تونس مهامنا اليوم: إسقاط منظومة الحكم التي ورثت نظام بن علي.


بشير الحامدي
2021 / 1 / 18 - 19:53     

في ديسمبر وجانفي 2010 ـ 2011 وقبل تهريب الطاغية بن علي لعب الفايس بوك ومنصات التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في إيصال الحقيقة للمواطنين محليا وفي كل أنحاء العالم وتغطية كل ما يجري بشكل مباشر برغم محاولات السلطة وقتها التعتيم وغلق وحظر الكثير من المواقع والصفحات وبرغم الدعاية المسمومة لأجهزة بن علي الإعلامية التي كانت على خطى سياساته تصور وتقدم الاحتجاجات على أنها عمليات تخريب تقوم بها مجموعات ملثمة مأجورة منعزلة لكن وبرعم كل ذلك تكونت وبشكل غير منظم وغير مسبوق شبكة إعلام فوري بديلة تمكنت في بضعة أيام من إسقاط وزير الإعلام البنفسجي وقتها سمير لعبيدي و أصبحت عمليا هذه الشبكة الإعلامية البديلة والفورية هي مصدر كل الأخبار التي تذيعها محطات التلفزيون العالمية وساهمت بدور كبير في توسع الاحتجاجات وإنتشارها وفي كسر عامل الخوف الذي منع الكثير من الانخراط في المعركة ضد نظام بن علي.
وها أننا اليوم نعود لنفس الوضع فالأجهزة الإعلامية الممولة من لصوص الانتقال الديمقراطي تعتم على هذه التحركات وتنقل للمواطن صورة مزيفة عنها تصورها على أنها عمليات تخريب ونهب وتكسير في محاولة للتغطية على حقيقتها والدفع إلى مواجهتها وللأسف تنساق كثير من الصفحات ومن الصفحات الشخصية إلى نفس الدعاية المسمومة هذه وتحذو حذو وسائل إعلام الإرتزاق الممولة من عصابة الانقلاب.
فلو نمعن النظر وننفذ لما تحت الواجهة السياسية ونرى من يحكم بالفعل بعد 14 جانفي 2011 فإننا لن نجد إلا نفس الطبقة التي كانت دعامة لديكتاتورية بن علي:
مافيا المال وكلاء راس المال بياعة تونس ومصاصي دماء الشعب منذ 56 وحتى قبل ذلك.
هذه هي الطبقة التي تحكم وهي التي بيدها النفوذ. هؤلاء لا يحكمون بالمال فقط وبارتباطهم برأس المال العالمي إنهم يحكمون أساسا بأجهزة البوليس والجيش والإعلام البنفسجي والأزرق والإدارة. وما الحكومة أو الحكومات إلا بيروقراطيات حزبية كانت أو تكنقراطية أو للإنقاذ أو للأزمة تنصب من فوق بالتوافق أو بالانقلاب أو تأتي بها انتخابات إلا حكومات لتنفيذ سياسات ومشاريع وبرامج هذه الطبقة.
إن كل ما يحدث منذ 14 جانفي 2011 هو محاولات لتجاوز الأزمة السياسية لهذه الطبقة التي استنفذت كل إمكانية تاريخية لتحكم بنفس الأساليب والطرق القديمة التي كانت تحكم بها.
هذه الطبقة التي تتخبط في أزمة تمثيلها السياسي منذ 17 ديسمبر 2010 لم تستنفذ بعد كل الحلول ولن يطاح بها طالما لم يتمكن المستغَلون والمفقَرون من الإطاحة بها بتجريدها من أساس قوتها وهيمنتها ونفوذها الطبقي: الموارد والثروة والإرادة.
عملية الصراع الطبقي في الحقيقة تدور رحاها حول الموارد والثروة والإرادة.
وهذا الصراع المخفي حينا والبارز حينا آخر هو الذي يحدد في الأخير طبيعة المعركة مع هذه الطبقة.
الصراع على هذه القاعدة يتطلب من الشباب البطالة والخدامة وكل المفقرين في المدن والأرياف أن يكونوا في طليعة الصراع من أجل مصلحتهم الطبقية المستقلة لا أن يكونوا عتادا وجمهور مناورة بيد هذه الطبقة عبر نقاباتهم وتنظيماتهم السياسية المتعاونة مع أعدائهم. وطالما بقي الوضع على هذه الشاكلة ستظل هذه الطبقة قادرة على البقاء والمناورة والاستمرار وإنتاج منقذها في كل مرة.
إن الأزمة الحقيقة هي أزمة الجماهير المفقرة أزمة الطبقة المتعارضة مصالحها مع مصاصي دمائها والتي لم تقدر على خوض الصراع بكل أشكاله على قاعدة مستقلة طبقيا.
هذه هي المهمة المباشرة المطروحة اليوم على شباب تونس وخدامتها وعلى جمهور المنتجين والمفقرين والمستغلين وعلى الأغلبية الساحقة التي يطحنها رأس المال عبر سياسات ورثة بن علي: المقاومة على قاعدة طبقية مستقلة.
هذا هو المعنى الدقيق للقول ـ النظر والنفاذ لما تحت الواجهة السياسية ـ .
ستفشل لا محالة كل مشاريع الإنقاذ التي تأتي من هذه الطبقة لأنها في الأخير ليست إلا مشاريع إنقاذ من بيدهم راس المال ولكن ذلك مشروط بمدى قدرة جيش المفقرين والمستغلين وقواه الثورية على خوض الصراع على قاعدة مصالحهم وسياساتهم المستقلة والاستمرار فيه.
مصلحة الأغلبية اليوم ومهامها المباشرة هي النضال من أجل السادة على موارد البلاد.
مصلحة الأغلبية اليوم ومهامها المباشرة هي افتكاك الإدارة جهويا ومحليا وكسر مركزية السلطة.
مصلحة الأغلبية اليوم ومهامها المباشرة هي تفكيك جهاز القمع ومحاسبة بيروقراطيته المجرمة.
مصلحة الأغلبية اليوم ومهامها المباشرة هي اسقاط الانتقال الديمقراطي وإسقاط كل مشروع لبرالي أو انقلابي باسم الوحدة الوطنية والإنقاذ.
مصلحة الأغلبية اليوم ومهامها المباشرة هي مواصلة الانتفاض لتغيير ميزان القوى لصالحها وليس التوافق مع مضطهديها تحت أي مبادرة أو مسمى .
خارطة المكون السياسي في تونس منقسمة لطيفين لا ثالث لهما : أغلبية غير منظمة تحاول أن تتخطى ضعفها الذاتي ووحدها موكول لها العمل لتغيير ميزان القوى لصالحها وكتلة لبرالية من حراس النظام متمسكة بما يسمي الانتقال الديمقراطي ليس بينها فروقات كبيرة أو نوعية والصراع بينهما يعلو وينخفض حسب الأوضاع ولكن ذلك قد ينكسر ويحصل الفرز الذي لابد منه حين تقطع كتله الأغلبية مع ترددها وتنخرط في معركتها بتعميم الاحتجاجات وبالتوحد لإسقاط منظومة الحكم التي ورثت نظام بن علي.
لابد للاحتجاجات أن تتواصل وتستمرو تتوسع وتنخرط فيها كل كتل الأغلبية المفقرة. وإن كل الأوضاع اليوم تدفع في اتجاه ذلك.
18 جانفي 2021