مجاعة 1933 في الإتّحاد السوفياتي : ما الذى حصل فعلا و لماذا لم تكن - مجاعة متعمّدة - -من الملحق الثالث من كتاب - تقييم علمي نقدي للتجربتين الإشتراكيّتين السوفياتيّة و الصينيّة... :


شادي الشماوي
2021 / 1 / 18 - 00:03     

مجاعة 1933 في الإتّحاد السوفياتي : ما الذى حصل فعلا و لماذا لم تكن " مجاعة متعمّدة "
من الملحق الثالث من كتاب " تقييم علمي نقدي للتجربتين الإشتراكيّتين السوفياتيّة و الصينيّة :
" كسب العالم ؟ واجب البروليتاريا العالميّة و رغبتها "
الملحق الثالث
( 3 )
إطلالة على موقع أنترنت مذهل يديره ريموند لوتا : " هذه هي الشيوعية " - إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح
كلمة للمترجم :
نقترح عليكم زيارة سريعة لهذا الموقع المذهل لقناعة حصلت لدينا بأنّه أحد أفضل ، إن لم يكن أفضل، المواقع على الأنترنت التي توفّر دراسات و بحوث و جدالات علميّة نقديّة حديثة تعيد الأمور إلى نصابها الصحيح في ما يتّصل بتاريخ الحركة الشيوعية العالمية و تجربتي الإشتراكية في الإتّحاد السوفياتي و في الصين الماويّة . و قد إعتمدنا الكثير من نصوصه في إنجاز عدّة أعمال ترجمة ، لا سيما العدد الرابع من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " ، عن الصين الإشتراكة الماويّة ، " الثورة الماويّة في الصين : حقائق و مكاسب و دروس " ، و العدد الثالث و العشرين ، " لا تعرفون ما تعتقدون أنّكم " تعرفون " ... الثورة الشيوعيّة و الطريق الحقيقيّ للتحرير : تاريخها و مستقبلنا " ... و لا ينفكّ ريموند لوتا ، المتبنّى للخلاصة الجديدة للشيوعيّة و الساهر على مشروع " إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح " منذ سنوات ، عن تقديم المحاضرات في الجامعات و في الفضاءات الثقافيّة محلّيا و عبر العالم و عن تنظيم اللقاءات الجداليّة و تأليف مقالات للردّ على أهمّ المفكّرين المتهجّمين على الشيوعيّة الثوريّة إستنادا إلى شتّى الوثائق و البحوث و الدراسات الحديثة منها و تلك يكشفها الأرشيف أيضا ...علما و أنّ لوتا مختصّ في علم الاقتصاد السياسي وهو صاحب كتاب " إنهيار أمريكا " و كتاب " الإتّحاد السوفياتي : إشتراكي أم إمبريالي إشتراكي ؟ " و كتاب " وخامسهم ماو " و؛ ناشر و مقدّم " الاقتصاد الماوي و الطريق الثوري إلى الشيوعية : كتاب شنغاي " ؛ و مؤلّف العديد من المقالات و البحوث الاقتصادية و المهتمّة بالبيئة و التي صدرت في عدّة مجلاّت و جرائد عبر العالم و خاصة في مجلّة " عالم نربحه " التي كانت تصدرها الحركة الأمميّة الثورية - من 1984 إلى 2006- و في منشورات أمريكيّة أبرزها جريدة " الثورة "، جريدة الحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتّحدة الأمريكيّة ( كان إسمها قبل ماي 2005،" العامل الثوري" و كانت " الثورة " مجلّة نظريّة لهذا الحزب من سبعينات القرن الماضي إلى حدود تسعيناته ).
-------------------------------------
(3- أ )
مجاعة 1933 في الإتّحاد السوفياتي : ما الذى حصل فعلا و لماذا لم تكن " مجاعة متعمّدة "
www.thisiscommunism.org
http://www.thisiscommunism.org/ThisIsCommunism/ResearchNotes.html
-----------
إعادة الأمور على نصابها ينشر سلسلة ملاحظات بحثيّة بصدد حلقات هامة من تاريخ الثورتين السوفياتيّة و الصينيّة و الجدالات حولها. و هذه الملخّصات المكثّفة و المختصرة تقدّم ما كشفته بحوث هامة و نتائج مؤقّتة .
