تونس : انتفاضة الشبيبة.


فريد العليبي
2021 / 1 / 22 - 00:03     

ما يحدث في تونس لم يعد مجرد احتجاجات شعبية فقد أصبح انتفاضة شبابية ، الاحتجاج لا يدوم ، الانتفاضة تدوم ، الاحتجاج لا يكون شاملا وانما جزئيا ، في منطقة معينة وقطاع بعينه ، ما يحصل يغطي أغلب جهات البلاد ، وفضلا عن الشباب تنخرط فيه قطاعات واسعة من الشعب ، الاحتجاج لا يرفع مطالب وشعارات سياسية واجتماعية عامة ، ما يجري الآن هو العكس . بما في ذلك شعار اسقاط النظام والحكومة كجزء منه ، الانتفاضة تهز عرش أية سلطة حاكمة وتزرع داخلها الخوف وتجعلها تستعمل جزءا كبيرا من قوتها للقمع ، الآن هناك استعمال للبوليس والجيش والميليشيات الدينية ، الاحتجاج لا يهتم به الاعلام كثيرا ، الحال الآن أن أغلب وسائل الاعلام الرسمية تكرر نفس الخطاب ضد انتفاضة الشبيبة ، في الاحتجاج يكون عدد المعتقلين قليلا ، الآن هناك أكثر من ألف معتقل ومحاكمات سريعة ، وهناك أطفال بين الموقوفين ، هذا حدث عربيا قبل ذلك أيضا وفي فلسطين على وجه التحديد حيث أطفال الحجارة ، صفة الشبابية تعود الى انطلاقة هذا الحدث فقط . ولا يعرف ما ان كانت ستلتحق به الشغيلة من خلال منظمتها النقابية التي توعدت قبل أشهر بمحاصرة البرلمان.
كل انتفاضة ، ثورة الخ ... تحتاج الى أن تفكر في ذاتها بذاتها وقت وقوعها وبعده .....حتى تكون انتفاضة أصحابها لا انتفاضة الغرباء عنهم . وتكون الانتفاضات عادة في بداياتها على الأقل ممتلئة بالاندفاع والأمل الثوريين ، وما ينقصها هو القدرة على ديمومتها وتطورها وامساكها بزمام أمورها وهذا يتطلب افرازها قيادتها من بين أضلعها ، وعندما يحدث ذلك فإنها تحقق مطالبها أو جزء منها ، أما الاحتجاج فهو رد فعل أكثر منه فعلا.
في تطورات الحدث التونسي هذه الأيام قول قيادي في حزب النهضة الإسلامي الحاكم ان أتباعه سيتصدون للمنتفضين مساعدة منهم لقوات البوليس وهو ما أثار زوبعة من الردود التي قارنت بين ميليشيات حزب الدستور الحاكم سابقا وبين ميليشيات ذلك الحزب الديني حاليا وعادت الذاكرة التونسية الى سنوات حكم الترويكا عندما استعملت تلك الميليشيات الدينية لقمع المتظاهرين يوم 9 أفريل 2012 ، كما قمع النقابيين أمام مقر الاتحاد العام التونسي للشغل يومى4 ديسمبر 2012 وهي الجرائم التي ظلت دون عقاب، ولا يعرف ما إن كانت تلك الميليشيات قد أضحت بعد ذلك مسلحة على الطريقة الليبية ، ففي ذلك التهديد ما يشير الى وجود قوة مسلحة مستعدة للتحرك متى طلب منها ذلك، واذا حصل هذا فإن الحرب الأهلية التونسية تكون قد بدأت. كما قارن بعضهم ذلك مع الحالة السودانية عندما أنشا من سماهم السودانيون " الكيزان " في إشارة الى الحكام الإسلاميين ميليشيا الجانجويد التي برغم ما كان لها من مال وسلاح فإنها لم تقدر في الأخير على حمايتهم من المصير المحتوم .
ومن بين التطورات أيضا تصريح لوزير الدفاع يتهم فيه الوافدين من الجهات المحرومة على منطقة الساحل بأنهم يقفون وراء المظاهرات ، بما فُهم منه أن هناك رؤية جهوية قريبة من العنصرية والفاشية تستوطن أذهان عدد من أركان السلطة ، وفضلا عن ذلك جاء خطاب رئيس الحكومة الذي استمر لبعض دقائق وقرأه من ورقة مكتوبة لكي يزيد الطين بلة فقد اتهم متآمرين وافتخر بحرفية قواته الأمنية فهو في نفس الوقت وزير للداخلية بعد اقالته قبل أيام وزيرها السابق المقرب من الرئيس قيس سعيد ، ولئن اعترف بالأزمة ، مُشيرا الى تفهم مطالب الشبان المنتفضين فإنه لم يقدم حلولا تذكر ، مقتصرا على الوعد بتكوين اطارا للاستماع اليهم .
وفيما يخص رئيس الجمهورية لم توجه حتى الآن شعارات المنتفضين ضده على خلاف رئيس الحكومة ورئيس البرلمان بينما اتهمته صفحات إسلامية مدفوعة الأجر على مواقع التواصل الاجتماعي بأنه متآمر ومتعاون مع المتظاهرين، لذلك يجب اقالته .
واذا كان التناقض الرئيسي الذي فجر الاحتجاجات الشعبية هو ذلك القائم بين الشعب والسلطة فإن هناك تناقضا ت أخرى لا ينبغي تجاهلها موجود ة ضمن السلطة نفسها ليس أقلها أهمية تناقض بين قرطاج من جهة وباردو والقصبة من جهة ثانية وهى التي تفسر ما سبق ذكره.
كما كان لافتا دخول مجمع الحاخامات اليهود في أوربا على خط الانتفاضة الشبابية التونسية مُنددا بتصريح منسوب زيفا الى قيس سعيد حول اليهود ، بما فُهم منه أن هناك قوى خارجية تتحين الفرصة لمعاقبته على موقفه المعروف من الصهيونية .