السيرورة المتعثرة نحو الديموقراطية و خيانة الاحزاب و تواطؤ المثقفين ...و مادا بعد ...


محمد بودواهي
2021 / 1 / 24 - 20:35     

من المؤلم و المحزن جدا ان ينتهي الامر بوطننا الحبيب الى هده الدرجة الفضيعة من الديكتاتورية و الفقر و التخلف في الوقت الدي تحررت فيه كل شعوب المنطقة من اغلال الاستبداد عبر القيام بثورات شعبية عارمة تلتها اصلاحات سياسية و دستورية قيمة مع ما ترتب عن دلك من محاكمة كل رموز الفساد و التسلط و البيروقراطية في الانظمة السابقة عبر محاكمات عادلة توفرت فيها كل شروط العدالة و النزاهة و تحققت فيها امال الشعوب في الاقتصاص من عصابات نهبت كل خيرات الاوطان و حكمت بيد من حديد و مارست كل انواع القهر على المعارضين الشرفاء من سياسيين و حقوقيين و غيرهم حيث كان السجن او الاغتيال او النفي هو مصيرهم الدي لا مناص منه .
من الفضيع جدا ان يعيش وطننا الحبيب هده الانتكاسة المفجعة و هده الردة الرهيبة على مستوى السلطة و الحكم حيث الديكتاتورية و التسلط بلغا مدى لم يسبق لهما مثيل و هو الوطن الدي كان شعبه على مستوى المنطقة سباقا الى ممارسة كل اساليب الاحتجاج و التظاهر من مسيرات مليونية و وقفات و تظاهرات و اضرابات ناجحة كانت تصيب الدولة و مؤسسات الراسمال في مقتل ...فدون الكلام عن الفترة الدهبية في النضال في فترة الستينيات الى الثمانينيات و التي كان المغرب فيها قاب قوسين او ادنى من تحقيق ثورة اشتراكية على مقاس كوبا و فنزويلا لولا الحظ العاثر و لولا الاخطاء القاتلة التي سقط فيها كبار القادة المناضلين على مستوى التخطيط و التدبير و اللوجستيك مما جعل العدو الطبقي و اسياده الامبرياليين يكونون سباقين الى تحقيق هدفهم الخسيس و بالتالي تكسير كل التجارب الثورية المخطط لها و احباطها ..فدون الكلام عن هده الفترة الدهبية الزاهرة كان الشعب المغربي في عشرية التسعينيات من القرن الماضي يعيش ازهى ايامه النضالية حيث التعبءة و التنظيم وصلا الى اعلى مراحل الدقة و حيث الهجوم على العدو الطبقي المتمثل في الدولة المخزنية و مؤسساتها المختلفة بكل الوساءل المشروعة من اضرابات و مسيرات و مظاهرات و وقفات احتجاجية و من قبل احزاب و نقابات و جمعيات مجتمع مدني و جمعيات حقوقية وصل الى مستويات عالية من التنظيم جعلت الدولة تصاب بالهلع الشديد خوفا على مصالحها و على مستقبلها القريب قبل البعيد خاصة ان الملك الراحل كان يعيش سنواته الاخيرة بسبب المرض الدي استفحل في جسده في جسده مما جعل الدولة المخزنية مستعدة لكي تتنازل الى اقصى الحدود عن مجموعة من مهامها و تخصصاتها الدستورية لصالح المعارضة فقط لضمان استمرارية الملكية في هدا البلد . و هي الاشارة التي لم يلتقطها عبد الرحمان اليوسفي انداك بحكمة و هو الرجل القوي لتلك المرحلة باعتباره الكاتب الاول لحزب الاتحاد الاشتراكي الدي كان هو المحرك الاول و الاساسي جدا للشارع المغربي سياسيا و نقابيا و حقوقيا و على كل المستويات . فعوض ان يستغل الرجل الفرصة الدهبية للوضع الداتي و الموضوعي المناسب جدا من اجل الرفع بالمطالب الى مستويات عالية جدا قد تصل الى المطالبة بتغيير الدستور و جعل نظام الحكم ينتقل من ملكية تنفيدية مطلقة الى ملكية برلمانية يسود الملك فيها و لا يحكم كما في اسبانيا و العديد من الملكيات عبر العالم و هو الامر الدي كان بالضرورة سيتحقق لان اية عملية رفض لم تكن ابدا مقبولة او مستساغة و تعتبر مغامرة و مجازفة من قبل النظام غير محمودة العواقب ابدا ..