-----------------------------------------------------------------------------
لقد عرف الإتّحاد السوفياتي مجاعة كبيرة سنة 1933. و قد أوقعت هذه المجاعة خسائر فادحة بحياة البشر و فاقمت في التفكّكات التي صاحبت التغيّرات الكبرى في إقتصاد و مجتمع المخطّط الخماسي الأوّل المطلق سنة 1928 و التجميع الإشتراكي / المشركة لسنة 1929-1930. ما كان سببب المجاعة و كم عدد الناس الذين ماتوا أثناءها ، و كيف تعاطت القيادة الشيوعيّة مع ذلك - لقد كانت هذه المسائل مسائل خلافيّة في التحاليل السياسيّة و الأبحاث الأكاديميّة .
و مثلما يجرى تقديمه ف التاريخ الرسمي و الكتب الشائعة و التعاليق الصحفيّة ، و مثلما تمّ تحليله في عمل اكاديميين محترفين معادين للشيوعيّة على غرار روبار كنكاست ، تمثّل المجاعة تهمة ضخمة لستالين بالعنف الوحشي و اللامبالاة المحسوبة . كنكاست و مؤلّفو الكتاب الأسود عن الشيوعيّة يصرّحون بأنّ هذه المجاعة هي أحد " أكبر جرائم " الشيوعيّة. و تقدّم هذه الروايات عامة سلسلة من ثلاثة إدّعاءات :
- نجمت المجاعة عن مستويات تجميع حبوب عالية مبالغ فيها فرضتها الدولة السوفياتيّة .
- إستنبطت المجاعة عمدا لعقاب مقاومة المشركة في أوكرانيا وإحباط التطلّعات القوميّة الأوكرانيّة، و يعدّ هذا إبادة جماعيّة.
- و تسبّبت المجاعة في ملايين الوفايات غير الضروريّة ، مع بعض التقديرات التي تبلغ 10 ملايين نسمة ، و ما بُذل إلاّ القليل من الجهد للتخفيف من هذا العذاب .
و قد تفحّص أكاديميّون هامّون في العشرين سنة الأخيرة تفحّصا كثيفا هذه المجاعة مستعملين المواد الأرشيفيّة المتوفّرة حديثا و مراسلات ستالين مع المسؤولين السامين التي صارت متوفّرة في بدايات تسعينات القرن العشرين . و يسمح هذا البحث بتكوين فكرة أتمّ و أدقّ عن ما حدث فعلا ولماذا حدث ذلك – آخذين بعين الإعتبار السياسة الاقتصادية و ما حقّقته ، و الممارسات الفلاحيّة ، و الموضوعات البيئيّة ، و التناقضات الإجتماعيّة .
عند معاينة تقييم بحث جديد ، يصبح من الواضح أنّ الحقيقة مغايرة جدّا لما تنشره الروايات المعادية للشيوعيّة . و تشير الدلائل إلى التالى :
1- مجاعة بداية ثلاثينات القرن العشرين لم يتسبّب فيها تجميع الحبوب المبالغ فيه و إنّما السبب هو نقص مطلق في الحبوب .
و يحيل تجميع الحبوب على التسليم الإجباري لقدر محدّد من الحبوب إلى الدولة الإشتراكيّة من طرف التعاونيّات الفلاحيّة الإشتراكية الحديثة التشكّل . مستويات تسليم الحبوب ، الأقساط ، تعيّنها الدولة و يحصل المزارعون التعاونيّون على أجر مقابل الحبوب بأسعار تعيّنها أيضا الدولة .
أ ) المشركة في نصابها الصحيح
هناك صورة تبسيطيّة و مشوّهة للعلاقة بين الدولة السوفياتيّة و الفلاّحين مبثوثة في الخطاب التقليدي : ألا وهي صورة أنّ الفلاّحين كانوا لا يريدون سوى الزراعة و الأكل و كانت الدولة تفتكّ حبوبهم . بكن الفلاّحين في أوكرانيا ن و كذلك في مناطق ريفيّة أخرى للإتّحاد السوفياتي ، كانوا جزءا من نظام تزويد إقتصاد و تغذية مندمج .
