المفرق بين الواقع والمنطق ؟


احمد مصارع
2006 / 7 / 22 - 14:52     

المفرق بين الواقع والمنطق ؟
للواقع منطقه الخاص وقد يفرض بقوة تدعى الأمر الواقع ,وهي قوة لا يبرر وجودها المنطق العام الذي يفترض أن يكون مسندا بقوة الحجة العلمية والموضوعية .
من يفارق الأمر الواقع يصير لا منطقيا من ناحية منطق الواقعية , ومن الأحكام التي تطلق عليه , الاغتراب أو الضياع الفكري أو المثالية .
من يتمسك بما يملى عليه بقوة الأمر الواقع , ويضطر للانقياد له , فقد فارق المنطق , فيكون كمن ألقى بأثمن ما لديه وهو عقله وراء ظهره .
إن الامتحان العسير الذي نعيشه , ونحن في حالة يأس قاتل , وما كان من الواجب أن نمتحن بهذه القسوة البالغة , ولكنه القدر الأحمق حين خطا سحق .
سيان من حيث الوضع النسبي , أن تكون عاقلا بين المجانين , ثم لا ينفعك عقلك ولا علمك ,أو أن تكون مجنونا بين العقلاء , ثم ينفعك جنونك , ولكن سحقا ل: هكذا منافع !.
إن اتبعت عقلك صرت لا واقعيا ,وان اتبعت الواقع صرت غير عقلي بالمرة , وفي المسألة موت وحياة , والضحية الأولى لمثل هكذا امتحان , أن لا قضية ولا مبدأ ولا رسالة أو حتى مجرد قيمة أخلاقية , دينية أو مثالية , يحملها الإنسان في حياته , ليوصلها بشق النفس عبر الأجيال , ونحو حياة أفضل , فهو حين يفارق الحياة , قد يقال عنه ترحما , ترك الصلاح خلفه , لكل من سيأتي بعده , إن اتبعت الواقع ورميت المنطق خلف ظهرك ستقتل من تحب مرغما ,رغم اقتناعك بعمل مالا يمليه عليك وجدانك العقلي المنطقي , وقد يظهر بصفة عاطفية , نتيجة القناعة , وهي ضرب من الإيمان المتسامي , يشبه الإيمان الديني شكلا , ولكنه يختلف عنه مضمونا ,لأنه هنا موجه دون تحديد مغلق نحو القيمة الأعلى وهي : الإنسان .
العدالة مطلوبة حقا وصدقا , وان كانت عرجاء , فلابد أن تتحقق في النهاية , لأنها المستراح الحقيقي , وكل ماعدا ها زائف , والواقع المؤسف يثبت حقا , أنها مجرد مرحلة انتقالية , أمام وحش الواقع اللا منطقي , وهنا نلمس المفارقة وشساعة الافتراق ؟
يقال أن الإمبراطور نابليون كان قد قال بمبدأ عظيم , وهو يهز العالم بقوة : ( إن أحسن سياسة بلد هي سياسة جغرافيته ) , وهي السياسة المترجمة اليوم تحت عنوان : سياسة حسن الجوار , فإذا أردنا أن نحكم على بلد ما , بامتحان قدرته على النجاح أو الإخفاق , فلننظر الى حسن علاقاته مع جواره , فهو حين يحاد أربع دول مثلا , ولا يعادي أي منها , فنجاحه سيكون بامتياز , وحين يعادي واحدة فقط , فدرجة نجاحه 75%, وحتى لا نستطرد , فال : 0% تعني الفشل التام , أي أنه متحارب بطريقة عدوانية مع كل ما يجاوره , ومع الأسف فان كل القادة , ومع الأسف أيضا : التاريخيين في الشرق الأوسط الصغير , لا تستحق صحائفهم المدرسية غير درجة الصفر , بل والصفر المطلق , وبجدارة يحسدون فيها على بلادتهم البالغة في مفارقة ضرورات الحياة الأفضل , ومن إصرارهم العنيد على رفض المنطق , بل والدفع بالواقع بعيدا عن كل منطق من غير منطق الهمجية والتخلف بديلا عن كل منطق موضوعي بديل .
يقول المنطق المثالي وحتى الإسلامي : جارك ثم جارك , حتى الوراثة ؟!!!.
ويقول من عرف الحياة وخبر ضروراتها وتجاربها القاسية بأن : الجار القريب , خير وأنفع من الأخ البعيد , والمقصود هنا من القرب والبعد , ما عرفناه جميعا , من أن الإنسان موجود في كل مكان , وهو يملأ الأرض تلاصقا , وحبا , واستمرارا , ولكنه لن يكون من دون التواصل والجوار , فالجوار هو الآخر يفعل فعل القدر .
إن مفهوم حسن التجاور سيكون كارثيا , حين لا يظهر إلا بالنكبات والكوارث الطبيعية والحروب , والأوبئة , فبدلا من مجاورة الصابون المعطر لجلب حسن نقائه , يكون سوء التجاور مع قدر الحمام والسخام لاكتساب وساخته , كما استشعر بها الشيخ المجذوب , وهنا تفرض مسألة أن لا تكون طهارة المرء فردية منعزلة , بل جوارية , ممتدة ومشعة على اكبر مدى ممكن لها , فهي ليست غسلا لجسد , بل غسلا يمسح اكبر قدر جواري ممكن ؟
فماذا لو كانت الوراثة الواقعية غير المنطقية , بل والمفارقة للعقل , تدعونا بحمى مرضية لا أساس لها نحو ,نحو قتل كل روح للجوار بدعوى : ما أنا إلا من غزية أو غزوة , وغزوات , وقتل , فان شاء الله - حاشى الله - فان غوت غويت وان ترشد غزية أرشد , بمعنى لقد حلت ساعة الجنون , فعليك أن تلقي بكل قواك العقلية والعاطفية خلف ظهرك ؟
يقال عن الجوار الذي يسمح بالحياة الأفضل لجميع المتجاورين في السياسة : سياسة حسن الجوار , فهل تصدر مثل تلك السياسة عن حكم منطق الواقع ؟أم حكم المنطق المجرد؟..
لا يوجد منعزل أو محايد , فالكل متعالق , فالنسيج واحد , على الرغم من كون الحدود وهمية بالنسبة للمنطق , لكنها ليست كذلك بالنسبة لمنطق الواقع , كما أن عملية الفصل المنهجي تبدو غالبا كموقف مصطنع , يصنع فجوة تخيلية مابين الواقع والمثال , ولكن ماهو مرير للغاية أن يكون بمقدور الوهم , والهذيان , في أن يتحول إلى قوة دموية قاتلة , ومدمرة ؟ كأقوى بما لا يقاس مما تحدثه الكوارث الطبيعية , والتي تتظاهر بشكل كاذب مدعية الحياد , وموحية لبعض العقول النيرة من أنها طبيعية , بل وموضوعية !, وهي كاذبة أصلا وفصلا .
يحضرني بمناسبة المقال , التصور الأكول والشره , لأعتى الغلاة , الطغاة , وهم يؤكلون , كما أكلوا , بل ويشوون في جرار الماغما ,والهلام البركاني الناري , بحجة الطهورية الأرضية , وأوضاع المادة , مابين كتلة وطاقة .