تشومسكي: الخيار المقابل لحل الدولتين، ليس وهم الدولة الواحدة، بل ما يجري على الأرض: -إسرائيل الكبرى-

حسن مصاروة
2021 / 1 / 8 - 22:45     

| ترجمة: حسن مصاروة

*في هذا الجزء من المقابلة التي أجراها موقع "سيحا ميكوميت" مع المفكر الأمريكي الكبير نعوم تشومسكي، يتحدث عن اتفاقيات التطبيع التي جرت في ظل إدارة ترامب، وعن أفق القضية الفلسطينية في ظل إدارة بايدن القادمة، ومآلات طبيعة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية في ظل التحولات في داخل المجتمع الامريكي وفرص النضال الشعبي للتأثير عليها، وعن أفق الصراع في ظل توسع الاستيطان ومخططات الضم وتوغّل إسرائيل في اليمين. نترجمه لصحيفة "الاتحاد"*

حوار: ليلاخ بن دافيد؛ ترجمة: حسن مصاروة



سؤال: في الأشهر الأخيرة، في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، شهدنا توقيع اتفاقيات تطبيع بين إسرائيل وبين الإمارات والبحرين والسودان، والمغرب من هناك حديث عن توقيع اتفاقيات أخرى ربما مع السعودية. هذه الاتفاقيات هي، إلى حد كبير، اتفاقيات "صفقات أسلحة". كيف نفهم هذه الاتفاقيات وتأثيرها على آفاق حل عادل للشعب الفلسطيني؟



تشومسكي: لقد تم تجاهل الفلسطينيين كليًا في هذه الاتفاقات، ولا شيء لهم فيها. هذه الاتفاقيات تُظهر على السطح الاتفاقات والترتيبات والتفاعلات التي كانت موجودة لفترة طويلة اصلاً بين هذه الدول.

يتم تعريف إسرائيل والمملكة العربية السعودية تقنيًا على أنهما في حالة حرب، ولكنهما عمليًا حليفان منذ عام 1967. كانت حرب عام 1967 هدية عظيمة للمملكة العربية السعودية، كما كانت للولايات المتحدة، وهذا ما كان مفهومًا جيدًا من قبل وكالات الاستخبارات والقيادة الامريكية، لسبب بسيط للغاية: في العالم العربي كان هناك صراع بين الإسلام الراديكالي - الذي اتخذ من السعودية مقرًا له - والقومية العلمانية التي كان مقرها مصر، فقد دعمت الولايات المتحدة الإسلام الراديكالي بقوة، كما فعل البريطانيون عندما كانوا القوة الحاكمة في المنطقة.

ليست، أي من القوى الإمبريالية، معنية بالقومية العلمانية لأنها تشكل خطورة عليها. في المقابل، يمكنهم التعايش مع الإسلام الراديكالي لأنهم يستطيعون السيطرة عليه.



في الستينات، كانت السعودية ومصر في حالة حرب. لقد سحق انتصار إسرائيل الكبير في حرب 67 القومية العلمانية، تاركًا الساحة للإسلام الراديكالي. بالنسبة للسعودية والولايات المتحدة، كانت هذه هدية عظيمة، هذه هي المرحلة التي تغيرت فيها العلاقات الإسرائيلية-الأمريكية بشكل حاد، لتأخذ شكلها الذي نراه اليوم. قبل ذلك كانت العلاقة ودية، ولكن ليس بشكل استثنائي. بعد عام 1967، أصبحت إسرائيل ببساطة قاعدة الهيمنة الأمريكية في المنطقة، وتحركت بالطبع إلى اليمين أكثر.

في حالة إيران وإسرائيل، ظهرت الأمور على السطح بعد سقوط الشاه. عندها انكشف أن قادة حزب العمل وآخرين من إسرائيل كانوا يزورون إيران وأن لهم علاقات وثيقة معهم. مع المملكة العربية السعودية، لم تكن العلاقات وثيقة الى هذا الحد، لكنها كانت موجودة بشكل غير رسمي وينطبق الأمر ذاته على الإمارات.