و الحبوب ( و المواد الأوّليّة ) المسلّمة للدولة تستعمل في تغذية سكّان المدن و تموين الجيش و خدة حاجيات التصنيع – و كانت الحبوب تصدّر كذلك لتوفير تبادل مع البلدان الأخرى و شراء التقنية المتطوّرة للصناعة و الخدمات و السكك الحديديّة الجديدة إلخ . و جزء من الإنتاج العام للتعاونيّات كان يوظّف في تغذية أعضائها ( و التخزين ) و لتوفير البذور إلخ . و في الوقت نفسه ، كانت التعاونيّأت تحصل على جرّارات و آلات أخرى و دعم تقنيّ. و جرى توسيع الموارد التعليميّة في الريف و نشرت المعارف التقنيّة . و جرى تشجيع الثقافة . و كان الفلاّحون يضطلعون بمسؤوليّات إداريّة و سياسيّة . و تمّ خوض النضال ضد إخضاع النساء .
بإختصار ، كانت الدولة الإشتراكيّة تشرع في و تشيّد إقتصادا جديدا و علاقات تبادل من خلال المشركة في الريف و صياغة البرنامج الخماسي الأوّل . و قد كانت التغيّرات في الريف جزءا من ثورة إجتماعيّة حقيقيّة أشمل .
لكن النمط السوفياتي للتطوّر و التخطيط الاقتصادي الإشتراكيين ، أوّل محاولة لبناء مجتمع خالى من الإستغلال و الإضطهاد، كان يشكو من نواقص و مشاكل جدّية . ذلك أنّ نموذج التخطيط كان يشدّد على الصناعة الثقيلة و توجيه الموارد ( العمل و المواد ) من الريف إلى المدن و وُجد قسر معتبر في إنجاز المشركة . و في حين كان من الضروري خوض نضالات ضد المصالح الرأسماليّة المتخندقة في الريف ، عديد الفلاّحين المتوسّطين أعلنوا أعداء طبقيين .
و تاليا نقد ماو تسى تونغ مقاربة ستالين للمشركة : جعل كمّيات كبيرة أكثر من اللازم من الفائض تتدفّق من الريف نحو المدن ، إستخدام أساليب من فوق إلى تحت و نقص في فهم أهمّية العمل و النضال الإيديولوجيين و تغيير الوعي . فقد طوّر ماو و طبّق مقاربة تحريريّة أكبر بكثير للمشركة : التعويل على نشاط الفلاّحين و تطوير الوعي الإشتراكي ؛ و إعارة إنتباه للتوازنات بين الإنتاج و الإستهلاك ، و بين الصناعات الثقيلة و الصناعات الخفيفة ؛ و في نظام التخطيط ، بناء توجّه تقليص و في نهاية المطاف تجاوز الإختلافات بين المدن و الأرياف ؛ و التشجيع على المبادرات و التجريب المحلّيين ؛ و إتّخاذ التطوير الشامل للفلاحة كأساس للإقتصاد .
و قد عكس المخطّط الخماسي الأوّل في الإتّحاد السوفياتي مدفوعا بدرجة كبيرة بالوضع الإستعجالي : كلّ من قناعة أنّ الأسس الماديّة للإشتراكية يمكن أن تنشأ بسرعة و الإنشغال بأنّ قيمة الزمن هائلة ، و إمكانيّة أن تتحوّل البيئة الإقتصاديّة و السياسيّة العالمية المعادية للاتحاد السوفياتي إلى هجوم عسكري على المجتمع الإشتراكي الأوّل و الوحيد ز و ما كان ذلك أصلا من الأوهام .
ففي 1931 ، غزت اليابان منشوريا ، وهي منطقة من الصين لها حدود مع الإتّحاد السوفياتي . و وُضع الجيش الأحمر على أهبة الإستعداد للمعارك . و أثّرت أزمة منشوريا ، كما صارت تسمّى ، و تهديدات عسكريّة أخرى ، كبير التأثير في الإقتصاد و في سياسات تسليم الحبوب ( كان يجب تغذية الجيش و الحفاظ عليه ) . و هنا ينبغي أن نشير إلى أنّ عديد الدراسات عن المجاعة قد إستهانت تمام الإستهانة أو إزدرت تأثير المسائل الأمنيّة الحقيقيّة في الشرق الأقصى على أولويّات التخطيط و الميزانيّة .
