الإيمان بالغيبيات والخرافة جذر التخلف الرئيسى


سامى لبيب
2021 / 1 / 16 - 19:34     

- لماذا نحن متخلفون (76) .

مقدمة :
أعزي التخلف في هذه السلسلة من "لماذا نحن متخلفون” إلى ثقافة الشعوب , ولا أقصد بكلمة الثقافة كما ذكرت مراراً حيازة الإنسان على كم من المعلومات المعرفية , فالثقافة هي منهج تفكير وسلوك وطرقه في معالجة الأمور والقضايا معتمداً على إرثه وتراثه وتاريخه الفكري .. من هنا تكون الثقافة هي البوتقة التي تُنتج فكر وسلوك وشخصية وهوية الإنسان , لذا فهي البوصلة التي تحدد مسار الإنسان الفكري والسلوكي بما إكتسبه من معارف عن بيئته ومجتمعه وتراثه وتاريخه .
ثقافة شعوبنا تعتمد على تأثير الفكر الديني الإسلامي في المقام الأول كثقافة مهيمنة لتقوم العادات والتقاليد الشعبية بدور ثانوي غير مؤثر وإن كانت هذه العادات والتقاليد مستمدة من الدين الإسلامي في الغالب.
من هنا تتنوع كتاباتي عن التخلف معتمداً على التنقيب فى مفردات الثقافة الإسلامية ودورها فى خلق التشوه الفكري والسلوكي لتجلب التخلف والجمود , وليترسخ هذا الجمود والتخلف بحكم تفرد الثقافة الإسلامية وإنعدام وجود ثقافات بديلة مؤثرة .

الإيمان بالغيبيات .
أتناول فى هذا البحث تأثير الإيمان بالغيبيات في إرساء قواعد التخلف ليجدر الإشارة أن التوقف ليس أمام جملة الغيبات في حد ذاتها وإن كانت تستحق التوقف بالفعل وبحزم , كونها تؤسس لعقليات سطحية ينعدم في داخلها منهجية البحث والتفكير , ليكون إعتناءنا بالغيبات التي تشوه الفكر والسلوك الإنساني لتغرقه حتى هامته في جب التخلف .

الحسد .
- من المتعارف عليه أن الأديان أقرت بوجود الحسد وتأثير الحاسد على المحسود , ففي اليهودية إقرار بتأثير العين الحاسدة وللوقاية من تأثير الحاسد يتم وضع ما يُعرف بتميمة الباب على كل باب ومدخل يهودي وفي جزء من غرف المنازل أحيانا , وفي داخل هذه التميمة هناك علبة صغيرة وطويلة فيها ورقة تتضمن عددا من آيات التوراة الثابتة , ومن يتبع لمس هذه التميمية كل مرة عند العبور إلى جانب الباب وتقبيل اليد التي لامستها للنجاة من الحسد , فالكثير من اليهود يعتبرون التميمة رمزا لحماية المنزل وسكانه من الحسد .

- يؤمن الفكر المسيحي بالحسد فقابيل حسد أخاه هابيل , وإخوة يوسف حسدوه , والسيد المسيح أسلمه كهنة اليهود للموت حسداً , وفي آخر صلاة الشكر يقال "كل حسد وكل تجربة وكل فعل الشيطان أنزعه عنا" .
يعتنى الفكر المسيحي بإدانة الحاسد كون فعله شرير يُمثل كراهية الحاسد لنعمة الله على أخيه وأمنيته في زوالها , ولكنها تقدم فكراً ملتبساً إذاء تأثير الحسد فهي ترفض تأثير العين الحاسدة ولكن تدعو للصلاة لينجي الرب المرء من الحسد ! لترى المسيحية أن الصلاة ليست خوفاً من ضربة العين الحاسدة , إنما الصلاة لكي يمنع الله الشرور والمكائد والمؤامرات التي قد يقوم بها الحاسدون بسبب قلوبهم الشريرة !