والآن تم إظهار كل ذلك على السطح. ماذا يعني ذلك؟ كان لدى إدارة ترامب خطة جيوسياسية، وهي واضحة جدًا. الفكرة هي إنشاء "أممية رجعية": الدول الأكثر رجعية في العالم، تحت قيادة البيت الأبيض، كأساس للقوة العالمية للولايات المتحدة.

في نصف الكرة الأرضية الغربي، القاعدة هي البرازيل - أكبر دولة في أمريكا اللاتينية، التي يحكمها نسخة برازيلية من ترامب، خابيير بولسونارو النيو-فاشي، لذا فهو مثالي لهذا المهمة. في الهند، يقضي ناريندرا مودي على القومية العلمانية الهندية، ويسحق مئات الآلاف من المسلمين ويدمر كشمير، لذلك فهو عضو مثالي في النادي. وهكذا يتمتع ترامب بعلاقة وثيقة للغاية مع هند مودي.

أما في الشرق الأوسط، فالحلفاء هم الديكتاتوريات العربية، وديكتاتوريات العائلات الخليجية، وترامب قريب بشكل خاص من محمد بن سلمان وغيره من كبار القتلة، ومصر السيسي، أقسى ديكتاتورية في تاريخ مصر، وإسرائيل، التي تحركت إلى أقسى اليمين بشكل كبير بحيث تحتاج إلى تلسكوب لتراها.

هذا التحالف هو أساس القوة الأمريكية في الشرق الأوسط. والاتفاقيات المسماة "اتفاقات أبراهام" فقط تكشف عنها. ليس للفلسطينيين دور في هذا. في الواقع، لا يوجد دور في هذا لأي شخص ليس جزءًا من التحالف الرجعي.

الآن ، مع وجود جو بايدن في البيت الأبيض، من المرجح أن يتراجع كل ذلك قليلاً إلى حد ما. تعتمد درجة التراجع القليل لهذا الاتجاه تحت إدارة بايدن، على ماذا سيحدث داخل الولايات المتحدة والسياسة الأمريكية الداخلية والنضال السياسي الداخلي. ما حدث في السنوات العشر أو الخمس عشرة الماضية في الولايات المتحدة مهم للغاية. إذا عدنا 20 عامًا إلى الوراء، فإن إسرائيل كانت "محبوبة" القطاعات المتعلمة والليبرالية. لقد أحبوا إسرائيل جدًا. لكن هذا تغير الآن، وتحول الآن الدعم لإسرائيل إلى اليمين المتطرف والإفنجليين والقوميين المتطرفين ودعاة الحرب. هذا هو الحزب الجمهوري، أقصى يمين الحزب الجمهوري، الذي يشكل قاعدة الدعم الأساسية لإسرائيل اليوم.



إذا نظرنا إلى مواقف كثير من الديمقراطيين الليبراليين اليوم تجاه إسرائيل، فهي تتصف بالبرودة، وفي الواقع يدعم الكثير منهم حقوق الفلسطينيين أكثر مما يدعمون إسرائيل. إذا نظرت إلى الشباب، فإن الوضع أكثر تطرفًا، وفي هذه الحالة يشمل أيضًا الشباب اليهود، الذين يتوقفون عن دعم إسرائيل أو يتحولون إلى دعم الفلسطينيين.

حتى الآن، كل هذا لم يكن له أي تأثير على السياسة. لكن إذا استطاعت مجموعات النشطاء إنشاء حركة تضامن أمريكية حقيقية مع الفلسطينيين، كما حدث بالفعل مع مجموعات قومية أخرى من العالم الثالث، فقد يؤثر ذلك على السياسة الأمريكية. لم يحدث ذلك حتى الآن، لكن يمكن أن يحدث، وهناك العديد من الأهداف التي يمكنهم تحقيقها فعلاً.