ب ) فهم النقص في الإنتاج
رسميّا ، كان محصول الحبوب يبلغ سنة 1932 حوالي 70 مليون طن . إلاّ أنّه وفق الكثير من التحاليل الحديثة ، كان المحصول أقلّ من ذلك بصفة معتبرة ، إذ لم يتجاوز ال50 مليون طن . ما الذى يقف وراء هذا الإختلاف بين المستويات الرسميّة و المستويات الفعليّة للمحصول ؟
بعض هذا يمكن أن يكون مرتبطا بالصورة المشوّهة " الإنتصاريّة " للمردود الاقتصادي ، التي تهدف إلى إبراز النجاح المستمرّ للهجوم الإشتراكي الجديد ( ضرب من " الحقيقة السياسيّة " حيث يتمّ تشويه الواقع خدمة لأغراض سياسيّة ). و السلط و وكالات التخطيط قد أوّلت كذلك نتائج المحاصيل محبطة للآمال عبر غربال عدم إمتثال الفلاحين للمطلوب منهم. بكلمات أخرى ، كان الفلاّحون في بعض التعاونيّات يبالغون في الصعوبات و يقلّلون من شأن المحاصيل قصد الإبقاء على المزيد منها لديهم ، و لذلك إفترضت السلط السياسيّة و سلط التخطيط أنّ هناك قدرا أكبر من الحبوب من ما تعكسه المعلومات التي تبلغها – و كانت تعدّل المعلومات بالرفع في الأرقام . و فضلا عن ذلك ، كما سنرى ، كان لديها تأويل بأنّ المقاومة و المعارضة في المناطق الريفيّة كانت السبب الأوّلي في الصعوبات الفلاحيّة .
إنّ الإنحدار الحاد في الإنتاج ينبغي مزيد تحليله عن كثب إذ أنّ عوامل متباينة و متداخلة كانت تفعل فعلها .
لقد وُجدت تفكّكات إقتصادية و إجتماعيّة متواصلة مردّها المشركة . كما وُجدت مسائل تنظيم و إدارة التعاونيّات. و وُجدت نقمة و مقاومة ضمن قطاعات من الفلاّحين ، أثّرت سلبا على نوعيّة المحاصيل و كمّياتها . و وُجدت ضغوطات على الفلاحة لأجل مستلزمات التيع السريع . و مثّلت خسارة جزء من قوّة اليد العاملة الفلاحيّة التي نزحت إلى المدن عاملا كبيرا آخر . و في سنة 1931 وحدها ، نزح مليوني و نصف مليون فلاّح ، معظمهم من الذكور ، نزوحا بلا عودة إلى المدن من الأرياف . و في ما يتّصل بالممارسات الفلاحيّة ، أعطى التخطيط الاقتصادي الأولويّة للنموّ السريع في إنتاج الحبوب للرفع من إنتاج الغذاء و لكن ما خلّفه ذلك كان غير متوقّع ، من مثل القطيعة في التداول العادي في الزراعات التي أدّت إلى إرهاق الأرض .
ثمّ هناك ظرف خاص هو العوامل الطبيعيّة البيئيّة سنة 1932 . فالمؤرّخ ماك تاوجار قد كتب مطوّلا عن المجاعة و جمّع الوثائق حول الجوّ الذى كان في منتهى الرطوبة حينها ما أدّى إلى تفشّى الأمراض في النباتات ن خاصة مرض النقراش في النبات ( و المختصّون في أمراض النباتات السوفياتيون زمنها توقّعوا نقصا شديدا في المحاصيل الممكنة ). و يحاجج توجار بأن الطقس السيّء بصورة إستثنائيّة تسبّب في إنحدارات جدّية في المحاصيل ، بمنأى عن العوامل الأخرى ، و كان السبب الأوّلي للمحاصيل المحدودة لسنة 1932. و الدلائل الواردة كحجّة قويّة ، بالرغم من كون المسار الفعلي و التأثير الفعلي للمجاعة تأثّر بالعوامل الإقتصاديّة – الإجتماعيّة .
و أبعد من الإنحدار الفعلي في الإنتاج سنة 1932 ، كان يلوح مشكل مخزون الحبوب الذى تناقص بدرجة خطيرة . فطوال ثلاث سنوات قبل المجاعة ، كان مخزون السبقة السابقة يتراجع لتلبية الحاجيات الغذائيّة المرتفعة في المدن ، ما عني أنّ اليقظة كانت أقلّ في الريف ضد نقص ما غير متوقّع .
