جامعة الدول العربية هل ستبقى عربية؟


جهاد عقل
2021 / 1 / 8 - 22:43     


أصدرت صحيفة "إندبندت – عربية" ملحقًا لها في شهر تموز الماضي 2020، تعالج فيه الواقع المأساوي الذي تعيشه جامعة الدول العربية منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، ومع أننا لا نتفق مع العديد من المواقف التي طرحها الكتاب المشاركين في هذا الملحق، أو الكُتَيّب الذي حمل عنوان "واقع الجامعة العربية"، إلا أننا نقدر جهود معديه.

عكف على رئاسة التحرير الصحفي عضوان الأحمري، الذي كتب في مقدمة الملحق ما يلي: "يبدو واقع الجامعة العربية اليوم كما كان واقعها في عام 1992 والسنوات العجاف التي تلته، ولا أبالغ إن قُلتُ أنّ التاريخ شاهد على موتها دماغيًا بعد حرب الخليج الثانية، المعروفة بحرب تحرير الكويت، انقسامات وحيرة عاشتها الدول والشعوب العربية وهي تتابع التصويت الشهير عام 1990 في القاهرة على إدانة الغزو العراقي في الكويت، وما رافقه من تأييد لحق السعودية في الاستعانة بقوات صديقة لحماية أراضيها"، المقصود القوات الامريكية والأوروبية، وأضاف الأحمري : "وخلال مسيرتها الطويلة، تحوّلت الجامعة العربية من مؤسسة سياسية يعوّل عليها مؤسسوها وأعضاؤها لحجز مكان ومكانه لها، ولمن تمثلهم في القرار الدولي، إلى منبر لاستعراض الخطابات السياسية الرنانة لبعض الزعماء، ومسرح لتظهير غرائب تصرفات البعض الآخر، ولا أود أن أفاجئ البعض بالقول بأن هذه التصرفات لم تكن بريئة، بل كانت في جوهرها عملًا مدروسًا ومخططًا لقتل محاولات إحياء دور الجامعة". بهذه الكلمات القوية يقدم عضوان الأحمري الملحق ويختتم: "كما أنّ نقد أداء الجامعة السياسي وإخفاقها في كثير من محطات العرب الصعبة، لا يعني أنها لا تقوم بأي دو، خصوصًا في الجانب الاقتصادي والثقافي والأمني والاجتماعي".

لمحة تاريخية

تحت عنوان "75 عامًا من صراع البقاء والشتات"، طرح الكاتب والباحث طارق فهمي "قصة الجامعة" وحبل ولادتها منذ أواسط أربعينيات القرن الماضي، بداية، باشرت الجهات الرسمية المصرية إلى إجراء مشاورات مع ممثلين عن الدول العربية المستقلة أدت إلى عقد اجتماع تحضيري في مدينة الإسكندرية من يوم 25 أيلول/ سبتمبر1944 وحتى يوم 7 تشرين أول/ أكتوبر 1944، باشتراك ممثلين عن مصر وسوريا والعراق، ولبنان والأردن والسعودية واليمن، وممثل عن فلسطين (موسى العلمي)، وقد أسفرت الاجتماعات السبعة التحضيرية عن صياغة وثيقة أطلق عليها "بروتوكول الإسكندرية"، الذي يعتبر وثيقة التأسيس لجامعة الدول العربية، وكان رئيس الوفد المصري ورئيس اللجنة التحضيرية، مصطفى باشا النحاس، قد قام بتلاوة الوثيقة يوم السبت السابع من أكتوبر 1944، وعن ذلك كتبت الصحف الفلسطينية، مثل "الدفاع" و"فلسطين"، وفي خبر للأخيرة يوم الأحد 8/10/1944، وعلى صدر صفحتها الأولى وعلى لسان النحاس كتبت: "إن اللجنة التحضيرية قد انتهت إلى الكثير من القرارات الحيوية التي أجمعت عليها الوفود المختلفة، وإثباتًا لاتفاقها وقعت البروتوكول المرفق بهذا البيان. ونشرت الصحيفة كامل البيان الذي حمى بنده الأول إقرار اسم الجامعة وهو: "جامعة الدول العربية"، كما نقلت الصحف الفلسطينية لمراسليها تفاصيل مختلفة عن الاجتماعات التحضيرية هذه وأشارت إلى أنّ "ممثلي السعودية واليمن طلبا عدم التوقيع حاليًا حتى عودتهما إلى بلديهما والحصول على موافقة كل من ملكي السعودية واليمن، واختتمت الاجتماعات بإقامة "الوفود العربية" ظهر يوم السبت مأدبة غداء في كازينو النزهة تكريمًا لأعضاء الهيئة المصرية"(فلسطين 7/10/1944).