فعوض هدا الاختيار الاستراتيجي الدي اصبح في المتناول وجدناه يقبل و بخسة شديدة و بمدلة حقيرة قيادة ما سمي بحكومة التناوب و وفق شروط الحكم داتها و هو الامر الدي جعل المخزن مباشرة بعد استقرار الوضع في حكم الملك الجديد يجفف به الارض بالتعبير المغربي الدارج حيث وجد نفسه بدون سلطات و انه عبارة عن دمية تتلاعب بها الايادي المخزنية حيث وزارات السيادة كالداخلية و الخارجية و العدل و الشؤون الدينية خارج حكمه بل حتى ولاة الجهات و عمال الاقاليم يولون له ظهورهم و لو في ابسط تعليماته لهم مما جعل الرجل يصاب بخيبة امل كبيرة بل و بندم شديد حيث لا ينفع الندم و هو الدي جعله يخسر الحكم الدي فضل ان يرتمي في حضنه و بابشع الصور و السيناريوهات رداءة و يخسر الشعب و التاريخ و الكرامة النفسية و بالتالي يسقط في ازمة متعددة الابعاد جعلته يموت و في قلبه حرقة بالغة و ماساة حارقة و جعل حزبه يسقط سقطة مدوية الى الحضيض و يصاب بسكتة قلبية قاتلة على اثر الصورة الفضيعة و المشوهة التي اصبحت لديه في مخيلة الشعب و في ضمير الامة .
و بعد فساد هده التجربة و بهكدا شكل اليم و مقزز جاءت فترة الربيع العربي في سنة 2011 حيث تحرك الشعب المغربي في انسجام مع تحركات شعوب المنطقة في اطار حركة 20 فبراير و بشكل حضاري غير مسبوق حيث المسيرات و التظاهرات المليونية في عشرات المدن المغربية و لمدة شهور متواصلة مما جعل الدولة المخزنية ان نهايتها وصلت فاخدت تقوم بكل المناورات و كل محاولات احتواء الازمة عبر تغيير الدستور و عبر تحقيق العديد من المطالب الاجتماعية و الاقتصادية عن طواعية و بشكل انفرادي و من جانب واحد و عبر التواصل مع مع الاحزاب بكل توجهاتها قصد امالتها الى جانبها حتى لا تنخرط في الحراك الشعبي الى ان نضجت المؤامرة عبر استدعاء حزب العار الظلامي الاسلاموي لتكوين الحكومة الجديدة و هو ما جعل حزب الندالة و التعمية الخبيث يلبي الطلب و بانتهازية ممقوتة و بسفالة سياسية حقيرة و تسلم السلطة و دعا حليفه في الايديولوجية الاسلاموية جماعة العدل و الاحسان الغير معترف بها رسميا و التي كان لها قوة كبيرة و تواجد كاسح في الساحة ابان التظاهرات الى جانب قوى اليسار بمختلف توجهاته الجدري منها و الاصلاحي كحزب النهج الديموقراطي الماركسي وفيدرالية اليسار المكونة من ثلاثة احزاب اشتراكية و هو الامر الدي لبته هده الجماعة الاسلاموية تحالفا مع حزب العدالة و التنمية الدي بات مخزنيا اكثر من المخزن مما كان سببا مباشرا في ايقاف حراك 20 فبراير و افشاله و ارجاع الثقة الى الدولة العميقة ...