و تفاقمت خطورة مشكل تراجع مخزون الحبوب في الريف بإدخال نظام جواز السفر الداخلي في ديسمبر 1932. إذ كان يُطلب من كافة المقيمين الإستظهار بالتسجيل الرسمي للبقاء في المدن ، و كان الهدف من وراء ذلك إيقاف نزيف وفود الفلاّحين على المدن – سيرورة جرى تشجيعها قبل ذلك دفعا للتصنيع السريع ،و كانت تلقى الترحيب من قبل المخطّطين لكنّها كانت تضع بصفة متصاعدة ضت على المدن . و بالتالى إضطرّ عدد من الفلاّحين الذين لم يتمركزوا في المدن إلى العودة إلى المناطق الريفيّة...بالضبط في وقت كان فيه مخزون الحبوب في الريف في منتهى الضئالة إن لم يكن معدوما.
لذا ساهم مزيج معقّد من العوامل و أثّر في مسار المجاعة ، و الحيوي هنا هو النقص المطلق و الجدّي في الإنتاج . و قد توصّل لويس سيغلباون إلى ما يبدو إستنتاجا صحيحا . لقد كانت السياسة الفلاحيّة – الصناعيّة قائمة على إستخراج مستمرّ إلى أقصى حدّ لفائض الحبوب . و قد تميّزت أيضا بمحاباة للمدن . و بينما لم تتسبّب نسب تسليم الحبوب العالية مباشرة في المجاعة ، فإنّها ، بكلماته ، فعلها يتلخّص في " نقل المجاعة من المدينة إلى الريف " ( أنظروا لويس سيجلباون ، " بناء الستالينيّة ، 1929-1941" ( الفصل 11 ) في غريغوري أل . فريز ، أد " روسيا : تاريخ " ، طبعة ثانية أكسفورد : الصحافة الجامعيّة بأكسفورد ، 2002 ).
2- نطاق المجاعة و المسائل القوميّة و تعاطى الدولة معها
و في البحث المشار إليه أعلاه ، يقدّم سيغلباون ، تقديرا ب4.2 مليون وفاة بسبب المجاعة ، منهم 2.9 ، و بأغلبيّة ملموسة ،كانوا من أوكرانيا . و آر دبليو دافيس وتيكروفت وضعا مستوى الوفايات في مكان بين 4 و 6 ملايين .
و من الشائع في التاريخ الرسمي و الصحافة الرسميّة الحديث عن المجاعة على أنّها عمل إبادة جماعيّة ، و على أنّها " محرقة سوفياتيّة " / "هولوكوست سوفياتي " – و قد تبنّت العديد من الحكومات قارات تنادى بالتعاطى مع المجاعة على أنّها إبادة جماعيّة .
أ) خصوصيّة أوكراينا
كانت أوكرانيا تنتج بين ربع و ثلث محاصيل حبوب الإتّحاد السوفياتي ، و كانت المقاومة في أوكرانيا ( و عدد من مناطق غنتاج الحبوب غير الروسية الأخرى ) شديدة بوجه خاص – كلّ من المعارضة و التخريب من قبل قوى الكولاك السابقة ( الفلاّحين الالأغنياء الذين إستغلّوا قوّة العمل و إنخرطوا في مصّ الأرباح ،و الذين هيمنوا على الاقتصاد الريفي بصفة عامة ) وتردّد و رفض فئات من الفلاّحين المتوسطين و بلغت مقاومة مشركة الفلاحة أوجها في شتاء 1930 ، و أوكرانيا بأقلّ من 20 بالمائة من إجمالي سكّان الإتحاد السوفياتي، قد أحصت 30 بالمائة من "الإضطرابات الجماهيريّة " سنة 1930. هذا من ناحية و من الناحية الأخرى ، وُجد فلاّحون فقراء في أوكرانيا وفي غيرها من المناطق الفلاحيّة إلتحقوا بالمشركة. و مع أواسط 1932 ، 70 بالمائة من فلاّحى أوكرانيا كانوا ضمن التعاونيّات ، و قالت الدولة إنّها تنتج 40 بالمائة من الحبوب .