من الأمور الحاسمة، التي يمكن أن تظهر بشكل دراماتيكي للغاية في الأسابيع المقبلة، هو موضوع العلاقات مع إيران. وصل مبعوث ترامب إليوت آبرامز إلى إسرائيل في محاولة لتعزيز التحالف المناهض لإيران المكوّن من إسرائيل والسعودية والإمارات. لقد أعلنوا الآن عقوبات جديدة وشديدة للغاية ضد إيران، والتي تشكل في الواقع عملاً حربيًا. العقوبات الشديدة جدًا ترقى إلى مستوى الحصار.

على سبيل المثال، طلبت إيران للتو ملايين لقاحات الإنفلونزا، وهو أمر بالغ الأهمية في الوقت الحالي، لأنه إذا استمر الوباء في الشتاء، فقد تكون هناك ضربة مزدوجة للإنفلونزا وكورونا. الولايات المتحدة منعت الطلب. إيران لن تستطيع الحصول على التطعيمات، أي يجب أن يموتوا. هذا عمل حربي، وقد يكون مجرد مقدمة لعمل حربي أكثر تطرفًا قد يأتي بعد.

ما هو أساس كل هذا؟ يفترض أن يكون الأساس هو المحاولة الإيرانية لامتلاك سلاح نووي. يمكن لأي شخص يفكر في الموضوع لمدة دقيقتين أن يصل الى الاستنتاج الذي يُمنع أن يقال في العلن. الاستنتاج الذي لا يمكن قراءته في الصحف في الولايات المتحدة أو في إسرائيل، لا يمكن الحديث عنه، لكنه واضح تمامًا، لنفترض أننا متفقون على أن النووي الإيراني يشكل تهديدًا، والحقيقة أنه ليس كذلك. المشكلة الوحيدة لديهم، أنه إذا كانت إيران ستطور أسلحة نووية، فهي ستُستخدم كرادع ضد الدولتين المارقتين - الولايات المتحدة وإسرائيل - اللتين تريدان العربدة بحرية في المنطقة، ولا تريدان أي ردع ضدهما، حتى المخابرات الأمريكية تقول ذلك.



لذا فإن النووي الإيراني لن يشكل تهديدًا حقيقيًا، سيكون له دور ردعي فقط، ولكن دعونا نتظاهر على سبيل الجدل أنه بالفعل يشكل تهديدًا. هل هناك حل؟ نعم وهو بسيط جدًا. الحل هو إعلان منطقة منزوعة السلاح النووي في الشرق الأوسط، بإشراف مكثف، ويعمل بشكل جيد. إسرائيل تدعي أن الرقابة لا تعمل، لكنها وحدها في هذا الموقف. حتى المخابرات الأمريكية والجميع يتفقون على أن الفحوصات الرقابية والتفتيش الدولي بموجب الاتفاقيات النووية مع إيران عملت بشكل جيد. إسرائيل دولة واحدة، ولديها نسختها الخاصة من الواقع، لكن من الواضح أن الواقع يقول أن الرقابة نجحت في ظل الاتفاق النووي.

إذًا، يمكن بالفعل إعلان منطقة منزوعة من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، بإشراف مكثف. هل هناك مانع على هذا؟ نعم هناك مانع. لكن ليس من الدول العربية، فهي تطالب بذلك منذ 30 عامًا. وليست إيران التي تدعم الفكرة بحماس وعلانية، وليست دول الجنوب، دول مجموعة الـG-77، حوالي 130 دولة، داعمة للغاية وكذلك أوروبا.
إذًا، ما الذي يوقف هذا الحل؟ استخدام الولايات المتحدة ضده حق النقض (الفيتو)، وكلما طُرحت القضية في اجتماع دولي يتناول هذه القضايا، فإن الولايات المتحدة تستخدم حق النقض. وكان آخر من فعل ذلك هو الرئيس باراك أوباما في عام 2015. لماذا تستخدم الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) .. لأنها ببساطة لا تريد مراقبة أسلحة إسرائيل النووية.

في الواقع، لا تعترف الولايات المتحدة رسميًا حتى بامتلاك إسرائيل أسلحة نووية. لماذا؟ لأنه إذا اعترفت الولايات المتحدة بأن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية، فسيتم تفعيل القانون الأمريكي. ويحظر القانون الأمريكي تقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية للدول التي طورت أسلحة نووية خارج إطار نظام الرقابة الدولي، كما فعلت إسرائيل. لا الديموقراطيون ولا الجمهوريون يريدون فتح هذا الباب.


لكن لو كانت هناك حركة تضامن شعبية في الولايات المتحدة لكان من الممكن أن تفتح الباب، فلو كان الشعب الأمريكي يعلم أننا نواجه احتمال الدخول الى الحرب للدفاع عن أسلحة إسرائيل النووية، لكانوا غاضبين. وبالتالي يتم التزام الصمت التام بشأن الموضوع. وهنا يأتي دور حركة التضامن الشعبية، إن وجدت.

لسوء الحظ، مثل هذه الحركة غير موجودة اليوم، ويمكن للمرء أن يخوض في أسباب ذلك. لكن هذا احتمال حقيقي، وقد يؤدي إلى تغيير في السياسة الأمريكية. وهناك قضايا أخرى من هذا القبيل. هناك انقسام في المجتمع الأمريكي. القطاع الشاب ، أكثر يسارية وأكثر ليبرالية، متمحمسون لرؤية تغيير في السياسة، لكن لا أحد يفعل أي شيء. لأنهم إذا لم يكونوا منظمين ونشطاء وفعالين، فلا يهم ما يعتقدوه.





سؤال: في هذا السياق، ذكرت كلاً من التحول غير المسبوق لإسرائيل إلى أقصى اليمين، وإمكانية قيام حركة تضامن مع الفلسطينيين داخل الولايات المتحدة، والتي لن تشمل فقط الجالية الفلسطينية في الولايات المتحدة، ولكن أيضًا اليهود الأمريكيين، ومعظمهم من الليبراليين. ذكرت في كتاباتك اعتماد إسرائيل الكامل على الدعم الأمريكي، كما يتضح من صفقة "فالكون" (انسحاب إسرائيل من بيع طائرات استخبارات "فالكون" للصين بسبب معارضة أمريكية). بالنظر إلى هذه الحقائق الثلاث، هل المجتمع الإسرائيلي قضية خاسرة وميؤوس منها؟ هل تعتقد أن النشطاء الإسرائيليون يجب عليهم التخلي عن محاولة إقناع الجمهور الإسرائيلي وإفساح المجال بدلاً من ذلك للضغط الدولي على إسرائيل؟


تشومسكي: أعتقد أن أول شيء يتعين على النشطاء في إسرائيل فعله هو الانتباه إلى ما حدث. لنعد إلى السبعينيات، إلى حكومة العمل في إسرائيل. في منتصف السبعينيات، اتخذت إسرائيل قرارًا مصيريًا. كان لديهم خيار بين السلام والانخراط في المنطقة وبين التوسع الإقليمي. لقد كان اختيارًا واضحًا جدًا. كانت هناك فرص جيدة لحل سياسي. ضغطت مصر بقوة من أجل ذلك، وانضمت سوريا والأردن. كان موقف منظمة التحرير الفلسطينية مختلطًا، وفي الخلفية طالبوا بذلك أيضًا، ونعرف ذلك أيضًا من الوثائق التي تم نشرها ، لكنهم لم يكونوا مستعدين لقول ذلك علنًا.

طُرحت الحاجة إلى الاختيار أمام إسرائيل عدة مرات، وكانت إحدى أهم المرات - التي كادت أن تُمحى من صفحات التاريخ، لكنها حدثت - في كانون الثاني (يناير) 1976. ناقش مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اقتراحًا يدعو إلى حل الدولتين على حدود الخط الأخضر - الحدود الدولية المعترف بها - وهنا أقتبس: "مع ضمانات لضمان حق كلا الدولتين في الوجود بسلام وأمن، داخل حدود آمنة ومعترف بها (من قبل المجتمع الدولي)."