و ما تلى دلك من سياسة تراجعية رهيبة و ردة كاسحة اجهز فيها الحكم على كل المكتسبات السابقة و تطاول على كل الحقوق و عاد بملء قوته و سعة ارادته الى ما كان عليه العهد في سنوات الرصاص و الجمر حيث امتلات السجون بالمناضلين الشرفاء و حيث الاعتقال و التعديب و التنكيل بالعشرات من الالصحفيين و المثقفين و القضاة و الاساتدة و حيث تهميش الاحزاب السياسية الجادة و النقابات المناضلة و حيث عدم الاعتراف بالمنظمات الحقوقية التي تفضح الفساد و محاصرتها من كل جانب و حيث الغلاء وصل الى حد فضيع مع عدم الزيادة في الاجور لما يقارب عقدا من الزمن و حيث البطالة و الفقر و الفساد و الدعارة و الهجرة السرية وصلت الى حدود مرعبة لا تطاق و حيث الدين العام وصل الى نسبة قاتلة تجاوزت 95 في المءة من مالية الدولة و حيث القطاعات الاستراتيجية من تعليم و صحة و شغل تءن تحت وطاة الحصار و التهميش المطلق تطبيقا التوصيات مؤسسات المال الدولية الامبريالية و حيث الاجهاز على صندوق المقاصة الدي كان من خلاله يتم دعم المواد الاساسية من سكر و زيت و طحين و غاز و غيرها و حيث بيع كل مؤسسات الشعب للخواص من اتصالات المغرب و مؤسسات تعليمية و صحية و اعلامية بالجملة و حيث الفساد اتى على الاخضر و اليابس و اجهز على مءات الملايير من الدراهم من كازينو السعيدي الى اسعار المحروقات المنهوبة و 117 مليار درهم المسروقة من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و قضية الابناك التي تلاعبي بملايين الدراهم من العملة الوطنية و من الملايير التي اخرجتها الوزيرة السابقة ياسمينة بادو لشراء الشقق في فرنسا عن طريق مكتب الصرف و من الملايير التي تنهب في اطار الصفقات السياسية وووو...
ان ما يحز في النفس اكثر و في ظل هده الازمة الهيكلية المتعددة الاوجه هو ما وصل اليه قطاع الصحة الاستراتيجي من وضع اسود قاتم حيث هو الان خارج التصنيفات الدولية و حيث تشير كل التقارير الرسمية و غير الرسمية الى ارقام كارثية لعدد الاطباء على المستوى الوطني الدي لا يتعدى 8500 طبيب و دلك بعد الاستقالة الجماعية ل 200 طبيب و لجوءهم الى الخارج مما يعني ان هناك طبيب واحد لاكثر من 2000 مواطن و هو الرقم المخجل الدي يجعل المغرب في اخر لاءحة الدول حيث نجد مثلا في الاردن طبيب لكل 490 شخص و تونس طبيب لكل 511 شخص و الجزاءر طبيب لكل 900 شخص و العراق التي تعرف اوضاعا كارثية بسبب الارهاب و الطاءفية و عدم الاستقرار و فواجع داعش لاكثر من 17 سنة نجد طبيب لكل 1500 شخص و مصر التي يفوق عدد سكانها 100 مليون نسمة نجد طبيب لكل 1900 شخص و الهند التي يفوق عدد سكانها مليار و 300 مليون نسمة نجد طبيب لكل 1700 شخص وهكدا ... و بالاضافة لهدا النقص الكبير في عدد الاطباء هناك تقرير رسمي صادم يقول بان ما يفوق 70 في المءة من المستشفيات العمومية غير صالحة بتاتا للتطبيب و يجب اغلاقها او تجهيزها فورا مما يعني اننا حتى لو وجدنا طبيبا فربما لن يجد هو لا الادوات و لا الدواء و المواد و الاجهزة التي يعتمد عليها في عمله مما يعني تدني الخدمات المقدمة نتيجة النقص الشديد في الاطباء و المستشفيات و التجهيزات و المعدات و غياب تام للادوية و هو ما يرسم صورة قاتمة لهدا المجال الاستراتيجي و الحيوي جدا .
ان هده الصورة السوداء الحالكة التي يعيشها قطاع الصحة يمكن اسقاطها ايضا على قطاع لا يقل استراتيجية و هو التعليم و الدي لا يمكن وصفه الا بكونه يعيش موتا سريريا حادا و هو الامر الدي يفضحه الواقع و تفضحه كل التقارير الدولية و الوطنية و يفضحه داك الترتيب المخزي جدا و الدي يضعه في المراتب الاخيرة عالميا .. و يكفي ان اشير الى هدا حيث لا يتسع المجال اكثر للدخول في التفاصيل و هو الامر الدي من خلاله يمكن ادانة الدولة المخزنية ادانة شديدة اللهجة باعتبار التعليم هو القطاع المصيري الدي من خلاله يكون واقع الشعب و مستقبله او لا يكون ....
انتقل الان الى موضوع دو راهنية كبرى و هو موضوع الفساد الدي تغول بشكل فضيع في الاونة الاخيرة حيث يبقى المغرب هو البلد الوحيد في المنطقة الدي ليس فيه ولو وزيرا واحدا او مسؤولا كبيرا واحدا في السجن في الوقت الدي قطعت فيه كل دول المنطقة من تونس و الجزاءر و حتى موريطانيا اشواطا مهمة في هدا الباب بعد ان اقدموا على محاكمة العديد من المسؤولين الفاسدين بل حتى رموز الدولة كالمخلوع بنعلي و الكثير من وزراءه في تونس و بوتفليقة و اخوه و الوزير الاول و وزراء اخرين في الجزاءر و ولد عبد العزيز و العديد من المقربين منه في مريطانيا ...ولقد قدمت هده الامثلة القريبة منا و لم اعط المثال باسبانيا التي فيها على الملك بعدم مغادرة البلاد على خلفية فساد محتملة او فرنسا او ايطاليا او بلجيكا او حتى اسراءيل التي تماثل كبار الدولة فيها امام المحاكم بفعل قضايا فساد حتى لا يقال ان تلك الدول ديموقراطية حقا و لها تاريخ عريق في محاربة الفساد و المفسدين بينما نحن نتديل الترتيب على هدا المستوى ..
انه بفعل الفساد تشابكت الخيوط في مؤسسات السلط من مؤسسة ملكية و حكومة و برلمان و قضاء و سلطة رابعة و تداخلت التخصصات فيما بينها و تميعت امور السياسة و الحكم عبر تجاوز احكام الدستور و القفز عليها حيث اصبح المغرب يعيش شبه فوضى في تدبير المؤسسات العليا حيث الغياب شبه تام لبعضها و الظهور المحتشم جدا لبعضها الاخر و حيث التواجد الصوري و الشكلي لجهة ثالثة مما جعل المؤسسة الامنية بمختلف انواعها تملا كل هده الفراغات و تتغول على مستوى الواقع لتمارس كل مظاهر السطو و النفود و الشطط عبر تجاوز كل القوانين المسطرة و الاخلاقيات المتعارف عليها و تقوم بكل انواع التعديب في حق خيرة ابناء هدا الوطن من مناضلين سياسيين و حقوقيين و صحفيين و نشطاء المجتمع المدني و تفبرك لهم ملفات و قضايا دات صبغة جناءية كما وقع للصحفيين توفيق بوعشرين و حميد مهداوي و للمناضل الحقوقي المعطي منجب و و الريسوني و غيرهم كثير و هو الاسلوب المرفوض و المدان و الدي كان المغاربة يعتقدون انه قد ولى مع ايام وزير الداخلية الاسبق ادريس البصري و مع سنوات الرصاص و الجمر في الستينيات و السبعينيات مما جعل كل المنظمات الحقوقية الدولية كامنيستي و صحافة بلا حجوج و هيومن راس ووتش تدق ناقوس الخطر عبر بياناتها و بلاغاتها التي ما فتءت تتزايد يوما عن اخر و بشكل لا يتوقف ابدا ....فالى اين يسير المغرب يا ترى ....انه السؤال العريض الدي ستجيب عنه بالضرورة الاسابيع و الشهور و السنوات المقبلة ...