المؤتمر التأسيسي

بعد مرور خمسة شهور ونيف، عقد المؤتمر التأسيسي لجامعة الدول العربية يوم الخميس 22/3/1945 في القاهرة، وعن هذا الحدث نشرت صحيفة "فلسطين" يوم الجمعة23/3/1945 خبرًا لها تحت عنوان: "الجامعة العربية تعلن ميثاقها للعالم أمس وتصدر قرارها الخاص بفلسطين"

"القاهرة 22 آذار – إلى مراسل فلسطين الخاص – في الساعة الرابعة من بعد ظهر اليوم، شهدت قاعة الاجتماعات الكبرى في قصر الزعفران الجلسة الاختتامية لمؤتمر الجامعة العربية، وهي الجلسة التي بدأت بخطابات رؤساء وزارات ومندوبي الدول العربية التي اشتركت في المؤتمر، وانتهت بتوقيع ميثاق الجامعة العربية"، ووقع الميثاق الذي شمل 20 مادة وثلاثة ملاحق منها ملحق فلسطين، كل من مصر وسوريا والعراق، والسعودية والأردن ولبنان واليمن. وتمت المصادقة على عبد الرحمن عزام كأمين عام جامعة الدول العربية، وفق الميثاق الذي يقضي بتولي منصب الأمين العام ممثل الدولة المضيف للجامعة أي مقرها وهو القاهرة. ونشرت صحيفة "فلسطين" ميثاق الجامعة العربية والملحق الخاص بفلسطين في عددها الصادر في تاريخ 24/3/1945، وللتوضيح بالرغم من كون فلسطين ممثلة في اللجنة التحضيرية، أي أنها من المؤسسين، إلا أنها لم تشمل من ضمن الدول السبع المؤسسة، لأنها لم تكن مستقلة وكانت تحت الانتداب البريطاني.



وبذلك، انطلقت الجامعة العربية وخلال عدة سنوات انضمت إلى صفوفها دول عربية أخرى، يبلغ عددها اليوم 22 دولة.

جامعة الدول العربية، من مصدر القوة إلى الهشاشة

منذ تأسيسها وتصاعد حركة التحرر العربي واستقلال الدول العربية بدأت تأخذ جامعة الدول العربية دورًا هامًا في حياة الدول العربية وشعوبها، لكن الأمور تغيرت، وهذا ما استعرضه ملحق "INDEPENDENT" من خلال التطرق إلى مختلف القضايا التي تواجه جامعة الدول العربية اليوم، والتساؤل "هل جامعة الدول العربية تركة الماضي أم حاجة المستقبل؟"، والجامعة العربية وما تواجهه من تطورات إقليمية تواجه الدول العربية أو "المنطقة المأزومة"، والإشكاليات التي تواجه الجامعة العربية في العقود الأخيرة والتي أكدت ضعفها وعجزها، خاصة في الملفات المتعلقة بالعراق وسوريا، وليبيا واليمن، والتدخلات الأجنبية والاعتداء على سيادة تلك الدول، مما أكد أن دور الجامعة العربية كان هشًّا، حتى أنها فقدت دورها كعنوان كما كان متوقع في فكفكة تلك القضايا وإيجاد حلول لما تتعرض له دول أعضاء لديها، خاصة أن دستورها أو ميثاقها يعطيها صلاحيات من أجل حماية سيادة تلك الدول الأعضاء، لكن ما حدث على أرض الواقع أن جامعة الدول العربية كانت أداة طيّعة في أيادي الرجعية العربية والقوى الخارجية المعتدية على سيادة تلك الدول، كما حدث في العراق وسوريا وليبيا واليمن، بل وكانت بعض قراراتها في هذا السياق شرعنة للعدوان على سيادة وأراضي تلك الدول.

"آمال وحلول"، هل هي موجودة حقًا؟

حمل القسم الأخير من "ملحق الإندبندت" عنوان "آمال وحلول"، حاول كُتاب فصوله تحليل القضايا التي تواجهها جامعة الدول العربية في المرحلة الراهنة، وضرورة نهوضها من سباتها الحالي ومن الوهن الذي ينهش مؤسساتها قبل فوات الأوان، خاصة في ظل الفشل البارز لدورها في تفعيل مؤسساتها وعقد اجتماعاتها الدورية من أجل الخروج من أزمتها. كل ذلك يجري في ظل حملة الاختراق التي تقوم بها إسرائيل بدعم ومساعدة غير محدودة من حاكم البيت الأبيض الحالي، هذا من جهة، والاختراق التركي الذي بدأ يوطد علاقاته مع إسرائيل في الآونة الأخيرة من جهة أخرى، ودوره العدواني على سوريا وليبيا.