في إسرائيل كانوا غاضبين. رفضوا حضور الاجتماع. يتسحاق رابين، رئيس الوزراء آنذاك، أدان الاقتراح، قائلاً إنه لن يتحدث أبدًا مع أي فلسطيني بشأن أي شيء، وأنه لن تكون هناك دولة فلسطينية أبدًا. حاييم هرتسوغ، الذي كان في ذلك الوقت ممثل إسرائيل في الأمم المتحدة، ادعى لاحقًا - ادعاءً كاذبًا بالطبع - أن المبادرين للاقتراح هم منظمة التحرير الفلسطينية، في محاولة لتدمير إسرائيل. هؤلاء هم بالطبع الذين يعتبرون معسكر "الحمائم" في إسرائيل. لقد ذعروا. لم يريدوا أي علاقة مع هذا الاقتراح.

لقد استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد الاقتراح وعندما تستخدم الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو)، فإنه يكون فيتو مزدوج: الاقتراح يُحظر، وهناك أيضًا حق النقض على أي ذكر تاريخي للاقتراح. حدث ذلك مرارًا وتكرارًا. لذلك أزيح هذا العرض عن الطاولة.



كانت هناك فرص مماثلة من نفس النوع. وما كان مطروحًا على طاولة حزب العمل - مباي - في ذلك الوقت، لنتذكر، كان بالأساس توسعًا في سيناء. عملوا وفق خطة "جاليلي" وبنوا مدينة ياميت لليهود فقط، ودمروا قرى البدو في سيناء، وأقاموا كيبوتسات ومستوطنات أخرى في سيناء. قال أنور السادات بوضوح شديد: ياميت تعني الحرب. لا يمكنكم فعل ذلك. هذه كانت خلفية حرب 1973. لكن إسرائيل استمرت.

دون الخوض في الكثير من التفاصيل، اتخذت الحكومة الإسرائيلية في حينه، بقيادة ما يسمى باليسار، قرارًا بتفضيل التوسّع على الأمن. وكان قرارًا مصيريًا أعد الأرضية لكل ما أعقب ذلك حتى يومنا هذا. بمجرد اتخاذهم هذا القرار، أصبحوا معتمدين كليًا على الولايات المتحدة.

كان من الواضح منذ سبعينيات القرن الماضي أن هذا سيحوّل إسرائيل إلى دولة معزولة. عاجلاً أم آجلاً سينقلب الرأي العام العالمي ضد سياسات التوسع والعنف والعدوان والإرهاب في الأراضي المحتلة وما إلى ذلك. وعلى مر السنين، هذا ما حدث. لذا إذا عدت إلى السبعينيات، كان الشباب السويدي من الاشتراكيين الدمقراطيين يأتي إلى إسرائيل، ليعيشوا في كيبوتس ويرون التجربة. اليوم، لا أحد يريد الاقتراب من إسرائيل. هذه دولة معزولة. وكان كل هذا لا مفر منه.
ولهذا اليوم عندما تصر الولايات المتحدة وتقول "يجب أن تفعل هذا وذاك"، فإن إسرائيل تفعل ذلك، بغض النظر عن مدى معارضتها لذلك. كل واحد من رؤساء الولايات المتحدة - ريغان، بوش الأب، كلينتون، بوش الابن، كلهم ​​فرضوا قيودًا صارمة على إسرائيل التي لم تعجبها، ولكن كان عليها الخضوع لها.

كان أول رئيس أمريكي لم يفرض أي مطالب على إسرائيل على الإطلاق، هو أوباما. كان الرئيس الأكثر تأييدًا لإسرائيل في التاريخ. ومع ذلك بالنسبة لإسرائيل، لم يكن داعمًا بما فيه الكفاية. الآن لديهم ترامب، الذي يدعم إسرائيل أكثر. لكن أوباما كان أول رئيس لم يفرض أي شيء على إسرائيل.