- كانت هذه نبذة عن الفكر اليهودي والمسيحي تجاه الحسد والحاسدين بالرغم أن الأمور لا تعنينا كون أن ثقافتنا هي إسلامية ليكون سردنا من باب إشباع رغبة البعض في فضح الأديان الأخري فلا يقتصر النقد على الإسلام , ولكن يجدر الإشارة أن اليهود والمسيحيين ليس مهمومين بشدة بالحسد والحاسدين وذلك لوجود ثقافة علمانية علمية متغلغلة في تلك المجتمعات .

- في الإسلام هناك ذكر للحسد وتأثيره الشرير على المحسودين فقد جاء في القران “وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ” سورة الفلق 5 , فالحسد شر كما يرى القرآن وهناك تأثير قوي وفعال من الحاسد ليثار هنا قضايا جدلية شائكة , فلا تعلم هل تأثير الحاسد يتم بمعرفة ومشيئة وترتيب الله أم هناك تأثير للشيطان مُستقل عن الإله .
المهم أن تلك الخرافة الإسلامية متغلغلة في الفكر الجمعي للمسلمين فيستوي الجاهل مع أستاذ الجامعة في الخوف من الحسد ومن شر حاسد إذا حسد ليترك هذا أثراً بالغ السوء في نفسية وذهنية المسلم .
إن خرافة كالحسد تسببت في نشر العداوة والبغضاء بين كثير من الناس وقد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى أن يتهم شخص شخصاً آخر أنه كان سبباًً في وفاة أبوه بسبب حسده أو كونه سبب فشل إبنه فى دراسته أو أعماله , لتُعبر فكرة الحسد أن الشخص الذي يظن نفسه محسوداً يشعر تجاه من ظن أنه يحسده بعدم الإرتياح , فإذا وقعت مصيبة لمن يظن نفسه محسوداً يقوم بتفسير سبب حصولها بالحسد وينسى كل المرات التي تقابل فيها الشخصان دون أن يحصل شيء .. حقيقة الأمر أن الحسد يعطي الإنسان فرصة ليبرر شعوره بعدم الارتياح تجاه شخص آخر أى تصدير مشاعر عدائية تجاه هذا الآخر , ولكن كل ما يحصل من أشياء لا يخرج عن إطار الصدفة وغياب فهم الظروف الموضوعية , ليلجأ الناس إلى تفسير الأشياء التي تحصل معهم بالحسد عندما يعجزون عن إيجاد أي تفسير آخر حينها تستسلم عقولهم لأسهل تفسير وهو التفسير القائم على الخرافة .

- إن أخطر شئ فى شيوع خرافة الحسد أنها تُفقد وتُغيب الإنسان عن الفهم الموضوعي للأحداث الحياتية , لتبعده عن البحث الموضوعي لأسباب الفشل والإخفاق , فهو يبرئ نفسه من إخفاقاته وفشله ليهرب منها ويزيحها ويُلبسها لتأثير عين الحاسد , ومن هنا يأتى التخلف من الإنصراف عن البحث الموضوعي والهروب إلى فرضيات خاطئة غبية ليس لها أي أساس علمي وموضوعي .. إن الترويج لوهم الحسد والحاسدين سيؤدي بالضرورة إلى المزيد من الإنزلاق فى جب التخلف وضياع البوصلة فستروج بضاعة الدجل والمشعوذين الذين يعالجون وهم الحسد والعين بأساليب إحتيالية .

- في ختام جزئية الحسد والعين والحاسدين , بماذا نعلل حال المجتمعات الغربية التي تتقدم دوما , فهل الحاسدين لديها ليس لهم تأثير بينما الحاسدين في بلادنا ذو قدرات وقوة , أم أن تلك الشعوب ذات ثبات نفسي كونها تنتهج البحث العلمي الموضوعي بديلاً عن تلك الخرافة .. فلنفكر قليلا ولنتخلص من وهم الحسد ولنبحث في سبب الإخفاق والفشل .

