملين من أجل ثورة فعليّة تضع نهاية لهذا و للإضطهاد كلّه . و في الوقت نفسه ، في الإطار الأوسع الذى يجرى فيه هذا ، تشهد التناقضات إحتدادا صلب هذا النظام و عالميّا أيضا ضمن بلدان معيّنة و في بعض الأماكن المعيّنة – عديد الأماكن ، في الواقع – هذه التناقضات تشهد غليانا . و هناك الواقع الأساسي أنّ الثورة الشيوعية ، و لا شيء أقلّ من ذلك ، ضروريّة للتعاطى مع الفظائع و الظلم الفاضحين و التناقضات العميقة التي تميّز العالم راهنا والنظام الرأسمالي- الإمبريالي الذى لا يزال يهيمن على العالم ، على حساب قدر كبير جدّا من العذابات لجماهير الإنسانيّة.
في هذا الإطار ، عند الإطّلاع على العمل في مناطق متنوّعة في الفترة الأخيرة ، و إلقاء نظرة على موقعنا على الأنترنت (revcom.us) وهو بوجه خاص ، لاحظت تعليقا أذكره لأناس في بلتيمور حينما توجّه إليهم أناس حاملين إليهم الثورة – تعليق تسمعونه بصة متواترة جدّا لمّا تخرجون إلى الجماهير حاملين إليها الثورة . لقد أثاروا بحدّة سؤال:" هل ستكونون هنا ؟ فقد رأينا أناسا يأتون و مجموعات تأتى و تذهب و تتحدّث كثيرا . لكن هل هذا أمر جدّي ؟ هل ستكونون هنا ؟ "
و هذا سؤال هام جدّا و يطرح تحدّيا مباشرا جدّا . لقد واجهنا ذلك بإجابة " أجل سنكون هنا " بالمعنى المباشر و كذلك بالمعنى الأعمق و الأشمل. يجب أن نكون هنا الآن – و يجب أن نكون هنا للأمر بأكمله. أن يكون شخص معيّن هناك في وقت معيّن ليس موضوع رهان ، القضيّة هي هل ستكون أوّلا الحركة من أجل الثورة و فوق كلّ شيء ، الحزب و القيادة اللذين يحتاجهما الناس للخروج من هذا الكابوس ، هل سيكونون هناك بالمعنى العام و الجوهريّ لأنّه عندما تتأمّلون المسألة في آخر المطاف ، لا تملك الجماهير الشعبيّة شيئا حين لا تملك حزبا قائما على العلم و يمكن أن يقودها لتحرير نفسها و تحرير الإنسانيّة قاطبة . و هذا صحيح سواء علم الناس ذلك أو لم يعلموه ، في زمن معيّن.
و كنت أفكّر في شيء حتّى أثقل و أنا أطّلع عن العمل الجاري في بلتيمور: تعليق امرأة من الجماهير القاعديّة في بلتيمور، - لمّا حدّثنا البعض عن الثورة - قالت : " صرت خائفة " و يمكنكم أن تتساءلوا لماذا صارت خائفة ؟ و قد شرحت نفسها قائلة : " لأنّنى بدأ يدبّ فيّ الأمل ". فكّروا في ما يعنيه هذا بالنسبة للجماهير الشعبيّة ، كونها تخاف الأمل. تخشى الأمل نظرا لكون آمالها قد سُحقت أكثر من مرّة . و نعلم أنّ هناك طبقة حاكمة ز و نعلم كيف أنّه إلى جانب القمع الخبيث الذى تقف وراءه ، فهي تتآمر و تتلاعب كلّما نهضت الجماهير. و قد لاحظنا بعدُ ذلك مجدّدا في بلتيمور مثلا : آه ، فجأة موجة جرائم يقولون ؛ يشدّدون على أنّ الشرطة ستقدم على قمع أشدّ و أنّهم يحتاجون إلى تدخّل السلطات الفيدراليّة لتساعد الشرطة لأنّ الجماهير صارت مجنونة و ليس بوسع الشرطة الخروج و قتلها و الإفلات من العقاب الآن بالذات.
إذن ، لهذا كلّه يقال " صرت خائفا ". إنّهم يخشون الأمل . و إذا لم نحاول النهوض بمسؤوليّاتنا ، إذا لم نحاول أن نثابر حين نتوجّه إلى الناس و نقول لهم هناك مخرج من هذا ، علينا أن ننهض و نغادر فورا. ذلك أنّ الجماهير الشعبيّة لا تحتاج على شخص آخر يتقدّم ، يحلّق ليلا ، و يتركها في الظروف البائسة التي ستكون عُرضة لها ، و حتّى الفظائع الأسوأ التي ينزلها بها هذا النظام . علينا أن نعني ذلك لمّا نقول إنّنا جادين بشأن الثورة .
و يوصلنا هذا إلى مسألة من أجل من و من أجل ماذا ؟ نقوم بما نقوم به. لا تتعلّق المسألة بأيّة أشخاص بما فيهم أنفسنا نحن. و هذا من أوائل ما عليكم تفحّصه – أنّ المسألة لا تتعلّق بأيّ شخص بل تتعلّق بشيء أكبر بكثير. يأتي العديد من الناس إلى الثورة بفعل تجاربهم الخاصة المباشرة ، ما فعله بهم النظام حتّى و إن لم يفهموا أنّه نظام – أو حتّى و إن إستمعوا إلى هذه المفردة " نظام " ، لا يفهمون حقّا فحواها . بيد أنّ عددا كبيرا من الناس يتوصّلون إلى هذا بفعل تجاربهم الشخصيّة الخاصة المباشرة - لا يفهمون على الفور أنّ ذلك جزء من صورة أشمل لما يحدث لتماما الملايين و حتّى مليارات البشر حول العالم. هذا هو الفهم الذى علينا أن نبلغه لهم . لكن قبل كلّ شيء ، ينبغي علينا أن ندرك : من أجل من و من أجل ماذا ؟ من أجل تحرير الإنسانيّة . هذا النضال يخاض من أجل جماهير الإنسانيّة المضطهًدًة التي تحتاج بيأس إلى هذه الثورة . ليس من أجل أي شيء آخر – و بالتأكيد ليس من أجل أنفسنا ؛ ليس من أجل ذواتنا ، ليس من أجل ما إذا كنّا نبدو جيّدين أو غير جيّدين ، أو أي نوع من هذه الأنواع من المسائل التي ينبغي أن تكون تماما خارج الصورة .

لقد تحدّثت عن هذا في السابق ، لكن فكّروا فيه بهذا المعنى : سيخرج الناس هنا للقيام بثورة و الذين يتحرّكون كقيادة ، كطليعة ، سيضحّون تضحيات جسام . لا نقوم بثورة دون تضحيات ضخمة ، و إذا لم نفهم هذا ، مرّة أخرى ، علينا أن نجمع أغراضنا و نغادر. ستوجد عذابات . سيوجد قتلى . سيوجد قمع رهيب . سيوجد تعذيب. و لا أقول هذا للتقدّم بضرب من الدعاء الشبيه بالدعاء الذى يبدو دينيّا - " لنحمل شجاعتنا بين أيدينا مثل الرهبان الذين يضربون نفسهم " – أو شيء من هذا القبيل . لكن هذا هو واقع ما علينا المرور به للحصول على عالم أفضل .
و إليكم ما يجعل المسألة أصعب حتّى ، إيديولوجيّا ، بمعنى كيف نفكّر في هذا ، ما الذى نشعر به بهذا المضمار . سيُقدّم الناس التضحيات من شتّى الأصناف . و لنقل إنّ لدينا ثورة و إنّنا فقدنا رفاقا و رفيقات كُثر ، و فقدنا الكثير من الأصدقاء و الأحبّاء – و نحن جزء من طليعة هذه الثورة أو جزء من الجماهير التي تمثّل العامود الفقريّ لهذه الثورة ، و نكون قد خسرنا عديد الأصدقاء و عديد الرفاق و الرفيقات و رأينا الناس ممزّقين و معذّبين و خاضعين لكافة أصناف الأهوال . و في غضون ذلك ، ظلّت كثرة من الناس مكتوفى الأيدى ، أو حتّى ينظرون شزرا إلينا و يحاولون تقويض جميع ما نقوم به . ثمّ ، يولد المجتمع الجديد و يكون لدينا دستور جديد – لنفكّر في " دستور الجمهورية الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " –(3) و فجأة كلّ هؤلاء الناس الذين لم يبذلوا أيّ شيء لمساعدة الثورة و حتّى ربّما حاولوا تقويضها ، يخرجون إلى الشوارع و يأخذون في الكلام يمنة و يسرة بلا توقّف ، و في كلّ مرّة تسعون فيها للقيام بشيء بشأن الاقتصاد أو تسعون فيها لبناء مؤسّسات سياسيّة جديدة و إنشاء علاقات إجتماعيّة جديدة ، أو تقدّمون تضحيات من أجل الثورة العالميّة – يخرجون و يأخذون في الغو عارضين كافة شكاويهم التافهة و الضيّقة الأفق حول كيف أنّه ليس لديهم هذا الشيء و ذاك الذى كان لديهم في المجتمع القديم . فنشعر بأنّنا على أهبة أن نقول لهم : " أغلقوا أفواهكم ! " لم تفعلوا أي شيء لمّا كان الناس هنا يقدّمون التضحيات و يموتون بكلّ الطرق البشعة ، و الآن تريدون الصراخ بشكاويكم التافهة الضيّقة الأفق؟ " لكن ليس بوسعنا فعل ذلك . و هذا ما يجعل الأمر عسيرا للغاية . ليس بوسعنا فعل ذلك. بإمكاننا أن نتصارع معهم و يجب أن نتصارع معهم . يمكن أن نقول لهم :" لا تعرفون ما يجرى حقّا . لا تدركون أيّا من التناقضات التي نواجهها و ينبغي أن تحاولوا عمليّا الخوض في ما نقوم به هنا و ما نقف ضدّه ". يمكن أن نصارع كالمجانين هؤلاء الناس . لكن لا يمكن أن ننتقم منهم. و لا يمكننا حتّى قول " من أنتم لترفعوا أي نقد لما نقوم به ، إذ أنّكم لم تقدّموا أيّة مساعدة – و في الواقع ، حاولتم تقويض الأشياء عندما كان الناس هنا يقاتلون و يموتون ". لماذا ليس بوسعنا فعل ذلك ؟
من أجل من و من أجل ماذا ؟ الأمر يتعلّق بنا . إذا لم نكن مستعدّين للتضحية حالئذ لسنا جدّيين . الأمر يتعلّق بإنشاء عالم مغاير أين يوضع حدّ للأهوال التي تنزل بالجماهير الشعبيّة. وهذه هي الطريقة التي علينا أن نقارب بها هذا . هذا هو دورنا. هذه هي مسؤوليّتنا تجاه الجماهير الشعبيّة في العالم التي تعانى بشكل رهيب للغاية – و ما يجعل الأمر أسوأ حتّى ، هو أنّها تعانى على نحو غير ضروري إلى حدّ كبير.