و بالرغم من المحصول المتواضع لسنة 1932 ، أكّد المركز في البداية على أنّه يجب تلبية الأقساط المطلوبة – و هذه الأقساط قد فُرضت بعنف و رافقها القمع . و كان هذا القمع في جزء منه ردّا على الهجمات على و تخريب محاصيل و مخازن التعاونيّات الزراعيّة و كانت تلك الهجمات تنفّذ من طرف أناس من داخل التعاونيّات و من خارجها . و صدر سنة 1932 قانون ينصّ على أنّ المذنبين بسرقة الحبوب من حقول السنابل و من المخازن و بسرقة الماشية يعرّضون أنفسهم للإعدام رميا بالرصاص . و مع ديسمبر 1932، تمّ إيقاف 16 ألف قائد تعاونيّة و شيوعي محلّيين في كوكرانيا ، و نُفّذ في مائة منهم حكم الإعدام .
و تتمظهر المسألة القوميّة بطريقة معقّدة . و هذا يستحقّ بعض التفكيك .
و يوفّر عمل تيرى مارتين " إمبراطوريّة العمل الإيجابي " خلفيّة ذات فائدة و تحليلا مفيدا علميّا . فعند البحث عن تجاوز اللامساواة بين القوميّات ، شجّع الإتّحاد السوفياتي في ظلّ قيادة ستالين الكورنزاتيسيا ، المترجمة بصعوبة على أنّها دفع تقدّم القوميّات المضطهَدة سابقا . و كانت تلك السياسة تسعى إلى تكوين قادة و إداريين جدد من ضمن أبناء و بنات القوميّات المضطهَدَة سابقا – كوسيلة ملموسة للقطع مع الشوفينيّة الروسيّة الكبرى و تمكين سكّان المناطق غير الروسيّة من ممارسة السلطة .
لكن في النصف الثاني من 1932 ، زاد الإنشغال في صفوف القيادة المركزيّة بأنّ مشروع الثورة الطموح لتميكن القوميّات المضطهَدة سابقا من إطارات محلّية و من ممارسة السلطة ،كان يُستغلّ من قبل الشيوعيّين الأوكرانيّين المحلّيين لتحقيق طموحات قوميّة منها محاولة إلحاق مناطق من الإتّحاد الروسي تابعة لإتّحاد الجمهوريّات الإشتراكية بأوكرانيا بتعلّة أن أوكرانيين يقطنون بها . و يشهد التاريخ بوجود حركات إنفصاليّة في أوكرانيا كانت تملك قاعدة إجتماعيّة قويّة في صفوف الفلاّحين و من ذلك أنّ المنظّم الريفي الفلاحي – الفوضوي ، ماكهنو، قاد حركة إنفصاليّة لمدّة طويلة خلال و بعد الحرب الأهليّة لسنوات 1918-1921 ؛ و كانت قوى رجعيّة ومعادية للشيوعيّة و معادية للساميّة لا تزال تنشط في أوكرانيا .
و كان ستالين و آخرون في القيادة يتوصّلون إلى إستنتاج ، بناءا جزئيّا على ما كان يردهم من تقارير و بحوث ميدانيّة ، مفاده أنّ " التنفيذ غير البلشفي " لسياسات المساواة القوميّة كانت توفّر غطاءا لعناصر معادية للثورة . ( و تكشف مواد الأرشيف أنّ ستالين كان يسعى بعناء كبير إلى تحليل ما كان يجرى " على ألرض " و أنّ قرارات السياسات و التعديلات كانت متأثّرة كبير التأثّر بالتقارير الواردة من " الميدان " .)
ب ) فهم المركز لصعوبات الفلاحة و تعاطيه مع المجاعة
يبدو أنّ في المركز نشأت نظرة أنّ الأنساق العالية من عدم إلتزام الفلاّحين بالأقساط المفروضة في أوكرانيا و شمال القوقاز كانت مرتبطة بعوامل ثلاثة هي أوّلا و قبل كلّ شيء تخريب الكولاك ( و هناك دلائل على أنّ الكولاك قد تسرّبوا إلى هياكل التعاونيّات ) ، ثانيا الشيوعيون الذين عبّروا عن إرادة ضعيفة و لم يتحلّوا باليقظة اللازمة ؛ و ثالثا ، تأثير القوميّة الأوكرانيّة التي كانت تغذّيها الصلات عبر الحدود مع الأوكرانيين في بولونيا .
و قد رأي المركز صلة وثيقة بين أزمة الحبوب التي كانت حسب بعض الوثائق الداخليّة تعتبر نتيجة " تراخى في العمل " و " إيقافه " بصفى هيكليّة من جانب بعض الفلاّحين و القوى المعادية للثورة ، و التأثيرات القوميّة و التسرّب القوي للحزب المحلّي ( الذراع الغربي للحزب الأوكراني قد عانق عمليّا و مضى نحو القوميّة الصريحة ).
