من المسؤول.. من المستفيد ... وما الحل؟!


فارس محمود
2021 / 1 / 25 - 17:23     

عمليتان اجراميتان جديدتان. أيةُ مأساة هذه! جريمتان حصدت ارواح العشرات وما يقارب من 150 جريح من الابرياء في وسط بغداد. انه حدث مؤلم الى ابعد الحدود، ويبعث على غضب وسخط جديين لدى كل انسان يؤمن ولو بذرة بحق الانسان في السلامة، الامان والطمأنينة.

الا يكفي الجوع والحرمان والفاقة، البطالة وانعدام الضمانات وانتفاء سبل العيش، انعدام المستقبل والامل؟! الا يكفي شيوع الجريمة المنظمة، القتل، الانحطاط والتردي المادي والمعنوي المفروض على الانسان؟! ألا يكفي الاغتراب وهدر الكرامة الانسانية كل لحظة؟! الا يكفي ان تتحكم بك عصابات ميليشياتية طائفية عديمة الرحمة، وبخبزك، يومك، حياتك ومستقبل اطفالك؟! و ألا يكفي.... والا يكفي...!!

يقال ان داعش اعترفت بمسؤوليتها عن الجريمة. ولكن المجرمين في بغداد. إن داعش هي داعش. يكفي اسمها لتوصيفها وتوصيف ماهيتها الاجرامية التي تبعث على الغثيان والاشمئزاز. ان كانت داعش مسؤولة عن هذا العمل، فان من ساهم في هذه الجريمة، واكثر من 17 عام من الجرائم المنظمة، وفي الحقيقة المجازر المنظمة، هي كل العملية السياسية، بكل اطرافها، بقومييها ودينيها، بطائفييها وغير طائفييها، باحتلالها وبـ"وطنيها" الذين اتوا على دباباتها و.... لا يمكن لأي من اطراف هذه العملية ان يخلي ساحته ويقول "ليس انا!"، "ليس ذنبي!"، "لست طرفاً في الموضوع"!

ان داعش هو ابن "شرعي" لهذه العملية. فلولا الاحتلال، ولولا الصراع الاقليمي في المنطقة (صراع ايران وتركيا وقطر والسعودية في المنطقة ودفع كل منهم لحلفائه في العراق والمنطقة)، ولولا الشحن الطائفي والتمييز الطائفي والصراع الطائفي، ولولا سعي حفنة طائفيين لحذف خصومهم الطائفيين كذلك، ولولا القوميون العرب الملتحفون بجلباب الطائفة والسنة، الطائفيون السنة الذين تعكزوا على الظلم الطائفي بوجه خصومهم السياسيين "الشيعة "أولئك الذي يلهثون للثراء والمال والتسابق من اجل نيل رضا ولي نعمتهم، نظام الجمهورية الاسلامية في ايران، ولولا الاذلال الطائفي والاحتقار الطائفي لا يمكن ان تجد مجموعة خارج التاريخ البشري المعاصر ملجأ لأمثال داعش.

لولا آيات الاسلام ورجالاته وفقهه، لولا "حاربوهم!" و"قاتلوهم!" و"ارهبوهم!" و"هياصات" الانظمة الرجعية في المنطقة وابواقها ومنابرها الاعلامية ومؤسسات "الارشاد والدعوى"، ولولا امثال "جامعة" الازهر لا يمكن ان تتوفر ارضية او ابواق تحريضية لأمثال داعش. لولا الكبت الجنسي والتحقير الجنسي والاذلال الجنسي للشاب يوميا لما حلم احد بقتل نفسه من اجل "حور عين"! فليست ثمة دعاية اكبر من "حور العين" لأنسان عاجز ان يعيش بصورة عادية: يدرس، يتعلم، يحب، ويعرف المرأة والفتيات عن قرب، ويحس بإنسانيتهن وجمالهن عن قرب، ويتعلم احترامهن من سنوات عمره الاولى. فإنسان داعش هو ليس بإنسان. ان انسان اخرج من انسانيته، اخرجه الطائفيون، والقمع، الاذلال، انعدام الكرامة. والا كيف بإنسان سوي عادي ان يتحمل رؤية دم طير، ناهيك عن ان يذهب بأقدامه صوب قتل نفسه وقتل عشرات اخرين بدم بارد؟! ثمة مثل يقول ان الخشب يشتكي من المسمار: "لماذا تمزقني؟!"، يرد المسمار: "الى ترى الدق والضرب على راسي؟!"

ان دماء الضحايا هي برقبة كل هؤلاء. ولكننا نرى الكاظمي، وقد شمر عن ساعدة، ودعا الى اجتماع يحضره القادة الامنيين الكبار، وقرر، نعم قرر: "إعفاء مجموعة من القادة العسكريين"!!! من الواضح انه اغتنمها فرصة لإبعاد مجموعة لا تتناسب مع اهوائه ومطامحه، ليس الا!! أيا ايها التافه! أيا ايها الذي رمتك "رياح الصدفة" لتحكم مجتمع موغل في المدنية، في المعاصرة، في التمدن في الثقافة تسعى لتقنع من بإجراءات مثل هذه؟!. من المؤكد انه ليس احمق. فهذا الامر لا يحتاج الى عمق خاص وفهم خاص وادراك خاص. بيد انه ينوي ذر الرماد في العيون حتى الانتخابات "المبكرة" المقبلة في تموز 2021، بيد ان خصومه الذين يتسابقون على السلطة والحكم قد قرروا امر اخر، الى ابعادها الى تشرين الثاني، لا لان حل بيدهم، بل حتى يكسبوا الوقت وحتى بالأصح حتى يعيدوا الماء لوجههم الكالحة ولا يعرفوا كيف. ليأخذوها مني، لن يستردوا وجههم ابد وقط! لا وجههم ولا وجه من يدفعوا به للواجهة نيابة عنهم او تزكية منهم (وبالطبع كأي صفقة مقابل اثمان وحصص متقابلة").