ومن هنا ، هذا ما يجب أن يكون توجّهنا في كلّ ما نفعله ، في الطريقة التي نتصارع بها و في الطريقة التي نصارع بها الجماهير الشعبيّة . هناك حاجة لقدر كبير من الصراع . لكن من أجل من و من أجل ماذا ؟ هذا ما يجب أن نبقيه في المقام الأوّل في أذهاننا .
و الآن ، أودّ أن أعود إلى مسألة لماذا نحن هنا على وجه الضبط. عديد الناس هنا منحدرون من صفوف الجماهير الشعبيّة القاعديّة أو لها علاقات بالجماهير القاعديّة . و على أيّ حال ، يمكن للناس هنا بشكل عام أن ينهضوا بدور هام جدّا ك " رافعات " إن شئتم وضع ذلك على هذا النحو ، في جلب أعداد متنامية من الناس إلى الثورة ، من ضمن الجماهير القاعديّة، و كذلك من ضمن الطلبة و غيرهم.
لذا ، بهذا في ذهننا ، دعونى أعود إلى الغاية و الهدف و المقاربة في ما نقوم به هنا – ما هو و ما ليس هو . و بداية ، كما أعتقد أنّه تمّ تنبيهكم إلى ذلك ، سيشمل هذا العرض عدّة مواضيع و سيتطرّق لأسس الثورة الشيوعيّة و ما ينبغي أن يقودها و يرشدها في نضالها من أجل إنجاز ثورة فعليّة . ثمّ ، سنخوض معا في النقاط المفصليّة التي تثار. و عليه ، على الجميع الجلوس في مقاعدهم و ربط أحزمتم و الإستعداد للإنطلاق في السفر . سيوجد قدر كبير من الأشياء للإستيعاب لكن هذا يعود ، كما وضع ذلك ماو ، إلى كون أفعال كثيرة تصرخ منادية بالحاجة إلى القيام بها – لرفع التحدّيات و المسؤوليّات التي نواجه للقيام بكلّ ما يمكن لنا القيام به للعمل بنشاط من أجل الثورة التي تحتاجها بصورة إستعجاليّة جماهير الإنسانيّة و لجلب مستمرّ لمزيد من الناس للإلتحاق بصفوف الثورة و هذا الحزب كنواتها القياديّة . و هنا أودّ أن أأكّد على نقطة التوجّه المهمّة هذه : لا يهمّ إن كنّا منخرطين لفترة زمنيّة طويلة أو قصيرة نسبيّا ، علينا جميعا مواصلة التعلّم – و كلّ إنسان هنا قادر تماما على المشاركة في سيرورة ما نقوم به هنا و على المساهمة فيها بينما يتعلّم منها . و يجب أن تكون لدينا جميعا مقاربة إدارة نقاشات و صراع بيننا بطريقة جيّدة إعتمادا على فهم لأهمّية المسائل التي نتعمّق في بحثها . على كلّ فرد أن ينغمس تماما في النقاش التالى لهذا الغرض – بروح إنتصاريّة بناءا على إدراك الحاجة و الأساس ليطبّق كلّ فرد منهجا و مقاربة علميّين على أكبر مشكل يواجه الإنسانيّة : كيف نضع نهاية لهذا النظام الذى يمثّل المصدر الجوهري للقدر كبير جدّا من البؤس و العذاب في العالم ، و إنشاء شيء مختلف راديكاليّا و أفضل بكثير . بهذا التوجّه و هذا الهدف في الذهن ينبغي أن نخوض بعمق في ما سيقع نقاشه هنا ، متعلّمين و مساهمين بأكبر قدر ممكن .
هذه فرصة غير عاديّة بمعنى ما ل " قطع خطوة إلى الوراء " و التعمّق في هذه المسائل الكبرى . و من الهام جدّا ، حتّى في كلّ ما يجرى في العالم ، و كلّ المسؤوليّات الواقعة على عاتقنا ذات صلة بهذا ، خصّصنا الوقت للبحث بعمق في القضايا التي سنتطرّق لها هنا . لكن هناك حاجة إلى إدراك أنّ هذا ليس مجرّد نوع من " مجموعة للدراسة " أو" مجموعة للنقاش" بمعنى ما دون هدف حيث تُطلق " أفكار هامة " فقط من أجل تحفيز أذهاننا الخاصة أو من أجل المتعة – أو كضرب من ضروب " التلهية " عن ما نحن منشغلون به في الحياة العاديّة . هنا سنعالج النظريّة و سنتعمّق في بعض الأشياء ذات مستوى تجريدي نظريّ عالي . آه ، على الفور يمكن أن يبدو الأمر مخيفا . و سيكون متحدّيا . لكن هذا تحدّى علينا جميعا الترحيب به لأنّ وجود أو عدم وجود مقاربة علميّة للثورة و تنظيم أو عدم تنظيم مجموعة من الناس ، مجموعة متزايدة من الناس ، لتطبيق هذا العلم لأجل التغيير الحقيقي للعالم بإتّجاه ثورة فعليّة – و في هذا يكمن الإختلاف كلّه بالنسبة للجماهير . بمعنى ما ، ما سنفعله هنا ، بعيدا عن ما يشغل عفويّا الجماهير الشعبيّة و ما تفكّر فيه يوميّا ؛ بيد أنّه على صلة وثيقة بما إذا كنّا سنتقدّم للجماهير و سنقودها نحو تحرير نفسها و المساهمة في تحرير الإنسانيّة من كافة الأنظمة و العلاقات الإضطهادية و الإستغلاليّة التي تثقل كاهل الجماهير الشعبيّة عبر العالم قاطبة ، و كافة الفظاعات الناجمة عن ذلك . و إنّها لحقيقة واقعيّة جدّا و عميقة جدّا أنّه دون نظريّة ثوريّة – نظريّة معتمدة على منهج و مقاربة علميّين بتماسك و بالأخصّ على المنهج و المقاربة العلميّين للماديّة الجدليّة – و دون تبنّى هذه النظريّة و تطبيقها من قبل أعداد متزايدة من الناس ، لن توجد ثورة تحريريّة و ستتواصل الفظائع و التجاوزات المريعة التي تتعرّض لها جماهير الإنسانيّة بصفة مستمرّة . و صحيح بشكل عميق أنّ كلّ من يكرّسون أنفسهم لهذا و يقومون بالعمل يمكن أن يتبنّوا هذا المنهج و هذه المقاربة العلميين و يمكنهم أن يعمّقوا بإستمرار إستيعابهم لهذه النظريّة و قدرتهم على تطبيقها و نشرها في صفوف الشعب و التعلّم و العمل في علاقة جدليّة - و تعزيز متبادل - بين النظريّة و الممارسة . و بهذا الفهم ، التوجّه و الهدف الأساسيّين هنا هما تحقيق قفزات ، قفزات حقيقيّة في إستيعاب هذه النظريّة لأجل ، تاليا ن العودة إلى الممارسة - و ليس مجرّد " أيّ نوع كان من الممارسة " بل الممارسة المسترشدة بهذه النظريّة و التي تستهدف في الواقع إنجاز ثورة فعليّة ، لا شيء أقلّ من ذلك .