في الحقيقة ، ما فعله أوباما كان مذهلاً للغاية. في العادة، لا يتم الإعلان عن استخدام الولايات المتحدة حق النقض مطلقًا في الإعلام الأمريكي، ولا يتكلف أحد عناء تغطيته، ولكن تم تغطية حق نقض واحد لأنه كان استثنائيًا للغاية: في فبراير 2011، استخدم أوباما حق النقض ضد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي كان يدعو إلى تنفيذ السياسة الرسمية الأمريكية، لقد كان الأمر متطرفًا بما يكفي لملاحظة ذلك.

دعا القرار إلى وقف التوسع الاستيطاني. هذه نقطة صغيرة جدًا. القضية ليست التوسع بل وجود المستوطنات نفسها. وحتى في هذه النقطة الصغيرة استخدم أوباما حق النقض ضدها. لا مطالب من إسرائيل أبدًا. "افعلوا ما تريدون". لقد كان أمرًا استثنائيًا، وترامب أكثر تطرفًا. إن إدارة ترامب تجلس ببساطة في جيب نتنياهو.

من المرجح أن يعود بايدن إلى نهج أوباما، وقد يذهب إلى أبعد من ذلك، ما لم تبدأ حركات النشطاء الشعبية في التنظيم والبدء في الجهود التي يمكن أن تطلقها، أحدها الضغط على نقطة السلاح النووية، والتي يمكن أن تقلل وحتى توقف خطر الحرب في الشرق الأوسط، وهذا التهديد آخذ في الازدياد، ويمكن للحركات الشعبية إيقافه.

لكن هناك المزيد. يحظر القانون الأمريكي ، المسمى بقانون ليهي، الذي سمي على اسم السناتور باتريك ليهي، المساعدة العسكرية للوحدات العسكرية المتورطة في انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان. حسنًا، يمكننا التفكير في جيش يقوم بانتهاكات منهجية لحقوق الإنسان (الجيش الإسرائيلي). لا أحد يريد فتح هذا الباب أيضًا، لكن يمكن لحركة نشطة أن تفعل ذلك. وحتى التهديد، وحتى مناقشة وقف المساعدات الاقتصادية والعسكرية، سيكون لها بالفعل آثار كبيرة. خاصة بالنظر إلى أن إسرائيل اتخذت منذ سنوات قرارًا بالخضوع التام للولايات المتحدة.

وهذا الخنوع مثير للدهشة، خذ كمثال ما يبدو أنه قضية أخرى تمامًا، الحصار الأمريكي على كوبا. إنه حصار. هم يسمونه عقوبات، لكنه في الحقيقة حصار، عمل حربي. العالم كله يعارض هذا الحصار. لا يمكن إثارة القضية في مجلس الأمن الدولي، لأن الولايات المتحدة ستستخدم حق النقض ضد أي شيء في هذا المجال. تطرح هذه القضية في الهيئة العامة للأمم المتحدة كل عام، واليوم هناك بالفعل تصويت بالإجماع ضد الولايات المتحدة، باستثناء واحد: إسرائيل تصوت مع الولايات المتحدة. وهذا ما يحدث عندما تصبح دولة تابعة بالاختيار. هذه أشياء أعتقد أن اليسار الإسرائيلي يجب أن يشدد عليها من الواضح أن هناك أشياء أخرى ولكن على الأقل هذه النقاط.

أود أن أتحدث عن نقطة أخرى تتعلق بالنقاش حول الشرق الأوسط. أعتقد أن النقاش المعتاد حول هذه القضية مضلل للغاية، بما في ذلك النقاش داخل إسرائيل. في الطريقة التي تجري بها المناقشة حول إسرائيل وفلسطين، يُعرض علينا خياران. الأول هو الإجماع الدولي طويل الأمد على حل الدولتين. والثاني هو دولة واحدة، حيث ستضم إسرائيل الضفة الغربية، وبعد ذلك ربما يكون هناك نضال فلسطيني ضد الأبارتهايد.

لكن ليس هذان الخيارين المطروحان هنا. إنها غلطة. هناك خياران، لكن ليس هذين. دولة واحدة ليست خيارًا. لن توافق إسرائيل أبدًا على أن تصبح دولة ذات أغلبية فلسطينية وأقلية يهودية.