ظهر هذا الضعف ليس فقط في "تطنيشها" لما يحدث في ليبيا واليمن وسوريا، وتعرض سيادة هذه الدول الأعضاء لديها إلى العدوان، بل أيضًا في فشلها في عقد اجتماعات دورية وفق ميثاقها، ومنها اجتماع القمة الذي كان مقررًا عقده في الجزائر في حزيران الماضي بعد تأجيل سابق لموعد عقده. وعن ذلك كتب الباحث طارق فهمي: "وكان من الواضح أنّ هناك رأيين، الأول يرى عدم جدوى انعقاد القمة العربية أصلًا، وأنها حدث بات شكليًا ولن تخرج بأي نتائج إيجابية، بالتالي فإن تأجيلها كان مهمًا، ولعل وجهة النظر هذه كان وراءها كل من الجزائر والمغرب والعراق وقطر، وكان التذرع بأزمة الكورونا على الرغم من تأكيدات الأمانة العامة والأمين العام بأن القمة ستجرى لاحقًا، وجرى التحديد يونيو الماضي ولم ينعقد المؤتمر". ويضيف طارق فهمي: "والرأي الثاني مركّز على أنه لا بد من انعقاد القمة العربية، بصرف النظر عن قضاياها التي كانت ستعالج الأوضاع في ليبيا، وموضوع سد النهضة والملفات الفلسطينية والسورية، واليمنية والعراقية، والتهديدات الإقليمية وغيرها من القضايا العربية". ويبقى السؤال، هل حقًا توجد حلول وآمال في ظل الوهن وقلة الموارد المالية الذي تصاب به وتعاني منه جامعة الدول العربية.

التطبيع… "نطاقات إقليمية"، خطوات نحو شرق أوسط جديد

لكن الواقع الذي يقف خلف هذا التأجيل يتعلق بتأزم العلاقات بين الدول العربية نفسها، وعجز جامعة الدول العربية بل شللها الواضح في حل هذه الأزمة، خاصة وأن عدد غير قليل من أعضاء الجامعة قام بتطبيع علاقاته مع إسرائيل بدعم ورعاية الولايات المتحدة، الأمر الذي يتنافى مع قراراتها وميثاقها، ما دام حل القضية الفلسطينية العادل غير قائم، هذا ما يشير إليه الباحث طارق فهمي داعيًا الجامعة العربية وأمينها العام -أبو الغيط- أن يتحملوا مسؤولية القضية وأن يقوموا بدورهم في ظل الاختراق الإسرائيلي للعالم العربي: "في ظل الانفتاح العربي غير الحذر على الجانب الإسرائيلي، الذي يتفاخر بأنه يقيم علاقات مع أكثر من عشر دول عربية، مرددًا الحاجة إلى تعاون عربي – إسرائيلي في مواجهة المخاطر المشتركة، التي تبدأ بإيران وتمر بالكوارث والأزمات التي تضم الدول العربية وإسرائيل معًا"، لكنه يحذر من الخطر الذي ينتظر الجامعة العربية إذا ما واصلت صمتها وعدم النهوض من سباتها ويكتب: "إن الخطر الحقيقي الذي يواجه الجامعة العربية هو مسعى إسرائيل وتركيا لتوسيع نطاق "الإقليمية" في مواجهة "العربية"، ولهذا كان الطرح الشرق أوسطي بديلًا عن النظام الإقليمي، وكانت مشاريع التعاون الإقليمي والحديث عن الخيارات الإقليمية في مواجهة الخيارات العربية، والاتجاه إلى السلام الاقتصادي أولا، بديلًا للسلام السياسي، ومن ثم بناء نظام شرق أوسط مختلف ومحدّث عن النظام العربي بكل مؤسساته وكيانه". بكلمات أخرى، الهيمنة على الشرق الأوسط، وفي مقدمته العالم العربي، بالتعاون مع تركيا وقوى الإمبريالية الحليفة لكل من إسرائيل وتركيا والرجعية العربية.

دعوة الباحث فهمي جامعة الدول العربية إلى النهوض من أزمتها وإجراء إصلاحات إدارية وتطوير مؤسساتها وملاءمة دورها في هذه المرحلة، من إجل إفشال مخطط الإقليمية الذي تتبناه إسرائيل وتركيا، من خلال أطماعها الاقتصادية والسياسية، وتقويض الجامعة العربية وافتراسها، من أجل تشكيل هيئه إقليمية تكون بمثابة الذراع الذي تسيطر به على العالم العربي والمنطقة، مع شريكتها تركيا، مستغلة الوضع الحالي القائم لدى شعوب المنطقة، وضع اللامبالاة. وبذلك، تنفذ مخططها للبطش بالأرض الفلسطينية المحتلة، وتحاول فرض حل صوري على الشعب الفلسطيني.



في الختام، نهضت الجامعة العربية أم لم تنهض، هذا شأن القائمين على قيادتها. لكن برأيي، من يستطيع تحطيم المخطط الإسرائيلي – التركي – الأمريكي (الإمبريالي) هم فقط الشعوب العربية، التي لا بد أن تصحو من غفلتها، وأن تكسر القيد والأصفاد المفروضة عليها من قياداتها الظالمة، فقط بنهضة الشعوب العربية ووحدتها، وبروز قيادات عربية وطنية غير خنوعة يتحقق إفشال هذا المخطط الخطير، على حاضر ومستقبل المنطقة وشعوبها، هذا هو الأمل وهذا هو الحل.