و للعودة للحظة إلى ما ليست هي المقاربة – ليست و لا يجب أن تكون مقاربة حيث تكون الأشياء المخاض فيها هنا بطريقة " ثقيلة " و خفيفة ، ثمّ يقع نسيانها أو " وضعها جانبا " مع الرجوع إلى الوضع " العادي ، وضع الأيّام العاديّة " و العمل السياسي اللذان غالبا ما يتميّزان بتطبيق نوع من التوجّه الآخر و المنهج و المقاربة الأخريين . و كذلك لا يمكن أن تكون مقاربة الناس هنا " دعونى أرى إن كانت هناك بعش الأشياء المفيدة للعمل الذى أنجزه "- فلن يكون حينئذ العمل من صنف العمل الذى نحتاج إليه ؛ سيكون شيئا آخر مختلفا عن العمل الحقيقي من أجل الثورة . و للتشديد على ذلك مجدّدا ، لأنّه لا يمكن التشديد على ذلك مرّات أكثر من اللازم : خوضنا هنا في النقاط الحيويّة للنظريّة و الإستراتيجيا لا يجب مقاربته كضرب من " التجريب التعليمي " بالمعنى السلبي – كضرب من " التمرين الأكاديمي " الذى سيجد صداه في الممارسة المنفصلة عن النظرية الشيوعيّة و عن العمل بنشاط من أجل ثورة فعليّة . و في الوقت نفسه ، المسألة هنا ليست مسألة إيجاد توقّعات بالقدرة على " التمكّن " ، بضربة واحدة ، ، من كلّ شيء سنتطرّق إليه هنا – و بمعنى إفتتاح هذا العرض ، طريقة مقاربته ليست محاولة " الهضم " التام و فورا لكلّ نقطة يتمّ الحديث عنها ( أو أن يتملّكنا الإحباط إن لم يكن ذلك ممكنا ! ). و سنعود إلى العديد من النقاط و ستتداخل الأمور و في النهاية نأمل أن تصبح جليّة تلك الأمور التي ما كانت كذلك في البداية ؛ ثمّ سنمضى إلى النقاش حيث سيتمّ تفصيل الأشياء على وجه أتمّ . لذا المسألة هي متابعة هذا العرض عامة مبقين في الذهن السيرورة هنا التي سيكون فيها هذا العرض مدخلا و أساسا و أطارا لنقاش و صراع حيويّين . و لكن واضحين كذلك ، المسألة ليست مسألة أن تغادر المكان بتوقّع إستيعاب كلّ شيء وقع تعلّمه هنا و " تلقينه بالقوّة " ، في مرّة واحدة ، للناس الذين يعملون معنا و المضيّ إلى قول : " آه، دعونى أقول لكم ، لقد تعلّمت للتوّ حزمة كاملة من الأشياء الثقيلة ! ". الهدف ، ما نهدف إليه هنا ، هو الحصول على أرضيّة أقوى بكثير بشأن ما سنخوض فيه هنا – و فوق كلّ شيء ، منهج و مقاربة – بتوجّه الربط السليم بين النظريّة و الممارسة ؛ و مع تقدّمنا من هنا ، نواصل الخوض في النظريّة الشيوعية و إستيعابها بصفة أتمّ و أعمق ، في علاقة جدليّة بتكريس هذا الخطّ و ليس خطّا آخر- هذان المنهج و المقاربة و ليس منهجا و مقاربة أخريين – مبلغين أسس هذا إلى الجماهر و عاملين معها للتوغّل فيه بعمق أكبر و نحن نلتحق بها في التصدّى للسلطة بينما في الوقت نفسه ، نقاتل صراحة و بالوسائل المناسبة و بالروح السليمة من أجل هذا الخطّ و ليس من أجل خطّ آخر كي يكون في الواقع الخطّ القائد في إعطاء دفع و توجّه لبناء حركة من أجل ثورة فعليّة و يكون الحزب نواتها القياديّة.
ضحايا الخداع و خداع الذات
و الآن لنمض مباشرة إلى جوهر هذا العرض . و لنبدأ بموقف للينين ليست له أهمّية كُبرى فحسب بالمعنى الشامل بل هو كذلك مناسب جدّا لعالم اليوم . قال لينين :
" قد كان الناس و سيظلّون أبدا ، فى حقل السياسة ، أناسا سذجا يخدعهم الآخرون و يخدعون أنفسهم ، ما لم يتعلّموا إستشفاف مصالح هذه الطبقات أو تلك وراء التعابير و البيانات و الوعود الأخلاقية و الدينية و السياسية و الإجتماعية. فإنّ أنصار الإصلاحات و التحسينات سيكونون أبدا عرضة لخداع المدافعين عن الأوضاع القديمة طالما لم يدركوا أن قوى هذه الطبقات السائدة أو تلك تدعم كلّ مؤسسة قديمة مهما ظهر فيها من بربرية و إهتراء . "( لينين – مصادر الماركسية الثلاثة و أقسامها المكوّنة الثلاثة ) (4)
و هذا موقف من لدن لينين غاية في الأهمّية فلنتعمّق فيه بعض الشيء. و لننطلق من الجملة الأولى :" قد كان الناس و سيظلّون أبدا ، فى حقل السياسة ، أناسا سذجا يخدعهم الآخرون و يخدعون أنفسهم ، ما لم يتعلّموا إستشفاف مصالح هذه الطبقات أو تلك وراء التعابير و البيانات و الوعود الأخلاقية و الدينية و السياسية و الإجتماعية. " – لاحظوا ما قاله " سذّجا يخدعهم الآخرون و يخدعون أنفسهم " . بكلمات أخرى ، يُخدع الناس و يخدعون أنفسهم " ما لم يتعلّموا إستشفاف مصالح هذه الطبقات أو تلك وراء التعابير و البيانات و الوعود الأخلاقية و الدينية و السياسية و الإجتماعية. "
و يمكننا ملاحظة هذا بالذات حولنا في السيرورة الإنتخابيّة – مجمل مسرحيّة الانتخابات البرجوازيّة التي يقع الترويج لها الآن. و ليس بوسعنا حتّى مشاهدة الأخبار دون أن نجد شخصا كدونالد ترامب واقفا أمامنا . ثمّ تأتى هيلارى كلينتن . هل سيلتحق جو بيدن بالسباق أم لا ؟ و ماذا عن برنى سندارس؟ ليس بمقدورنا الإفلات من هذا و سيذهب بنا الظنّ أنّ الانتخابات على الأبواب ، في الأسبوع القادم – وهي على بُعد أكثر من سنة . إلاّ أنّهم يريدوننا أن نركّز على هذا و يريدوننا أن نفكّر في أنّ هذا يجرى حولنا – أنّ بشكل ما هؤلاء الناس يمثّلوننا – في حين أنّهم في الواقع ما الذى يمثّلونه ؟ طبقة حاكمة تتحكّم فينا و تتحكّم في الجماهير الشعبيّة . أبعد من مجرّد الضجيج الذى لا يتوقّف ، حتّى النزاع الجدّي الذى يتخلّل هذه السيرورة الإنتخابيّة البرجوازيّة نزاع ضمن مترشّحين لموقع رئاسة تماما نظام إستغلال و إضطهاد كبير إجرامي على النطاق العالمي . و إلى الدرجة التي لا يدرك الناس ذا ليس لأنّ هذا غير صحيح بل لأنّهم ، و لنذكر مجدّدا النقد و الرؤية النافذة للينين ، لم يتعلّموا إستشفاف مصالح الطبقة الحاكمة وراء كلّ هذا و يظلّون سذجا يخدعهم الآخرون و يخدعون أنفسهم .
و هناك الحكمة القديمة التي لم يستوعبها جيّدا جورج بوش وهي تقول عمليّا : " خدعتنى مرّة ، العار عليك ؛ خدعتنى مرّتين ، العار عليّ أنا ". و لكن هذا يمضى حتّى أبعد من ذلك ، لأنّهم لا يخدعون الناس المرّة تلو المرّة فحسب بهذه السيرورة الإنتخابيّة بل يخدعوننا عادة بينما يقولون لنا إنّهم يخدعوننا . كنت أشاهد هذا المعلّق المسمّى جوناتان آلتار الذى كان يشتغل بقناة الأم أس أن بى سى (MSNBC) يومها يتحدّث عن الانتخابات و قال ضمن ما قال يعلم الجميع أنّ برنى سندارس لن يكون حقّا المرشّح لكنّه يمكن أن يخلق الكثير من الحماس و الزخم و بالتالى سيكون ذلك مساعدا جدّا لهيلارى كلينتن عندما تدخل سباق الرئاسة . إنّهم يقولون لنا " بالمناسبة نحن نتلاعب بكم ".
لذا العار علينا ، إذا لم ندرك ذلك. ثمّ ، هناك خداع الذات حيث لا يرغب الناس في إدراك الأمور إلى درجة معيّنة . أصدرت موقفا في حينه حول الليبراليين فحواه أنّ لليبراليّين عقدة أوديب . و أوديب هذا شخص من شخوص الأساطير اليونانيّة و قد إنتهى ، عن دون علم ، إلى ممارسة الجنس مع أمّه ؛ و تاليا لمّا إكتشف الأمر ، سمل عينيه. لذا قلت لليبراليين عقدة أوديب: ليس الأمر أنّهم يريدون ممارسة الجنس مع أمّهاتهم و إنّما الأمر هو أنّهم يتسبّبون عن قصد في عمى أعينهم – إنّهم ينظرون كالعميان إلى واقع ما يحدث في العالم . و هذا مشكل حقيقي لدى الليبراليين.
و هناك الظاهرة التي أسمّيها " لقطة الطبقة الحاكمة " . و لعلّكم جميعا إعتدتم على اللقطة – إنّهم يصنعون ألعابا للأطفال أليس كذلك؟ لديهم مجموعة أوانى لشرب الشاي و يمكن للأطفال إستخدامها و إدّعاء أنّهم يشربون الشاي – ذلك أنّه لا وجود لشاي فيها لكنّهم يدّعون ذلك . و يصنعون عربات صغيرة و بإمكان الأطفال أن يزعموا أنّهم يقودونها على الطرق السيّارة بينما هم يتسكّعون في عرباتهم الصغيرة . حسنا ، الآن أدركتم ما أسمّيه " لقطة الطبقة الحاكمة " حيث تشاهدون شخصا كبيل ماهر على شاشة التلفاز و هناك آلاك بلدوين الممثّل يتحدّث عن " هذا ما يتعيّن علينا القيام به في العراق ". ماذا تعنى ب " نحن " أيّها الرجل البيض ؟ لستم من يسيّرون هذه البلاد الفاسدة لكن لديهم هؤلاء الناس – وجوه من هوليود ، " ميثهاد" روب راينر و البقيّة – الذين يحاولون التصرّف كما لو أنّهم سيشكّلون ما يفعله السياسيّون متجاهلين - أو وهم يجهلون – واقع أنّ النظام هو الذى سيُملى ما سيفعله السياسيّون . أناس مثل هؤلاء لا يفعلون سوى اللعب كالأطفال بألعاب أطفال مدّعين أنّ لهم دور في تسيير الحكم .
ثمّ يأتى دور وسائل الإعلام و بوجه خاص وسائل الإعلام " الإخباريّة ". فهي ليست وسائل لمدّ الناس بالمعلومات حول الأشياء الهامة في المجتمع و في العالم – و ليست بالتأكيد " موضوعيّة " إن كان ذلك يعنى تقديم الواقع تماما كما هو فعلا و لا هي " صحافة حرّة " بمعنى أنّها غر مرتبطة ب أو تحت تحكّم مصالح قويّة . في الواقع هي آلة دعاية تابعة للطبقة الرأسمالية – الإمبريالية . و ليس هذا " بلاغة " بل هو شيء يمكن و ق تمّ التدليل عليه بوضوح على أساس تحليل علمي لوسائل الإعلام هذه : من يملكها و من يتحكّم فيها ، كيف " تتصرّف في " و تشوّه المعلومات التي تنشرها ( و التي لا تنشرها ) للناس و ما صلة ذلك بالعلاقات الأساسيّة في المجتمع . لكن الناس لن يروا هذا – و يروا عبر الطرق التي تعمل بها وسائل الإعلام هذه لتشكّل و تتلاعب بفهمهم للأشياء – مرّة أخرى ، ما لم يتعلّموا استشفاف مصالح هذه الطبقة الحاكمة وراء وسائل الإعلام هذه ، و كذلك وراء كافة المؤسّسات الكبرى الأخرى في المجتمع .
بوسعنا رؤية هذا النوع عينه من الظواهر مع أشياء مثل البيئة . فنحن نشاهد أناسا يفضحون فضحا جيّدا و يقدّمون فضحا عميقا و شاملا للوضع البائس للبيئة حيث الأشياء تقع حقّا على حافة التجاوز إلى التحوّل إلى وضع يكون من العسير للغاية، إن لم يكن من المستحيل ، إحداث إنقلاب على الضرر الذى لحق بالبيئة ؛ يمضى هؤلاء عبر كلّ هذا و يجعلون هذا صورة حيّة ثمّ يبلغون النهاية فيتصرّفون كما لو أنّ كلّ ما قالوه للتوّ بلا معنى . يشرعون في الحديث عن " إن اعدتم رسكلة هذا أو إقتنيتم سيّارة كهربائيّة سيعالج ذلك المشكل "- مشكل قبل قليل وصفوه بالضخم جدّا إلى درجة أنّه سيكون من المستحيل حلّه على هذا النحو . لكنّهم يخدعون أنفسهم لأنّه ليس بوسعهم رؤية أبعد من حدود النظام القائم ، أو لأنّهم يقاومون الرؤية أبعد من حدود النظام القائم. لذا ، مثلما شخّص ذلك لينين تشخيصا دقيقا للغاية ، يظلّ أنصار الإصلاحات و التحسينات دائما ضحايا الخداع و خداع النفس. و طالما ظلّوا في هذا الإطار ، سيقع على الدوام تضليلهم من قبل المدافعين عن النظام القديم لأنّهم لم يدركوا بعدُ أنّ قوى ما من الطبقات الحاكمة تدعم كلّ مؤسسة قديمة مهما ظهر فيها من بربرية و إهتراء .
أو فكّروا في بعض الذين يقولون عن جرائم القتل على يد الشرطة : ضعوا كاميرات مصاحبة للشرطة . حسنا ، نعلم أنّه وُجد فيديو عن ما حدث لأريك غرنار ! وُجدت كاميرات صوّرت قتل الشرطة لعديد الناس الآخرين لكن الفكرة هي بطرية أو أخرى إذا سجّلنا ذلك ، ستتغيّر الأمور . أو إذا تمّ " تدريب على الحسّ " للشرطة الخنازير - لنجعل هؤلاء الخنازير" حسّاسين" أكثر – حالئذ ، بدلا من إصدار صوت خنازير عندما يقتلون أحدا ، سيقولون في البداية " عفوا سيّدى ، أيمكننى أن أطلق النار عليك ؟ " - بام ! كافة هذه الأوهام الناجمة عن كون الناس لا يفهمون أنّ الطبقات الحاكمة تدعم كلّ مؤسسة قديمة مهما ظهر فيها من بربرية و إهتراء . و الشرطة جزء من قوّات الطبقة الحاكمة و جهاز دولتها للقمع . إنّها جزء من الجهاز الذى يفرض باسم الطبقة الحاكمة ، و بكلّ العنف الذى يقدّرون أنّه ضروري ، نظام الإستغلال و الإضطهاد القائم . و ليس ممكنا إصلاح ذلك للتخلّص منه . و ليس يكفى مجرّد قول هذا ؛ إذا لم يكن بمقدوركم فهم الأمر بالتالى أيضا قد لا تتجشّمون عناء قول ذلك لأنّكم لن تقنعوا أيّ أحد. لذا ، نحتاج التعمّق أكثر ، نحتاج إلى الأساس العلمي لفهم لماذا ذلك كذلك.
لكن أمامنا شكل أشرت إليه في " تأمّلات و جدالات "(5) هو أنّ كلّ طبقة تريد أن " تعيد تشكيل العالم على صورتها ". بكلمات أخرى ، لدينا أناس في الطبقة الوسطى يشجّعون دائما الإصلاحات و ما شابه إذ هم لا يريدون للأشياء " أن تخرج عن التحكّم " ، لا يريدون أن يصبح لديهم نوع من الوضع الذى يجلب لهم إمتيازات حتّى و العديد منهم لا تعجبهم الكثير من التجاوزات المقترفة في ظلّ هذا النظام . و هذا شيء جرى الحديث عنه بقوّة كبيرة في الحوار الصحفي مع أرديا سكايبراك الذى قرأتموه جميعا ( " العلم و الثورة : حول أهمّية العلم و تطبيق العلم على المجتمع ، و الخلاصة الجديد للشيوعية و قيادة بوب أفاكيان "). (6) إذن أناس مثل هؤلاء ينزعن بقوّة نحو هذا الشعور : " علينا أن لا ندع الأمور تمضى إلى الأقصى ". كما لو أنّه ليس من الأقصى ما يحدث مع البيئة . كما لو أنّه ليس من الأقصى ما يحدث للنساء عبر العالم قاطبة . كما لو أنّه ليس من الأقصى ما يحدث للناس في أحياء داخل المدن ، مع الشرطة و مع ظروفهم بأكملها . كما لو أنّه ليس من الأقصى ما يحدث للمهاجرين و قد دفعوا إلى هنا قاطعين آلاف الأميال من الناحية الأخرى من العالم بسبب الحروب و مجمل الظروف اليائسة . كما لو انّه ليس من الأقصى ما يحدث مع أناس تفجّرهم القنابل في كافة هذه البلدان المختلفة حيث تجرى الحروب . " آه، علينا أن لا ندع الأمور تمضى إلى الأقصى " ، يقول الناس من الطبقة الوسطى إعتبارا لأنّه حتّى رغم عدم القدرة على القيام بذلك ، في أذهانهم لا يكفّون عن محاولة تشكيل العالم إلى عالم حيث يمكن لكافة هذه النزاعات بصورة ما أن تعالج دون الكثير من الفوضى و الإضطراب و الدمار .
و هناك شيء هام وجب فهمه : طريقة نظر الناس للأشياء إنعكاس – ليس ميكانيكيّا بمعنى واحد لواحد بل بالمعنى الجوهري إنعكاس – لموقع و ميولات مجموعة إجتماعيّة أو طبقة من طبقات المجتمع. و الآن ، لماذا أدّد على أنّه لا يتعيّن علينا أن نقارب هذا بطريقة ميكانيكيّة ؟ نظرا لأنّ الناس يمكنهم تبنّى و يتبنّون وجهة نظر مجموعة إجتماعيّة أو طبقة إجتماعيّة مختلفة عن وجهة نظر الطبقة التي هم جزء منها . فعلى سبيل المثال ، يمكن للجماهير الأساسيّة التي ليست من الطبقات الوسطى أن تتبنّى النظرة الشائعة في صفوف الطبقة الوسطى . و يمكن أن تتأثّر بذلك. كما يمكن أن تتأثّر بالأفكار القادمة مباشرة من الطبقة الحاكمة : " حسنا ، ليس بوسعكم فعل أي شيء بشأن هذا المشكل أو ذاك لأنّ هذه المشاكل جميعها تعود على طبيعة الإنسان ". من منكم لم يسمع مثل هذا الشيء ؟ أو " لا يمكن فعل أي شيء بهذا الشأن لأنّه يقال في الإنجيل ذاته أنّ لا شيء يحصل إلى أن يتحقّق ما ورد في كتاب الوحي ". هذه أفكار تضخّها إلى الناس المؤسّسات الحاكمة و السائدة ؛ و بالمعنى الجوهري ، تمثّل هذه الأفكار وجهة نظر طبقة تريد من الناس أن يعتقدوا بأنّه ليس بإمكانهم فعل أيّ شيء بشأن مشاكل المجتمع و عذابات الجماهير- أو أنّ أقصى ما يمكن الأمل فيه هو بعض الإصلاحات الصغرى - لأنّ هذه الطبقة ، هذه الطبقة الحاكمة ، تريد الإبقاء على سير النظام القائم كما هو . و بالمعنى الجوهري ، يمكن أن نقول إنّ كلّ طبقة إمّا ترغب في إبقاء العالم كما هو أو في إعادة تشكيله وفق ما تريد أن يكون عليه ، سواء وُجدت قاعدة عمليّة لذلك في الواقع أم لم توجد.
لكن علينا التعمّق أكثر . صحيح – حقيقة هامة للغاية أشار إليها لينين – أنّ كافة هذه المؤسّسات التي فات أوانها تحافظ عليها قوى من الطبقة الحاكمة و حقيقة مهمّة أيضا هي ، مفهومة بصفة صحيحة و ليس ميكانيكيّا ، أنّ كلّ طريقة إلى العالم تعكس وجهة نظر أو مقاربة طبقة أو أخرى : لكن إن توقّفنا عند هذا الحدّ ، يظلّ من الممكن أن نحصل ضمن حدود التوجّه نحو الإصلاحات على : " هذه الطبقة الحاكمة تهيمن أكثر من اللازم على الأشياء لذا مثلما يقول برنى سندارز ، لنفتكّ بعض السلطة و بعض الثروة من هؤلاء الناس و لنوزّعهما عبر المجتمع ". و لا يزال من الممكن النظر إلى الإطار القائم و فقط محاولة إعادة ترتيب الأمور حتّى لا تهيمن عليها طبقة واحدة أو حتّى لا تكون مجحفة جدّا بالنسبة للطبقات الوسطى ، أو مهما كانت الطريقة التي تنظرون بها إلى ذلك. علينا أن نبحث بعمق أكبر . علينا أن نطرح أسئلة : ما الذى تتجذّر فيه الطبقات ؟ و هل يمكننا أن نغيّر نظام العلاقات الطبقيّة ن النظام حيث تهمن طبقات على طبقات أخرى ، ضمن النظام القائم – أم هل يتطلّب ذلك قطيعة تامة مع ذلك النظام لأجل تغيير هذا ؟
و نصل إلى مسألة سأتناولها في مناسبات عديدة ألا وهي عبر أي نمط إنتاج يتمّ التطرّق على المشاكل ؟ و سأعود إلى هذا و سنتعمّق فيه ، فإنّ لم يكن واضحا الآن بالذات ما المقصود به ، فلا يهمّ . لكنّنا نحتاج على التركيز على مسألة " ما هي الطبقات " ، بالمعنى العلمي – ما الذى تتجذّر فيه ؟ إنّها متجذّرة في نمط إنتاج . و مزيد من التعمّق .
و يأخذنا هذا إلى التصريح الشهير لماركس الذى سأظلّ أعود إليه لأسباب ينبغي أن تغدو أوضح فأوضح. و أضحى هذا الموقف لماركس معروفا ب" الكلّ الأربعة " .فقد قال إنّ غاية أو الهدف النهائي للثورة الشيوعية هو إلغاء كلّ الإختلافات الطبقيّة في صفوف الناس ؛ و إلغاء كلّ علاقات الإنتاج ( العلاقات الإقتصاديّة ) التي تقوم عليها هذه الإختلافات الطبقيّة ؛ و إلغاء كلّ العلاقات الإجتماعيّة – كالعلاقات بين الرجال و النساء أو بين مختلف الشعوب و الأمم أو بين المثقّفين و المشتغلين بأعمال يدويّة – التي تتماشى مع و تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ؛ و تثوير كلّ الأفكار التي تتماشى و هذه العلاقات الإجتماعيّة . في هذه الصيغة المكثّفة جدّا ، ما يوضّحه ماركس هو أنّه لأجل التغيير الحقيقي للعالم للتخلّص من كلّ الإستغلال و الإضطهاد ، علينا إنشاء عالم شيوعي حيث تكفّ عن الوجود بعض الطبقات المهيمنة و المستغِلّة للطبقات الأخرى و تكفّ عن الوجود الإنقسامات الناس إلى طبقات ، على عكس ما هو حال ما يتميّز به بحدّة العالم اليوم . يجب علينا التخلّص من و تغيير العلاقات الإقتصاديّة التي تفرز هذه الإختلافات الطبقيّة في صفوف الناس و يجب أن نغيّر العلاقات الإجتماعيّة التي تتناسب و هذه العلاقات الإقتصاديّة و يجب أن نغيّر الأفكار التي تنهض على و تعزّز علاقات الإستغلال و الإضطهاد .
و الآن ، مجدّدا سأعود إلى هذا و أتعمّق فيه بصورة أتمّ لكن الواقع هو أنّ الطبيعة الفعليّة للثورة الشيوعية و هدفها يُشوَّهان بإستمرار على يد أناس هم في الواقع مدافعون عن النظام القائم. و على سبيل المثال ، شخص كهانا آرندت ألّفت كتابا عنوانه " جذور الشموليّة " (7) و الطريقة التي قدّمت بها الهدف الشيوعي لتجاوز الطبقات على أنّه ( فقط لنبسّط قليلا ما قالته ) خروج الشيوعيين إلى الشوارع و إطلاقهم النار على كلّ المنتمين إلى طبقات أخرى عدا البروليتاريا . هذا ( مرّة أخرى بشيء من المبالغة لا غير ) هو كيف يقدّم أمثال آرندت هدف الشيوعيّة : يريد الشيوعيّون إلغاء الطبقات و ببساطة سيقتلون كلّ البرجوازية ثمّ سيقتلون كلّ المنتمين إلى الطبقات الوسطى ( البرجوازية الصغيرة ) و هكذا إلى أن تبقى في نهاية المطاف طبقة واحدة فحسب هي البروليتاريا ، و على نحو ما كلّ من يبقى في المجتمع سيكون من البروليتاريّين و الشيوعيين . و يذكّرنى هذا ببرنامج تلفزي شاهدته قبل فترة من الزمن على قناة البى بى أس (PBS). كان الأمر متعلّقا بغموض نشأ في فترة ما بعد الحرب العالميّة الثانية بقليل عندما دخل الإتّحاد السوفياتي و الولايات المتّحدة و بريطانيا إلى جانب الولايات المتّحدة في ما أطلق عليه الحرب الباردة . و كما تبيّن الغموض كان يخصّ أعمال جوسسة قام بها شخص من الجيش البريطاني كان عميلا سرّيا للسوفيات ، عميل " خسيس ". و في نهاية المطاف ، وقع كشفه ثمّ قدّم رثاءه الأخير فقال : " كرّست حياتى كلّها لهدف الشيوعيّة : عالم واحد ، ذهنيّة واحدة ، الجميع متساوون ". هكذا تريد البرجوازيّة أن تقدّم هدف الشيوعيّة – عالم واحد فيه يفكّر الجميع تفكيرا متشابها تماما ( ذهنيّة واحدة ) و الجميع متساوون – و بوسعنا تصوّر أيّ نوع من المساواة ستكون .
و في تعارض مع هذا الرهط من التشويه السخيف ، المسألة هي أنّه لإلغاء الطبقات لا نمضى إلى قتل كلّ المنتمين إلى الطبقات المختلفة بإستثناء البروليتاريا البروليتاريا . لا ، نغيّر الظروف الكامنة التي تفرز هذه الإختلافات في صفوف الناس و نغيّر العلاقات الإجتماعيّة بين الناس ، على غرار تلك بين الرجال و النساء أو بين الأمم المضطهِدة و الأمم المضطهَدَة ( أو " الأجناس " كما يحال عليها أحيانا ) ، أو بين المشتغِلين أساسا بالفكر منجزين عملا فكريّا و المشتغلين أساسا بأيديهم منجزين عملا يدويّا . علينا أن نتجاوز بواسطة التغيير الجذريّ للمجتمع و في آخر المطاف للعالم ككلّ ، كافة هذه الأشياء بينما نثوّر أيضا أفكار و طرق تفكير الناس لأجل تخطّى الإنقسامات الإضطهاديّة في صفوف البشر . و اليوم ، بوضوح ، في العالم توجد إنقسامات طبقيّة – إنقسامات عميقة جدّا و إستغلاليّة جدّا و إضطهاديّة جدّا – و لأجل تخطّيها ، علينا تخطّى كافة الأشياء التي تمثّل الأرضيّة التي تفرز هذه الإنقسامات الطبقيّة و بواسطتها يتمّ الحفاظ على تلك الإنقسامات .
و للمضيّ حتّى أعمق من ذلك – و لزاما علنا المضيّ أعمق من ذلك حتّى : ما هي العلاقات الأساسيّة في المجتمع التي تفرز نظاما إقتصاديّا و علاقات إقتصاديّة ؟ هذا شيء جرت بشأنه بحوث عدّة و لدينا كنز ثمين ممّا يمكن التعلّم منه . فقد قام ماركس بالكثير من العمل لأجلنا . و بالعودة إلى بدايات الشيوعيّة ، نجد أنّ ماركس هو الذى أنجز عملا جبّارا إستغرق سنوات و سنوات من الدراسة و غربلة مواد كثيرة – ليحرز إكتشافا يسلّط الضوء على ما كان أساسيّا و إن لم يكن بديهيّا ، ألا وهو واقع أنّ العلاقات الأساسيّة في ايّ مجتمع هي العلاقات بين قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج .
ماذا نعنى بذلك ؟ قوى الإنتاج هي جميع الأشياء التي تساهم في إنتاج شيء : الأرض و المواد الأوّليّة ( مناجم و نفط و ما شابه ) و مبانى المصانع و التقنية من شتّى الأصناف ، و البشر بمعارفهم و قدراتهم . و جميع هذه الأشياء هي القوى التي يمكن التعويل عليها لإنتاج أشياء و للتجديد و مواصلة تطوير الإنتاج . ما هي علاقات الإنتاج ؟ علاقات الإنتاج هي العلاقات الإقتصاديّة التي يدخل فيها الناس – ليس بمجرّد إختيار نوع العلاقات التي يريدونها بل إنّ العلاقات التي يدخلون فيها لإنجاز الإنتاج تتحدّد بطبيعة قوى الإنتاج .
و دعونى أقدّم أمثلة لهذا من تاريخ هذه البلاد. لننظر إلى فترة ما بعد إنهاء العبوديّة ( في الأساس ) بواسطة الحرب الأهليّة، بالعودة إلى ستّينات القرن التاسع عشر - و أقول " في الأساس " إعتبارا لأنّهم أوجدوا بعدُ طرقا جديدة ، عقب الحرب الأهليّة ، للحفاظ على العبوديّة في الجنوب ضمن السود . و على سبيل المثال ، كانوا يصدرون قوانين التشرّد حيث إن كنت في منطقة و ليس بوسعك إثبات أنّك تشتغل ، يصرّح بأنّك متشرّد و يقع إيقافك و تسجن – و بعدئذ ، قانونيّا ، يمكن أن يُفرض عليك القيام بعمل العبيد. هذه إذن طريقة ، عقب إلغاء العبوديّة في هذه البلاد ، مكّنتهم أساس من الحفاظ على وسائل معيّنة لإستعباد السود ، بوجه خاص في الجنوب. لكن بصورة جوهريّة ، تخلّصوا من العبوديّة بواسطة الحرب الأهليّة . و بعد حوالي العقد من الإضطراب الكبير ، فرضت الأشياء جعل السود بجماهيرهم و بعض البيض الفقراء ، بدلا من أن يكونوا عبيدا تماما بالمزارع في الجنوب ، مجبرين على أن يكونوا مزارعين أو مزارعين مستأجرين يعملون من أجل الملاّكين العقّاريّين الكبار ،عادة في فلاحة شبيهة بالمزارع . كيف كان يسير هذا ؟ حسنا ، كلذ هؤلاء المزارعين و المزارعين المستأجرين توفّر لهم قطعة أرض صغيرة يشتغلون بها ، غابا بمحراث يجرّه بغل أو حصان – لهذا عندما نعود إلى تلك الفترة و ننصت إلى موسيقى البلوز ، نسمع أشياء عن البغال و مدى عنادهم – لا يفعلون ما يؤمرون به و ما إلى ذلك - و عن التعب الذى يتكبّده الناس لجعلهم يقومون باللازم . إذن كانت البغال تجرّ المحاريث و كان المزارعون يحرثون و يزرعون قطعة الأرض الصغيرة ثمّ يحصدون المحاصيل و بما انّهم كانوا ضمن نظام – إقتصاديّا و بكلّ ترسانة القوانين في قمّة ذلك – يملى عليهم دفع حصّة كبيرة من المحاصيل إلى الملاّكين العقّاريين الكبار الذين أعاروهم المال لشراء الأدوات و ما إلى ذلك ، في حالات عدّة . و - تقليديّا و قانونيّا و بفعل إرهاب الكلوكلو كس كلان – كان المزارعون يجبرون على شراء تقريبا كلّ ما يحتاجونه من دكّان تملكه شركة أو يملكه ملاّك عقّاريّ كبير . و هكذا ، مهما كان ، يشتغل المزارعون طوال السنة و يجنون المحصول – و حين يحين وقت حصولهم على حصّتهم من المال مقابل المحصول الذى ليس عليهم دفعه إلى الملاّك العقّاري ، يتبيّن أنّهم لم ينالوا أيّ شيء إذ هم عمليّا مديونين للدكّان الذى يكون عادة على ملك ذات الملاّكين العقّاريّين. و بالتالى ، لا يقدرون أبدا على مغادرة الأرض و الذهاب إلى ايّ مكان آخر لتداينهم على الدوام ؛ و إن حاولا المغادرة ، تتدخّل الشرطة و تتدخّل الكلوكلوكس كلان – " أنت مديون "- و يعيدونهم إلى المكان الذى غادروه إن لم يقتلوهم.
و تمادى هذا إثر الحرب الأهليّة إلى الحرب العالميّة الثانية في أربعينات القرن العشرين . و الآن ، ممّا كان يحدث – و كان هذا صحيحا بالمعنى العام في تاريخ المجتمع الإنساني و بوجه خاص في ظلّ هذا النظام – هو أنّ الكثير من التقنية الجديدة تتطوّر عندما تمضى الطبقات الحاكمة إلى الحرب. ذلك أنّها تحتاج إلى تطوير التقنية لأجل تحسين أدائها في الحرب. ثمّ نتيجة ذلك تحوّل إلى إستخدامات مدنيّة في الكثير من الأحيان ، بعد الحرب. و قد حدث هذا أثناء الحرب العالميّة الثانية . و نتيجة لهذه الحرب ، وُجد الكثير من الدفع و الحماسة نحو تطوير تقنية جديدة . و في الجنوب ، وُجد إنتاج عدد كبير من الجرّارات و عدد كبير من آلات الحصاد الأوتوماتيكي . لذا ، بدلا من البغل أو الحصان لجرّ المحراث ، صار الجرّار هو الذى يحرث الأرض. و بداهة ، كان هذا أكثر فعاليّة إذ كان يغطّى مساحة أكبر من الأرض في فترة زمنيّة أقصر و بأقلّ جهد جسديّ .و كانت آلات الحصاد أسرع من الأشخاص الذين يجرّون كيسا من القطن وراءهم و يقطفون القطن يدويّا. و نعود بكم إلى الوراء للحظة ، حين نرجع إلى العبوديّة ، بات القطن منتوجا كبيرا للعبوديّة و كان عمليّا أحد أهمّ الأشياء التي كانت تباع بالسوق العالميّة لدفع إقتصاد الولايات المتّحدة ليظهر كإقتصاد كبير طوال زهاء القرن ، من بدايات القرن التاسع عشر إلى نهايته ؛ و كان تطوير تقنية معيّنة هو الذى سمح للقطن بأن يلعب ذلك الدور في إقتصاد الولايات المتّحدة و فى كامل السوق العالميّة . ما هو ذلك التطوّر ؟ كان شيئا صغيرا يسمّى محلج القطن . فقد إخترع في بدايات القرن التاسع عشر و ما قام به هو التيسير و التسريع الكبيرين لفصل خيوط القطن عن كافة البذور و كافة الأجزاء الأخرى من القطن التي ليست صالحة لصناعة الأقمشة التي تصنع منها الثياب. و بالتالى ، بفضل ذلك التجديد التقني الصغير ، تواصلت فظائع القطن الذى ينتجه العبيد على نطاق واسع لأجيال و أجيال في القرن التاسع عشر في الولايات المتّحدة .
و الآن ، إذا قرأتم شيئا مثل الكتاب الذى أشرت إليه في الحوار مع كورنال واست (8) ، الكتاب الذى ألّفه أدوارد بابتيست، " النصف الذى لم يرو قط " (9) ستحصلون على صورة واقعيّة عن أهوال هذا . كنت أشاهد – آه ، أحيانا ، يكون من الصعب أن لا نغدو مجانينا تماما – كنت أشاهد قناة تلفزيّة في ليلة من الليالى و وُجد شخص متشكّك ، شخص علماني ، مناهض للدين ، إسمه مايكل شرمر و كان يفضح كيف أنّ الإنجيل طريقة تفكير فات أوانها – مسجّلا نقطة : من يرغب في العيش في مجتمع حيث علينا أن نقتل الأطفال إذا لم يطيعوا أولياءهم ،و علينا أن نقتل كلّ المثليّين الجنسيّين و هلمّجرّا – لكن تاليا ، المنشّط الذى كان يجرى معه الحوار الصحفي سأله ( كان هذا على ما أعتقد على قناة C-SPAN) : حسنا ، هل كانت أمريكا في الأساس قوّة أخلاقيّة للخير في العالم ؟ " و أجاب شرمر " آه ، أجل ، طبعا كانت لدينا تراجعاتنا مثل العبوديّة " و تابع في أشياء من هذا القبيل . و تحدّث عن كيف أنّ الأسواق الحرّة و نظام سياسي ديمقراطي أفضل وسيلة للحصول على نظام جيّد و أفضل أساس لتغيير الأشياء حينما تنشأ مشاكل ". " تراجع؟! " قال - العبوديّة كانت مجرّد تراجع صغير، قال . لكن لمّا نقرأ كتاب أدوارد بابتيست ، سنلاحظ أنّه يصف نظام العبوديّة و بالأخصّ زراعة العبيد للقطن – وصفه مناسب جدّا و طريقة صحيحة جدّا لنعته – ب " آلة الجلد " . فهكذا كانت طريقة النظام العبودي لزراعة القطن – و يصحّ هذا على النظام العبودي عامة ، لكن القطن كان مثالا مكثّفا لهذا و هذا ماا تشاهدونه في شريط " 12 سنة من العبوديّة " : فعلى مزرعة القطن ، كان على كلّ عبد إنجاز نسبة لما كان عليهم قطفه يوميّا . وإذا لم تتحقّق النسبة ، يقع جلده بلا رحمة. و إذا تحقّقت النسبة ، يرفعون من نسبتك . و بالتالى ، سيقع جلدك بالسوط مجدّدا إلى أن تحقّق النسبة الجديدة . و هكذا دواليك. كان هذا هو حرّك نظام زراعة القطن العبودي. " تراجع صغير " قال . و عندما تطالعون كتاب بابتيست ذاك ، ستعثرون على أنّ آلاف النساء ، الأفريقيّات ، كان يجلبهنّ ملاّكو العبيد لأجل إغتصابهنّ – فهنّ تغتصبن بصفة منتظمة و بإستمرار . هذا هو النظام الذى وفّر قسطا كبيرا من أساس بناء الولايات المتّحدة لنفسها كقوّة إقتصاديّة و عسكريّة عالميّة عظمى . كان ذلك تراجعا صغيرا َ لكن مع حدوث الحرب العالميّة الثانية – الآن نقترب أكثر من الوقت الحاضر – أدخلت الجرّارات و آلات الحصاد و هكذا على نطاق واسع . و الجرّار ليس فعّالا على قطعة أرض صغيرة . تصوّروا أنّكم تقودون جرّارا و تحاولون حرث مساحة لا تتجاوز إتّساع المكان الذى نحن بصدد الاجتماع به . من العسير جدّا التحكّم فيه ، ليس بوسعكم القيام بشيء كثير . و لكي يكون فعّالا حقّا ، يجب أن توجد منطقة شاسعة لإستخدامه . لذلك عني هذا الإستخدام للجرّار التخلّص من كلّ قطع الأرض الصغيرة هذه التي كان المزارعون يشتغلون عليها ( و من جديد، سبب تسميتهم sharecroppers هو أنّه كان عليهم أن يتقاسموا المحصول : يزرعون و يعتنون بالزرع و يحصدونه لكن عليهم تقاسم جزء كبير منه مع مالك الأراضى ، صاحب المزارع ). و هكذا جلبوا الجرّارات و تخلّصوا من قطع الأرض الصغيرة ، مع الوقت – ليس طوال فترة زمنيّة مديدة ، حقيقة طوال عقدين لا غير – و بالتالى ما عادوا في حاجة إلى عدد كبير من الناس للعمل على الأرض يدويّا فالآلات حلّت محلّهم. فما الذى حصل ؟ ملايين الناس – الذين أرادوا بيأس مغادرة تلك الأراضي و كلّ ما يأسرهم فها ، لكن الذين أجبروا على البقاء عليها – إضطرّوا الآن إلى مغادرة تلك الأراضي بأعداد ضخمة ، بدلا من الإبقاء عليهم على تلك الأراضي بالقوّة و العنف في ظلّ نظام المزارعة القديم . و بالتالى ، حصلت هجرة كثيفة إذ توجّه ملايين السود إلى الشمال و الغرب- تاركين الجنوب للتخلّص من الفظائع هناك يحدوهم أمل بناء حياة أفضل في مكان آخر. محرّك ما حصل هو التغيّرات في قوى الإنتاج بالأخصّ الآلات التي نجمت عن الحرب العالميّة الثانية .