و بالذات في الوقت الذى كانت فيه المجاعة تنتشر في أوكرانيا ، كان المركز يصدر تصريحات حول أخطار القوميّة و تنادى بتعديل مظاهر متوّعة من سياسية تمكين القوميّات . و يقدّم هذا سندا سطحيّا لأطروحة أنّ ستالين كان ينحو نحو معاقبة الأكرانيين . و لكن إدخال التعديلات كان يجرى أيضا في المناطق غير الروسيّة الخرى .
و مع ذلك ، ميزة الموقع الإستراتيجي لأوكرانيا كمركز إنتاج للحبوب و تنامي تأثير القوى الإنفصاليّة كان محور إنشغال خاص ... و صراع و قمع موجّه إلى كلّ من الفلاّحين المقاومين للسلطة السوفياتيّة و للشيوعيين المحلّيين . و مع مارس 1933 ، وُجد عدد يقدّ ب90 ألف شخص في سجون أوكرانيا و معسكرات العمل و كان يقع نقل الكولاك المشبوه في ضلوعهم في أعمال تخريبيّة و الفلاّحين المتردّدين . لكن القمع لم تكن تحرّكه الإثنيّة ( لقد تعرّض فلاّحون في مناطق أخرى لمثل هذه الإجراءات ). الحال يبدو كما يلى : لقد رأت القيادة التخريب و عدم تسليم الفلاّحين لأقساطهم مصدرا لتقلّص التموين بالحبوب و ردّت على ذلك بإجراءات عقابيّة – كطريقة لإيقاف النزيف و معالجة ازمة الحبوب .
و كان على الفلاّحين في أوكرانيا أن يلبّوا تسليم أقساط عالية ، لكن كذلك فعل الفلاّحون في المناطق الأخرى غير الروسيّة ( و المناطق الروسيّة أيضا ) . فقد واجه الفلاّحون الأوكرانيّ,ن صعوبات فظيعة ... لكن الشيء نفسه واجهه الفلاّحون في مناطق شاسعة ممتدّة من كزاخستان إلى شمال القوقاز وصولا إلى أوكرانيا . و مجدّدا هذا يؤكّد أنّ سكّان الريف هم الذين عانوا بصفة غير متناسبة من هذه المجاعة ( بالرغم من كون المناطق المدينيّة قد عرفت نسب وفايات أرفع ).
و حين بات واقع المجاعة ظاهرا ، إتّخذت الدولة و إتّخذ الحزب إجاءات للتعاطى معه و تحديد العذابات . فوقع تقليص تسليم الأقساط في أوكرانيا في ربيع و صيف 1932 ( و كان هذا جزئيّا إستجابة إلى ضغط و تقارير من لجان الحزب المناطقيّة ). و وقع توسيع التوزيع المقنّن للغذاء على 40 إلى 50 مليون نسمة عبر الإتّحاد السوفياتي . و أرسلت إغاثة غذائيّة ، و إن لم تكن قطعا في المستوى المطلوب ن إلى أوكرانيا و غيرها من المناطق. و جرى إيقاف تصدير الحبوب .
لئن كان هدف ستالين هو ردّ فعل إنتقامي ضد الأوكرانيّين بمجاعة " مصطنعة " و " إبادة جماعيّة " ، فمن العسير شرح هذه الإجراءات . و مجدّدا ، لم تشمل هذه المجاعة حصرا أوكرانيا – إذ وجدت أزمة غذائيّة عامة في ألرياف أثّرت على العمّال في المدن و على الجنود مثلما أثّرت على الفلاّحين . مع أنّ أوكرانيا كانت المركز . و قد تفاعلت الأزمة الحقيقيّة في إنتاج الحبوب التي لا يمكن فصلها عن الطريقة التي تمّت بها المشركة و تمّ بها فرضها ، مع الصراعات و المسائل السياسيّة المتّصلة بالقضايا القوميّة .


3 – المجتمع الإشتراكي و النقاش المفتوح للصعوبات
عند البحث عن حقيقة المجاعة في أوكرانيا ( و المجاعة خلال القفزة الكبرى إلى المام في الصين ) تبرز إلى العيان مسألة تستحقّ النقد : لفترة زمنيّة ، لم تعترف وسائل إعلام الدولة بوجود المجاعة و لم تكتب عنها تقاريرا ، و لم تعقد نقاشات واسعة لما كان يجرى .