الخيار الثاني، غير الدولتين، هو الذي رأيناه يتطور أمام أعيننا منذ 50 عامًا: أرض إسرائيل الكبرى. إسرائيل ستضم ما تريد في الأراضي المحتلة لكن لن تضم التجمعات السكانية. إسرائيل لا تريد نابلس. هي لا تريد طولكرم.

المناطق ج والأراضي الأخرى التي تحتلها إسرائيل تقسّم فلسطين إلى جيوب صغيرة ومعزولة. إذًا مجموعة من المزارعين الفلسطينيين لديها قرية، لكن بساتين الزيتون على الجانب الآخر، وللوصول إليها عليك المرور عبر نقطة تفتيش، والتي تكون أحيانًا غير مفتوحة، سيقرر الجنود الإسرائيليون ما إذا كان يُسمح لهم بقطف الزيتون، على افتراض أن المستوطنين لم يدمروها.

لذا يتركون التجمعات السكانية الفلسطينية. وقسّموا بقية الأراضي إلى ما يقرب من 200 جيب محاط بالجنود ونقاط التفتيش وطرق مختلفة لجعل الحياة بائسة، وعندما لا ينظر أحد - كما حدث الآن في غور الأردن تحت تغطية الانتخابات، في يوم الانتخابات، حينما كان الصحفيون ينظرون في مكان آخر، دمروا تجمعًا فلسطيني بأكمله وألقي بالسكان في الصحراء.

وهكذا، خطوة وراء خطوة، فدانًا تلو فدان، هذا يحدث منذ مائة عام، هكذا تُبنى الأشياء. بخطوات صغيرة، حتى لا يلاحظ العالم، أو يتظاهرون بأنهم لا يلاحظون. وهذا ما يحدث منذ فترة الاستيطان المبكر، يقيمون برج حراسة، ثم سور، ثم بعض الشوارع، وفجأة هناك مستوطنة. هذا هو تاريخ الصهيونية. واستمر ذلك بعد 1967، بدعم من كلا الجانبين من الخريطة السياسية، حتى بقيادة أشخاص مثل بيريز ورابين وآخرين، واستمروا في ذلك.

الآن حققوا الهدف بشكل أو بآخر. استولت إسرائيل على غور الأردن وتطرد السكان بذرائع مختلفة. تطورت معاليه أدوميم في عهد كلينتون إلى بلدة كبيرة، وتقسّم المنطقة الصالحة للعيش في الضفة الغربية إلى قسمين. نفس الشيء مع آرييل وكدوميم من الشمال، والهامش يدخل الى إسرائيل بالطبع ويتم ربط المستوطنات بإسرائيل في مشاريع بنية تحتية ضخمة.

أنت تعرفين ذلك أفضل مني، لست مضطرًا للشرح. يمكنك السفر من معاليه أدوميم إلى عملك في تل أبيب دون أن تعرف حتى أن هناك فلسطينيين في مكان ما. لذلك ببساطة تم إنشاء أرض إسرائيل الكبرى، ولا يلاحظ العالم أو يفعل أي شيء حيال ذلك، وسرعان ما سيتم الانتهاء من المشروع.

هذا هو الخيار الثاني ويجب أن نتحدث عنه. في الواقع، سيحل مشروع إسرائيل الكبرى "المشكلة الديموغرافية" الشهيرة - الكثير من غير اليهود في دولة يهودية. المناطق التي سيتم ضمها لإسرائيل لن تحتوي على الكثير من الفلسطينيين، وسيكون فيها العديد من المستوطنين.

ومع ترسيخ المشروع وجعله رسميًا، ستصبح إسرائيل دولة ذات أغلبية يهودية كبيرة. لا أستطيع حتى أن أقول إن هذا هو الخيار الثاني. هذا ما يتطور أمام أعيننا بوضوح، وهذا ما يجب أن نتحدث عنه وليس وهم دولة واحدة. أعتقد أن الدولة الواحدة ستكون فكرة رائعة، لكنها ببساطة ليست خيارًا.