تطورات الوضع السياسي في المغرب - الواقع و الافاق -


محمد بودواهي
2021 / 1 / 20 - 18:02     

ققد لا يختلف اثنان في ان الوضع السياسي في المغرب دخل متاهة لا متناهية على مستوى البنية يصعب معها الخروج بتصور حول المال المستقبلي للحكم او النظام في علاقة مع الاحزاب التي تفاعل معها طيلة الستين سنة الماضية و التي تداولت السلطة عبر تناوب مدروس و مخطط له بعناية لم يستثن اي توجه من التوجهات الايديولوجية الثلاث الفاعلة في الساحة من ليبراليين و اسلاميين و اشتراكيين اصلاحيين و الدين تم استدراجهم لتحمل المسؤولية الواحد تلو الاخر في سيرورة دكية و ماكرة تفاعلت فيها كل الظروف الداتية و الموضوعية في علاقة مع الانسجام الفكري و السياسي مع البعض ومع التوافق المصلحي البرغماتي مع البعض الاخر .
ان المقصود بالليبراليين هم من جهة اولى تلك الاحزاب التاريخية القديمة كحزب الاستقلال و الحركة الشعبية و حزب الشورى و التي تم ترويضها عبر عقود من الصراع الظاهر منه و المستتر انتهت في الاخير الى الدخول تحت طاعة المخزن - و احزاب تم صنعها و فبركتها على المقاس المخزني في ظرف استثناءي في السبعينيات و الثمانينيات كان المغرب يعيش فيه غليانا شعبيا عارما و صراعا سياسيا حادا كاد ان يقلب موازين القوى لصالح التغيير الدي ناضل من اجله حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الدي تحول من الى الاتحاد الاشتراكي لولا دخول المخزن في نهج سياسة الكل للكل عبر ممارسة الديكتاتورية في اقصى صورها و اقسى تجلياتها - و لولا التدخل الفاضح و الفضيع للدول الامبريالية خاصة فرنسا منها - هده الاحزاب هي التجمع الوطني للاحرار و الاتحاد الدستوري و الحزب الديموقراطي لارسلان الجديدي و حزب العمل و الحزب الديموقراطي المغربي و حزب الفضيلة و حزب الحركة الاجتماعية لعرشان و حزب الاصالة و المعاصرة الدي تم تاسيسه مؤخرا من قبل صديق الملك فؤاد عالي الهمة و احزاب اخرى صغيرة و ميكروسكوبية الهدف من انشاءها هو تعويم المشهد السياسي و اغراقه في الميوعة و الفساد الى ابعد حد .
و الواقع اليوم ان هده الاحزاب كلها بالاضافة الى حزبي التقدم و الاشتراكية و الاتحاد الاشتراكي تم الحاقها الى جوقة النخاسة السياسية فيما بعد فقدت مصداقيتها كليا لدى الشارع المغربي مما جعل الانتخابات بكل انواعها في الاونة الاخيرة تكاد تكون صورية حيث المقاطعة وصلت الى نسبة 83في المءة حسب احصاءيات المعارضة و الجهات الوطنية و الدولية المحايدة و هي النسبة التي افزعت السلطات و اصحاب القرار مما جعلها تعلن ارقاما اخرى ( 63 في المءة مقاطعة ) لتغليط الراي العام الدولي على الخصوص خاصة منها المنظمات الدولية و الاقليمية دات الصلة بالشان السياسي للحفاظ على شيء من ماء الوجه و التمتع بقليل من المصداقية و التغطية ايضا عن الفشل الدريع الدي باتت تترنح تحت وطاته و تنزعج من حصوله على الارض و وجوده في الواقع .
ان من يتابع تطورات الوضع في المغرب لا بد له من ان يقف على هدا التنافر السياسي و التباعد الوجداني الدي اصبح مستفحلا بين الطبقة الحاكمة و الشعب حيث فقد هدا الاخير كل ثقته بامور السياسة و اصبح ينبدها نبدا مطلقا و يكرهها كرها كبيرا و يتعامل مع الاحزاب بنفور شديد و بحساسية مفرطة و يعتبرها عدوة لا تخدم الا مصالحها او لنقل مصالح قيادييها الدين اغتنوا بشكل فاحش في رمشة عين بعد ان كانت البساطة هي عنوان حياتهم وكينونتهم و الحرمان هي المراة لظروفهم الاجتماعية بعد ان خانوا العهد و باعوا الضمير بابخس الاثمان و اصبحوا عملاء للسلطة و اوفياء في خدمتها لا يطبقون الا اجندتها و لا يمارسون غير املاءاتها مقابل الحصول على ريع مكشوف و امتيازات اقتصادية و اجتماعية و سياسية مفضوحة و دلك على حساب قضايا الوطن الهامة و المصيرية من تنمية و تقدم و ديموقراطية و على حساب مشاكل الشعب و همومه دات البعد الاجتماعي و الثقافي بسبب انهيار مؤسساته الاستراتيجية المرتبطة بكينونته البيولوجية و المعرفية و المصيرية كالتعليم و ابلصحة و الشغل و الحياة الكريمة التي اصبحت في مهب الريح على اثر تطبيق سياسة طبقية عدوانية مملاة من مؤسسات المال الدولية دات التوجه الامبريالي المتوحش.