السحر .
- تؤمن الأديان والمعتقدات كافة بالسحر وتأثيره ولكن خرافة السحر تجد حضوراً كبيراً في المجتمعات الإسلامية حيث يقول القرآن “وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ” الفلق الاية 4.
- في الواقع إن كل ما نشهده من عمليات نصب بدعوى إخراج الجن أو إبطال السحر أو فك العمل قد أسس له الإسلام وكان السبب فيه , فقد أخذ محمد فكرة الجن من الأديان الأخرى وكان الهدف منها تخويف اتباعه أو للدقة إعطاء تفسير لأشياء يجهلها محمد حيث كان يعتقد محمد أن الشهب والنجوم هي رجوم للشياطين! فقد جاء في القران “وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ” الملك 5 , وجاء أيضا “الَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ"الصافات: 10 وهو يتكلم هنا عن الجن ..من هنا يجد الوهم الفكري بالسحر حضوراً كبيراً فى المجتمعات الإسلامية لتنفق مليارات الدولارات في مجتمعات بائسة لفك العمل والسحر , ويصبح لجيوش الدجالين حضوراً كبيراً في مجتمعاتهم لدرجة تدشين قنوات فضائية تُعلن عن قدراتهم العظيمة .

- خرافة السحر وجدت حضوراً في المجتمعات الإنسانية منذ القدم لتُعبر عن رؤية وحلول الإنسان العاجزة الجاهلة بالأمور التي تعتريه خاصة النفسية والعصبية منها ,علاوة على مشاكل إخفاقه وفشله وحظوظه البائسة , لتزول فكرة السحر فى المجتمعات الغربية حيث تقدم العلم وحل الكثير من الإشكاليات الغامضة , بينما تنتعش فكرة السحر فى المجتمعات الإسلامية وتزداد رواجاً وميديا لتنتعش خزائن الدجالين .. ففكرة السحر تُعتبر مفردة أساسية من مفردات التخلف فهي تغييب وتجهيل الإنسان عن الفهم والبحث فى أموره ليعالجها ويتجاوزها ليحل مكانها حلول سهلة غبية تجعله أسير لجهله وإخفاقاته آملاً في حلول سحرية عبثية .

- للمتعة والوعي أقدم لكم هذا الفيديو الرائع عن طرد الأرواح والسحر والعين وكيف يفسرها علم الأعصاب البيولوجي؟
https://www.youtube.com/watch?v=ksISQxTBRpM

الروح .
- خرافة أخرى وهي الروح التي ليس لها أي أساس علمي لوجودها على الإطلاق , ليأتي زعم الأديان والحضارات السابقة بفكرة الروح لإيجاد تفسير للموت حيث اعتقدوا أن هناك شيء في الجسد عندما يخرج من الإنسان يؤدي إلى الموت , ولكن الموت علمياً هو انقطاع الدم والأكسجين عن الدماغ , واليوم وبفضل العلم والتقدم الطبي الذي أحرزته البشرية تمكنا من معرفة سبب الموت وتمكنا من منعه في كثير من الحالات بإيجاد العلاجات المناسبة .

- لا بأس من إستخدام كلمة الروح كتعبير أدبي شعري يُعبر عن حالة الإنسان العاطفية المزاجية , ولكن من الخطورة بمكان إعتبار الروح كيان مستقل عن وجود الإنسان المادي فهنا يتم تجهيل وتجحييش الإنسان عن فهم ذاته وأموره الحياتية لتحيل الأمور إلى فرضيات وأوهام .