و إليكم ما يهمّ فهمه . لم يكن الأمر مجرّد أنّ شخصا ما أراد الحصول على طريقة أكثر فعاليّة في زراعة القطن . كان ذلك نتيجة أنّ الملاّكين العقّاريّين هؤلاء في جنوب الولايات المتّحدة كانوا مدفوعين بالتنافس في أماكن بعيدة و أيضا في أماكن أخرى من الولايات المتحدة ذاتها . إذا عدنا إلى قراءة تحليل للإتّحاد الثوري ( The revolutionary -union- ) ، المنظّمة ما قبل الحزب – مثلا ، إذا قرأنا مجلّة " أوراق حمراء " عدد 6 (10) – سنلاحظ أنّ بعض هذا قد جرى نقاشه هناك . الباكستان بعيدة جدّا ، بعيدة على الجانب الاخر من الكرة الأرضيّة ، وفيها كانت زراعة القطن تتطوّر أكثر و في الآريزونا بالولايات المتّحدة كانت زراعة القطن تتطوّر بواسطة وسائل الريّ الأكثر عصريّة . لذلك زارعو القطن فى جنوب الولايات المتحدة ما كانوا ببساطة يبحثون حولهم عن طريقة أفضل لإنتاج القطن بالمعنى العام و المجرّد : لقد كانوا مجبرين بفعل ضغط المنافسة على إدخال تقنية جديدة . و هنا ترون طبيعة النظام الرأسمالي . ليس مجرّد تجمّع للرأسماليّين الكبار ، بجميع الرأسماليّين يعملون معا لإستغلال الناس . إنّه كلّ هؤلاء الرأسماليّين المختلفين ، في أنحاء بعيدة جدّا من العالم – و هذا أصحّ اليوم : في أنحاء بعيدة جدّا من العالم – إنّه كلّ هؤلاء الرأسماليّين المتنافسين مع بعضهم البعض مجبرين بعضهم البعض على إيجاد طُرق للإنتاج أكثر فعاليّة و على إستغلال الناس بأكثر فعاليّة ، حتّى إن عني ذلك قذف قسم من الناس خارج سيرورة العمل ، أو خارج الأرض أو مهما كان الأمر.
ترون إذن أنّ علاقات الإنتاج ( العلاقات التي يدخل فيها الناس لإنتاج الأشياء ) تغيّرت بموجب التغيّرات في قوى الإنتاج. لمّا أدخلوا الجرّارات و غيرها من الآلات ، لم يعد الناس منظّمون في مجموعة ملاّكى أراضى صغيرة أو أناس يؤجّرون قطع أرض صغيرة و يؤجّرون الآلات و يعملون كأفراد على قطع أرض صغيرة . بدلا من ذلك ، طُردت أعداد غفيرة من المزارعين من الأراضي ؛ و دفعوا دفعا نحو المدن أين أخذوا يشتغلون ضمن مجموعات أكبر من الناس ، فى المصانع و ما شابه ، أين يوجد ربّما آلاف الناس يعملون معا . و هذه علاقة مختلفة دخل فيها النا من أجل إنتاج أشياء ، مختلفة عن ما كانت عليه لمّا كانوا مزارعين صغار. و هكذا ، أفرزت هذه التغيّرات في قوى الإنتاج – و بالأخصّ إستخدام الآلات – تغيّرات في علاقات الإنتاج .
كما أسفر ذلك عن تغيّرات إجتماعيّة كبرى – أو بتعبير أفضل وفّرت أرضيّة جديدة أمكن على أساسها القتال من أجل تغييرات إجتماعيّة . فما الذى أسفرت عنه هه التغيّرات الكبرى ؟ أسفرت عن حركة الحقوق المدنيّة . ليس آليّا نتيجة التغيّرات في التقنية و التغيّرات في العلاقات التي كان يدخل فيها الناس من أجل الإنتاج لكن على ذلك الأساس . وجد الناس أنفسهم غير مرتبطين بقطعة أرض معيّنة. وجدوا أنفسهم متحرّرين من ذلك على انّهم ليسوا متحرّرين من الإضطهاد. دخلوا المدن بأعداد كبيرة و عاد من الحرب العالمية الثانية أيضا الكثير من الجنود السود الذين كان يجرى تكريس الفصل العنصري ضدّهم في صفوف القوّات المسلّحة للولايات المتّحدة . أعنى أنّه لم يكن من الجيّد القتال من أجل هؤلاء الإمبرياليّين على أي حال ، لكن مع ذلك ، لم يكن يُسمح للسود و كذلك للمكسيكيّين و غيرهما حتّى بالقتال ضمن نفس الوحدات مع الجنود البيض. و بالتالى ، مضوا إلى هذه الحرب و مضوا إلى كافة أنحا العالم و كانوا يقاتلون " من أجل الديمقراطيّة و من أجل الحرّية " ، قيل لهم ، ثمّ عادوا ليجدوا أنفسهم بعدُ " مواطنين من الدرجة الثانية " – يشتمون على أنّهم " زنوج " و " متكلّمو الإسبانيّة " و ما على ذلك - و ليس بإمكانهم التنقّل إلى هذا المكان أو ذاك . إنّهم كهول لكن عليهم النزول عن الرصيف عندما يعترضهم طفل من البيض عمره 15 سنة . فقال العديد منهم ، لا ، ما عاد علينا القيام بذلك بعد الآن ، نحن في وضع مغاير الآن .
و من ثمّة خِيض نضال هائل . بيد أنّه ما كان مقدّرا مسبّقا أنّه سينجم عن كلّ ذلك ، ما من ضمان بأنّ النتيجة ستكون تغييرا إيجابيّا ما . كلّ قوى النظام القديم لم تقل : آه، حسنا ، متّفقون ، أنتم في وضع إقتصادي مغاير الآن و طبعا ينبغي أن تكون لديكم بعض الحقوق ". لا ، لم تقل ذلك. جدّ نضال هائل إستمرّ و إستخدمت قوى النظام القديم الشرطة و الكلوكلوكس كلان، مرّة أخرى ، لترويع الناس و لمحاولة إلحاق الهزيمة بالنضالات.
و تاليا ، وُجدت قوى عريضة ضمن الطبقة الحاكمة للولايات المتّحدة كانت تنظر إلى صورة البلاد ككلّ و تنظر أبعد من ذلك إلى العالم ككلّ و قد كانت فيه تخوض حربا باردة مع الإتّحاد السوفياتي و أرادت أن تقدّم أمريكا ،كما تفعل الآن ، على أنّها " أرض الحرّية و الديمقراطيّة ". وتعملون كيف يتحدّثون على الدوام عن رئيس الولايات المتّحدة : " قائد العالم الحرّ". فأرادوا تقديم أمريكا كأرض للحرّية . كيف يبدو الأمر إن كنتم تقدّمون أمريكا على أنّها أرض منارة الحرّية و الديمقراطية و أنتم تمارسون الفصل العنصري و تروّعون و تقتلون كلّ هؤلاء الناس داخل بلدكم بالذات ؟ لا يبدو الأمر جيّدا جدّا . و عليه ، قال ممثّلو الطبقة الحاكمة بالمعنى الأوسع ، كينيدي و أضرابه : " ينبغ أن نسمح ببعض التغيّرات لأنّ الأشياء تتغيّر في المجتمع لكن كذلك لأنّنا ضمن هذا الإطار العالمي و سنخسر لو لم ندخل بعض التغييرات ". و الإتّحاد السوفياتي هناك يقول : " إنظروا إلى أمريكا ! تتحدّث عن كيف هي أرض الحرّية و أنظروا ما تفعله بكلّ هؤلاء السود ، تقتلهم بوقا [ دون محاكمة – المترجم ] و تطلق عليهم النار لترديهم قتلى ؛ أنظروا ما تفعله بهؤلاء المكسيكيّين في الجنوب الغربي . إنّها ليست أرض الحرّية و الديمقراطيّة ". حسنا ، كانت صعبة للغاية المحاججة ضد هذا . فكان عليهم في آخر المطاف تقديم بعض التنازلات. و كلّ هذه الأشياء ، كلّ هذه التغيّرات وُوجهت لكنّها وُوجهت على قاعدة معيّنة ، على أساس معيّن، لما يجرى في النظام الاقتصادي الأساسي ، و التغييرات التي كانت تحدث هناك . طبعا ، بالمعنى الأوسع ، كن كلّ هذا يجرى ضمن الإطار العام للنظام الرأسمالي ، و لذلك ، بالرغم من حدوث تغيّرات كبرى - و على وجه الخصوص تغيّرات كبرى في وضع السود – لم يجلب ذلك نهاية الإضطهاد حتّى و إن جلب تغيّرات كبرى في أشكال ذلك الإضطهاد .
لقد تحدّثت عن علاقات الإنتاج . و لنتعمّق فيها بعض الشيء . مرّة أخرى ، قام لينين بعمل قيّم مفيد لنا ينبغي علينا إستغلاله. فقد حلّل لينين أنّه ثمّة مكوّنات ثلاثة لعلاقات الإنتاج . واحد هو الملكيّة ، إذا كنت تملك أو لا تملك ما يسمّى بوسائل الإنتاج: الأرض و المواد الأوّليّة و المصانع و الآلات و التقنية من شتّى الأصناف. هذا هو الشيء الأوّل و الأكثر جوهريّة في ما يتعلّق بعلاقات الإنتاج . هل تملكون أم لا وسائل إنتاج ؟ و تعلمون ما يعنيه عن كنتم لا تملكونها : عليكم الذهاب للعمل لدى من يملكها . جميعنا يعلم ذلك. لا تملكون مصنعا ، لا تملكون مصحّة و ما إلى ذلك – بالتالى ، عليكم أن تجدوا موطن شغل لدى شخص يملكها ؛ هذا هو الإتّفاق . ملكيّة ( أو عدم ملكيّة ) التقنية و الأرض و وسائل الإنتاج الأخرى – هذا هو الأمر الأكثر جوهريّة في العلاقات الإقتصاديّة ، علاقات الإنتاج.
و التالى هو ما هو دوركم في التقسيم العام للعمل في المجتمع . و يحيل هذا على واقع أنّ هناك سيرورة كاملة عبرها يسير المجتمع و عبرها يُنتج الحاجيات الأساسيّة لحياة الناس و التوالد أو التكاثر . ما الدور الذى تحتلّونه في ذلك ؟ إذا كنتم مالكي وسائل إنتاج ، تتحكّمون في كافة الذين يشتغلون لديكم . و إذا كنتم نوعا ما أقلّ مكانة – لنفترض أشخاصا من الإدارة – فإنّكم تحتلّون موقعا وسطا . تشتغلون لدى من يملكون وسائل إنتاج ، لكنّكم أيضا تصدرون أوامرا لقسم آخر من الناس أدنى منكم موقعا . أوغذا كنتم تشتغلون كمثقّفين في الجامعة أو أشخاصا في موقع مشابه ، فإنّكم كذلك في موقع وسط في التقسيم العام للعمل في المجتمع. أو قد تكونون في قاع المجتمع فلا تملكون شغلا أو أنّكم تتخبّطون باذلين جهدكم في صراع يومي من أجل الحياة أو لديكم شغل و أحدهم يستغلّكم. و للحصول على ذلك العمل يجب أن تبيعوا أنفسكم . هذا ما تفعلونه . تذهبون للقاء فرصة تشغيل و يقولون لكم " حسنا ، لنتوغّل في تاريخكم " و ما على ذلك . أحيانا يطلبون منكم التبوّل في قارورة و أحيانا معرفة كلّ شيء عن تاريخكم الشخصيّ ، يريدون معرفة إن تمّ إيقافكم في يوم ما أو هل تعرّضتم لحكم إدانة لإرتكابكم جناية . و ليس بوسعكم مجرّد قول : " ما هذا الهراء ، فقط مكّنونى من العمل ، اللعنة ، أنا أتضوّر جوعا ! " أنتم خارج الباب و ليس بوسعكم حتّى أن تقولوا بلطف : " عذرا ، لكن هذا نوع من الأسئلة الشخصيّة ، ألا تعتقدون ذلك ؟ " لا، لأنّ الشخص الذى يجرى معك اللقاء في موقع وسط في خدمة الذين يملكون وسائل الإنتاج و أنتم لا تملكون أيّة وسائل إنتاج لذا أنتم في موقع الضعفاء لأنّكم لم تلبّوا المطلوب منكم فلا يشغّلونكم . و ليس بوسعكم المضيّ إلى هناك و قلب الأمور و قول : " حسنا ، بما انّنا في حصّة أسئلة و أجوبة ، دعونى أطرح عليكم سؤالا : هل للشركة التي تعملون بها أيّة أملاك ببنغلاداش ؟ هل أنتم مسؤولون عن تلك الحرائق هناك في البنغلاداش ، الحرائق التي أودت بحياة النساء العاملات في تلك المصانع ؟ " . تطردون فورا . ليس عليكم أن تثيروا هكذا أسئلة . و مردّ ذلك تقسيم العمل الذى يجعلكم في القاع . لا تملكون وسائل إنتاج و ليس لديكم قدر كبير من المؤهّلات الفكريّة . لا تملكون شهادة أو درجة دراسات عليا قد تسمح لكم بدراسة الطبّ لتصبحوا أطبّاء أو دراسة التصرّف أو العمل في شركة من شركات الأنترنت مطوّرين تقنية جديدة و ما إلى ذلك . أنتم في القاع .
و لدينا المكوّن الثالث لعلاقات الإنتاج : ما هي حصّتكم من توزيع الدخل العام للمجتمع ؟ فكّروا في هذا . إن كنتم بالقمّة ، تملكون وسائل إنتاج ، يُمكن أن تملكوا مليارات الدولارات بقيمة المصانع و الآلات و ما إلى ذلك - ليس فقط في بلد واحد و إنّما في عدّة أنحاء من العالم – ستحصلون على حصّة كبيرة من الثروة المنتجة . و حتّى إن قمتم بإعادة إستثمارها للإبقاء على السيرورة مستمرّة و للتنافس مع آخرين ، ستحصلون على حصّة كبيرة من الثروة المنتجة . و إن كنتم في موقع وسط، بقدر معيّن من المؤهّلات الفكريّة أو تملكون حصّة صغيرة من وسائل الإنتاج – ربّما تملكون متجرا صغيرا أو شيئا من هذا القبيل ، تملكون وسائل إنتاج أو توزع صغيرة لكنّكم لا تملكون الكثير – في هذه الحال ، ستحصلون على حصّة أصغر. و إن كنتم في القاع ، لا تملكون عدا قدرتكم على العمل و ليست لديكم مؤهّلات عالية التطوّر و تدريب فكريّ و شهائد جامعيّة إلخ ، ستحصلون على حصّة صغيرة .
و إذا وضعنا هذه المكوّنات الثلاثة معا – ملكيّة قدر كبير من وسائل الإنتاج أم ملكيّة القليل منها أم عدم ملكيّة أي شيء منها؛ و دورنا في التقسيم العام للعمل في المجتمع ؛ و بالتالى حصّتنا في توزيع الثروة الإجتماعيّة - أمكن لنا تحديد الكثير من هيكلة المجتمع . و بالمعنى الأساسي ، لدينا أناس في القمّة ، البرجوازيّة ( وهي كلمة فرنسيّة تعنى أساسا الرأسماليّين ، الطبقة الرأسماليّة ) ؛ ثمّ لدينا البرجوازية الصغيرة وهي طبقة " وسطى " متكوّنة من مالكى قدر صغير من وسائل الإنتاج و الذين طوّروا مؤهّلات فكريّة و لديهم شهائد جامعيّة و هكذا ، أناس في الإدارة أو الطبّ و ما إلى ذلك – و هناك الناس في القاع ، البروليتاريا ، وهي كلمة تعنى الذين لا يملكون أي شيء عدا قدرتهم على العمل . و من هنا لدينا طبقات إجتماعية مختلفة – و كل هذا مرتبط بالنظام الاقتصادي العام و دور الناس فيه .
و إذن حينما نفكّر في تجاوز الإنقسامات الطبقيّة ، علينا أن نفكّر في تغيير كلّ هذا ، و كذلك في تغيير أنواع العلاقات الاجتماعية حيث يضطهد الرجال النساء و حيث تضطهد " جنسيّة " أو قوميّة جنسيّات أو قوميّات أخرى ، و حيث لبعض الناس إمتيازات نسبة لآخرين بمعنى إمتلاك درجة عالية من التدريب الفكريّ و شهائد جامعيّة إلخ ، و حيث يمكنهم العمل بالفكر أساسا ، بينما لا يملك آخرون طبعا مؤهّلات العمل الفكري و هم مضطرّون إلى إنجاز العمل اليدوي . يجب تجاوز كلّ هذه الأشياء إذا أردنا التخلّص من الإستغلال و الإضطهاد. فهذا يسمح لنا بفهم أعمق لموقف لينين حول كيف أنّ الناس يخدعهم الآخرون و يخدعون أنفسهم ما لم يتعلّموا إستشفاف مصالح الطبقات وراء ما يجرى في المجتمع و العالم ككلّ . علينا أن ننظر إلى الطبقات في المجتمع و العلاقات الإقتصاديّة و الإجتماعيّة و نظام السلطة السياسيّة التي تفرض هذه العلاقات ، و الذى تخدمه أفكار مختلفة . ما هي المصالح الطبقيّة التي تعبّر عنها عمليّا هه الأفكار ؟ ما هي تلك التي تتناسب مع نظرة البرجوازية الكبيرة و مصالحها ؟ أو ما هي تلك التي تتناسب مع نظرة البرجوازية الصغيرة و مصالحها ؟ أو ما هي تلك التي تتناسب مع نظرة الجماهير الشعبيّة الأدنى ، البروليتاريا و الفقراء و مصالحها ؟
لكن أبعد من ذلك ، إن إكتفينا بذلك و لم نتعمّق أكثر في جذور كلّ هذا ، حالئذ سيكون الأمر شبيها بالإختلاف بين البقرة و الخروف . تتقدّم البقرة و تأكل العشب إلاّ أنّها تترك الجذور . أمّا الخروف فيقتلع كلّ شيء بما في ذلك الجذور. لهذا في الغرب القديم لهذه البلاد عادة ما كانت تنشب حروب من كلّ الأصناف بين ملاّكى الخرفا و ملاّكى البقر : يغضب ملاّكو البقر من ملاّكى الخرفان لأنّ الخرفان أتت و إقتلعت كافة النباتات فلم يعد من الممكن للبقر أن يرعى ، بينما لا يرعى البقر إلاّ على السطح كي تتمكّن النباتات من النموّ مجدّدا . على كلّ حال دون المضيّ بعيدا في هذه الإستعارة المربكة (!)، المسألة هي التالية : لئن نظرنا إلى الطبقات و لم نفعل غير ذلك ، لن نبلغ الجذور . و لئن أردنا تغيير شيء تغييرا حقيقيّا ، ينبغي أن يطال التغيير الجذور .
و بهذا كمقدّمة و توجّه أساسيّين ، هناك أربعة أقسام أساسيّة لبقيّة هذا العرض .
----------------------------------------------------------------------------------------------------