من المستفيد؟! ان هذا سؤالاً يطرح نفسه. كل اطراف العملية السياسية، ومن ضمنهم معارضيها، هم مستفيدون من هذا الحدث. ليس هذا وحسب، بل انهم يطربون لهذا الحدث لأنه يرد على معضلة ما لهم. فمنهم من يراها فرصة لخلط الاوراق في صراعه السياسي مع خصومه، ومنه من يراها طريقة لإضعاف "الكاظمي"، ومنهم من يرى انها فرصة لا عادة الامور الى المربع الاول، ومنهم من يرى الامور منفذ لإنهاء تهميشه الذي فرضته الجماهير المنتفضة وغيرهم يرونها فرصة للضغط على التيارات ذات اليد الطولى، ومنهم من يرى ان لدينا "اوراق" اخرى قديمة للضغط...الخ. فالكل، من هذه القوى، مستفيد من هذا الحدث.

ولكن ما لحل؟! الحل بسيط ومعروف وصعب ومعقد. كيف ذلك؟! بسيط ومعروف اذا ارادت الجماهير العمالية والكادحة ذلك، اذا فهمت ووعت السبيل لذلك، وصعب ومعقد اذ لم تقم بذلك. بسيط ومعروف اذا وعت لضرورة ان تنظم نفسها، توحد قواها بكل الاشكال الممكنة، اولاً وقبل كل شيء حول مصالحها واهدافها الطبقية المباشرة، ان ترسم سبيل دربها بعيدا عن أولئك الذين يتعقبون مصالح اخرى لا تمت بصلة لمصالحهم، بعيدا عن مناورات واكاذيب واشكال خداع الطبقة البرجوازية الحاكمة وممثليها في السلطة، ان تتحلى بأفق راديكالي، بأفق "كلهن يعني كلهن"، اي ينبغي ازاحة كلهم. لماذا لا نزيحهم كلهم؟! هم يعرفون انفسهم ويقولون بعظمة لسنانهم على حد قول العراقيين "اننا فشلنا"، "نعتذر للعراقيين"، "لقد اثبتنا اننا افشل طبقة سياسية مرت بتاريخ العراق الحديث"، "الناس حمقى والا كيف تقبل بهذا بعد مرور 17 سنة ؟!" اليس هذا ما قاله العامري والمالكي والفياض عن انفسهم وعن سلطتهم وعلنيا امام الجميع وتناقلته والفضائيات؟!

ان سبيل الحل هو مرة اخرى انتفاضة مليونية، ان تتوحد الجماهير وتتنظم وتدخل الميدان بوصفها قوة مليونية مستقلة عن مشاريع البرجوازية ضد هذه السلطة الاجرامية. انتفاضة خبرت الدروس من انتفاضة تشرين-اكتوبر والهبات الجماهيرية السابقة في 2011 و2015 وغيرها. ان تتوحد، بأفق ورؤية وراية راديكالية وتحررية، بشعارات وتكتيكات صحيحة. ان ذلك يصعب بدون وجود حزب طليعي في الميدان، حزب على غرار حزب لينين، يعرف كيف ينقل الجماهير من النقطة (أ) الى (ب)، ومن (ا) الى "ي"، اي انهاء عمر هذه السلطة المقيتة التي لم تجلب سوى المصائب والدمار والخرائب وارساء مجتمع انساني حر ومتساو ومرفه، مجتمع اشتراكي. والا بغير هذا يصبح الحل صعب ومعقد ومليء بالتضحيات.

ليس معنى كلامي "انتظار" ثورة جاهزة وكاملة و"ملبلبة" على قول رفيق لنا، فليس ثمة ثورة جاهزة. انها تبدأ عفوية وعامة وبنواقص كثيرة، وعلى التحررين والطليعيين والشيوعيين ان يستكملوا نواقصها في خضم الصراع. فلو كانت كاملة و"ملبلة"، ماهي حاجتها لك ولي ولأمثالنا من قوى وناس؟!

ولهذا، ليس امامنا، نحن الذين لسنا على استعداد لجعل حياتنا مسلسل من الرعب والمصائب والحرمان والعوز، سوى سلوك ذلك السبيل، سوى التحلي بإرادة التنظيم في كل زاوية من زوايا حياتنا: في اماكن العمل، في اماكن الدراسة والمعيشة والسكن، في كل مكان ونصدح بصوت عظيم ان مستقبل افضل يأتي من ايادينا، نحن العمال والمحرومون والكادحون الذين نمثل الاغلبية الساحقة في المجتمع. نحن الذين لا نرنو للربح وتراكم الارباح وانتفاخ الجيوب، للإعدام، وهدر حقوق المرأة والطفل، وانما لمجتمع وغد انساني وعادل ومشرق يليق بإنسان القرن الحادي والعشرين.

عندها فقط وفقط لا يبقى مكان لأمثال داعش، ولا ضرورة لـ"محفزات" و"مغريات" يقدمها داعش وامثال داعش والتي لا تتعدى خيالات "حور العيون" واصطفافهن لإرضاء ذلك البائس، الهارب من حياته التعيسة، الجاهل و"المكبوت" الذي يعيش مغترباً في عالم لا ربط له بعالمه، بكل ابتكاراته وابداعاته وأخلاقياته اللامحدودة.