الإيمان بالغيبيات جذر التخلف الرئيسى .
- المشكلة الأساسية في طريقة تفكير المؤمن بشكل عام والتي تجلب التخلف والجمود الفكري أنه يؤمن بحلول إفتراضية وهمية , وتَنبع هذه المشكلة من فكرة الايمان الغيبي حيث أن المؤمن يؤمن بقوة فوق الطبيعة جاءت من عجزه وجهله فى التفسير ليلجأ الى فكرة الإله والشيطان والجن والعفاريت زاعماً أنها التفسير لما يحدث , ولكن هنا يجب أن نطرح سؤالا في غاية الأهمية وهو : هل من الحكمة و العقل أن نلجأ إلى وجود الإله والجن والعفاريت لنفسر كل ما نعجز عن فهمه, فهل هذا يعتبر تفسيراً أم أنه يزيد مشكلتنا تعقيدا ؟
كرد على هذا السؤال أقول علينا قبل أن نعزي كل ما لا نعرفه إلى إله أو جن يجب علينا إثبات وجوده أولا تحققاً , ففي الحقيقة فنحن لا نمتلك أي دليل على وجود اله بل السادة المؤمنين بإله عاجزين عن تعريف كينونته وذاته وماهيته ! ورغماً عن ذلك يزعمون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة واليقين بوجوده !

- دوما يحاجج المؤمنين بالقول أن الكون وما فيه من تعقيد يعتبر دليلاً على وجود خالق , حيث أن الحياة بسبب تعقيدها من وجهة نظرهم يستحيل أن تأتي بدون خالق , ولكن ومن وجهة نظري أن تعقيد الكون لا يعني إلا أنه معقداً بالنسبة لنا وعجزنا عن فهم تطور تعقيده , ليأتي التلويح بفرضية الإله إستمرار وإستسلام لهذا العجز , كما لا يدلنا أطلاقا على وجود خالق لأن المؤمن يجب عليه بعد استخدامه لإلهه كتفسير لوجود كون معقد أن يفسر لنا وجود إلهه الذي في تعقيده يفوق الكون مرات ومرات , فالمؤمن كل ما يفعله عندما يفسر الأشياء المعقدة بوجود إلهه وأنها من صنعه انما يكون قد نقل السؤال إلي مستوى أعلى وزاده الأمور صعوبة , فلنترك التفسير العلمي للفيزيائيين والبيلوجيين أصحاب الاختصاص .

- الإيمان بالغيبات يُعبر عن عجز الإنسان وجهله بالأسباب والتعقيد ليهرب من جهله وعجزه بحلول سهلة مُتعسفة فهناك من صنع هذا ليريح خلايا دماغه , ولكن متى عرف الأسباب المادية الموضوعية التي أنتجت الأشياء فلن يستحضر حينها شلة الغيبيات .

- في ختام هذه المقالة أقول أن هذه الخرافات ما هي إلا أمثلة فقط و يوجد المزيد والكثير لمن يرغب بالبحث , ولكن ما أردت قوله انه آن الآوان أن نتحرر من الفكر الخرافي وسطوة رجال الدين المروجين له ولنخرج من عالم الغيب إلى الواقع حيث يمكننا تحقيق الكثير واللحاق بركب الحضارة الذي إبتعد عنا أميالاً بفضل الأديان بفكرها الغيبي والتى صارت كالطاعون الفتاك على مجتمعاتنا والسبب الرئيسي في تخلفنا.
نحن لا ينقصنا شيء من ناحية القدرات العقلية فمنطقتنا تعج بمن يمتلكون قدرات عالية , ولكن مشكلتنا الغفلة فأغلبهم يوجهونها إلي المكان الخاطئ حيث يستغلونها في الدين بدلاً من استثمارها في المجال العلمي حيث أن الكتب الدينية مع الأسف هي الكتب الأكثر مبيعاً في عالمنا العربي فلسوء وضعنا السياسي والاقتصادي اصبح الناس يهربون إلى الدين الذي يعدهم بالأوهام ليجدوا عزاءهم فيه وهم لا يعرفون انه هو سبب مشكلتنا .. نحن بحاجة للإستفاقة .

دمتم بخير وأرحب بنقدكم وتأملاتكم وإضافاتكم.
-"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته" - حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع.