الموت لأحمد عصيد!؟


عذري مازغ
2021 / 1 / 16 - 20:39     

من المألوف ان يستقبل أحمد عصيد في مساره التنويري انتقادات جمة من حاملي الإسلام السياسي بالمغرب لأنه يمثل حجر عثرة في وجوههم، لم يتلقى منهم انتقادات فقط بل ايضا تهديدا بالقتل وإهدار دمه، لكن من غير المألوف أن يرجمه في نفس الزاوية (زاوية الرجم نفسها التي للإسلام السياسي) أناس من العلمانيين واليساريين من حجاج بيت الله الحرام. حتى اليساري الماركسي الذي مثلا يقبل او يتعاطف مع النظام السوري بحسابات الممانعة وتفضيل احسن الشرين بين روسيا والولايات المتحدة، في قضية احمد عصيد يحسم الموقف: عصيدإنسان تافه! "بعباع"!
لماذا؟
لأنه طول حياته لم يتكلم على الطبقة العاملة التي عمل المثقف الماركسي في المغرب على إنضاجها منذ الإستقلال الشكلي ولم تنضج حتى الآن برغم حرارة الشمس في المغرب.
العلماني المتيسر هو الآخر لا يطيق عصيد لأنه شعبوي وهو الذي ليس شعبويا لم ينتج في حياته ولو قصيدة واحدة لا شعبوية لازال أغلبهم لم يتخلص من أفخاد شيخات راقصات على خشبة الفولكلور الصاخب المسيح، اغلبهم صام منذ إغلاق منصة مهرجان موازين بسبب كورونا .
العلماني القومي: عصيد تافه وغر لا يتقن إلا العض في خصوصياتنا، يرمي إلى الفتنة والتجزئة الإثنية، تجزئة وحدتنا المبنية على وحدة اللغة والتاريخ والدين. وهو الذي ما فتيء ينضج وحدته في اللغة والقوم والتاريخ والدين منذ فجر الإستقلال الشكلي واكثر من ذلك، برغم الشمس الحارة في المغرب، ارتد الكثير عن القومية والوحدة اللغوية والتاريخ والدين، أي من داخل إنضاج الوحدة، ومنذ تاريخ توريد الفكر الناصري، لم ينضج في المغرب إلا فاكهة الهوية القومية لشمال إفريقيا. هنا وقع عصيد في الفخ، خان الجميع، خان الذين يومنون بتسييد ثقافة وهوية ليست ثقافته ولا هويته..
أختلف في الكثير من الامور مع احمد عصيد لكن لست من راجميه فهو على الاقل غطى جانبا من صراعاتنا الإيديولوجية ووقف شامخا في موضوعاته العلمانية بدون منازع وبدون خوف وأكثر من ذلك لم يطعن عصيد في الإسلام كمعتقد بل طعن في قراءات سلفية تتأوله سياسيا، إنه في صلب المعركة التي خاضها كثيرون من امثال حسين مروة وحسن حمدان بفارق كبير في المنهجيات: "التراث مادة خامة تستثمر في الصراع الطبقي بتأويله" (هذه المقولة وإن لم أنقلها لفظيا كما قالها صاحبها هي لمهدي عامل في كلمته لحسين مروة حول التراث) أي أن الموقف من التراث هو موقف طبقي وليس موقف موضوعي، أقصد هو استثمار إيديولوجي تمارسه كل طبقات المجتمع وتؤوله بحسب مصالحها، ففي اي موقع يستثمره أحمد عصيد؟
يستثمره عصيد في الموقف الذي يبني لهويته المغربية، سوسيولوجيا هذا الموقف مناهض لموقف الدولة أو النظام المغربي حتى وإن لم يقله أحمد عصيد، موقف مع الوحدة في التنوع الثقافي والهوياتي، موقف يؤسس للقرار السياسي المغربي مستقلا عن المشرق وعن الغرب، موقف يخدم في العمق الطبقات التي لم تدرس لا العربية ولا الفرنسية على الإطلاق أو هي درستها بدرجات التهميش، ينتصر لثقافته المحلية التي يفهمها الجميع (انقل إلى هذه الثاقفة وهذه اللغة المعرفة العلمية، الرياضيات، الفيزياء، الماركسية، الانتروبولوجية (التي أصلا لا تقوم إلا على اللغات المحلية) أي علم سيستوعبه الناس البسطاء الذين نحتقرهم)، لن يفهم المغربي الذي يعاني من التهميش، غارق في الثلوج، لن يفهم لماذا على الدولة ان تحميه إن لم تنقل له بلغته التي يفهمها لماذا هو مهمش.
لا أحب أن أدافع عن أحمد عصيد أصلا وسبق أن انتقدته في موضوع خاص حول العقل العربي في الفضاءات المفترضة، لكن كيساري ماركسي أعرف ما نسميه بالتناقض الرئيسي والتناقض الثانوي، وحتى لا أحول الموضوع إلى نظرية في التناقضات، اعرف العدو الرئيسي من العدو الثانوي ، وعصيد لم يكن يوما عدوي ولا كان ضد اليساريين حتى يتفقون لاول مرة مع إخوانهم المسلمين في وضعه في نفس نقطة الرجم، إن هذا الإتفاق العجيب حول رجم أحمد عصيد فيه خلل في التقييم الموضوعي: عصيد يحرج ثقافة المخزن التي لها انصار كثيرون حتى من داخل العلمانية، يحرج الإسلاميين، يحرج اليساريين في نقض ما يسمونه بالاممية العالمية على اعتبار أنها في فهمه لا تقوم إلا بقيام المحلي والإقليمي والوطني ثم الدولي، إنه وحيد في موقعه يستحق الرجم من الجميع: اقتلوه إذن وبعد ذلك ترحموا عليه كما ترحمتم على فرج فودة!!