ان نظام الحكم في المغرب اصبح يعيش في الفترة الحالية ازمة وجود حيث الصراع اصبح و جها لوجه - و على اشده - مع الشعب مباشرة حيث اصبح هدا الاخير - من خلاله - و من خلال قلة من الفاعلين السياسيين و الحقوقيين و الجمعويين دات المصداقية كحزب النهج الديموقراطي الماركسي و فيدرالية اليسار جات التوجه الاشتراكي و جماعة العدل و الاحسان الاسلامية بالاضافة الى الجمعية المغربية لحقوق الانسان و بعض الفعاليات الصحفية و القضاءية و الثقافية وتلك الحركة النضالية الدؤوبة لرجال التعليم و الصحة و الطلبة و الكثير من سكان المدن و البوادي التي لا يخلو الشارع من احتجاجاتها و وقفاتها و مسيراتها و اضراباتها التي لا تكاد تنقطع في اي لحظة من اللحظات رغم القمع الشديد و رغم الاعتقالات و المحاكمات التي اصبحت بالجملة و التي اخدت تفضح الوجه الحقيق البشع للسلطة في تعاطيها مع قضايا و هموم الشعب ...انها الفعاليات و التنظيمات التي اصبحت كلها توجه سهام النقد للنظام مباشرة و تعتبره المسؤول المباشر عن هدا الوضع المزري و المتازم للغاية و ينعتونه بالعدو الطبقي و ينتقدون حكمه الدي يعتبرونه مطلقا و دستوره الممنوح و ميزانية بلاطه التي تفوق بكثير ميزانية رؤساء دول عظمى تتوفر على اكبر الاقتصادات في العالم ...
انه لمن غير دي جدوى ان تركب السلطة دماغها في هدا الظرف العصيب الدي يتميز بتغول الفقر و الحرمان و انتشار الفساد و الرديلة و النهب و كثرة البطالة و استفحال الدعارة و ان يتعامل بهكدا نكران و تجاهل و تعامي عن واقع سياسي فاضح ملؤه الفراغ و الهشاشة مما قد يتسبب في فلتان يصعب احتواؤه خاصة ان هناك كيانات عدوانية و متوحشة تتربص بالبلد و تنتظر الفرصة المواتية للانقضاض على الحكم و لو باستعمال كل اساليب الدناءة و الفضاعة من ارهاب و تكفير و نشر للفتنة حيث لا مكان بعد دلك لاي استنقرار او حرية او تقدم او ديموقراطية خاصة ان هده الكيانات لها ادرع اخطبوطية منتشرة عبر العالم و تتوفر على شبكات محكمة التنظيم و وافرة الامكانات المادية و اللوجيستيكية كما لها تربة خصبة للتكاثر و الانتشار و التوسع و دلك باتباعها اسلوب الدعوة المعتمد على الدين و هو الاسلوب السهل لاختراق وجدان الناس و عاطفتهم و حتى عقولهم المؤهلة سلفا لاحتضان هكدا فكر و دلك لكثرة الجهل و الامية و لغياب سياسة اجتماعية و تعليمية تروم الرفع من قيمة العقل و العلم كدراسة الفلسفة و المنطق و العلوم الحية بمختلف اشكالها و انصافها ...
انه لمن الواجب على كل الغيورين على واقع هدا البلد ومستقبله من سياسيين متنورين و جادين و من مثقفين و علماء و من صحفيين و محامين و قضاة و اساتدة جامعيين و من طبقة عاملة منظمة و نقابات و منظمات حقوقية ان يركنوا الى عين العقل و يتحملوا مسؤولياتهم و يعملوا على الانخراط في مواجهة هدا الواقع المر و الباءس عبر تنظيم انفسهم في كيانات سياسية و نقابية و جمعوية جادة و مناضلة و الدخول الى درب الكفاح المؤسساتي المنظم من بابه الواسع عبر تنظيم الاضرابات و القيام بالوقفات و المسيرات و الاحتجاجات لتحريك الشارع حتى يتم انتزاع الحكم من دولة المخزن التي اصبحت الان عبارة عن شجرة دبل عودها و جفت اوراقها و سرى الموت في كل اجزاء هياكلها ...و انه لنضال حتى النصر ...