بوضوح ، كان الناس خارج المناطق المتأثّرة مطّلعون على جوانب من أخبار المجاعة – مثلا ن كان الفلاّحون القادمون إلى المدن من الأرياف ينشرون الأخبار عن المجاعة . و قد كُتبت رسائل إلى القيادة من قبل الجماهير القاعديّة و تمّ نقاشها و تمريرها . و الروائي ميخائيل شلوخوف بعث برسالة شهيرة إلى ستالين يحتجّ فيها على الإجراءات القمعيّة المتّخذة ضد الفلاّحين المتعرّضين للجوع و الجائعين في كوبان ، مسقط رأسه ، و الواقعة على الحدود مع أوكرانيا . و أُعلنت تعديلات في السياسة و نوقشت ، إلاّ أنّه وُجد شُحٌّ في في النقاش و الجدال العامين – و إلى درجة أنّ هذه الأزمة لم تجد تعبيرا عاما عنها ، كان المركز ينزع نحو طرح الأمور في إطار الثورة مقابل الثورة المضادة .
هذه تناقضات حقيقيّة هنا و قضايا كبرى مطروحة : حول الأداء الاقتصادي و الأمن القومي ... و الحاجة إلى وسائل إعلام قويّة – تابعة للدولة ، و تابعة للحزب ، و مستقلّة و مموّلة ذاتيّا ؛ تكون قادرة على جلب الجماهير إلى سياسة النقاش من ناحية ، و تكون لها القدرة على التعاطى بشكل حيويّ مع أوضاع الطوارئ من ناحية أخرى ؛ محافظة على المعنويّأت في وجه الهجمات الإيديولوجيّة الرجعيّة لكن ليس باللجوء إلى " الحقيقة السياسيّة " ؛ و أشكال أخرى مماثلة لها .
توفّر الخلاصة الجديدة للشيوعيّة التي طوّرها بوب أفاكيان إطارا للتفحّص النقدي لتجربة المرحلة الأولى من الثورة الشيوعيّة ، لأجل تشخيص التناقضات الحقيقيّة العالميّة التي تمّت مواجهتها في خضمّ تغيير المجتمع و العالم ، و التأثير فيها بحيث يمكن أن نمضي أبعد و ننجز ما هو أفضل في المرحلة الجديدة من الثورة الشيوعيّة .
قراءات نوصى بها : ( كما وردت في نهاية المقال الأصلي ، و باللغة النجليزية )
—The 1932-33 famine as intentional and punitive: Robert Conquest, The Harvest of Sorrow: Soviet Collectivization and the Terror Famine (New York: Oxford University Press, 1986).
—Overview of collectivization policy, grain output, and reasons for the famine: R.W. Davies and Stephen Wheatcroft in The Years of Hunger: Soviet Agriculture, 1931-33 (New York: Palgrave Macmillan, 2004). Refutes the “intentionalist” thesis, but wrongly conceives of collectivization as a form of serfdom.
—A real shortfall in grain production and natural factors: Mark B. Tauger, “Natural Disaster and Human Actions in the Soviet Famine of 1931-33,” Carl Beck Papers in Russian & East European Studies, Number 1506 (Pittsburgh: Center for Russian and East European Studies, University of Pittsburgh, 2001). Tauger has produced a large body of work, briskly contesting standard anticommunist claims about “intentional famine,” which brings exhaustive new empirical data to bear.
—Peasant responses to collectivization: Sheila Fitzpatrick, Stalin’s Peasants (New York: Oxford University Press, 1994. One-sided (negative) view of collectivization but explores forms of “peasant resistance” to state policy and makes interesting observation that many of those who would have been the solid core of collectivization had migrated to cities and industry.
—Security concerns, agricultural policy, and Japan’s invasion of Manchuria: David R. Stone, Hammer and Rifle: The Militarization of the Soviet -union-, 1926-1933 (Lawrence: University Press of Kansas, 2000).
—National question: Terry Martin, The Affirmative Action Empire (Ithaca, NY: Cornell University Press, 2001). Argues against intentional genocide thesis but emphasizes what he calls the center’s “national interpretation of the 1933 famine.”
-----------------------------------------------------------------------------------------------
------------------------------------------------------------------------------------